2018-03-31

ثلاثية عبد الجليل غزال .. حافة النسيان

إعداد وتقديم
حافة النسيان.. “ثلاثية عبد الجليل غزال” (٢)
دار الساقي ٢٠١٠

عبد الجليل الغزال، الناجي الوحيد من السجن الصحراوي، يتوكأ على عكّازه و يجر جسده المعطوب تائها في الصحراء، ساعيا للوصول إلى قريته الأولى “وادي الدموع”. يرافقه كلب السجان الذي أصبح رفيقه وأليفه في هذا التيه. في لهيب الصحراء، لا يجد عبد الجليل غزال ملجأً غير الذكريات بكل نداوتها وثقلها و قسوتها: ذكريات السجن القريبة وحكايات السجناء والسجّانين، الهجرة القسرية من قريته الأولى، شغفه الأول، اختطافه من بيروت و وجه حبيبته هدى… بين السجن والحرية المفتوحة على العدم، والماضي بآلامه المبرحة، دائرة يحاول عبد الجليل الخروج منها عائداً إلى وجوده الإنساني.
الروايات

معبر الندم
خربة النواح
الطيون
صحبة الطير









ثلاثية عبد الجليل غزال .. صحبة الطير

إعداد وتقديم
صحبة الطير.. “ثلاثية عبد الجليل غزال” (٢)
دار الساقي ٢٠١٠

في الجزء الثاني من هذه الثلاثية، يواصل عبد الجليل الغزال متاهته بعد نجاته من سجنه الصحراوي، و يزاول سرد حكايته لكلبه. يصل إلى مسقط رأسه وادي الدموع، حيث لا شيء في الوادي سوى الهجر. بقايا خرب و آنية و جذوع نخيل تذكر بيوم شتات أهله و رحيلهم إلى تلة سليمان، موطنه الثاني، مطارح الحب و الحكايات و المواسم و الغناء الرعوي. بقايا أشياء تذكر بحياة جفف ماءها و أباد شجرها و أحرق حظائرها حاكم جائر. لا شيء في الوادي سوى صدى للأيام التي كانت … و يمشي عبد الجليل، و يروي، ينجو من فخ و يقع في آخر، و في المرة هذه تختطفه عصابة تكفيرية تكلفه بعملية قتل مقابل الإفراج عنه. صحبة الطير: واقع على حافة العبث، رواية تكشف عن الحضيض البشري. صحبة الطير مرثية لعالم مليء بالقسوة و الجريمة، و نشيد عال في الحب و الحرية.
الروايات

معبر الندم
خربة النواح
حافة النسيان
الطيون










2018-01-15

معبر الندم

إعداد وتقديم
معبر الندم
١٩٩٨، دار الفرابي
٢٠٠٧، دار المدى

أعتقد أن انتحاري ليس حادثة استثنائية في حاضر المدينة، وربما لا يحدث أي ضجيج من النوع الذي يحدثه انتحار الحيتان على شواطئ البحار، أو احتمال انقراض سلالة من دببة القطب. قد تكون حادثة عابرة، وغير مؤسفة، وروتينية، سوف يتكوم فوق جسدي الميت بعض من كائنات الليل وربما يبول عليه بعض السكارى ساخرين من فعلتي التافهة. بعد ذلك سوف تأتي الشرطة وتتمم بعض الإجراءات الروتينية في التحقيق، سيتضح أن الحادثة ليست جريمة قتل، بعدها ستحملني عربة إسعاف إلى براد المستشفى، بانتظار أن يتعرف أحد على جسدي، سوف يأتي الكثير من أناسٍ فقدوا آخرين في ظروف غامضة، يلقون نظرة علي، سيتضح لهم بالتأكيد، أني رجلٌ غريب ولا أخصهم على الإطلاق، فالذين كانوا سبب وجودي في هذا العالم سبقوني منذ أعوام إلى العتمة والفراغ الكلي، ثم وبعد أيام سوف تنشر الصحف خبر انتحاري وسوف يتبين للرأي العام أن الجسد الميت مقطوع الجذور، وإني أقرب إلى مشاع عام. إنها مهزلة.. شيء سخيف للغاية. لا أحد. سأروي بعضاً مما شاهدت وأحسست قبل أن أسلم جسدي الهزيل لمشيئة الفراغ الأبدي.



الروايات

الطيون
خربة النواح
حافة النسيان
صحبة الطير
















2018-01-10

خربة النواح

إعداد وتقديم
خربة النواح
خربة النواح
١٩٩٢/٩٨ دار الفرابي
٢٠٠٧ دار المدى

يسمونها خربة النواح، أو صارت تدعى هكذا، هي قريتي التي ولدت فيها منذ تسعين عاماً قضيت منها ما يقارب الثمانين، بانتظار عودة والدي من الحرب. تقع خربة النواح في سفوح سلسلة شاهقة من الجبال التي طالما تراءت لي في سنواتي الأولى وبعد أمسيات التأمل في كينونتها، إنها أقيمت خصيصاً لتثبيت تلك القرية وتركيزها نهائياً، بعد أن زالت مراراً، بفعل اعتكار في مزاج الطبيعة، حسبما كانت تروي جدتي، أو بفعل الغزوات التي حصلت في أزمنة غابرة، حسبما روى خضر الدلب، في كتابه "سيرة الخيانة" ليبقى الماضي السحيق نتفاً من ذكريات كئيبة، تتوارثها الأجيال في تعاقبها، تضيف عليها أو تحذف منها ما يزيد من غرابتها وسحرها، فتتخذ على مرّ الأيام، حين يعاد سردها، منحى آخر، لتصبح سراً أو شيئاً غبشاً يتخيله المرء على هواه، أما الأحداث التي كانت تفلت من الذاكرة لشدة قدمها، فكانت، تذهب، لا محال، إلى النسيان. وليس من شيء مؤكداً.
الروايات

معبر الندم
حافة النسيان
الطيون
صحبة الطير








2018-01-01

الطيون

إعداد وتقديم
الطيون
دار الفرابي ١٩٨٨؛ دار المدى ٢٠٠٧

نعاسٌ  أبدي ورائحة طيون. تفحصت جسدي. وجهي.
تفحصت كل شيء يكون جسداً آدمياً. تحركت. مارست عملية التنفس.
و أطلقت أصواتاً بدائية حتى أتاكد من الأفعال التي تدل على وجودي على سطح الأرض وليس تحتها.
الروايات

معبر الندم
خربة النواح
حافة النسيان
صحبة الطير














2016-09-20

روافد مع الشاعر أدونيس

إعداد وتقديم

علي أحمد سعيد هذا اسمه في الهوية، وأدونيس اسم اختاره لنفسه خيار آخر وولادة أخرى في المسافات والمدن التي شهدت انبثاقات له وولادات في الرؤى وفي القصيدة.

ولد علي في قصابين قرية في الشمال السوري في شتاء ليل من عام 1930 ومن أبوين فقيرين، كان والده أحمد سعيد شوقاً بالمعرفة واللغة والشعر، وهذا كان الحجر الأساس في عمارة أدونيس لاحقاً.

نشأ بداية وسط هذه البيئة تعلم في كتّابها لحوالي عشر سنوات، ثم تابع دراسته في مدن الساحل في طرطوس واللاذقية، ثم إلى دمشق حيث نال إجازته في الفلسفة سنة 1954، ومنذ بداية الخمسينات بدأ يرسل قصائده إلى مجلة الآداب البيروتية.

القصابين وشقاء الطفولة في مدن الساحل في القرية، ثم دمشق حيث هب هوى العشق مع خالده رفيقة العمر صديقة وحبيبة وزوجة ومبدعة قرأته بهوى الفكر، ثم بيروت بيروت مجلة شعر مع يوسف الخال سنة 1957 كانت مجلة شعر حجر الزاوية في بناء القصيدة الحديثة، ثم مواقف مجلة أخرى أو منبر آخر لموقفه من الثورة من الحياة من الوجود ومن التراث، حيث يقول في افتتاحية العدد الثالث عام 1969 "الثوري العربي يحاصره عدوان خارجي مستعمر ومتطور، وداخلي متخلف وطاغية". لكأنه في كل مرة صاغ افتتاحية أو مقالاً أو دراسة أو معالجة للموروث أو للمعاصر، كان يضمّن كلامه بياناً من نوع آخر بياناً من أجل الحداثة بمفهومها الشامل وليس المقتصر على الشعر فقط.

من قصابين إلى باريس حيث ولادته الكونية كما يسميها بعد بيروت التي كانت الولادة الثقافية، 77 عاماً يضيء أدونيس عند كل ليل منها قصيدة وشمعة للأيام الآتية. وهكذا دارت عجلة أيامه وفق رغبته في تغيير مصيره كما كان يقول، ليحط فيما بعد ترحاله في بيروت على أواسط خمسينات القرن الماضي، حيث بدأ يشعل ناره وحرائقه في مسائلة الموروث فكراً وشعراً ونصاً وأنساقاً، فكان من بين أوائل الدعاة الحداثيين الذين صرفوا أعمارهم من أجل تهديم جدران السجن الكبير للخروج إلى المدينة الإنسان المدينة الحرية المدينة العدالة.

بيروت ولادتي الثانية، ولادتي الثقافية والشعرية، بيروت أتاحت لي الانطلاق والاتصال والتواصل مع العالم. خمس دقائق، خمس دقائق فقط غيرت مسار حياتي يوم عبرت الحدود إليها قادماً من دمشق، وكان ذلك إبان العدوان الثلاثي على مصر، لولاها لما كنت ما أنا عليه اليوم على الإطلاق. هكذا قال أدونيس. إلى هذا الحد كانت بيروت مهيأة في خصوبتها لانبثاق القامات المعرفية وفي احتضان من بهم مسّ من شعر وجمال؟ في هذا الحي البيروتي، الحي الجامعي سابقاً، الحي المتواضع، حيث كانت كلية الآداب، عاش أدونيس وعلّم أجيالاً أسماء كثيرة تغير مصيرها في هذا المربع، المربع الثقافي والأكاديمي ما بين كلية التربية وكلية الآداب، أسماء كثيرة أصبحت لامعة لاحقاً، مفكرون وأدباء وسياسيون وشعراء وثوار وحالمون، كلهم عبروا من هنا حيث كانت المنازلات أفكاراً تقارع أفكاراً، وقصائد تعلو وعشق يعلو، وهواء الحرية يهب ويطيّر الأحلام قبل أن تأتي الحروب والطوائف وتطحن كل شيء وتهدم عمارات من الأحلام والرؤى. عندما سألته تسكن جسدياً في أكثر من مكان؟ فأين يسكن الهوى؟ وأين تسكن الروح؟ فقال لي: بيروت أرجو أن لا تفقد هذه المدينة سحرها وعطرها وماءها الحي.

كتب كثيراً شعراً ونقداً وفكراً وكان مسكوناً دائماً بخلخلة الثابت، شاغله دائماً الآتي من الأيام، ليس على المستوى الشخصي، بل على مستوى أمته التي يخشى زوالها بالمعنى الحضاري، يخشى زوالها لافتقادها ما يؤكد حضورها على مستوى الإسهام في صياغة وجودها فعلاً ودوراً وإنجازات، وللنقصان الفادح في العدالة والحرية. كتب كثيراً وترجم إلى معظم اللغات المعاصرة، ونال جوائز عديدة، وكرم في أكثر من عاصمة ومدينة عربية وعالمية. وتراه شكاكاً غير راضٍ تماماً عما قام به، وأظن هذا من خصال المبدعين الكبار.

خلاّق لا يستكين ولا يطمئن إلى يقين، يزاول طرح الأسئلة والتنقيب عن أجوبة لها، فالشاعر الكبير لا يمكن إلا أن يكون مثقفاً كبيراً ومفكراً وسجالياً ومحللاً يتأمل دائماً في حركة التاريخ والزمان. تراه يشير في أجوبته إلى مواضع الأعطاب، يضيء طريقاً نحوها للعلاج أو للتخفيف من الألم، فهو يعرف تماماً أن الشحوب الذي يصيب هذه الأمة وهذه المجتمعات والضمور الفكري والعجز هو نابع من موروثاتها وتأويلات تطمح إلى ترسيخ المؤسسات الرسمية التي لا دعام لها سوى الغيبيات، وما تنتجه من وسائل للاستبداد والقهر والظلم.

حين تجالسه يذهب بك في شعاب المعرفة والتاريخ والشعر، ليس من حرج أن تطرق أي باب شئت، فباب الحب رحب يفضي إلى حكايات وحدائق، وباب الشعر عالٍ خلفه ألف قصيدة، وباب الفكر يفتح دائماً على الحرية، لكأن مسار حياته أبواب تفضي إلى أبواب يفتحها على الضوء، وكلما تعثر أمام جدار ما يفتح في قلبه كوة، وكلما علا جدار السجن كما يقول تصبح الخطيئة مقدسة.

ويأخذنا علي في ماءه يصعد بنا عالياً إلى النبع حيث أبجدية الماء، غيم وبستان وصبي معثر بتراب الحقل يبني بيتاً غامضاً، يرفع سقفه بالألف ويحني الحاء حصاناً يمتطيه نحو معرة النعمان، حيث المعري كتاب وعقل وسؤال ورؤيا، أو يغرّب والساحل السوري نداءٌ غاوٍ للمضي بعيداً في الكتاب أو للسفر إلى حيث يبتعد الوصول، ويطيب الترحال ولو في الخيال إلى الكوفة حيث يترجل المتنبي عائداً من مصر ليستريح من المديح والهجاء في بستان النخيل على قلقٍ وريح علي، ويهب النسيم مشبعاً بغناء وعطر ويصعد في البال حزن غريب، هي الرغبة ربما هي الرغبة الجامحة في تغيير المصير وهدم الجدار، هي الرغبة في التمرد في الجريان كالنهر أو في التجديف بعكس التيار، في الصعود نحو القمة العالية ليوقد النار للرعاة والليل. ويأخذنا علي يأخذنا إلى المطارح الأولى إلى الولادات الأولى إلى بيت عتيق في القرية، هو الحنين إلى طيف أنثوي إلى شيخ جليل يعلمه فك الحرف إلى دمشق إلى بيروت حيث الانبثاق ومخاضات وولادات وجنون وحب وشعر لا يمكن وصفه كما ينبغي أو كما تراه، فهو متعدد يسكن غابة الشعر تلمحه بين الظلال يعشب من الكتب القديمة النوافل، ويعثر على الذهب يلمعه ثم يذهب إلى ماءه ويواصل التدفق. يصعد إلى جبله ويوقد النار ويتأمل في هذا الليل العربي الطويل. أدونيس كلما هب نسيم يذكره وصلاً فيضيء على حافة الليل قصيدة ويرمي عصا الشك في كل يقين.

أدونيس هذا الرحالة في الأمكنة والأزمنة، هذا الطفل المتخفي بهيئة رجل سبعيني، لا يشبع شغباً ولا حباً ولا شعراً ولا نثراً ولا يتعب من سفر، فكلما طوى مسافة في عمره، طوى كتاباً، وكلما حط في مدينة يولد ليبدأ من جديد مساءلة ما يراه وما يقرؤه. هذا الشريد المنفي في اللغة تركته يزاول توسيع الكوة في الجدار وحياكة قصيدة على عباءة الليل.

فاجأتني حياتي كثيراً.. وها هي تشرف تمضي لأبعد مما توقعت.. سارت أمامي في شكل نهرٍ.. أتنصت أسمع صوتاً يجيء من الماء.. قال السفينة مرت تأخرت خذ موعداً آخر وخذ مقعداً وانتظر.. انتظر ربما بعد وقت قصيرٍ تمر السفينة.. هذه السفينة أو ربما تمر سواها.. أتنصت لا صوت.. ما قيل لي لا أراه ما أرى لا يقال.. وهذه حياتي تجري كنهر وجسمي لا ينتظر.. انحدر أيها النهر.. خذني في مائك المنحدر..

روافد مع برهان غليون

إعداد وتقديم

أحمد علي الزين: حكماً كلما حطت بك الرحال في واحدة من المدن الديمقراطية ستقع في فخ المقارنة وستصاب بالحسرة إن فطنت إلى مصدرك و البلاد التي تركتها خلفك حيث مطاحن الحروب و حطام التاريخ و ركام من أجوبة جاهزة و تكرار قاتل في مجانيته و اجترار للرداءات من الموروث، وأشكال مختلفة من الاستبداد، عالم مفتقد لشرطه الإنساني مصاب بعقم فكري، و من به توق لفتح نوافذ للعقل قد يجد نفسه خارج مكانه الأول أو قد يجد نفسه في وطنين و غربتين، وكما العادة في هذه الفضاءات و المدن قد يلتقي المرء برجل من هذا الطراز، اختار المتن بدل الهوامش الضيقة المتاحة في وطنه، اختار الفضاء الرحب حيث أن الحرس هنا لا يتدخل في أسئلة العقل و لا بحرية التفكير، و لا يملي شروطاً أو ينصب شركاً، برهان غليون واحد من المفكرين العرب، يقيم في هذه المدينة باريس، جاءها طالباً في السبعينات وعاد إليها باحثاً و أستاذاً في السوربون.

بداية ماذا يفعل الدكتور برهان غليون اليوم، هل الهموم الراهنة سرقتك من الفعل الحقيقي، أي البحث و الاشتغال بقضايا الفكر و الفلسفة؟

برهان غليون: أجل و لا. أجل لأن اللحظة التي يعيشها العالم العربي تستدعي أن لا نبقى على الحياد وخارج الممارسة، و لا لأن التحديات التي يواجهها العالم العربي تستدعي زيادة التفكير والتأمل. أنا أشعر أني مشدود بين البحث الذي هو ضرورة حتى نتحرك، و بين الانخراط بشكل أو بآخر بالعمل العام الذي صار مطلب حقيقي في مرحلة إرهاصات و تحولات كبيرة في العالم العربي.

أحمد علي الزين: أنت تعيش في باريس و تشغلك هموم الشرق و خاصة هموم سوريا، هل تشعر أن هناك دور عليك أن تلعبه تجاه منطقتك رغم هذه المسافة في الجغرافيا؟

برهان غليون: أنا أشعر أنه واجب أكثر من دور. أشعر أن الإنسان لا يستحق لقبه كمثقف و كمواطن و لا يستحق الانتماء لحضارة و ثقافة إذا تخلى عن مجتمعه في اللحظات الحرجة والحاسمة. أعتقد أن علم الاجتماع المجال الذي أعمل فيه لا معنى له إذا لم يهتم أيضاً في العلاقة مع حاجات المجتمعات. علم الاجتماع ليس نظرية فحسب وإنما أيضاً ممارسة، و هو بالنسبة للمجتمع هو مثل الطب بالنسبة للعضوية الإنسانية. أهمية الطب أنه يساهم في صحة الناس وأهمية علم الاجتماع أنه يساهم في سلامة المجتمعات و يتحقق من مشاكله و يكشف أسبابها. باعتقادي مسؤولية المثقف أكبر بكثير من مسؤولية الآخرين، لأن المجتمع كلفه بمعرفة أمراض ومشاكل المجتمعات. لهذا السبب لا يمكن أن ينسحب المثقف من معركة التغيير بالعالم العربي والناس مقتنعين بهذا الشيء.

أحمد علي الزين: أنت تقول أن ما يعيشه الشرق العربي اليوم هو معركة تنافس بين الأصولية الإسلامية وبين السيطرة الأميركية، بتقديرك لماذا انحصر الصراع في هذا المنحى تحديداً؟ هل هو فخ؟ أم هو نتيجة قصور للرؤى على مستوى النظام العربي العام؟

برهان غليون: السبب الذي أدى إلى انحصار الخيار بين الأصولية الإسلامية وبين الاستعمار أو التدخلات الأجنبية هو استقرار الأزمة داخل المجتمعات العربية وحصول ما يمكن أن نسميه نوع من الانسداد. قوى التغيير غير قادرة على أن تغير لأنها ضعيفة بسبب هيمنة السلطات الشمولية منذ أكثر من خمسين سنة على الحياة السياسية والفكرية. التفكير ممنوع، الممارسة السياسية ممنوع التنظيم ممنوع، المبادرة ممنوعة. سُحق كل أمل في تكوين قوى مبادرة داخل المجتمعات خلال السنوات الماضية. النخب الحاكمة تكلّست و تجمدت على مصالح كبرى لم تكن موجودة من قبل، وليس لديها أي مصلحة في أن تقوم بأي تغيير. والذي حصل إنه لا قوة تغيير قادرة على أن تغير ولا الحكومات قادرة على أن تقوم بإصلاح، ولذلك دخلت المجتمعات العربية فعلاً في حالة مأزق واستعصاء، نقول بالعربية مأزق يعني طريق مسدود، والطريق المسدود لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، هو الذي يثير بنفس الوقت حركات عنيفة من الداخل من أجل التغيير بأي ثمن هذا هو العنف، العنف بأي وسيلة وبأي ثمن، ويثير أيضاً مطامع من جديد مطامع الدول الكبرى التي لها مصالح في المنطقة للتدخل على أساس أن تستبق الأحداث والانفجارات، وتضع يدها أيضاً على مجتمعاتنا وعلى مواردنا من جديد.

أحمد علي الزين: أنت تقول أن سقوط بغداد واحتلال العراق من قبل القوات الأميركية والبريطانية هو التتويج الأليم لنصف قرن من السياسات اللاعقلانية بالمنطقة، بتقديرك هل النفق الذي دخلت فيه بغداد والمنطقة بشكل عام هو طويل الخروج منه صعب في المدى المنظور؟

برهان غليون: حتى الآن يبدو أن العراق قد خرج من نفق الاستبداد ودخل في نفق الاحتلال المفتوح على نزاعات أهلية عنيفة. اليوم بدأنا نتحدث عن احتمالات حرب طائفية في العراق. ما وصل إليه العراق و معظم البلدان العربية هو نتيجة تمسك النخب الحاكمة بصيغة سياسية من القرون الوسطى ترفض كل أشكال الحوار و التفاعل مع فئات الرأي العام الأخرى و تقود المجتمعات مباشرة إلى الهاوية. المسؤول عن دخول الاحتلال الأميركي للعراق و عن ما يحصل في العراق هو نظام الاستبداد. جميع مجتمعات العالم شهدت أنواع مختلفة من الحروب الأهلية و المواجهات العنيفة، لكن الدول العربية لم تخرج بعد من مناخ الحرب الأهلية ولن تخرج طالما استمرت النخب الحاكمة في تغييب المجتمع وقمع الحقوق السياسية الأساسية للأفراد.لأن النخب تعتبرالانفتاح فوضى فلا بد من أن تكلف بالتالي أجهزة الأمن بالسيطرة على المجتمعات واستبدال الأنظمة السياسية بالأنظمة الأمنية.

أحمد علي الزين: منذ كتابك الأول الذي صدر من حوالي 30 سنة تحت عنوان "بيان من أجل الديمقراطية" وحتى الآن تهتم بشؤون الحداثة و بعلاقة الدولة بالدين و بالأمة. تقول أن فرصة نشوء الحرية العقلية أو السياسية تبدأ عندما يصبح الشعب مرجع السلطات وتنتفي طالما بقي الفقيه أو الإمام مرجع السلطات. وأنت تعتبر أيضا أن الحداثة أو حتى الدولة بمفهومها الحديث لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تم فصل الدين عن الدولة. هل من الممكن أن تتحقق الدولة الحديثة في عالم شبه متجمد فكرياً منذ قرون حيث حتى الدول التي تحكمها الأحزاب العلمانية تلجأ تتحصن بالأطروحات الدينية عندما تقع في المأزق؟

برهان غليون: منذ أن كتبت "بيان من أجل الديمقراطية" كما في جميع أبحاثي وجدت أن التراث لا يؤثر فينا عملياً بل هو مجرد شعارات سياسية وأن جوهر المشكلة هو نمط الحداثة الذي نشأ وتبلور منذ القرن التاسع عشر عند النخب في المجتمعات العربية المختلفة و وصل اليوم للطريق المسدود الذي نحن فيه. الحداثة هي أخلاق الحرية، أخلاق المساواة و أخلاق العدالة. الذي حصل عندنا هو العكس، نحن أخذنا من الحداثة السلع الإستهلاكية والأدوات التكنولوجية. في معظم البلدان العربية تم توظيف الكمبيوتر من أجل تفعيل الرقابة على المجتمع و خلق قواعد بيانات بأسماء المطلوبين و المعارضين ولم يتم توظيفه كأداة للبحث العلمي و لتطوير المعرفة. وقبل الكمبيوتر تم توظيف الإذاعة والصحافة و التلفزيونات كأداة لترويج دعاية السلطة، ولم توظف من أجل أن تساهم في تطوير وإخصاب الفكر العربي بالآراء المتعددة و النقاشات و المناظرات التي تسمح للمجتمعات في تطور ثقافة جديدة. الحداثة في المجتمعات العربية خلقت من القهر والفقر والبطالة والجوع أكثر مما خلقت من الحرية والعدالة والمساواة. هي اليوم المجتمعات الأكثر افتقادا للحرية، الأكثر افتقادا للعدالة و الأكثر افتقادا للمساواة.

أحمد علي الزين: يرى برهان غليون أن عدم قيام الدولة الحديثة في عالمنا يعود إلى إساءة استخدام الحداثة التي بقيت شكلية وسطحية ولم تنفذ إلى المضمون الإنساني. ولا يرى في الموروث عائقاً بل شعاراً ليس أكثر ترفعه بعض التيارات لأغراض سياسية، فلا أحد عملياً كما يقول يعيش في الماضي أو في التراث، هذه وجهة نظره التي يعتبرها إضافة على قراءات سابقة وجدت في الموروث الثقافي سبباً في عدم تطور المجتمعات وجداراً منيعاً في وجه التغيير. أعتقد أن البعض قد يوافق الدكتور غليون على الشق الأول المتعلق بإساءة استخدام الحداثة، لكنه قد يعارضه على تبرئته للموروث في بعض وجوهه السكونية في جعل هذه المجتمعات تراوح في دائرة مغلقة. ولكن دائماً كما يقال تراكم وجهات النظر بحد ذاته ضرباً من ضروب الإبداع والحرية ويؤدي في النهاية إلى نتائج مجدية. هنا في باريس راكم الدكتور برهان غليون تجربته أستاذاًَ وكاتباً وباحثاً وناشطاً في أكثر من حقل سياسي واجتماعي، كتب عشرات الكتب والمؤلفات التي تُرجمت إلى أكثر من لغة وكلها تدور في فلك الأسئلة التي تشغل مجتمعاتنا العربية. هنا في هذا الحي الباريسي يقيم وتشغله هموم دمشق، ويشغله أيضاً ربيعان، ربيع البلاد وربيع ابنته التي توازن بين عقل الأب وعقل المفكر، وتضفي على شيبه بعض الفرح وبعض الأمل، أما لربيع دمشق حصة وافرة في وجدانه، بل هو واحد من شاتلي حدائقه إذا صح التعبير أي من قادة المعارضة، فأين هو في نهايات خريفه من ربيع لم يأتِ بعد.

لنقل أن باريس سمحت لك أن تكون مثقفاً حراً ومنتجاً وقدمت لك مساحات من المعرفة والحرية، ماذا أعطتك دمشق و ماذا أعطيت أنت لدمشق؟

برهان غليون: أنا أعتقد أن دمشق أعطتني كثيراً، أعطتني أولاً نفسي، أنا أهتم بالعالم العربي وأهتم بسوريا لأن الشعور بالوفاء أيضاً لبلد أنا أحبه كثيراً و أعتبره فعلاً رمز للبلدان العربية الطامحة لمواجهة مصير التبعية والاستعمار، ولتكون رائدة في نهضة عربية شاملة. دمشق أعطتني العمق التاريخي للثقافة العربية وللتاريخ العربي السياسي والثقافي والروحي. ماذا أعطيت لدمشق؟ أنا أعتقد أنه بالرغم من أني أعيش في فرنسا منذ أكثر من 30 سنة الآن ما انقطعت بتفكيري عن دمشق التي أعتبر التفكير فيها جزء من التفكير بالعالم العربي الذي يشكل كل بحثي العلمي والعملي. كان صعب أن أطور أي رؤية للعالم العرب دون هذا الانتماء إلى دمشق.

أحمد علي الزين: دكتور برهان بتقديرك هل فهمت المعارضة والسلطة في دمشق درس العراق المأساوي والمرير؟

برهان غليون: الشعب و المعارضة فهموا الدرس لكن السلطة استفادت منه من أجل أن تزيد من مستوى الابتزاز للرأي العام و الدول الأجنبية والعربية التي تتعامل مع المنطقة. تبتز الشعب بالفوضى و العنف إن لم يخضع إلى السلطة و تبتز الدول بالإسلام المتطرف كنتيجة التغيير والإصلاح. يرى النظام السوري أن الإصلاح والتغيير ينبغي أن يسير في أطر مضبوطة وتدريجية و قد نجح في فرض رؤيته على الجامعة العربية التي تبنتها في مؤتمر قمة تونس سنة ٢٠٠٤ في وثيقة الإصلاح وسمتها وثيقة التطوير والتحديث. هذه الرؤية ألغت مفهوم الإصلاح في نظم المؤسسات وفي قواعد الممارسة السياسية مسألة الحريات، ولا مسألة العدالة، و مسألة القضاء و وربطت مفهوم الإصلاح بتطوير القدرات المعلوماتية والليبرالية وجلب الاستثمارات.

أحمد علي الزين: هناك أكثر من معارضةاً من الجماعات الإسلامية، من السيد عبد الحليم خدام الموجود في أوروبا حالياً، يعني هل حدث لقاء بينك وبينه مثلاً؟

برهان غليون: لا أنا ما شفته لعبد الحليم خدام لأني اعتقدت أنه ولا زلت أعتقد أنه أولاً واحد مثله مشارك شريك أحد المسؤولين الكبار في الحزب والدولة والإدارة إلى آخره.. كان لازم يعترف بمسؤولياته بشكل واضح أكثر ما كان لازم يتهرب من مسؤولياته، ويقول أنا كنت مسؤول عن السياسة الخارجية ولكن السياسات الأخرى ما لي علاقة فيها.

أحمد علي الزين: هذا الحوار تم في أوائل نيسان من عام 2006، ربيع آخر في باريس قضاه برهان غليون حالماً بربيع دمشق، وهو القادم من مدينة حمص مواليد سنة 1945، نشأ في بيئة متواضعة كان والده يهتم بتربية الخيول، تفتح على عالم كان يغلي بالأفكار أواسط الستينات، درس في جامعة دمشق ثم غادر إلى باريس إلى السوربون متأثراً بالفلسفة الوجودية وبسارتر، إذا كان يجد في الماركسية وفي الفلسفة بشكل عام ملاذاً للتعبير عن تمرده، اختار باريس كما يقول عن وعي لكونها معبرة عن الحرية، وقد جذبته ثورة الطلاب سنة 1968 ولكون الفلسفة الفرنسية أيضاً مرتبطة أكثر بالمجتمع وبشكل أعمق، لم يكن يخطط للبقاء في فرنسا بل العودة إلى دمشق، ولكن غالباً قد لا تتسع المطارح الأولى لأبنائها، ثلاثون سنة بدأها ببيان من أجل الديمقراطية وما زال يتلوا أشكال بياناته في قراءات لمجتمعه عبر عشرات الكتب والمقالات والأبحاث.

أحمد علي الزين: بتقديرك لو بقيت في دمشق كنت قدرت أن تحقق الذي حققته في باريس على مستوى البحث والكتابة وحتى المنصب الجامعي؟

برهان غليون: لو بقيت في دمشق على الأغلب كنت قضيت 20 سنة في السجن مثل كل الناس مثل كان أبناء جيلي أو قسم كبير منهم الذين كان عندهم إيمان بمثل و بمبادئ و قيم، وكانوا يعتقدون و يؤمنون بمجتمعاتهم ويؤمنوا بمستقبلها ويبذلون جهوداً من أجل مساعدتها.