2005-09-16

روافد مع الشاعر عبد الرحمن الأبنودي

إعداد وتقديم

أحمد الزين: في بيوت الشعراء تعثر على القصائد على ديوان العربي وصهوة النشيد، على البلاغة وبحور الشعر وتداعيات النثر والحداثة، ولكن في بيت هذا الصعيدي الملوح بشمس "أبنود" المجبول بترابها وبلهجة أهلها تعثر على الحكايات والسير على لغةٍ من نوعٍ خاص وقصيدةٍ من نوعٍ خاص، ولكأنه للتوّ حط رحاله وسط القاهرة قادماً من صعيده، وقد حمل معه القرية، حمل ما استطاع من زمانها وأشيائها، فرد ديوانه للسمر وزيّن جداره بالهلاليات والسير وفتح مشربيةً تطل على الماضي وجهز ركناً للأصدقاء وآخر للحنين، والديوان منعقد دائماً في باله، أما الشعر بلدي مجروح كالغناء العتيق يأتي من حكمة الأسلاف ووجع الراهن والأوطان.

أماي وإنت بترحي بالرحا على مفارق ضحىوحدك وبتعددي على كل حاجة حلوة مفقودةما تنسنيش يما فعدودة عدودة من أقدم خيوط سوداء في ثوب الحزنلا تهللي فيها ولا تولولي وحطي فيها اسم واحد مات كان صاحبي يماواسمه ناجي العلييا قبر ناجي العلي وينك يا قبريا قبر مدهون بشوك مطلي بصبرالموت يقرب عليك يرتد خوف وإذا ما خفش الموت يرتد جبريا قبر ناجي العلي يا دي الضريحكان ميتك للأسف وطني فريحتحتك فتى ناضر القلب غض كان قلبه أرض مخيمات الصفيح

أحمد الزين: ليش اخترت هذا المكان تحديداً..

عبد الرحمن الأبنودي: الركن..

أحمد الزين: هذا الركن لحتى أنا أسألك وأنت تجاوبني.

عبد الرحمن الأبنودي: أنا بصراحة معرفش أنا اخترته ولا إنت اخترته، لكن ده من أحب الأركان إلى نفسي اللي بحس دايماً إني أنا محمي، إني أنا في حراسة الناس اللي في الصور دول، يعني فوق الأستاذ محمد حسنين هيكل وأنا بعتبره أهم كاتب سياسي حقيقي في الأمة العربية، وأنو رجل بيعري يعني كل زيف في الواقع العربي وكل زيف السياسة العربية سواء في مصر أو الخارج، فهو يعني أنا سعيد بأنو يبقى إلى جواري، زي ما أنا جنبه بالصورة كده يعني أنا سعيد بإني أبقى تحت في هذا المكان، بعدين وراك على طول عمنا الكبير خالص عمنا نجيب محفوظ الروائي العالمي بتاع نوبل هو بقا يعني غير ده كله يعني من مجموع الصور دي ح تجد إنو إحنا أنا واحد من حرافيشه من أحبابه العاشقين، وإحنا نلتقي كل يوم ثلاث في مركب في النيل اسمها فرح بوت..

أحمد الزين: حتى الآن؟

عبد الرحمن الأبنودي: حتى الآن بس وأنت عارف دي فترة مريض فيها..

أحمد الزين: وضعه الصحي لم يسمح.

عبد الرحمن الأبنودي: ربنا إن شاء الله يعني ما تنساش أمي..

أحمد الزين: الوالدة أنا بدي أسألك عنها..

عبد الرحمن الأبنودي: أمي يعني ديه الشجرة المظلة أنا اللي مدين لها بعبد الرحمن الأبنودي كله، يعني أي ما تقولي من وين عن عبد الرحمن الأبنودي يعني ده عبد الرحمن الأبنودي المختلف كده عن الناس أقلك من الست ديه المختلفة عن الناس صبراً وتجربةً..

أحمد الزين: واضح.. واضح أستاذ عبد الرحمن لأنو نحنا بدنا نتابع بالأهرام كل أسبوع كل جمعة تقريباً المقال الأسبوعي اللي هي فيها شيء ما يشبه السيرة "أيامنا الحلوة" ولكن لاحظت بعد ما قرأتها وهي صدرت في كتاب طبعاً يعني تصفحت أو قرأت وجدتها مليئة "أيامنا الحلوة" مليئة بالمرارة يعني كيف تصفها بالحلوة وهي على هذا القدر من المرارة.

عبد الرحمن الأبنودي: لأ هي مش مرارة هي شقاء جميل، يعني أنا طبعاً أنا يعني ما كنش متصور في يوم من الأيام إني أنا أقعد معاك القعدة دي في القاهرة، أنا طفل ريفي كان المفروض أبقى ابن تجربة أبنود زيّ زي عيال عمي زيّ زي الولاد اللي في الشارع معاي هناك، رعيت غنم من وأنا سنيّ ست سنين يمكن..

أحمد الزين: حاكي عن راعي الغنم..

عبد الرحمن الأبنودي: أصغر من بنتي نور، مشيت خلف الحصادين ألمّ سنابل القمح اللي بتتبقى من وراهم عشان أعمل جبيضة صغيرة يعني له قيمة مش مجرّد مش لعب أطفال كان له قيمة موضوعية اجتماعية يعني في حياتنا، يعني جنيت القطن وكان فيضان النيل كانت المية تغمرنا لحد هنا، والناموس والعقارب والكلام من ده ونحنا منجمع القطن إلى آخره هذه التجربة وما كنتش بتفرج على القرية من خلف لوح زجاجي مثلاً ما كنتش بتفرج عليه زي اللي كتب على القرية من بلكوناتهم بلكونات أبناء الأثرياء..

أحمد الزين: عشت بلحمها ودمها.

عبد الرحمن الأبنودي: أنا بالفعل دايماً أنا أقول أنا من دود الأرض، عشان كده محدش يتجمّل علي لما أتكلم عن القرية، وبعدين لما أتكلم عن القرية المصرية يعني التجربة اللي عندي فريدة، يعني أنا حتى لما كتبت الشعر شعر ولما أعز صديقي أمل دنقل بدأنا شعراء فصحى رحت أقرا شعري ده للولاد اللي كانوا معاي في جني القطن ورعي الغنم كبروا بقى فرحت أقرأ لهم، فلأول مرة أحس أنو توجد حاجز بيني وبينهم اللي هو اللغة، كانوا بيدوّروا على عبد الرحمن بتاعهم في وسط يعني قرقرعة اللغة العربية الفصحى ما لاقونيش فيعني إيه حسّيت بده، وأنا قلت إذا أنا كنت عايز الناس دي تحبني وأنا مصرّ على هذه العلاقة فلا بد أن أكتب شعراً بلغتهم عن تجربتهم عن حياتهم، وأنا جيت بعالم مختلف حتى في فؤاد حداد في قصيدة يقول لي هل المراسلة ممكنة بالشعر يا عمي يا أبنودي، لأني كنت كاتب ديوان (جوابات حراج القط العامل في السد العالي إلى زوجته فاطمة أحمد عبد الغفار في جبلية غفار) ففي الجواب بعث لي إحنا قرية طاردة قرية الجبلين بيضغطوا على ضلوع النيل تبقى المساحة خضرا قليلة والصعيد منجب كما تعلم، فأبنود اللي أنا منها تحتفظ بثلث أبنائها وتطرد الثلثين إلى المناجم إلى المحاجر إلى المدن القرى..

أحمد الزين: يعني زرعها لا يكفي للعيش.

عبد الرحمن الأبنودي: لا يكفي للعيش أعمال أكثر من زراعة الحبوب والتجارة فيها، فركب الحراج ورحنا إحنا المدرسة وهو طبعاً جاء وقت طرده من أبنود فلقاه رجل مقاول قال له يا حراج إنت وهو كان كنا إحنا يعني نبقى تحت رجليه كده هو ضخم عامل زي النخلة وعريض وأول لعب الصعيد كنا نلعب بالليل ضربونا يا بونا لعب فتل حبال..

أحمد الزين: قاسي لعب قاسي.

عبد الرحمن الأبنودي: يمكن تلاقيه معلم في ظهر الغيب، صعيدي طلّعك رجل سواء أردت أو لم ترد، فقله يا بني أنا شايفك كده أنت مليح وكده ومخيب نفسك في البلد الفقرية دي، ما تيجي في القبلة في الجنوب يعني بيبنوا حاجة كبيرة اسمها السد العالي ما تيجي تشتغل تعملك قرشين وتبقى مليح؟ فالمهم بيسافر حراج ومن هناك بيبعث جوابات لمرته فاطمة قال لها في الجواب الأولاني:الجوهرة المصونة..والدرة المكنونة..زوجتنا فاطمة أحمد عبد الغفار..يوصل ويسلم ليها في منزلنا الكاين في جبلية الفار..قال لها أما بعد: لذا كنت هاوتك أسفي على التأخير.. والله ما كنت حخط بيدي حرف..سامحيني يا فاطمة في طولة الغيبة عليكم..وأنا خجلان.. خجلان..وأقولك يا زوجتنا أنا خجلان منكم من هنا للصبح..شهرين دي الوقت..من يوم ما عينيك يا فاطمة بلّت شباك القطر..لسوعت بدمعك ظهري يا داينة..لحظتها قلتلك قبل ما أوصل حتلاقي جوابي جاه..نهنهتي وقلتيلي بعتاب: النبي عرفاك إنت..نساي وحتنسى أول ما حتنزل في أسوان..ما عرفت ساعتها يا مرتي أضحك ولا أبكي..ما عرفت إذا كنت بعوز القطر يقف ولاّ يولّي..حسيت بعينيك يا فاطمة بتقلي وبتسكت وتقلي..حسيت واليد بتخطفها يد الجدعان..بالقلب في جوفي ما عارف إن كان..بردان دفيان..والبنت عزيزة والواد عيد قناديل في الجوف..زي ما بتضوي بتغيب والقطر تحرك وقلبي بيتنقل من إيد لإيد..تدللت بوسطي من الشباك..خذي بالك من الولد..راعي عزيزة وعيد..والقطر صرخ ورمحنا..وكأنه داس على بصة نار..ولقطت الحس قريب قد ما كنت بعيد..قلبي معاك يا حراج هناك في أسوان..ورميت نفسي وسط الجدعان..وبكيت..وبلدنا اللي كنا بنمشيها في نصف نهار..كان القطر في لحظة فاتها بمشوار..سامحيني يا فاطمة على التأخير..ولو الورقة يا بنت الخال تكفي لأعبيلك بحر النيل والله بكفي..وختاماً..ليس ختاماً ببعثلك ليكي وللناس الجبلية..والبنت عزيزة والواد عيد ألف سلام..زوجك الأسطة حراج..ملحوظة: اكتبي على المظروف أسوان زوجي الغالي..الأسطة حراج القط العامل في السد العالي..

أحمد الزين: الله..

عبد الرحمن الأبنودي: ده أول اللي يعني أول الديوان، فالديوان هو رسائل متبادلة بين حراج وبين فاطمة وإلى آخره..

أحمد الزين: بين أهل أبنود في الغربة..

عبد الرحمن الأبنودي: بين أبنود..

أحمد الزين: والمقيمين.

عبد الرحمن الأبنودي: هو بيتغير طبعاًَ في السد العالي..

أحمد الزين: أستاذ عبد الرحمن.. أستاذ عبد الرحمن أبنودي لكأن أبنود وصعيد مصر ساكن فيك وفي وجدانك، يعني ما سر هذه العلاقة يعني شو سر هالإقامة الأبدية بوجدانك؟

عبد الرحمن الأبنودي: أذكر صديقي الأديب السوداني العظيم جداً الطيب صالح..

أحمد الزين: الروائي.

عبد الرحمن الأبنودي: أيوا طبعاً، بيقول لي: والله العظيم أنت حتخش النار عشان أبنود يا رجل مصمصت عظمي، الواحد بيقلك صباح الخير بتقله أبنود، والواحد بيقلك.. بتقله أبنود، يعني..

أحمد الزين: شو هالسر أستاذ عبد الرحمن؟

عبد الرحمن الأبنودي: لأني أنا أبنودي، أنا اسمي وحامل اسمها يعني بعدين عشان أحمل اسمها أحد أمرين إما أبقى نصاب أو أبقى رجل شريف جداً أليق بالتجربة الشريفة بتاع هذا القرية، وأنا مدين لهذه القرية بأني أنا فعلاً عبد الرحمن الأبنودي.

عبد الرحمن الأبنودي: يسعدني إني أنا أستضيف أسرتي الصغيرة جداً لأن أسرتي الكبيرة تقريباً ما فضلش منها حد، فدي أسرتي الصغيرة اللي هي نهال كمال زوجتي مذيعة التلفزيون.نهال كمال: أهلاً وسهلاً.

عبد الرحمن الأبنودي: وآية الأبنودي بنتي الكبيرة.آية الأبنودي: ميرسي.

عبد الرحمن الأبنودي: ميرسي أنت وحدة أبوكي من أبنود وأنا جاية تقولي لي ميرسي، ونور طبعاً نور ديه نوارتنا الصغيرة الجميلة ويعني أنا يسعدني إني أنا أقدمك، حتقولي..نور الأبنودي: شكراً.

أحمد الزين: هنا اجتمع شمل اللغتين، شمل اللهجات وشمل العائلة، تحرسها آيات وأسماء الله الحسنى التي حفرت على باب عتيق بتأنٍّ، أما جسر البيت قصيدة للشيخ الأبنودي والود جاء من شموخ المتنبي وحكمة أبو العلاء المعري ليرفع سقف القصيدة إلى بهائها، كل شيء هنا في فضاء هذا المشغول من أغنيات فلاحي الصعيد يؤلف حكاية الشاعر، والشاعر حكواتي يغرف من نيله ماء القصيدة، ويعفر من شجر اليابسة الثمر البري، والبلاد قصيدة يحمّلها أمانةً للصغار فإن ضاعت البلاد على أيامه يعثر عليها الصغار في أيامهم القابلة.[قصيدة للشاعر]القدس.. قدسي يمامة صيف في غيتها..تطير تجيني بأشواقها وغيتها..فكراني من يد صيادها أنا غيتها..فكراني صوت الأذان الحي في حطين..[نور الأبنودي تتم القصيدة] ومخبي في ضلوعي قلبك يا صلاح الدين شايل صراخ اليتامىولوعة المساكين فكراني كفن الشهيد وخيمة اللاجئين وأول الأتكيةوآخر الهاربين.[آية الأبنودي]تجيني وتبوسنيوتملس على خدودي هاربة بحدودها لقدام تتحامى في حدودي تبكي على صدري دبكة حزن على عودي تبكي وفاكرة هدهدها وسكتهاأنا يلي من موت شرايينتنسب موتهاوصوتي يوم الغناء الباطلبلع صوتهاما فيش في قلبي ولا آهة أموتهاكل الآهات ميتةأنا حبيس همسي نزعت صورتها من بكرايةمن أمسيحطين لحطيني ولا قدس الهموم قدسيولا عارفة تنساني زي ما تهتونسيتها.

عبد الرحمن الأبنودي: نهال أنا عايزك تحكي يعني للناس بسرعة كده حكايتنا وحكاية أسرتنا كده وإزاي تجمع الشامي على المغربي، وإزاي اتلمّ الصعيدي على الإسكندراني.نهال كمال: يعني آخر حاجة كنت أتخيلها أنو إحنا ممكن نرتبط لأنه كان فيه علاقة يمكن هي صداقة لكن برضه هي علاقة تجمع بين الأستاذ وتلميذته، كنت دائماً بلجألك في إنك إنت تورّيني كتب..

عبد الرحمن الأبنودي: كنتي تكتبيلي جوابات تقولي لي ابنتك.نهال كمال: آه ابنتك، وأهنيك في أعياد الميلاد وأقول لك ابنتك نهال، فطبعاً يعني كانت يعني نوعاً من الصداقة..

عبد الرحمن الأبنودي: طبعاً أنت بتسمعي الكلام ده لأول مرة مش كده؟آية الأبنودي: آه.نهال كمال: طبعاً هو حاجة صعبة أوي إني أقول عبد الرحمن بيعني إيه قبل الجواز وبعد الجواز، لكن هو طبعاً عبد الرحمن قبل الجواز أنا كنت أعرفه كشاعر كبير، شعر العامية أنا ما عرفتوش إلا من خلال صلاح شاهين وبعده عبد الرحمن الأبنودي، فأنا كنت معجبة بشعره أولاً، وبعدين أعجبت بيه بعد كده كإنسان، طبعاً كإنسان ليه؟ لأن إحنا ممكن نلاقي كتير جداً يعني كتّاب نعجب بيهم أو شعراء لما نقابلهم في الحقيقة نلاقي شخصية إنّو فيه اختلاف كبير جداً بين شخصيتهم في الكتب أو اللي بيكتبوه وبين الشخصية الإنسانية الحقيقية، أنا حسيت أنو ما فيش فرق، عبد الرحمن الأبنودي شعره هو الإنسان اللي إحنا منقابله ومنشوفه يعني لو قريت شعره لو قابلته حتعرف هو مين عبد الرحمن الأبنودي.[قصيدة للشاعر]الليل جدارإذا يدن الديك من عليه يطلع نهاروتنطلق من قبضة الشرق الحمامة أم الجناحأم الجناح أبيض في لون قلب الصغارآه يا حبيبتي يا أم خصلة مهفهفة قلبي اللي مرعوش الأمان لسى بيحلم بالدفاوالشمس كلمة طيبةوفيها الشفاقلبي اللي كان قرّب يموتلسا بيحلم بالبيوت زي الخرز والضرب خيط حريرولاطم كل حيطوفي كل دار يترش حب الحب غيط يتنفس اللبلاب على الباب الكبيروبرضه ملضوم بالحريريا أم العيون الدفيانينلو تعرفي من فين سمار النيلمنين أوعك تقولي لأنو جوفه عبا طينأسمر لأن الشمس فوقه من سنينلو تعرفي طول السنين على شاب عريان البدنوبدرعاته المكشوفينوإنتي عينيك اسمروا من شيل الحنينولأنهم متكحلين بشيء حزينبشيء في كل عيون صحابي الطيبيناللي في عينيهم انتظاروالليل جدار إذا يدن الديك من عليه يطلع نهار

أحمد الزين: بدي أسألك أستاذ عبد الرحمن الأبنودي يعني متى بدأت عندك هي إشارات الموهبة؟ مين حفزك على المضي بهالمشروع مشروع القصيدة وخاصةً القصيدة اللي مكتوبة باللغة العامية المحكية يعني؟

عبد الرحمن الأبنودي: والله أولاً الوالد كان شاعر منفلت من خيمة عربية قديمة، يعني مثلاً عامل برده على نهج برده الإمام البوصيري دول لما أنا تولدت لقيتهم مطبوعين، وعامل ألفية في النحو على غرار ألفية ابن مالك، يعني ألفية في النحو يقول مولى المالك المعبود.. محمود معرف.. الخبر إيه.. وغيره فكان أنا يعني طبعاً ساكنّي شعر العامية، فبيقول لك مثلاً طبعاً اللي زي ده ما قداموش غير الحلم يقول لك: مين حطني طيرة يعني يا من جعلنيمين حطني طيرة وأحوم لفوقي وأنزل على المحبوب وأبل شوقي وهو في المية يعني مين حطني طيرة وريشي هنديأنا مش عارف لغاية دي الوقت يعني إيه ريش هنديمين حطني طيرة وريشة هندي وأنزل على المحبوب وأجيبه عنديفالرجل يعني قاعد في.. تحت العذاب ده كله ما يقدرش يبقى واقعي لأن الواقع مرير قاتل، فأنا مثلاً لما أقلك مثلاً هو ما يقدرش يتكلم عن الجنس ما يقدرش يتكلم عن حبه بسرعة يتكلم في القرية يدبحوه، فهو عايز إيه يوصف الحبيبة ورغبته فيها.. عندنا شجرة الرمان دي شجرة فاجرة الخضرة بهية الجمال يقول لها مثلاً:رمان على السواقي يا زارعة الرمان على السواقي رمانك المر اللي ما ينداقي لا يذاق يعني الرمان المر لو مديت إيدينا عليه تتقطع فأنا بس عايز أقولك إن دول منعرفش نعمل حاجة كده، لا على مستوى الجنس، ولا على مستوى الحلم ولا على مستوى التواصل الإنساني، لغاية دي الوقت نحنا في دماغنا حاجات قرينا بوّظت يمكن أفسدت تجربتنا العميقة البسيطة جداً بالحياة، فإحنا يموت الإنسان وهو تلميذ صغيّر عند شعبه بيتعلم منهم الشعر البسيط..

أحمد الزين: عند أهله يعني.

عبد الرحمن الأبنودي: صحيح.

أحمد الزين: هل اتهمت مرة بتخريب اللغة؟ إنو لجأت إلى العامية وتركت الفصيح؟

عبد الرحمن الأبنودي: آه طبعاً أول من اتهمني بذلك الوالد، إنو مزّق لي أول ديوان شعر بالعامية كتبته، اعتبر ده يعني شيء خارج يعني خروج على..

أحمد الزين: خيانة هذه.

عبد الرحمن الأبنودي: خيانة وعلى العرف وعلى.. وأنو تكسير تهشيم لعمود الشعر ولميراث الشعر وكلام من ده كله، فيما بعد طبعاً في أوائلنا قالوا إن نحنا منشجع الشوفينية والعنصرية ومنفصل شعوبنا عن الأمة العربية، طبعاً همّ فيما بعد يعني شفت مدينية وكلنا مش كده، فيما بعد اكتشف إن إحنا أول يعني أقوى من نبه الشعوب لقضية التحرر وقضية الترابط العربي والقومية العربية والنضال العربي والوحدة إلى آخره، فسكتوا من نفسهم سكتوا وصلنا لأن أنا حصلت في العام الماضي على جائزة الدولة التقديرية لأول مرة في تاريخ الشعر العامي، مع أنو قبلي عم بيرم التونسي وقبلي صلاح شاهين وقبلي عم فؤاد حداد لأول مرة في مصر يحصل شاعر على جائزة الدولة التقديرية في الآداب على شعره العامي.

أحمد الزين: أستاذ عبد الرحمن الأبنودي المحطة الثانية بعد أبنود وين كانت القاهرة؟

عبد الرحمن الأبنودي: هو مش بعد أبنود هو بعد قنا لأن من أبنود تجربتي الأولى ديي وبعدين لما انضمينا للوالد مرة أخرى رحنا جينا المدارس كانت في قنا وارتبطنا أنا وأخي أمل دنقل كنا غرباء في عالم يعني بمجرد ما كتبنا الشعر بعد حرب الـ 1956 اللي هو العدوان الثلاثي على بورسعيد، رحنا تدربنا على السلاح وغيره والكلام من ده وانتظرنا ياخذونا للجبهة ما أخذوناش نواحنا كنا بمستقبل يعني بدايات الشباب وكده فوجدنا نفسنا في يوم واحد بدل ما نحبط قعدنا كده قدام بعض فكان لنا قهوة كده وغيره، قال لي: ما لك مش على بعضك، قلتله أنت مش على بعضك قالي بس قلي إيه الحكاية؟ قلتله لا بس أبداً أصلي كتبت كلمتين، قلي طيب قولهم لي عشان أنا كمان كتبت كلمتين طلعنا الورقتين لقينا إحنا كتبنا يعني عمرنا الشعري بلش واحد، في لحظة واحدة في ليلة واحدة من موقف واحد، عشان كده كان لازم أمل دنقل يصبح أمل دنقل يعني إحنا جينا أنا وأمل هنا ندخل كلية الآداب، أنا عايز أدخل آداب قسم الإنجليزي والشيخ الأبنودي طبعاً مصرّ على أنو أنا إيه؟ لغة عربية، اللي أنا دخلتها بعد كده بعشرين سنة بس بمزاجي، فرحنا جينا أنا وأمل لقينا نفسنا الستينات دي كانت أو أواخر الخمسينات كانت بتشجي بالأمسيات والندوات ويعني كان فيه إرهاصات أدبية منتظرة..

أحمد الزين: في العالم العربي نعم وبالعالم أيضاً.

عبد الرحمن الأبنودي: فكان نادي القصة، ورابطة الأدب الحديث ورابطة الشاعر إبراهيم ناجي، ورابطة الخ.. يعني كله وجمعية الأدباء، فنسينا إنّو نحنا جايين ندرس وخلاص كل ليلة بتاع ونقول شعر طردنا وخلاص، وإحنا غلابة يعني ما فيش حاجة إحنا جايين ندرس وبعدين لما لقيت الحكاية باظت خالص والوالد بعثلي مش عارف 40 جنيه مش عارف، رحت كان في صور الأزبكية ده عليه كل الكتب كتب كان يعني ترجمات كان تشتري الترجمات كلها مثلاً تدفع فيها مثلاً خمسة جنيه فبالأربعين جنيه رحت جبت صندوق كبير كده من بتاع لا مؤاخذة الأحذية عندنا صناديق خشب بتحط فيها الصناديق بتاع الأحذية واشتريت الكتب ديه كلها، ورحت حطيتها في البتاع وشلناها في عربية ووديتها القطر وشحنتها على هنا وشحنت نفسي وراها، وبعت المرتبة على البتاع على الحاجات اللي هي لزوم الطالب اللي يعمّر في القاهرة، بس ومشيت وراها هذه المكتبة مسؤولة عن كل أديب ظهر من هذه الأماكن التي كان لا يمكن أن يظهر منها أديب.

أحمد الزين: فايزة أحمد؟

عبد الرحمن الأبنودي: آه وفايزة أحمد مال عليّ مال، وقاعد معاي، وبالي مع باله، ويما يا هوا، كله بقا شعبي فأنا كنت في هذا الوقت بسجل أنا وبليغ حمدي أنا فاكر الموقف، دمجنا الأغنيتين مع بعض غنوة اسمها بلديات وغنية اسمها وسع للنور لبليغ حمدي فحضرتك..

أحمد الزين: دخل عليك رجلين..

عبد الرحمن الأبنودي: لأ دخلوا الرجلين وأنا كنت هنا فقال: حضرتك الأستاذ الأبنودي، قلت: آه، قال: طيب عاوزينك برا خمس دقائق، أنا قلت دول ضباط مباحث، لأن هم ضباط مباحث بيقولوا لك: إنت فلان، بتقلهم: آه، بيقولوا لك: عاوزينك خمس دقائق، فأنا عرفتهم ضباط مباحث جايين يقبضوا علي كالعادة، فبليغ ما سمعنيش لوح الأزاز اللي في الاستديو بليغ ما سمعنيش، بليغ أتاريه عارفهم..

أحمد الزين: هم كانوا عبد الحليم..

عبد الرحمن الأبنودي: آه، باليغ كان لما يضحك أو يبكي هو قصيّر يتكوّر، يتكوّر يعني ما تعرف وين راسه من بطنه من رجليه، رحت أنا يعني زي ما يكون رميت نفسي في الترعة طلعت معاهم برا، لقيت السيارة برا فيها سواق واحد ركب جنبي واحد ركب قدام ضباط مباحث بوليس، مشيوا طبعاً إحنا وزارة الداخلية لها اتجاه لاقيتهم تجاوزوه ماشيين، أنا قلت ما هم ليهم أماكن كثيرة، رحنا في الزمالك وقفنا لقينا عمارة قدامها حرس ما عرفش أنو فيه السفارة هنا، طلعوا بي كلهم صامتين، فالمهم طلعت فوق دخلت فتح شاب أسمر من النوبة، حاطط حزام لابس جلابية بيضاء، وحاطط حزام أحمر ولابس طربوش يعني زي السفرجي، وهناك في جنب الشباك فيه كرسي قاعد عليه حد قليّل قلّيل، فجأة انطلق عبد الرحمن إنت جيت وراح خدني بالحضن، رحت أنا مبعده إنت إيه عبد الحليم، قال لي: آه، قلت له: أمّال ولاد الـ.. بتاع دول ونزلت شتايم أدي الوراء اللي نشفوا دمي طول الطريق وإحنا ملناش دعوة، وأنا أجري وراهم وهو يقول لي تعال يا مجنون، وأنا أقول: لازم أطلّع عيونهم زي ما طلعوا عيني ده اختطاف، هكذا عرفت عبد الحليم.[أغنية لعبد الحليم حافظ]أحلف بسماها وبترابها..أحلف بدروبها وأبوابها..أحلف بسماها وبترابها..أحلف بدروبها وأبوابها..أحلف بالقمح وبالمصنع..أحلف بالنجمة وبالمدفع..أحلف بالقمح وبالمصنع..أحلف بالنجمة وبالمدفع..باولادي بأيامي الجاية..ما تغيب الشمس العربية..طول ما أنا عايش فوق الدنيا..

عبد الرحمن الأبنودي: هو كان عنده ثقة إن أنا بحبه، لأن هو كان مغني الثورة في هذا الوقت وكان يغني أشياء صلاح الدين، وكمال الطويل ربنا يديله طولة العمر وكان يمثلوه رمز هم الثلاثة لأغاني الثورة على مدى مسيرة الثورة المصرية، وأنا عرفت عبد الحليم في عمق فترة الستينات..

أحمد الزين: يعني هذه المرحلة هي كانت الأغنى بهيك بهالتجربة بتقديرك مرحلة الستينات؟

عبد الرحمن الأبنودي: ديه اختلطت بتجربتي السياسية يعني أنا..

أحمد الزين: يعني أنا السؤال اللي بحب اطرحه عليك يعني.. أنت كيف..

عبد الرحمن الأبنودي: اعتقلت أثناء..

أحمد الزين: أنت كيف..؟ شو أسباب اعتقالك؟ كيف جئت إلى السياسة؟ شو الخلايا اللي كيف تتعامل..؟

عبد الرحمن الأبنودي: حقول لحضرتك أنا طبعاً يعني مؤمن برجل عبد الناصر ده إن هو من أهم الشخصيات اللي عرفها العالم العربي ده رأيي الخاص حتى لو حد يخالفني فيه، أنا رأيي إن ده زعيم نقي جداً يعني أحب هذه الأمة وحلم من أجلها بشيء كبير جداً، وما مكنتوش الظروف طبعاً وتآمرت عليه القوى العالمية والقوى الداخلية وإلى آخره وكسّروه، ولكن أنا بعتبر إنو وأنا حبسني عبد الناصر يعني أجهزته طبعاً الأجهزة البوليسية اللي من أخطاء التجربة الناصرية هي الأجهزة البوليسية كانت تتعامل معانا كأعداء، يعني مين اللي بدافع عن عبد الناصر الأمن ونحن الذين سجنا في أيام عبد الناصر، وهو النظام كان ما تتجاوزش صوت عبد الناصر ولو بخطوة وحدة خلص تُسجن على طول، وهو مش سجن إدانة يعني هو لو طال يحبس لساني كان حبسه، فمضطر يحطني ككتلة كله يعني وطبعاً إنت عارف كان بيحبس الإخوان المسلمين كان يحبس الوافدين اللي مشيوا ورا جنازة النحاس قابلتهم في اعتقالي إلى آخره، يعني أنا بقلش إن ده عبد الناصر بس بقول إن الأجهزة كان بوليسية، وما ينفع إنك أنت تعمل تجربة اشتراكية على أجهزة بوليسية بهذا الشكل يعني، وطبعاً له مبرراته لأن هو طالع من بلد كان بيحكمها إقطاعي وكان بيحكمها رجعية وكان بيحكمها ملك وإلى آخره يعني، ما علينا، فأنا رحت بأبنود بدأت أجمع السيرة الهلالية، فجأة لقيت أبنود كلها تقلبت إيه عبد الحليم حافظ على التلفون يا سلام عبد الحليم حافظ تكلم في تلفون أبنود، يا للهول يعني هذا يعني في تاريخ أبنود لغاية دي الوقت، إيه يا حليم قلي قاعد عندك بتعمل إيه، قلتله قاعد بشتغل، قالي خوذ بعضك وتعال البلد داخلة حرب إنت بتعمل إيه؟ قلتله: ديه بلد مش حتحارب أصلاً عمرها ما حتحارب ولا حتواجه إسرائيل، قالي: يا عبد الرحمن البلد ديه داخلة حرب، فرحت سبْت كل حاجة وركبت القطر وخلال ركوبي القطر كتبت الأغنيات اللي غناها عبد الحليم، بعد كده اللي هو أحلف بسماها وبترابها، أحلف بدروبها وأبوابها أحلف بالقمح وبالمصنع أحلم بالنجمة وبالمدفع.. ولادي بأيامي الجاية، ما تغيب الشمس العربية طول ما أنا عايش فوق الدنيا.. أو ابنك يقولك يابا طلعت الانتصار، نزلت من القطر رايح البيت رأيت كمال الطويل كان قدام بيتي وليه تبيع فجل وليمون وبتشتغل مخبر عندي يعني متطوعة بحيث وأنا نازل الصبح تقول لي اللي عالناصية ده اللي هناك قاعد عند المكوجي.. اللي بيراقبوني، واخذ بالك فهو لقيته واقف معاها، إنتي اسمك إيه تقوله اسمي أم صلاح، يام صلاح عبد الرحمن فين، تقوله: يا خوي وأنا أعرف، يا وليه أنا حبيبه أنا كمال الطويل أنا بتاع المزيكا مش مخبر ولا نيلة، تقوله أنا مالي أنا ما عرفش أنا عارفة إن هو مسافر، وأنا داخل خلاص أنا جيت، قالي يلا سيب الشنطة هنا، طلعيها يا أم صلاح بقا مدام إنتي عرفتيه، وخدني بالعربية بتاعته وطلعنا على الزمالك ما رجعتش البيت ده إلا بعد النكسة، رحنا بدأنا نشتغل وعبد الحليم يجينا مساءً واللي بيوزع يوزع، قعدنا في الإذاعة طول أيام الحرب نعمل هذه الأغاني ونرميها للناس موالاً، المهم يعني لغاية ما اكتشفنا الخدعة الكبرى وإن نحنا البلد اتهزمت، كنت معّدي أنا وماجد العمروسي ووجدي الحكيم ولقيت أحمد سعيد اللي كان بيقول البيانات بقا، لقيت عينيه هنا وجهه أصفر أعمله كده يعني الله أعلم باللي بيجرى لمصر، ودخلنا عبد الحليم بيقول إحنا ماجد العمروسي عاوز يطلعه من الاستديو كده، الفرقة جوا أحمد فؤاد حسن الفرقة عبد الحليم ستوب، قله يعني إيه ستوب، قله يعني مصر اتهزمت، قله يعني ماتت يعني مصر ماتت، قله لأ تهزمت، قله طيب أغاني اللي بنعملها تهزمت نتهزم الجيش إحنا مالناش دعوة بيه، ودخل وكمل إعادة الأغاني ديه وهو بيعملها ولم تحس الفرقة الموسيقية على الإطلاق بأن عبد الحليم يعلم هذا الخبر إن مصر اتهزمت، وكنت أول مرة أسمع حكاية إن يعني ديه معركة مصر ما خسرتش الحرب مصر خسرت معركة، بعد كده سمعتها من الزعماء ومن الرؤساء ومن المفكرين.

أحمد الزين: عبد الرحمن الأبنودي واحد من بين الشعراء العامية الأكثر حضوراً في مصر والعالم العربي على مدار نصف قرن من الزمن، والذي جعله حاضراً بهذا الزخم هو انتباهه لمخاطبة أهله بلغتهم بلغتهم المشغولة في مختبر الشاعر، وبالتالي انتماؤه لذلك الصعيد الريف الممتد في وجدانه، وبهذا يوازي حضوره حضور أسلافه ومعاصريه ممن كتبوا بالمحكية وبالفصحى، وبالنهاية هو شاعر له مكانته الخاصة في القصيدة غرّد خارج السرب الفصحى وحتى خارج السرب العامية أحياناً فالشاعر كما نعلم حكواتي ومنبته قاسٍ وخاصٍ ومزاجه بلدي.

عبد الرحمن الأبنودي: [يقرأ قصيدة]:عمي إبراهيم أبو العيون..لو ما ضحكش اليوم كله يموت..لو ما ضحكش اليوم كله يموت..ويقلك خمسين سنة كانت رملة الخضرا..اللي إنت شايفها ديه..خمسين سنة..وقعدنا عملنا دروة خشب أنا وأم علي..كنا نشتغل اليوم كله ونفر نلاقي حتة ظل..أحلى ما يعمل الإنسان في حياته يا ولدي..يزرع ظل..أحلى ما تحس لما الظل اللي زرعته..تشوفه مرمي على وجوه الناس..من شجرة زارعها من حيط مبني أربع حروبات..عدو علي في الحتة ديه ألمان إنجليزيين أحباش إشي قنبل وإشي طايرين..بتخاف يابا إبراهيم؟..أنا عمري ما خاف إلا من أم علي..أصل الرجالة في الدنيا يا ولدي صنفين..ذكورة حامية..وذكورة هادية..أنا وأنت ذكورة هادية..ده حريمنا لما تزعق لو سمعتها الطير..تهرب وتخاف إيه..أيام وتفوت..لو ما ضحكش اليوم كله يموت..عمري خمسة وسبعين..احسبها لون تلقى الأرض..دي كانت رمل أصفر..وبقت طين..طيب أسيب عمري وأروح على فين..الواحد يمشي علشان ينجى بعمره..وأنا عمري أهو في الأرض قصاد عينك..كيف حآخذه معاي؟..يا أم علي لو تسمحي يعني..لو تسمحي يعني..من فضلك سويلنا كبايتين شاي..

أحمد الزين: الله.. الله أستاذ عبد الرحمن.

عبد الرحمن الأبنودي: توفى من ثلاث سنين فقط عم إبراهيم رحمة الله عليه.

أحمد الزين: كيف يعني تصف لنا تقاطع تجربة عبد الرحمن الأبنودي مع الآخرين، مع الشعراء العامية في مصر؟ صلاح شاهين؟ وفؤاد حداد؟

عبد الرحمن الأبنودي: لأ وفي من قبل كده يعني فيه من عمنا عبد الله النديم بقى ده جدنا الأكبر اللي هو فارس وشاعر وأديب الثورة العروبية، أيام أحمد عرابي ثورة أحمد عرابي ما كل ثورة بتنقام مطلعة شاعر عامية، يبقى فيها البارودي يبقى فيها بتاع.. لكن الناس كانت عشان تكلم الناس وتحركهم مع الثورة لازم لغة عامية، لازم لغة الناس، لهجتهم، فكان يقول يقولهم:أهل الأوروبة يعني المتأوربين..أو الأوربيين..والأعيان عملوا على الأعيان..أعيان..وابن البلد ماشي غلبان..مش لاقي ولا حقة دخان..فبدأ يلمس مع الناس نحنا بنعمل الثورة ديه عشان إنتو فقراء وجوعانين، بعدين جاءت مدرسة الزجل الطويلة اللي على قمتها كان عمي بيرم التونسي رحمة الله عليه اللي شُرّد وعُذّب وتنفى إلى فرنسا وراح اشتغل في المواني في مرسيليا ويشيل أشولة الفحم والملح والملاحة وعاش حياة في باريس حياة قاسية جداً وحياة المنافي، وبعد لما رجع يعني لم يقدّر التقدير اللي كان يستحقه الرجل لذلك في أيامه الأخيرة كان حزين عمي بيرم التونسي، وبدأ يعمل أغاني لأم كلثوم ويعيش على هذه الأشياء يعني نما دوره الوطني الحقيقي لم يعني لم يكافئ عنه المكافأة التي يستحقها.

أحمد الزين: التي ينبغي أن تكون..

عبد الرحمن الأبنودي: اللي هو إن هو اللي خرج من جبته عمنا فؤاد حداد، فؤاد حداد هو القنطرة اللي عبرت عليها اللفظة العامية من مرحلة الزجل المنظوم إلى مرحلة القصيدة الحرة، زي الشعر القديم المنظوم بتاع والدي اللي أنا قلتلك عليه، والشعر الحديث بتاع بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبوح والحجازي والبياتي، وكل يعني كل هؤلاء يعني أنا ما ليش دعوة أنا جيت من جنوب بلغة لوحدي، عالم لوحدي حتى الآن عالمي يعني أنا كتبت القصيدة بتاع عمتي يمنة المرثية بتاع عمتي يمنة خمس سنين الناس قايمة أمشي الناس تقول لي يمنة يمنة يمنة..

أحمد الزين: طيب ما معنى أن يكون الإنسان أو المرء مثقفاً أو شاعراً في هذا الزمان؟

عبد الرحمن الأبنودي: يعني أنا أظن إنو وظيفتنا خطيرة جداً، وظيفتنا ضرورية جداً، وظيفتنا مهمة بس لعلمك ما هو يعني كل الطيب صالح أنت ما تكتبش، إنت ليه ما بتكتبش يعني؟ إنت عملت موسم هجرة للشمال ودومة الواد حامد وعرس الزين وبندر شاه وحاجة زي كده، فين تقول لي أصل عايز أقلك حاجة، ما فيش حاجة اسمها كاتب، ما هو إحنا بناكل في واحد اسمه آكل يعني إنت كل واحد وظيفته إنو أكّال، وظيفته ضاحك ما إنت بتضحك ما هو ديه لحظة سلوك نفسي الكتابة دي لحظة تعبير، زي البكاء زي الضحك زي إلى آخره، فهل ده تنفع ديه وظيفة الكتابة نوع من السلوك الإنساني زي إنك إنت تروح رحلة، زي إنك إنت تعمل شهادة في وقت معين، بس فأنا بس عايز أقول لحضرتك أنو أنا أكتب النثر الآن المقالات السياسية بقول فيها آرائي لم تعد القصيدة تتسع لي أنا ما أكذبش عليك، مش أنا بس وريني قصيدة الآن في العالم العربي كله بتعرف تشيل اللي حاصل في الأمة العربية، يعني نتهم إحنا شعراء الأمة العربية بالتخلي لأ القصيدة يائسة من أن تحمل مضامينها الحقيقية الآن وإنها تحرك الناس.

أحمد الزين: أستاذ عبد الرحمن الأبنودي أنت عايشت حكومات ورؤساء مختلفين بمرحلة بمراحل عمرك، يعني في أي من المراحل كنت تحس إنو في هيك بادرة أمل لبناء مجتمع هيك له معنى مدني حضاري، فيه مقدار من الديمقراطية منقدر نعبر فيها بطريقة مختلفة بطريقة جريئة؟

عبد الرحمن الأبنودي: أثناء الفترات نفسها ما كنتش أحس دايماً طموح الفنان ورؤيته أبعد بكثير من طموح السياسي ورؤيته، السياسي بيشتغل حسباً للأحوال والظروف اللي حواليه، الفنان نظرته مطلقة لا تعوقها عائق، يعني أنا أيام عبد الناصر كنت معارض اللي أنا بتكلم عنه الآن كرجل تقدمي أو رجل زعيم للأمة ورجل عظيم الشأن، يعني أنا عايز أقلك وأنت في قلب الحدث لأ حلمك لا يحده حد، لكن أنا ما أكذبش عليك أنا صدمت صدمة بالغة جداً وتمزقت بمعاهدة كامب ديفيد تماماً.

أحمد الزين: تحديداً أنا بدي إسأل عن هذا يعني..

عبد الرحمن الأبنودي: أنا يعني لا شك إن ده كان بداية جلوسي يعني تحت جدار الزمن لإعادة حساباتي ورؤيتي في كل حاجة، ساعتها بس أدركت إيه اللي عمله عبد الناصر، يعني كيف كان يخوض في حقول الشوك عشان يجي مع الصيغة ما بين الاشتراكية العلمية وما أسماه بالاشتراكية العربية واحترام الدين الإسلامي ويخلق صيغة من ده كله، يعني إحنا كنا في طموحنا وشرودنا ما حناش شايفين كنا منطالب بأبعد من ذلك بكثير جداً ولم نحصل الآن على أي شيء من كل هذا، وتمكنت قوى العدوان من حوالينا تماماً من الأمة، وأنا أظن أن الأمة اللي كانت مستعبدة قبل عبد الناصر يعني استعباد حقيقي نحن نعود إليه الآن العالم العربي يعود إليه بعد ما غرسوا إسرائيل، وبعد ما أميركا بتتصرف بهذا الفجر الواضح بالتالي يعني بلا عائق كان صوت عبد الناصر..

أحمد الزين: يعني فيك تعتبر إنو هذه المحطة من تاريخ الأمة العربية وتاريخ مصر هي السبب بما نعيشه اليوم من حروب متتالية ومن حروب محتملة الآن علينا؟

عبد الرحمن الأبنودي: ما فهمتش السؤال.

أحمد الزين: يعني هذا المفصل في تاريخنا العربي اللي هو الصراع مع إسرائيل هو بتقديرك السبب الرئيسي..

عبد الرحمن الأبنودي: أنا عمري ما كنت متشائم، عمري ما كنت متشائم وما زلت متفائل تفاؤل لا أملكه، يعني تفاؤلي الآن لا أملك أسبابه أو عناصره بس مؤمن دايماً بأن الشعوب يعني لن تقبل على الإطلاق أن تُذل وأن تصل إلى مراحل من الإذلال مراحل معينة، ولا بد من إنها تثور، لكن هو بس العالم بيتطور بأسلحته وبأجهزة اتصالاته، العالم بيتغير العالم القديم مستفدناش منه كثيراً العالم الجديد..

أحمد الزين: شو سبب تخلفنا عن هذا الركب الحضاري اللي ماشي يعني؟

عبد الرحمن الأبنودي: يعني إنت كده بتضعني في مأزق إني أنا أتكلّم إنو عمر الأمة العربية ما عرفت الديمقراطية، تحكمها فكرة واحدة اللي يمد رقبته براها تتقطع، أمة غير قابلة للحوار.

أحمد الزين: أشياء كثيرة رواها عبد الرحمن الأبنودي فالشاعر يمتلك صفات الحكواتي بامتياز ويتداعى من حتوتة إلى أخرى، روى عن مصدره عن ولادته الشعرية مع أمل دنقل، وعن تجربته في الأغنية وبخاصة مع عبد الحليم حافظ والورشة في الإذاعة مع كمال الطويل في خلال حرب 1967 روى عن الهزيمة وعن صوته المشاكس لصوت عبد الناصر وعن السجن وحلم الحرية، روى عن مصر عن أبنود وأهلها، فجامع السيرة الهلالية على ما يقارب ثلاثين عاماً لديه فيض من الحكايات لا ينتهي، وبالنهاية يستنتج المرء من سير هؤلاء من تجربتهم أنه رغم الشقاء والقساوة والمرارة والنكسات التي عاشوا أن الأمس كان أكثر أملاً ربما من اليوم، والانتماء أكثر التصاقاً بالأرض وبالحياة وبالأوطان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق