أحمد الزين: قد تبدو من المهام الصعبة أن تصف صديقاً أو أن تحاوره أن تلغي المسافة بينك وبينه وتطرح عليه أسئلتك أو أسئلته مكاشفةً أمام آخرين لا تعرفهم، هم تماماً غير الندامى في مقهى الصباح غير الأصدقاء والعابرين والفضوليين وغير الذين يجتمعون على مائدة ضحى بيروت في زاويةٍ من هذا الشارع، يصرفون أعمارهم في التهكم لمكافحة مجانية الجدية في سلوكٍ رسميٍ مكشوف، أن تطرح عيه أسئلةً قد تعرف مسبقاً الأجوبة عليها، أو أن يتواطأ معك لغاية إيصال الصورة التي تعرفها عنه، أن تأتي مثلاً بالكاميرا لالتقاط مشاهد، مشاهد له تختزل طقوسه اليومية: شراء الصحيفة، والجلوس في المقهى، مجيء النادل بفنجان القهوة، وصول الأصدقاء واحداً تلو الآخر صدفةً وليس بالتآمر أو بالتواطؤ، أن تطلب منه التصرف بعفوية كي تحافظ على بعض المصداقية في التوثيق، أو أن يأتي مثلاً الدكتور موسى وهبي بهيئته الفكرية، وبهيبته، ببلديته، وحسن عبد الله بدردرته وزاهي وهبي يخطف المشهد كما هو متعارف في زعبرات ممثلي الدراما، هذه السلوكيات الجميلة وسواها وهذا اليومي في حياة صديق لا بد أن يحيّرك قليلاً كيف تبدأ معه، وبخاصةً كان اللقاء قد تأجل لمرات ليس بسبب الود وحسب لإيجاد الوقت لكسر المسافة، بل لسببٍ هو محور أي لقاءٍ يدور الآن بين شلة الأصدقاء وفي كل بيتٍ من بيوت بيروت، والسبب هو ذلك القنص الذي ذهب بقاماتٍ عالية، ولكن حين تجلس على مائدة عصام عبد الله يبدأ الكلام يبدأ لوحده.هذا الحوار كان المفروض نعمله نحن من فترة طويلة، ولكن كان تأجل لأسبابٍ خارجة عن إرادتي وإرادتك.
عصام العبد الله: صحيح.
أحمد الزين: أسباب يتحكّم فيها بعض القتلة يمكن..
عصام العبد الله: أقدار..
أحمد الزين: أو خلينا نسميها الأقدار..
عصام العبد الله: أقدار قوية كثير كانت علينا شوي صارت..
أحمد الزين: والحقيقة السؤال اللّي بدي بلش فيه أنا على سيرة الأقدار إنو هو اللّي بيفرض نفسه الآن قبل أي كلام آخر إنه قدر بيروت أن تعيش هذا الخطف وهذا الموت هذا القتل، يعني هناك من يطال قامات فينا نسميها قامات نهضوية وتنموية وفكرية معظمها تغرّد خارج السرب اللي.. السرب المألوف بعالمنا العربي، هل هذا قدرنا؟
عصام العبد الله: مثل الكنز ومثل الكنز اللّي بتمتد اليد عليه، بيعملوه خرايط ليلاقوه، وبيهجموا كل واحد بشيل شوي، بيروت مدينة معمولة بطريقة مخلوطة بطريقة غاوية، فمن زمان.. من زمان بتستهويهم بيروت، إن كانوا من الأهل ولا إن كانوا من الغرب، على طول كانت بيروت عُرضة لهذا الانتهاك التاريخي إذا بدك نظراً لخصوصيتها ربما..
أحمد الزين: لتنوعها تعددها.
عصام العبد الله: هالمدينة التي من عيون هالحارسة النشيطة لخاصرة المتوسط الدافئة، هالمشرئبة إلى الغرب ومتينة في الشرق أيضاً، يمكن هاللعبة هاي ما بتعجب حدا، ويمكن غناها بيطمع الناس فيها، جمالها بيطمع الناس فيها، حتى كبار المثقفين العرب إذا ما حضروا على منبر بيروت بيعتبروا إنو ناقصهم شيء بالسي في تبعهم..
أحمد الزين: بالاعتراف.
عصام العبد الله: طبعاً، لذلك بيروت عرضةً بس طالعة، يعني أملنا إنو طالعة، ومرقت ظروف أصعب من هيك، سلسلة الشهداء اللّي عما يتوجوا الحرب الأهلية يمكن آخر خبطة من خبطات الحرب الأهلية سابقة الذكر، يمكن عم يفدوا حدا، يمكن عم يفدوا المستقبل، يمكن عم يرسموا بدمهم خارطة إنوّ خلص بطلنا، يمكن إن شاء الله، بس إنو بالآخر مسيجة بيروت بحالها، ما بيستغنوا عنها، الدنيا الأرجح إنو الدنيا ما بتستغني عنها وبتصير الدنيا أكثر بشاعة ربما إذا هالضوء اللّي اسمه بيروت ناص فترة من الفترات، أو اختفى أملنا كبير يا أحمد، أملنا كبير أنا وياك.
أحمد الزين: يمكن عصام لأنه هي بتمثل شيء من الأمل، بتمثل شيء من الانفتاح، بتمثل الحلم نحو الحرية، وهيدي الأشياء لها ثمن ويمكن هالناس الكبار عم يدفعوا ثمن لأنه الحرية ثمنها غالي بتصور.
عصام العبد الله: صحيح، لأنو بد قول لك شغلة أحمد، تجاور المختلفَين غِنى تجاور المتشابهَين قطيع قبيلة تجاور المختلفَين مدينة تجاور المختلفين مدينة تجاور المتشابهين قرية، هي بيروت إنها المكان الذي يدب فيه الغرباء من جميع المناطق مش هيك؟ يشكلون هذه البحيرة الجميلة التي اسمها: بيروت واللّي صارت عم تتوسع ليصير لبنان كله مدينة واحدة اسمها بيروت.
أحمد الزين: إنت مرة سميتها بيروت..
عصام العبد الله: عنقود الضيع.
أحمد الزين: حفظها هاي القصيدة.
عصام العبد الله: معلوم، معلوم.
أحمد الزين: هيك شي مقطع بس نتذكر كيف أنت شفت بيروت.
عصام العبد الله: مقطعين بقرأ لك من قصيدة بيروت من المدخل اللّي هو التكوين وقصيدة العنقود مقطع العنقود اللّي هو مقطع بيروت، بيقول:نقّط قلم الله حبر..صارت السماء..وتجمعت.. وتجمعت صارت بحر..وصل البحر على الشط وتمشى..ونسّم هوا رملة..وقع الرمل بالمي صارت أرض..طلع السمك على البر يتشمس..كثروا بيوت الناس..كثر الشجر..شايف كأنها بديت الحفلة وسميتها بيروت..طلعت من رموش الزبد كأنها كحلة..ما في مدينة اسمها بيروت..بيروت عنقود الضيع..لما استوى بالصيف والسكر لمع..طلع الصبي على الحيط بده يقطفه..ما طال بيه يقوله نزيل..إمه تقله هلأ بتوقع..عفريت يمكن هالصبي وما كان عم يسمع..جاب العصاية ولوحها صابه وقعوا الضيع..وتفرفط العنقود، حبة وراء ضيعة، وراء حبة..وقعوا على ثيابه وتوسخوا جيابه..وقع العنب بعدها العريشة مشبكة..والخيط حد الخيط وبعده الصبي على الحيط..
أحمد الزين: لا بد للعابرين اليوميين في شارع الحمراء إلا أن يلفتهم هذا الستيني، جالس على كرسيه الخاص، وفي زاويته الثابتة مقهى الرصيف، ولمن مرّ عابراً ولفته حضوره يوم أمس على سبيل المثال، ومرّ ثانيةً في اليوم الثاني يظنه لم يغادر، هذا طقس من بهم شغفُ حراسة أطيافهم ومزاولة صرف أيامهم بألفة حميمة مع الأمكنة يصبح بينهم وبين المطارح ودٌّ وحوار صامت، وربما حوارٌ حزين.قد تكون عصام عبد الله من أكثر الوجوه المألوفة بزاوية من شارع الحمراء بنفس الزاوية على نفس الكرسي منذ سنواتٍ طويلة بيجتمعوا الأصدقاء حولك، والناس بيمروا وبيتفرجوا عليك أحياناً بيقولوا هيدا شو عم يعمل هون؟ في ناس كثير بيفتكروا إنت بعدك من أمس..
عصام العبد الله: من مبارح.
أحمد الزين: وبعدك قاعد شو عم تعمل هونيك..
عصام العبد الله: واضح في ساحة الضيعة.
أحمد الزين: شو السر بها الطقس؟
عصام العبد الله: ساحة الضيعة، معنّد ظاهر على ساحة الضيعة على شارع الحمراء اللّي هو ساحة بيروت، بيروت اللّي نحنا ألفتنا وألفناها ألفتنا وألفناها، وكانت شارع الحمراء هالهجمة باتجاه الغرب.. الغرب البحري، أنا بعرف قبل ما شارع الحمراء يصير شارع الحمراء والمنطقة تصير الحمراء، كان فيه صبّار ورمل، أنا على أيامي أيام طفولتي ببيروت كنت روح لهونيك نلعب، حسيت إنو يمكن بالراحة بالتقدّم بالعمر، بيسوى إنك تحرس مطارحك، فقاعد على الزاوية الجوانية اللّي بتعرفها البرانية..
أحمد الزين: عم تحرس مطارحك ولا عم تفتش على حالك؟
عصام العبد الله: يمكن منيح بتفتش على ظلالك القديمة، بتلم ريحتك القديمة، ضحكك القديم، بتحس إنه موجود، بيقولوا علماء الفيزياء إنو بتظلها الضحكة موجودة وإنوّ بيظل الكلام موجود، وإنا فينا نلتقطه بآلات ستخترع مجدداً، ممكن نشوف الماضي كيف حكى، وشو حكى، وأنا كمان رايح لهونيك مصدّق علماء الفيزياء ورايح لم عِصامي الصغير، وأحرس مطارحه، وبتفرج على شارع الحمراء فزعان عندي خوف دائم إن حدا يأخذ الشارع.
أحمد الزين: طيب عصام عم تحكي عن.. هيك بحسرة هيئتك عن العمر وأنت أعتقد أنك عم تطوي الصفحات الستين؟
عصام العبد الله: معلوم وشدّ لقدام شوي شدّ.
أحمد الزين: كيف صرفت هالعمر؟
عصام العبد الله: صرفته بالخوف والفزع والرعب والحلم والشجاعة والجبن بكلهم مجتمعين، مرقنا بحرب 20 سنة نحن بلبنان، عشنا فترة يفاعة جميلة هي عز بيروت وغوايتها.
أحمد الزين: الستينات والسبعينات؟
عصام العبد الله: أنا بالستين كان عمري 20 سنة تقريباً 18 سنة، فشدّ معنا الوضع شوي وقفونا وقت اللّي صرنا على الـ 30 حيث لازم يبلش القطف منيح صرنا نتخبي.
أحمد الزين: إجا من يقطف؟
عصام العبد الله: إجا من يقطف مطرحك، وإجا مين يقطفك، هي الأيام اللّي أنا صرفتها، صرفتا إقرأ وأكتب قليل، صرفتها أتظاهر وأحلم و..
أحمد الزين: إنت على سيرة التظاهر كان عندك تجربة لا بأس فيها بالنضال السياسي؟
عصام العبد الله: محترف أنا أحد المحترفين.
أحمد الزين: كنت كتيب هتافات وتُحمل في المظاهرات على الأكتاف
عصام العبد الله: مزبوط.. مزبوط.
أحمد الزين: بشو كنت عم تحلم آنذاك كما كل الناس يعني؟
عصام العبد الله: طبعاً العالم كله أحمد كان عم يحلم معنا، كان الطلاب بباريس عم يحرقوا سيارات وعم يعملوا حركتهم مش هيك؟ في الـ 68 مثلاً وقت اللّي انفجرنا نحنا وبلشنا نلتهم هالكتب.. هالكتب الأجنبية، نلتمى وما كنا نلتفت لكتبنا.
أحمد الزين: كتبنا بأي معنى تاريخنا يعني؟
عصام العبد الله: إي، مش نحنا لحالنا، العالم كله العالم.. العالم كله الكوكب كله أُصيب بفيروس اسمه: هذه الطوباوية بحكم العالم بالحياة على الكوكب بالمساواة من تابع حدا إنو في سجرة أصغر من سجرة وفي سجرة بتعمر أكثر من سجرة، فأن تساوي بين غير المتساويين نوع من الحلم المخيف، اللّي بتعبك وبوصلك بالآخر على الوحشة اللّي هي الجدار، الوحشة اللّي اسمها الجدار، وتضرب رأسك أو بتدوخ أو بتسف حبوب..
أحمد الزين: أو بترجع تتأمل بالتجربة.
عصام العبد الله: أو بتعقل بيكبروا أولادك.
أحمد الزين: بتصير حكيم يعني؟
عصام العبد الله: بيصغرو ثيابهم عليهم، كنا عم نحكي عن الثياب كيف بيصغروا؟ وبتصير ملتف على حالك وعلى بعض الأصدقاء النُدمان اللّي يفرشون أمامك وتفرش أمامهم محبتك وذكائك، ما بيكفي المحبة ما بكفي.
مقطع من قصيدة الشاعر عصام عبد الله
كنا عم نربي الوقت مع بعضنا..الوقت اللّي اسمه وقتنا..وكان حلو كثير..أشقر مثل ذهب وقع بالمي.. أخضر مثل حبل الشجر خلّف على مهله الفيء..أحمر كأنه في ورد.. أبيض مثل هب البرد..الوقت اللي اسمه وقتنا..وكنا نحبه كثير نلعب معه..وندلعه ونرضعه ونسمعه..حكي الجناني اللّي كان اسمه شعر..إنه ينام ما بينام..منسمع هديله مسلطن وعالي الحماس..الوقت اللّي اسمه وقتنا..طفل الغرف المعتمة..إمو البرداية..نعرى تيلبس زينته..وتجن المراية..طفل الحكي المكتوب على ورق الهوى..تينحكى حكاية..بحبك.. بحبك مثل نزل الشتاء عليّ وما عاد في..لما بحبك مثل ولد وفزع..فتش على رائحة أم بتبكي فرح..بينزل مسك على خدودك..وبينقط عليّ وعم شم ما عاد فيّ شم..مثل كأنه عاقصك نحلة العسل..صاير ورد هالتم..
أحمد الزين: الخيام.. الخيام كنا نسمع بها أو نقرؤها في القصائد، نؤلف سهلها في الخيال، نبسط فوقها غمامة مرج عيون، ونتسلل في شعاب جبل عامل ووعره إلى قامة أنثى الحقول, حانيةً على حقول التبغ, ونبكي على شقاء أهلي هناك, نتسلل خلف أطياف المقاومين نقرأ جغرافيا البلاد، في خرائط وردهم القاني، وحمل إلينا الشعراء هواها، صوراً للمكان ورمانه، وحين ذهبنا في رحلة الشتاء المدرسي إلى الحدود انبسط السهل أكثر، وتنهدت اللغة في حضن هضاب جبل عامل ففاض الشعر، وانبثقت قامات في السفوح، تحرس صباحاتها، تعيد تأليف المكان وتأليف الخيال.من كم يوم أخذتنا بزيارة على..
عصام العبد الله: على الخيام، معلوم
أحمد الزين: على الخيام وتفقدت المطارح..
عصام العبد الله: الطفولة.. طفولتي الصيفية.
أحمد الزين: طفولة الصيفية، يعني عندك هالمقدار من الحنين للخيام بمقدار الحنين اللّي بتحسه اتجاه بيروت.
عصام العبد الله: لا.
أحمد الزين: شو بتعنيلك الخيام.
عصام العبد الله: صدف إنو أنا من.. يعني خلقت برا الخيام، أنا مولود بأم طلياس، بيي عسكري بالجيش وأمي معه خلفتني ببستان بأم طلياس، وسألت إذا بدي أرويلك شغلة - الله يرحمها - مدامته لمنصور الرحباني إجو بالفترة بالحرب وصرنا نشوفهم باستمرار فسألتها قلت لها: إنت من أم طلياس وفي داية اسمها أم مسعد، أمي بتقول لي: خلفتك على.. وكانت دايتي اسمها: أم مسعد، قالت لي: أم مسعد هي داية خلفت كل أم طلياس، وتوفت من كذا سنة، فأنا خلفتني أم مسعد بأم طلياس صرت روح وبيّه جندي بالجيش بعدين شرطي ببيروت، فما قعدنا بالخيام، فكنا نروح نصيّف بالخيام، هالصيفية أقامت علاقات جميلة بين الولد وبين الضيعة والمكان، في نكهة لبنانية للخيام إذا بدك إنو بلد شيعية منيح؟ يعلقوا طرفين من المعادلة اللبنانية ببعضهم.
أحمد الزين: تلعب دور المصالحة؟
عصام العبد الله: تلعب دور.. إنو يفترض إنو تكون مع ولاد عمها بالمعروف مش هيك؟ لأ وقفت مع جديدة مرج عيون، وقفت مع الحي الشمالي للخيام اللي هو حارة المسيحية، انتقاماً من هذا الصيت الرائع للخيام، من هذا الدور الإيجابي.. وإحدى.. إحدى حواضر جبل عامل إنت عارف يا أحمد إنو من خمسين سنة كان عندنا سينما بالخيام؟ من خمسين سنة كان في سينما بالخيام، الخيام كانت بلد عم تتحضر لتلعب دور، إسرائيل إمعاناً عملت شغلتين هدمتها كلها.
أحمد الزين: للخيام؟
عصام العبد الله: كلها، ما في قرية تعرضت يمكن قرى فلسطين الداخل جوا أبادوها كلها، هدمت كلها، والمجزرة اللّي ارتكبت فيها اللّي هدموها كلها آخر 40 اختيار حكت عنهم كل الدنيا، مش بس هيك كمّشت ولاد الخيام وغيرهم من القرى وعملت لهم معتقل بالخيام نكاية بالخيام، إنو إنت اللّي رايح بهذه الطريقة، واللّي عم تضوي بهذه الطريقة، هيك بيغتالك الناس، وكانوا الأمهات يسمعوا صريخ أولادهم بالمعتقل، كانوا يقعدوا صافنات على شبابيك المنازل، يسمعوا أولادهم وهم عم يتعذبوا بالمعتقل، كانت لحظة من القسوة ولحظة من الظلم أنتجت شي اللّي سموه المقاومة إن كانت إسلامية ولاّ مسيحية ولاّ وطنية ولاّ المقاومة اللّي طلعت على المعتقل، كسّرت القفولة، فتحت الأبواب، قالت لهم: اظهروا، مثل اللّي عم يفتح قفص العصافير، وهبوا الناس، وبظن إنو وقت اللّي هبوا الناس ظلهم هابين لوصلوا إلى 14 آذار.
مقطع من قصيدة الشاعر عصام عبد الله
كان فيه جبل اسمه جبل عامل..راجع على بيته من الشغل تعبان..وكان الوقت قبل العصر بشوي..بكير تيصلّي..تمدد على كرسي اسمها الخيام..كتفه الشمال ارتاح على الجولان..كتفه اليمين ارتاح على نيسان..كفه الشمال بيفتحها بتلمع..نحاس القمح غطى سهل حوران..كفه اليمين بيغلقها بيتدور الرومان..اسمه جبل عامل..صدره.. صدره خزانة بقلب هجهاز العروس..فيها عنب في تين في زيت..عم يرشح من عيون السنين..جهاز العرس للبنت ياللّي اسمها زينب..وسامع حدا بيقول إنها فلسطين.. اسمه جبل عامل..عيونه برك..والأولاد بدن يلعبوا وجهه..مثل دفتر والشمس حفظت درسها وعم تكتبه..
أحمد الزين: الخيام ويصطحبك إليها واحدٌ من أهلها، يأخذك إلى مرابع الطفولة الصيفية، إلى الدردارة حيث تمارت وجوه الصبية وتكسرت حين حرّك النسيم صفحة الماء، إلى ظلال الشجر الدهري حيث تفيأت أعمارنا كما يقول، وحفرنا الأسامي على جذعٍ عتيق، هنا.. هنا بركة ماء جدي، كان يحرس الصبح بصلاته، وهنا دلفت طفولتنا متنقلةً بين غرف حوش الأهل، من على هذه الشرفات كنا نطل على أيامنا القادمة، ونحلم عن تلك الأشياء الحميمة يروي عصام عبد الله، ويتشعب بنا الحوار إلى مراحل مختلفة متقدمة، إلى تجربته طالباً في الجامعة العربية، ثم إلى انخراطه في حزب البعث في مطلع الستينات الذي غادره إلى حزبٍ آخر منظمة العمل الشيوعي، كتب هتافات التي ظنها ستغيّر العالم ولكن مع الأيام تحوّلت إلى صدى إلى ذكريات.
أحمد الزين: إنت ندمان على هالتجربة اللّي خضتها خلال؟
عصام العبد الله: أبداً.. أبداً.. أبداً.. ما عاد عنا وقت نزور.. يعني ما عاد عنا وقت نغيّر ما عندي وقت أنا أتصوّر إنو كرّ شريط من أول وجديد، أنا لو بعيش 1000 سنة مثلاً، أو 300 سنة يمكن الفترة الماضية قلك فيّ أشطبها، الآن عندي وقت كبير لا متمسك فيها لأنو هي ملعب ذكرياتي، إنو كيف بلعب أنا بعد شوي بلعب بالماضي، أحياناً بصيروا إيدينا رخوين لنلعب بالمستقبل، بنصير نلعب بالماضي، منمون على الماضي أكثر ما منمون على المستقبل، منصير بوقت ما فينا نمون إلا على الماضي.
أحمد الزين: يعني إنت من الناس اللّي على سيرة الماضي الناس اللّي الحنين بيسكنهم هيك.. بشكل كثيف؟
عصام العبد الله: مش بالمعنى الرومانتيكي لأ.. لأ بسكنهم ماضيهم بالمعنى إنو ما تنساه بس ما تقعد فيه، ما تنساه بس ما تقعد فيه خذه معك..
أحمد الزين: يعني ما بيجرفك الحنين لمطرح لذكرى معينة لعصام في مكان ما في حالة ما؟
عصام العبد الله: قليل، بشريط سريع ما بتوقف عنده كثير لأنه الفترة اللّي حبيتها وكانت زمني كان عشيقتي وقت اللّي كنت حزبي وكنت مناضل، قد ما بيّن هالوحشة والجدار اللّي حكيتلك عنهن صرت ماني ميّال للعودة إلى تلك الفترة، ماني ميّال، كنت حسّ إنو كان ممكن تنعمل الحياة بشكل آخر، هلأ ما بدي غيرها بس ما بروح عليها باستمرار، بروح على مطارح الندمان بروح على المحل بذاكرتي اللّي خبيت فيه الذكاء البشري، النهفات المسائل الكتب..
أحمد الزين: الأشياء الأكثر إنسانية يعني؟
عصام العبد الله: بحطها بمحل بروح عليها.
أحمد الزين: غالباً الأمكنة تسكن الناس أكثر من سكناهم لها، لذا تراهم يعودون زائرين إلى بيوتهم القديمة، ويصبحوا بينهم وبينها حبل سنين طويل هو العمر، يتفقد المرء بداياته يطويه في العودة ويفرده في الرحيل، أما الحنين فلا يخضع لمعادلةٍ ثابتة، هو عرضة للخمود أو الاشتعال بمقدار ما تركت الأيام من جمره في النفس، وبمقدار ما شكلت هذه الأمكنة أو تلك حضناً حميماً لها أي تلك النفس. في الحلقة السابقة حدثنا عصام.. عصام عبد الله عن الصبي الذي كانه في مواسم صيف الخيام، ودلنا على حارات الأهل، وتسلّل إلى مصطبة جده متفقداً الثمار الفجّ للصبي الذي لهى خلف هذه الأبواب، ثم وقام بدور صاحب البيت واستقبل نفسه وضيفه، وتواطئنا كما في الحلقة السابقة للقيام بجولةٍ ثانية في الممكن من الذاكرة، من التجربة، ومن الأمكنة التي رحيقها هو تلك القصائد، ومائها متعدد المصادر والينابيع.
عصام عبد الله إجي للقصيدة من الباب الآخر خلينا نسميه يعني الباب اللّي بيحكو فيه الناس "المحكية"، علماً كما يعني هو معروف بشعراء الجنوب خاصةً أو اللّي كانوا يسموهن شعراء الجنوب يعني هذا الجيل كله أتى إلى القصيدة بالفصحى، يعني إنت ليش طلعت من هالسرب؟
عصام العبد الله: طالما هذا اللسان يومي لماذا لا نزين اللسان اليومي؟! ليش بس هو عالحرتقات البسيطة؟ وبس بدنا نحكي كلام جد منبدأ بالفصيح؟ لأ إنو شو بيمنع إنك توشوش حبيبتك بالمحكية؟ تصوّر واحد عم يوشوش حبيبته بالفصحى؟ من هون يمكن..
أحمد الزين: بلشت المفروض تدرس يعني..
عصام العبد الله: إي بلشت أتلمس وبلشت تطلع معي هيك جمل وأفكار وحسيت للحظة من اللحظات بغواية شديدة لأنو اكتشفت إنو أصعب المحكية من الفصحى، إنك تقول شعر حقيقي فيها هي أصعب من الفصحى لأكثر من سبب بعدني عم اكتشفهم، بقلك اللّي صاروا باليد بس ممكن نتوصل لاستكشاف أسباب ثانية، السبب الأول: فقيرة المحكية..
أحمد الزين: مفردات قليلة.
عصام العبد الله: المفردات ما في سفساف، بينما بالفصحى بتعكز على إرث السيف اللغوي..
أحمد الزين: شي 200..
عصام العبد الله: مثلاً، الحصان.. كل أنواع الكلام بتحس إنو إنت وعم تعجن عجينتك وعم تركب مشهدك الشعري إنت وقت اللّي بيكون عندك ثروة لغوية واسعة أسهل من إنو عندك شوية طين مع شوية تراب مع شوية زيت ما في غيرن، بدك تعمل فيهن هن ما في غيرن أشكال متعددة اللّي هي الأشكال المشهدية الشعرية المتعددة، اثنين: بلا تاريخ، بلا تاريخ عندك تاريخك بالفصحى.. الفصحى العظيمة اللّي عملت انتصاراتها، وعملت إنجازاتها..
أحمد الزين: عملت ذاكرتنا.
عصام العبد الله: شكلتنا وألفتنا.
أحمد الزين: شكلتنا ألفتنا طبعاً.
عصام العبد الله: تصير عمتك بتمد إيدك بتاخذ من جزدانها إذا بدك، بتاخذ من حلقها إذا بدك، بيغويك فستان إذا بدك، بتهويك عباية إذا بدك منيح؟ بتمد إيدك بتعمل.. المحكية ما في حدا من أهلك موجود، عندك تجارب لبنانية بسيطة، تجارب عراقية بسيطة، وتجارب مصرية بسيطة بالمحكيات اللّي نهضت لتصير بمستوى الشعر الفصيح وربما تتقدم عليه، عم نحكي عن شعرية الكلام.
أحمد الزين: مش عن الزجل وعن الـ..
عصام العبد الله: لا.. لا عم نحكي عن الشعر.. عم نحكي عن الشعر، في عندك لأنو..
أحمد الزين: لأنو الزجل أسهل بكثير من الـ..
عصام العبد الله: لأ الزجل بحصتين، الزجل محامي شاطر وذكي..
أحمد الزين: لأ بس لحتى نفرّق يعني بين الاثنين.
عصام العبد الله: الزجل هو احتفال جميل جداً والناس بتدفع مصاري وبتروح تحضره، بينما الشعر بيعزمهن على الأمسية ببلاش ما بيجو، المهم للناس الزجل أكثر.. للناس، منشان هيك بنقول الشعر للخاصة للقليل القليل، لمن تبقى من ركاب المخيلة، لأنو إذا يا أحمد الشعر واسمح لي افتح مزدوجين: "إذا الشعر هو تمرين على الذكاء البشري وعلى المخيلة والقدرة على التناسق والانسجام بمعنى التركيب صار في ألعاب الآن غير الشعر بتقوم بهالمهمة"، انصرف الناس عن اللعبة اللغوية اللّي فيها الذكاء والعلم والدهشة والإيجاز والمفاجأة، مش هيك؟ هذول كلهن يعني صفات اللحظة الشعرية، وفعلها بالجمهور، هالصفات هي صار يلاقيها المواطن الولد صار يلاقيها بمطرح ثاني.
وكان وحده كثير..مدوّر مثل سرّ ووقع بالبير..كل ما كثر بيصير مثل بعيد وحده العتيق..ما كان مرة جديد..وحده اللّي قاعد بينك وبينك..وحده اللّي قاعد فيك..طوّل لحاله وصار يتسلّى ويتخيلك تيلعبك..يمكن إذا طفا السماء..ويمكن إذا ضوا السماء يسليك..
أحمد الزين: حتى القصيدة اللّي بتكتبها.. بتكتبها عصام عبد الله في عندها استعارات إذا صح التعبير استعارات من القصيدة الفصيحة.
عصام العبد الله: ملاحظتك ملاحظة يعني أنا يعني أنا بشعر يعني بشعر هيك بسرور وقت اللّي بسمعك، لأنو أنا الباكج تبعي محفظتي..
أحمد الزين: الفصيحة.
عصام العبد الله: الشعرية هي الفصيحة وما يصل إلى يدي من الشعر العالمي المترجم، هي الباكج تبعي أنا، ما عم نحكي عن شعر المحكية غير المثقف واللّي ما بيعرف لغات أجنبية، هيدا بحكم شخصيته بينتج محكية بتشبهه، مش هي المحكية لما حب ابن المختار بنت رئيس البلدية بآخر ضيعة من ضواعي عكّار مش هي هيّ المسألة، وهي إحدى خصوصيات وخطورة المحكية أنها تصير كل يوم كما يصير أهلها، أو المتكلمون بها، بينما الفُصحى مؤبدة بجمالها، مؤبدة بحضورها، مؤبدة بنظامها، بينما المحكيات هي حركة يومية عم تتألف حالة يومياَ وعم الناس وهي يتناوبوا على هذه المسألة، وقت اللّي ببين بشغلي أنا إنو كإنو.. بدي أذكر شغلة وتحية واسمح لي فيها هي لأحد الأصدقاء اللّي اسمه الجنرال وهبي اللّي توفى مؤخراً، كان عسكري بالجيش جنرال حيدر وهبي، وبقول لي بس يسمعني: ما بعود بفكر إنو كإنو فصحى ولاّ عامة، هيدا معناتها شو؟ إنو وصلت بتركيب المشهد..
أحمد الزين: للحالة الشعرية الصافية.
عصام العبد الله: أبداً، تركت اللغة اللّي هي أداة، وصلت حمولتك إذا قلنا إنو هذه اللغة حاملة شي اسمه الشعرية فإنت وصلت الشعرية ما انتبهت للحمولة.
أحمد الزين: طبعاً، هذا اللّي كنت عم أبحث عنه أنا تأوصله له الحقيقة، مين فينا نفترض إنو عندك أب روحي إنت؟
عصام العبد الله: آباء.
أحمد الزين: مثلاً: سعيد عقل؟
عصام العبد الله: معلم كبير هيدا معمرجي هذا معمرجي بيعمل صورة بالفُصحى وكاتدرائيات وأجراس عظيمة بالفصحى وبيعمل فلل مشمسة بالمحكية، يعني مهندس..
أحمد الزين: هلأ بينبسط فينا وحكياته بحب هالدغدغة هو سعيد عقل..
عصام العبد الله: هو بيعرفهن هدول ومنشان هيك قال جملته الشهيرة..
أحمد الزين: هيدي نوع من..
عصام العبد الله: منشان هيك قال جملته الشهيرة عني على كل حال، أنا ما بكرر.
أحمد الزين: طيب، كيف بتتقاطع تجربتك مع تجربة نسميه خصمك؟
عصام العبد الله: مين؟
أحمد الزين: طلال حيدر.
عصام العبد الله: لا..
أحمد الزين: حبيبك.. حبيبك طلال.
عصام العبد الله: طلال بالأساس صديق وحبيب وكثير كان وجوده وحضوره مُقنع إلي حتى تابع هواجسي بالمحكية، يعني سعيد عقل يعني ميشال طراد يعني الرحابنة يعني طلال حيدر كلهن اشتغلوا.. إيليا أبو شديد، موريس عوّاد، ما بقول إنو أنا عندي أب روحي بقدر ما إني انتبهت إلى هذه القيمة، إلى شعرية هؤلاء، واقتنعت إنو ليش لأ؟ لأنو كان في حرج إنو أنا ابن خالتي المتنبي وابن عمتي أبو تمام، وأنا أستاذ أدب عربي وبعلّم فصحى وكاتب قصايد بالفصحى مئات الأبيات.. مئات الأبيات اللّي كانت تشتغل بالسياسة والأحزاب ومش عارف إيش حسيت إنو يعني هيك كخطوة بس كانت خطوة اللّي بده يحرق المراكب.
مقطع من قصيدة للشاعر عصام عبد الله
ما بعرفن.. ما شايفن..لفوا وجوههن بالقهر..خبو سلاحهن بالوعر..خبوا أساميهن..ما في حدا بيشوفهن إلا إذا ماتوا..وتعلقوا مثل التحف مثل القمر..عم ينخطف من عندهن..صاروا عدد مثل الخطر مارق على سهل الجمر..وبيعد عساته..عم يظهروا بالليل.. قدامهن في ضو اسمه الفاتحة..قدامهن جدهن مثل الورد فتّح على سن الرمح..مثل القمح ناموا على دياته عم يظهروا بالليل قدامهن بياتهن..بكتافهن بحبلوا البيوت..بعلقوا ولادهن على حيطان الزمان..أماتهن نسوان من ياقوت..عم يوقفوا بين الرصاصة والكفن..بيحموا الثانية تيشرف بو علي وبيفخخوا الرمان..عم يظهروا بالليل قدامهن نهر الدمع..عم يسبحوا ما دمّعوا قلبي عليهن يظهروا ما يرجعوا..
أحمد الزين: أنت يعني بس تكتب أو بس تألف أو بس تقول هيدي إنت محبذة إليك إنو أقول الشعر، بتحس عندك هالهاجس إضافي، يعني عم تفكر أم عم..
عصام العبد الله: ما فيّ.. ما فيّ إشتغل إلا بهالطريقة، هيدي المنطقة الصعبة اللّي بشتغل فيها اللّي هي المحكية ما فيّ ساعتها إرضا بأي شي، أنا نقيتها لقول فيها الصعب، أنا رأيي بالآخر إنو الشعر طيران فوق جغرافيا النفس البشرية، في ناس طاروا قبلك واكتشفوا مناطق، إنت بدك تروح إذا إنت طرت فوق نفس المناطق وخبّرت القاعدة إنو أنا شايف سرب غزلان، بيقولوا لك: في ناس من عشرين.. من خمسين.. من ألفين سنة شافوه سرب الغزلان هذا إنت عن شو عم تخبّر، خبرنا عن شغلة جديدة مش هيك؟ بدك تظل طاير فوق جغرافية النفس البشرية لتلقط مشهدك وبتبلغ القاعدة بيقولوا لك ساعتها بالقاعدة شفت شي جديد، بتعرف شو قلن غيغارين لما طلع بأول رحلة اللّي بعلمك على الفضاء طبعاً هو مانو قاري بودلاهير ما بيعرفه وصل لفوق قالوا له أول سؤال: شو شايف؟ قلن: الأرض برتقالةٌ زرقاء، قبل ما يطلع لفوق.
أحمد الزين: عصام العبد الله بلديٌ من الخيام، وُلد في إنطلياس سنة 1940، واستكمل ولاداته الأخرى في الجامعة العربية طالباً وناشطاً في الحركات الطلابية، وفي المظاهرات التي رفعت شعارات المساواة والعدالة والحرية، وفي اختباراته لحزبين تخرّج أو خرج منهما ليؤلف حزباً خاصاً به هو حزب الكسل كما يسميه، للتمتع بما تبّقى من الحياة، حتى على حساب القصيدة، فمتعة العيش بذكاء مع الندامة متعةٌ تضاهي النشوة بخلق قصيدة لذا هو يصرف أيامه بمزاولة اللقاء بشلة الأصدقاء وبالتأمل حين ينصرف لوحدته، هو متقاعدٌ من مهنة التعليم كأستاذ اللغة العربية، ويرغب أن يتقاعد من مهامٍ أخرى، ربما من برنامجه في الإذاعة اللبنانية، عصام العبد الله سيد مصطبةٍ في مقهى الرصيف في شارع الحمراء، نوّع الكثير في حياته وفي عمله ما بين السياسة والتعليم والتلفزيون والإذاعة، وطوى الكثير من السنوات، وكتب القليل من الشعر، لكنه كثيرٌ في حضوره.طيب عصام إنت معروف عنك يعني مش غزير بنتاجك الشعري..
عصام العبد الله: صحيح عندي كتابين أنا كتابين صغار يعني ما فيهن حكي كثير.
أحمد الزين: طيب هيدي يعني علامة يعني بتحسها لصالحك هيدي المسألة؟
عصام العبد الله: أنا إذا كاتب 500 سطر لنفترض شعر أو 1000 سطر إذا بقي منهن عشرة يعني عشرة بالألف منيح؟ إذا كتبت 100 ألف وبقي منهن عشرة بتنقص النسبة، بدي حافظ على النسبة بهالزبدة الشعر..
أحمد الزين: عم تشتغل رياضيات..
عصام العبد الله: بيمرضني الشعر، وقت اللّي..
أحمد الزين: طيب إنت بتكتب اللّي بتحاول تكتب كل يوم؟
عصام العبد الله: لا.. لا أحياناً.
أحمد الزين: ما بيشغلك اليوم مشهد حالة معينة..
عصام العبد الله: ما بيشتغلوا لأ لأنو إذا بدي إشتغله بدي أقعد له.
أحمد الزين: وليه ما بتقعدله شو ناقص.. يعني شو اللّي بينمعك؟
عصام العبد الله: مفتون بالحياة، حياتك وإنت عم تركب لحظتك الشعرية حياة منصرفة يعني..
أحمد الزين: يعني بتمر بدونك.
عصام العبد الله: ما إنت يعني إنو الحياة براتك..
أحمد الزين: يعني بتمر الحياة براتك وإنت ملتهي بشغلة..
عصام العبد الله: إنت قاعد بشغلة عم تفكفك وتركب..
أحمد الزين: يعني متعتك بالحياة يعني ترى فيها..
عصام العبد الله: تفوق..
أحمد الزين: تفوق متعتك في تأليف القصيدة القصيدة؟
عصام العبد الله: طبعاً، تفوق متعتي أثناء تأليف القصيدة، بس بعد ما تتألف القصيدة وإقراها للآخرين وتعجبهن بصير بتمتع بنتفة وقت راح عليّ، عرفت كيف؟
أحمد الزين: طيب يعني ما بتندم إنو عم تصرف وقت كثير بمتعات يعني اسمح لي قلك مجانية؟
عصام العبد الله: بالعكس، إي، إحدى الاتهامات اللطيفة اللّي بفتخر فيها أنا من المؤمنين شديدي الإيمان بموهبة الكسل، موهبة الكسل بالمعنى التأملي.
قطع من قصيدة للشاعر عصام عبد الله
ما كان في عندن ورق تيكتبوا..وكان الحجر صاير على آخرته رمله ورمل..شو بيعملوا تيخبروا عن حالهن؟تيعلقوا حبل الأسامي قبالهن..وولادهن نقطة ونقطة ينقطوا من ثيابهن؟شو بيعملوا؟بجربوا وبيلعبوا..سطر النمل أول كتابة على الرمل..ما طولت..مارق حدا اسمه الهوا..مرات اسمه الريح..شافوا النمل خافوا ومشي من مطرحه على الزيق..وتخربط المعنى..وصار النمل تحت الرمل صار الحكي في الميل..
أحمد الزين: طيب عصام نرجع شوي للعمر، مثل ما ذكرنا ببداية الحديث ربما أو سياقه إنو أنت تقلب الصفحات الستين، وصرفت عمرك يبدو مستمتع رغم ما أحدثته الحروب من ندوب يعني ومآسي، شو بيقلك هذا العمر اللّي إنت هلأ مثل ما ذكرنا بالستينات منه؟
عصام العبد الله: بخليك تكتشف جسمك، إنت ما كنت مكتشف جسمك، أنا ما كنت مكتشف إنو أنا إلي كلاوي ممكن يوجعوني، بسمع إنو في كلاوي بالجسم، بس أنا كلاويي ما كنت بعرفهن..
أحمد الزين: بيوجعوا غيرك؟
عصام العبد الله: بس وجعوني.. عم تفهمني العمر بقلك بصير يذكرك بجسمك، بذكرك بمكنة العمر بمكنته، وهو قله مكنة آلة، هالآلة هي بصير بذكرك فيها وقت اللّي بصير تأطش بيأطش القلب بتحطله راصور، المعدة.. عرفت كيف؟ عندما تدخل بعلاقة مباشرة مع جسدك مش عم بحكي هلأ عن العلاقة بالجسد بالمعنى.. وعيك أو الجنس أو.. عم بحكي عن أعضاءك، نعمتان..
أحمد الزين: عندما تبدأ الأعطاب يعني؟
عصام العبد الله: نعمتان مجهولتان: الصحة والأمان، أنت بيفاعتك وبشبابك ما بتدير بالك لجسدك..
أحمد الزين: بتحس فضائك بضيق؟
عصام العبد الله: كثير بضيق وبتسأل عن عكازة، سابقاً ما كنت تسأل عن عكازة.
أحمد الزين: شو عكازتك هلأ؟ إنت غير الـ..
عصام العبد الله: أم حازم.
أحمد الزين: غير القصيدة..
عصام العبد الله: أم حازم.
أحمد الزين: هلأ بدنا نسمعها شو بدها تحكي عنك. أم حازم: عصام رفيق العمر، طيب كثير وعفوي وحنون زوج حنون بالدرجة الأولى، ما بيعرف الخبث، ولا الحقد، بينسى الإساءة وهي صفات بحبها فيه كثير، لأن بلتقي معه فيها، مزاجية عصام الشاعرية قوية كثير، والأنا عنده قوية، ومنشان هيك بسمح لحالي قول عنه إنه إنسان صعب، بس الله منحني قدرة على الاستيعاب، وقوة على التحمل، ودائماً بقول لحالي إنو المرة الحقيقية أوقات لازم تكون أم, وأوقات زوجة، وأوقات عشيقة, وأوقات صديقة، وأنا ما بدّعي إذا بقول بعرف طلّع المرأة دائماً المناسبة لعصام.
أحمد الزين: ودائماً كانت عكازتك سابقاً وقت اللّي كنت فتي؟
عصام العبد الله: على طول.. على طول، هلأ كانت عكازة..
أحمد الزين: عليّ أنا يا عصام؟
عصام العبد الله: لأ تنوء.. تنوء.. تنوء لأنها عكازة، بس كان الحمل ثقيل عليها وهلأ خف الريشة صار.
أحمد الزين: وإنت من الناس اللّي بيخافوا عادةً.
عصام العبد الله: من المرض مش من الموت.
أحمد الزين: بتخاف من المرض.
عصام العبد الله: بس.
أحمد الزين: يعني من الذل.
عصام العبد الله: المرض..
أحمد الزين: بيذل.
عصام العبد الله: لا تليق.. المرض لا يليق بالبشر، لا يليق، حتى بالحيوانات لا يليق..
أحمد الزين: بينقطفوا هو قطف.
عصام العبد الله: وإنت وراكب على حصانك اللحظة اللّي عم يحمحم حصانك وإنت ماسكه مزبوط ورايح فيه وقتها وقاع عنه، ومع السلامة الله معك.
أحمد الزين: شو اللّي بيذل أكثر من المرض؟
عصام العبد الله: الظلم: عبودية اضطهاد، بتعرف بشو بفكر أحمد أنا أحياناً بهون الناس الظالمين خاصةً الحكام، ولا أنزه الظالم الصغير مش رجل مخابرات، حتى اللّي بيغشك بالبندورة عرفت.. يعني عرفت كيف اللي بيغشك بالبطيخ ظالم.
أحمد الزين: بتغفر له هيدا؟
عصام العبد الله: إي، بس الظالم الكبير بتعجب إنو بيفهم إنو كيف ممكن يكون فلان ديكتاتور، وكيف كان فلان ديكتاتور، وإنو كيف مركز السلطة بإيده؟ وإنو كيف عمل مدينة يمكن أو عمل بلد بمركزة السلطة لأنو في مشاكل وما بده يناقشه بفهم إقامة ورشة بنظام استبدادي بفهم، كيف يمد إيده على الواقع ويمسكه، بفهم كيف يمد إيده على المستقبل ويمسكه، ويسخره على أساس إنو هو أحسن واحد بيعرف، بس اللي ما عم بفهمه عم يمد إيده على التاريخ على الماضي، زعلان ليش كمان ما كان بالماضي هو؟ إنها إحدى مصائب العقل العربي، إنها إحدى مصائب العقل العربي، إنها إحدى مصائب العقل العربي.
أحمد الزين: هذه من الأمراض على سيرة المرض من الأمراض المستعصية أظن يعني لا شفاء منها؟
عصام العبد الله: شي مخيف شي مخيف إنو..
أحمد الزين: يمكن لأنو عم نشفى منها شوي بهالمدينة اللّي اسمها بيروت عم يرجعوا..
عصام العبد الله: ممنوع..
أحمد الزين: ممنوع؟
عصام العبد الله: في جن أنا مع نظرية وجود الجن، أنا شخص مؤمن والجن موجود والجن هو اللّي قتل كمال جنبلاط وهو اللّي قتل رفيق الحريري وهو اللّي قتل نبارح جورج حاوي، وهو.. الجن ما بعرف من شو معمول، إذا بدك برويلك حادثة الجن المؤمن أنا عم بحكي عن الجن غير المؤمن اللّي بيعمل هيك بالناس، في جن مؤمن في جن مؤمن مرق.. مرقت جنية أنثى بيضاء يصفونها بالخيانة إنها مرقت بيضاء وطويلة, فشافها أحد الأشخاص الفقراء قال لها: إنتي مين؟ قالت له: أنا شو بدك من هالسؤال؟ قالها: أني فقير ومعتّر وإنتي بلكي، قالت له: خوذ هي كم قشرة بصل خذهن ما معي غيرهن، أخذهن منها وصار وهو ماشي يكبهن.. كبهن لوصل على بيته، شلح ثيابه علقانة قشرة بصلة صغيرة بعد بثيابه جايبته طلعت شقفة ذهب قشرة البصلة، في جن من هالنوع بيوزعوا ذهب على الناس.
أحمد الزين: جميلةٌُ استعارات عصام العبد الله، جميلةٌ بمقدار جمال أنثى الجن في بلدته الخيام، هذا الذي ألّف حياةً صاخبةً.. صاخبةً بالنضال وبالسياسة، باللهو وبالجنون أحياناً، وبالشعر، وألّف عائلةً وأصدقاءً كُثر، شجرةً من الأصدقاء والخصوم الجميلين قد يكون متصالحاً مع نفسه ومع وقته وإن عصفت ببعض عمره وعمرنا حروبٌ ومآسٍ وضيّع بعضه سدىً، تبقى من سنينه المشرفة على نهايات الستينيات صوراً يحتفظ بها أو ببعضها في ألبوماته، وببعضها الآخر في ذاكرته ويبقى هو متكئاً تارةً على عمره، وتارةً على أم حازم يمارس كسله التأملي وقصائده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق