2007-09-28

روافد مع الفنان التشكيلي محمد بناني

إعداد وتقديم

أحمد علي الزين: أصيلة موسم آخر، وفي كل مرة في هذه المدينة الجارة الأبدية للأزرق تعثر على جوهرة من جواهر المغرب أو على قامة من قامات هذه البلاد التاريخية العابقة بأريج أندلسي، أصيلة وفي كل موسم حكاية يرويها واحد من أهلها من أهل المكان محمد بناني التطواني المنبت، الرحالة العاشق الطفل المتخفي في هيئة رجل مسن، التقيته في صباحات أصيلة يتسكع في أزقتها، ويستعيد البدايات على أول مشاركة له يشارك في ورشة التشكيل لكأنه يستعيد ما تعلمه في أسبانيا مرةً قبل أربعين سنة، في هذه المدينة المزدانة بالجداريات والورود، حدث الود مع هذه الشخصية الفريدة فصرت أتسكع معه في المدينة وتتسكع معنا الحكاية.

أحمد علي الزين: أنت يمكن قديماً كنت من أوائل المشاركين في فعاليات الثمايننات..

محمد بناني: من 78 أول مهرجان وشاركت بخمسة أو ستة والآن رجعت بعد غياب طويل، وأنا عندي ذكريات مع أصيلة ومع المهرجان لأننا مثلاً هذه المرة رجعت إلى الموسم ووجدت الأطفال رجال، عرفتهم أطفال هنا في البداية لما كنا نعمل جداريات، فلما رجعت هذه السنة وجدت رجال متزوجين وفنانين كبار.

أحمد علي الزين: من أصيله إلى القنطره حيث يقيم محمد بناني مدينةٌ أخرى يحط بها رحاله ويفرش ألوانه ليتابع تصفية حساباته مع الأيام بمعادلة اللون، الرسم وسيلةٌ ناجعة للدفاع عن النفس أحياناً أو لحمايتها من السقوط. في هذا المحترف تتكثف حياة محمد بناني، هنا يقيم طقوسه في حالات العشق وتهزي على القماشة ألوانه ويتجسد المعنى أو الغموض في حركة الظل والضوء، هنا كل شيءٍ جزء من عمر كامل لا تستقيم الأمور إلا بوجوده، هلا بالأستاذ..

محمد بناني: أهلاً وسهلاً.

أحمد علي الزين: طيب أستاذ محمد طبعاً هذا هو المحترف وأكثر شيء حميم بالنسبة لك على ما أظن.

محمد بناني: أيوه هذا هو المكان الذي أقضي فيه معظم أوقاتي، يعني حياتي كلها تقريباً من الصباح إلى المساء، وأشتغل فيه وأفكر فيه وأنا أرتاح فيه..

أحمد علي الزين: جمعت أشياءك فيه؟

محمد بناني: هو مثل معبد بالنسبة لي، وفيه كذلك حياتي كلها لأن عندي أشياء ذكريات من الطفولة صور، بعض الأشياء اللي كانت عندي وأنا طفل في بيت أمي وأبي، وكل ما جمعته في تجولاتي في العالم موجود هنا، وأنا لا يمكن أن أعيش بدون هذه الأشياء مستحيل، لأنها هي محرك إبداعي أنا عملي، هي روح عملي وتفكيري والأشياء كلها.

أحمد علي الزين: طيب خلينا نرجع شوي للطفولة بتطوان على ما أعتقد، شو بقي فيك من تلك الأيام؟ شو بقي من الطفل محمد بناني الستينية على ما أظن..

محمد بناني: نعم أكثر شوي..

أحمد علي الزين: أكثر شوي الستينية في بحر الستين بين الستين والسبعين نقول الستينية؟

محمد بناني: أظن كما يقول لي معظم الأصدقاء وحتى أمي تقول أنني بقيت طفلاً كاملاً لحد الآن، يعني طفل كبير في السن، أنا بدأت تقريباً رجل لأنه كان عندي مسؤليات وأشياء كثيرة في حياتي يعني كنت أشعر كأنني رجل لكن الطفولة رافقتني، وكلما أكبر كلما ألاحظ أنني لم أضيع من الطفولة شيء..

أحمد علي الزين: يعني ما زلت هيك يعني وأنت عم ترسم كأنك عم تلعب؟

محمد بناني: أيوه هذا هو صحيح، لما في الرسم في عملي أقوم بكل أشيائي يعني ألعب، عندي تسوية حسابات إذا كان عندي مشكلة في الخارج مع اللوحة أصفي هذه الأشياء.. أضحك مع اللوحة، أسعد معها أبكي معها أشقى معها، كل الأشياء هذه كأنني أحكي للقماشة أو اللوحة ما حدث لي وماذا عشت من مأساة.

أحمد علي الزين: حكيت أنه أنت أحياناً وأنت بترسم يعني ربما تبكي كما قلت أو ربما تضحك أو ربما تحدث نفسك تحدث الطفل يعني تحكي مع الطفل اللي لم يزل فيك، والدك كان عازف بيانو، ورويت لي أنه أيضاً هو عندما كان يعزف كان يبكي أحياناً، أنت شفته كان يبكي أحياناً..

محمد بناني: شفته، في طفولتي كلها شفته يعزف ومراراً كان يقفل الغرفة ويعزف والدموع، هو كذلك مع البيانو عنده علاقة تقريباً كما أنا علاقتي مع الألوان والعمل، وكان عنده مع بيانو وأنا شفته كذلك لما ينتهي من العزف يقفل البيانو ويقبله، يعطيه نقول نحن بالدارج يبوسه، كان ضروري يشد بيانو وينحني ويبوسه يعني يقبله.

أحمد علي الزين: فنان كبير، ولكنه كان قاسي معك يعني مثلاً كان يمنعك ربما أن ترسم أو تعبر على طريقتك أو حتى تتكلم يمكن؟

محمد بناني: هو كان فعلاً كان رجل قاسي - كيف نقول - يعني كان رجل مش سهل صعب جداً، وطبعاً لماذا لم أعزف على البيانو؟ لماذا لا أعزف على البيانو؟ لأنه كان يعلمي البيانو بالضرب والعصا، لذلك أنا لما كنت أعزف بيانو كنت خائف أتوقع أن أنال صفعة.. لذلك لم أتعلم البيانو، وحتى في وقت ما كنت أكره البيانو. ذكريات الطفولة وبدايات تعلم الرسم

أحمد علي الزين: ويروي محمد بناني بلكنته المغربية المطعمة بالفرنسية والإسبانية عن أيام تطوان، يروي عن الدار الكبير وعن أطباع والده الذي جهد كي يعمله العزف على البيانو، يروي عن قسوته وعن طفولة مهربة في فناء الدار تخاف حتى من الصورة صورة الوالد المعلقة على الجدار، ويروي عن كارمن وكارمن جارةٌ إسبانية كانت تهرّب لمحمد الصغير الألوان والأوراق، كانت المدرسة الأولى في الرسم، ويروي أيضاً عن الأم التي تطلب منه أحياناً أن يرسم لها سمكة أو حمامةً لتطرزها فنانةً كانت الوالدة، لقد ورث منها مقداراً من العاطفة ومقداراً آخر من الإبداع. أنت كنت تقول أنه كنت لا تجيد أن تدافع عن نفسك، يعني ما كنت تقدر تدافع عن نفسك أمام الآخرين، حتى إذا أحد أعتدى عليك كان يمثل أنه أنت الذي اعتديت عليه، فوجدت وسيلة التعبير أو الدفاع عن النفس عبر الرسم بتقديرك؟

محمد بناني: أيوه هو أنا تربتيتي كانت شوي أو من طبعي كذلك كنت خجول ولا أستطيع أن أعبر عن ما أريد أو الدفاع عن نفسي، وكنت خجولاً، وبقيت خجول وأنا رجل كبير، يعني أنا ما أزال لحد الآن عندي شوية خجل، وحتى الكلام كنت لا أتكلم كثيراً، فأظن أنني كنت أتكلم بالألوان بالعمل بالرسم، وكذلك كنت أتعامل مع اللوحة كأنها هي تخاطبني كذلك، أعتقد مراراً أنني أسمعها وأسمع صوتها لأن الدرجة والعلاقة اللي عندي مع العمل أتكلم معه وأظن أنه يجيبني..

أحمد علي الزين: أنها كائن حي يعني..

محمد بناني: كائن حي، ومراراً أنا أفعل مثل أبي أقبل أعمالي..

أحمد علي الزين: حلو كثير، وبتخبر محمد الصغير اللي كنت شو عم تعمل..

محمد بناني: أيوه أيوه أنا محمد الصغير عندي يرافقني دائماً ولكن مش من الطفولة، عند سن معين كان عندي تقريباً 12 سنة أو 11 سنة هذا يرافقني دائماً ودائماً أراه ودائماً أتكلم معه، ودائماً أسمع أنه يقول لي برافو أو يقول لا أو يقول لي.. وأراه في المرآة لما أرى وجهي في المرآة أعتقد أن هذا الطفل هو موجود إنما عامل ماسك، لكن النظرة لما أقترب من المرآة أرى أعين محمد الصغير، ولما أكون مثلاً في السيارة أسوق وأعتقد أنه جالس بجانبي وبعض المرات مثلاً أنسى وأجيب 160 في الساعة مثلاً، فأراه كأنني خجول وكأنه يقول لي لا شوية، وهو ما يرافقني دائماً وأنا اتكلم معك وأنسى أنني عندي هذا الوجه وأعتقد دائماً..

أحمد علي الزين: ابن 12 سنة ذلك الطفل.. يعني محمد الابن 12 سنة تقريباً هو الذي يسيّر أمور محمد الستيني تقريباً؟

محمد بناني: أيوه تقريباً..

أحمد علي الزين: يؤنبه ويدله على هذا الطريق، هذا كويس وهذا لأ..

محمد بناني: ويشجعني ويقول.. وأنا كذلك أنا أخاطبه كذلك، أقوله له.. الحمد لله.. أنني أرى كأنه يقول لي ودائماً معي دائماً دائماً..

أحمد علي الزين: هلأ الناس يمكن يفتكرونا مجانين أنا وياك.

أحمد علي الزين: الوالدة أستاذ محمد كانت تشتغل في التطريز؟ ويمكن أنت اكتسبت إلى حدٍ ما يعني هذا الموهبة من الوالدة أيضاً، هذا الفن اللي فيه الكثير أيضاً أو شكل من أشكال التشكيل أو الرسم أو الزخرفة؟

محمد بناني: أيوه أنا كنت الوحيد في أخواتي الذي كنت أرافق أمي أكثر من أخواتي، أنا دائماً كنت مع أمي يعني من الطفولة، وطبعاً أنا كنت معجب لأنها كانت تطرز بالحرير وأنا جالس بجنبها أرى هذه الرسوم الهندسية وهذه الألوان والتنسيق، وكان عندها ذوق جميل جداً، وأنا أكيد ورثت منها وتأثرت بالفن بسببها أو بفضلها لأنها كانت.. كنت دائماً معها حتى كبرت دائماً معها، وحتى بعض المرات أرسم لها مثلاً هي تحتاج أرسمها سمكة تقول لي أرسم لي سمكة، وهي تطرزها تقول لي ارسم لي حمامة وأنا ارسم لها حمامة وهي تطرزها، وبعدين أنا اكتشفت فنان اسمه بولكلي..

أحمد علي الزين: الروسي الأصل الفرنسي اللي سكن في فرنسا..

محمد بناني: وجدت أنا بولكلي يعمل مثل أمي أو أمي تعمل مثل بولكلي نفس العمل..

أحمد علي الزين: لا هو يعمل مثل أمك لأنه أكيد أمك ما شافته..

محمد بناني: أمي عمرها ما عرفت بولكلي، وبولكلي جاء إلى المغرب وتونس وليبيا وموريتانيا وتأثر بهذا الطرز أنا متأكد، لأن هذا الطرز اللي كانت تعمله أمي تمام لوحات بولكلي وهي عمرها ما عرفت بولكلي، وأمي ما كانت تعرف حتى من هو الفنان لا تعرف، عاشت أعمالي، لكن عندها موقف حزين.. أنا كنت بالنسبة لأمي اشعر كأنها حزينة لأنني أنا فنان، فكانت دائماً تقول لأخواتي محمد مسكين، محمد طيب أنا لما كانت تشوفني عايش في المرسم بهذه الحال، هي بالنسبة لها هذه حياة حزينة بائسة..

أحمد علي الزين: شو الفنان يعني شخص فقير يعني..

محمد بناني: حتى لما كان شي حد من العائلة أو من الأصدقاء يورونها جريدة فيها صورتي أنا، كانت تقول أيوه الحمد لله والله يعونوه والله يحفظوه، هذا ولدي دايماً مسكين كان دائماً يعني دائماً..

أحمد علي الزين: أنت شخص بالنسبة لها شخص غير سوي عاجز وطفل ما كبرت بحاجة إلى إعانة..

محمد بناني: نعم إلى إعانة إلى عاطفة إلى رعاية، وأنا كنت أخاطب أمي أقول لها بعض الأحيان بنتي، أقول لأمي بعض الأحيان بنتي، أنتي يا بنتي الله يرضى عليكي لأنها هي أنا لما شبت وكبرت في السن، بدأت أرى هذه الأم، مش الأم اللي في آخر السنوات.. أنا أحتفظ بأمي الشابة الجميلة الطفلة، وبقت عندي في الذاكرة صورة فتاة جميلة تلعب معي، كنا نلعب مع بعض أنا وأمي، نلعب في البيت وكان أبي لما يأتي إلى البيت ويلقاني نلعب يضربنا الاثنين يضرب أمي ويضربني أنا، يقول لأمي أنت تلعبين معاه..

أحمد علي الزين: عم تمارسوا حالة شغب في البيت يعني أطفال..

محمد بناني: أيوه لذلك أنا احتفظت بأمي كأنها طفلة رافقتني في الحياة كلها،

أحمد علي الزين: هن الأمهات بناتنا في نفس الوقت أخواتنا يكونوا..

محمد بناني: هي أنا تذكرتها كثير وهي كان عندها حضور في حياتي حضور مهم جداً.. ذكريات المدرسة وبداية بروزه كفنان في الرسم

أحمد علي الزين: ويروي بناني عن المدرسة حيث كان يرسم أساتذته وهم يقومون بتلقين الدروس للتلاميذ، وربما أول اعتراف به فناناً كان من مدرسه الذي كان يناديه بالفنان ويطلب من زملائه الوقوف احتراماً له، كان هذا أول اعتراف متواضع به، قبل أن يتابع مغامراته في أسبانيا حيث درس الأداب واللغة لإرضاء أبيه كما يقول، ودرست التشكيل لإرضاء نفسه، من أسبانيا إلى باريس إلى أميركا كان محمد بناني يجول طالباً وباحثاً عن صيغٍ تدعم تجربته، من مدينةٍ إلى مدينة حاملاً في قلبه مغربه، وكما يقول: كنت لا أعرف إلى أين أذهب أو أصير ولكنني أعرف تماماً إلى حيث ينبغي أن لا أذهب. هذه جدلية بناني في الحياة وفي الرسم، وقد أوصلته إلى رؤية الواقع بعين تعري الأشياء والعناصر في مغامرات محسوبة بميزان العاشق، تُرى هل يعرف الفنان ماذا يصنع حينما يترك نفسه لمشيئة اللون ولاختلاجات الغامض في النفس؟

محمد بناني: أولاً أنا لا أدري، ثانياً إذا حاولت أفسر لك كأنني سأحدث بينك وبينها حاجز، لذلك طبعاً أنا عارف أنني فنان تجريدي مش واقعي، إنما أنا ارسم الواقع كما هو يحكي لي، يعني أحاول أن أقتنص مش الواقع بنفسه وإنما ما يعبر الواقع لي أنا.

أحمد علي الزين: تعبير عن هذه الحقيقة..

محمد بناني: طبعاً بهذه الطريقة أو بهذا الأسلوب أقع في التجريد لأن عيني أصبحت يومياً تجرد الأشياء الواقعية.

أحمد علي الزين: ترى الأشياء الجميلة غير التي يراها الآخرون؟

محمد بناني: أيوه، وهي بالنسبة لأغلب الناس عادية مش جميلة، أنا كنت رافض أقول القمر جميل لأني لم أكن ألقاه جميل، أو التفاحة جميلة كانت تجيني تفاحة عادي ليس فيها جمال أو للوردة..

أحمد علي الزين: شو كنت تشوف الأشياء اللي فيها جمال؟

محمد بناني: كنت تشوف مثلاً قصدير مصدى وفيه هذا اللون الصدى وسخ، وأنا أراه جميل وأنقله من الأرض وآتي به إلى مرسمي، الآله اللي كانت تشتغل عندي كثير في أكثر من اليد والرجل هي العين، لذلك أنا يمكن يقول شي واحد في الزنقا إيش تشوف؟ نقوله اسمح لي أنا عندي هذا.. مثلاً أنا ممكن نشوف امرأة في الشارع ولكن مش معناه أنني أراها بالمفهوم الجنسي أو الجمالي، لا عيني أصبح فيه.. استهلك بعيني وأشوف الأشياء وأشوف..

أحمد علي الزين: موظف لها كل طاقاتها لعينك.

أحمد علي الزين: كل من عبر هنا يقع في عشق هذه المدينة قال بناني وتابع جولته في الذكريات، أصيلة أو الجميلة تزداد تألقاً وبهاءً وجمالاً كلما وقع في عشقها فنان أو رحالة أو عابر، فهي مهيئة دائماً لاحتضان مريديها وهم كثر، يأتون في كل سنة أو موسم من الجهات ليقيموا طقوس الحب ويتداولوا في المدارك وفي شؤون الإبداع والحرية. للبنّاني ذكريات وجولات هنا جولات في رسم الجداريات، محطة من محطاته المتعددة، حدثنا في الحلقة الماضية عن الطفل الذي لا يكبر رغم المشيب، وعن أشيائه الحميمة، وعن لعب طويل صرفه في الرسم وفي تجريد الأشياء والأشكال والأجساد، وعن مخزونات من المشاهدات. تقنيات اللوحة عند البناني في محترفه يختصر العالم، أو أن المحترف هو تكثيف للعالم جمع حياته هنا وبسطها على القماشة، أو جعل لها دلالة في آنية وأشكال وصور مخبأة في العتمة يضيئها على طريقته باللون أو في تأطيرها بفضاء من العزلة. طيب أستاذ محمد طبعاً نحن تعرفنا شوي على تقنيات اللوحة عندك، أنت تذهب إلى التجريد غالباً لأنك هكذا ترى العالم ربما تعريه وتجرده، بس مصدر اللوحة.. مصدر اللوحة متل ما قلت هو فقط ما تشاهده العين؟ أم ما هو في الداخل يكون غامض أحياناً في الداخل، تشاهد ما في داخلك أحياناً؟

محمد بناني: هو في حياتي كلها وقع لي أشياء كثيرة في العمل، يعني في أشياء حلمتها، أنا في بعض مرات كنت أفيق من النوم وأنا عندي لوحة في رأسي شفتها في الحلم، وأجتهد حتى لا تضيع، وآخد ورقة وأكتب هنا أزرق وهنا أحمر وهنا كذا وكذا وأرسمها هذه لوحة شفتها في النوم، وطبعاً أشوف لوحات كثيرة في الشاليه، في البحر، في الطبيعة. الأسئلة الوجودية لديه

أحمد علي الزين: أنت على المستوى الشخصي عندك.. قلق بتحسّ بقلق، يعني أسئلتك تتعدى الحياة إلى أسئلة كبرى مثلاً؟ أو تسأل نفسك أنت مين؟ ومين أنت أتيت؟ وإلى أين أذهب؟ وهذا الكون وهذا الوجود؟

محمد بناني: هو أنا هادئ.. يعني عند الناس كلهم أنا إنسان هادئ، لكن أنا كأنني بركان نائم يغلي من الداخل، لذلك كان قال الناقد.. قال بناني هو غريب وأنني مع اللوحة، لأنني أنا قلت لك في البداية أنني عندي حرب عناد دائم مع عملي.

أحمد علي الزين: هل تحس إن اللوحة تعجز أحياناً عن قول ما تريده؟

محمد بناني: غالباً.

أحمد علي الزين: قد تذهب إلى اللغة إلى الكتابة..

محمد بناني: وأنا أزيد حتى اللغة لا تكفيني أي لغة لا تكفيني للتعبير عما بداخلي حتى في الكتابة..

أحمد علي الزين: من شان هيك أحياناً تذهب إلى النحت أحياناً إلى الحفر أحياناً إلى التلوين أحياناً إلى العمل في التراب في الخشب، بتلاقي كل هذه الطبيعة التي تتعامل معها غير كافية للتعبير عما يجول في نفس محمد بناني؟

محمد بناني: أيو أنا أعتقد حتى أن الحياة بالنسبة لمشروعاتي الفنية، الحياة قصيرة جداً لأنني أظن.. لذلك كنت أفكر على أن أنا عندي ابني فنان، يعني هو قد يكمل قطعة من حياتي الفنية.. ابن

محمد بناني: والدي عندي معه علاقات خاصة، يعني أحس فيه الأب فيه المدرسة فيه الأستاذ فيه الصديق عندي 35 سنة وما استطعت أن أفرق ما بين هذه العلاقات كاملة، لو ما كناش الأب ديالي كنت تمنيت أن يكون أبي.. علاقته مع رجالات الدولة

أحمد علي الزين: في الوسط التشكيلي المغربي والعربي والعالمي أيضاً لبنّاني موقع مميز أو مطرح أشار إليه كبار النقاد، فلوحته تدل على مكانته وعلى أسلوبه وهويته، فحضوره الغربي لا يقل عن حضوره في المغرب مثلاً، يقول عنه آلام ماكير: "في لوحة بناني كأنك تسمع ما تشاهده حتى تسمع حينما يرسم الصمت، لوحات بناني تتحدث عما هو عميق في النفس ومتجذر، فهو يعيش في الجهة الأخرى من العزلة. ويقول عنه دومينيك بوتييه: "أعمال محمد بناني ترابية وملونة، يجمع عناصره الساحرة ويكشف عن توازنها الخفي باتقان ومهارة، لكأن أعماله نوافذ صغيرة مفتوحة على كون فسيح". يقولون أستاذ محمد أنت فنان علاقتك كانت كتير جيدة بالملك الحسن، كيف تفسر هيك علاقة الفنان رجل الدولة مع الملك مع السلطة يعني هيدي شوي تعمل له حوافز أم يعني عندها مفاعيل إيجابية أو سلبية بتقديريك؟

محمد بناني: لا أنا إيجابية كتير لأنه الله يرحمه الحسن الثاني كان فناناً كان عنده ذوق جميل جداً، وكان عنده علاقة مع الفنانين علاقة غريبة طيبة جداً، لدرجة أنه كان مراراً يعني يستقبلنا، وكان يقول عنك أنا ألبست.. لأن الفنانين في المغرب معروفين اللباس شويه مش عادي عند العامة، ومحمد السادس ملك المغرب نصره الله هو كذلك فنان كبير جداً جداً.

أحمد علي الزين: يساعدوا الفنان بقدموا مساعدات مالية ومعنوية؟

محمد بناني: كثيرة كثيرة يعني يقتني من الفنانين كلهم عنده الأعمال الفنانين كل المغاربة كلهم بالشبان بالرواد بكل شي، أنا أنجزت أعمال لمحمد السادس ملك المغرب..

أحمد علي الزين: بطلب منه ومدفوعة الثمن؟

محمد بناني: بطلب منه وكنت في بيته.. أيوا هو في الحقيقة أحنا صعب علينا نقول نأخذ من السلطان ملك ثمن يعني يا ريت كله هدية، لكن هو ما يبغيش..

أحمد علي الزين: طبعاً من باب أنه يعني الاهتمام المالي يعني الرعاية المالية للناس، تعرف الفنانين غالباً تكون مداخلهم مش كويسه يعيشون حياة بؤس، أنت بلشت بحياتك يعني كان في شوية بؤس في البداية بداية التجرية، الآن عندما تنظر إلى تلك التجربة إلى تلك البدايات شو الحوار اللي تقيمه مع نفسك؟ شو بتقول لحالك وأنت الآن يمكن لوحتك من أغلى اللوحات بتصور في العالم العربي؟

محمد بناني: هذه مأساة الآن أصبحت بنشوفها برؤية بابتسامة، هذا العناد لأن لو ما كان كانش هذا العناد ما كنت وصلت إلى هذا المستوى والاعتراف، اللي يعترفوا به الناس..

أحمد علي الزين: يراودك الشك أحياناً بما تقوم به؟ تقول ربما هذا ليس هو الذي أريد أن أقوم به أو لا يستحق هذا الإعجاب من الآخرين؟

محمد بناني: أيوه دائماً.. أنا أستغرب حتى على هذا الثمن.. الدولة أثمانها غالية لأنني عرف أن ما طالبنيش مال كتير ومجهود كبير، وخاصة وأنني أشتغل بسرعة يعني كنت أنجز اللوحة بثلاث أيام أو أسبوع أحياناً في النهار الواحد..

أحمد علي الزين: بس أنت ما بتنتبه أنه يعني هذا العمل اللي عم تنجزوا في يومين وثلاثة ويلي عم تدفعوا ثمنه غالياً أو عالياً جداً، أنه هو مش وليدة اللحظة مش شغل ثلاث أيام هو نتيجة تجربة رح توصل لسبعين عاماً تفتكر هذا الشيء يعني حتى ترضي نفسك شوي؟

محمد بناني: هذا الفكرة تنتابني والحمد لله، لأنه كنا جالسين في أصيلة قالت لي لا هو مش ثمن لوحة ثلاث أيام هذا ثمن الحياة الكاملة ومشيت بالأفكار.. أيوا الحمد لله، يعني هناك لقيت الجواب لكن تلقيت للجواب..

أحمد علي الزين: كنا عم نحكي شوي عن الاعتراف.. أنه طبعاً المغرب اعترف بقيمة إبداعك وتجربتك، يعني على مستوى النقد الفني أيضاً كان فيه يعني كان يوازي قيمة هذه التجربة النقد قدر فات على تجربتك، قدر عملك قراءة كما ينبغي أن تكون؟

محمد بناني: هي أنا لما أقرأ ما قيل عني أو ما كتب عن عملي أستغرب، وأقول أنا لم أكن أعرف هذا الشي، فهو يعمل لنا طبيب نفساني واستطاع أن يدخل في العمق ديالك عن طريق العام ديالك يعني يكتشف فيك أشياء اللي أنت في راسك.. يقول الكاتب أنك أنت رحالة، أنا مش عارف أني رحالة.. فعلاً اكتشفت أنني..

أحمد علي الزين: فيك شي من الرحالة..

محمد بناني: الرحالة تماماً، وهذا قالها ناقد إيطالي يلي هو ما يعرفنيش، يعني هو شاف الأعمال وما زال ما عرفني شخصياً وكتب على أنني أمام رحال الخ.. أشياء كثيرة..

أحمد علي الزين: أنت مشارك في هذا المعرض هون بلوحة ومنحوتة يمكن؟

محمد بناني: أيوا بلوحة واحدة ومنحوتة واحدة، دايماً كان عندي الأسود لون أساسي في اللوحة، منذ البداية كان عندي دائماً مع اللون الأسود علاقة حميمة، وكل ما يمر الزمن السنين كل ما يكثر الأسود ويطغى على المساحة وأصبح هو تقريباً عندي الأسود فقط، الأسود.. شفت البيت اللي شفته في الصباح فيه أسود كثير لكن إن شاء الله ترجع المرة الجاية يطلع أسود..

أحمد علي الزين: أكثر سواداً..

محمد بناني: وهذا أنا لو كان عندي مثلاً إذا بنيت.. بنيت مثلاً لازم تكون سوداء.

أحمد علي الزين: ليش؟

محمد بناني: هو بالحقيقة الأسود أنا دايماً كان عندي أسود في العمل، لكن هذا الأسود بدأ العمل بدأ يكثر ويكثر حتى أصبح تقريباً عندي رغبة نرسم لوحة عمل كله أسود، وهي هذه علاقة حدثت لي مع اللون الأسود، وطبعاً هو مش أسود.. هل ما يحدث ما بين رجل وامرأة..

أحمد علي الزين: حالة حب غرام حادة.. حادثة حب.

محمد بناني: حادثة، لكن بعض الناس يعتقدوا على أنني أنا عندي مشكل يعني حزين.. الناس غالباً يشوفوا..

أحمد علي الزين: بيفسروا الأشياء كما هي.

محمد بناني: أنه يمكن أنني أنا ربما عندي مشكلة نفسية أو أعاني، لأ بالعكس أنا سعيد جداً، أنا إنسان من طبعي إنسان سعيد، أحب الحياة، والأسود جاء..

أحمد علي الزين: هو اللي بيحب الحياة كتير يقع في الحزن أحياناً بدون ما ينتبه، لأنها رح تفلت من إيده.

محمد بناني: ممكن إذا كان هناك فعلاً.. في آخر من دون اللي حكيتلك أنا عن الأسود إنما أنا لا أشعر به، لا أشعر بحزن، وفي نفس الوقت أنا أرى في الأسود جمال. الطفل العاشق مدى الحياة

أحمد علي الزين: محمد بناني الطفل أو العاشق الأبدي كلما زاد سنة في عمره عاد سنة في الحب إلى أوله، لكأن الذي يكبر فيه هو منسوب العشق واللعب، معه تلتقي ضفتا العمر على مفترق شهوة الحياة، لكأن عمره نهر تجمّع في نقطة واحدة على مفترق الطفولة حيث اللعب يضاهي الوجود كثافة واتساعاً، فعاشق اللون ماذا عن عشقه للمرأة؟

محمد بناني: هو نفس المشكلة.

أحمد علي الزين: نفس المشكلة؟ يعني معرض دائماً إنه تقع في عشق، في غراميات.

محمد بناني: لأ هي أنا كان عندي دائماً منذ كبرت حضور المرأة ضروري في حياة الرجل، يعني عنده مشاغل أساسي أو رئيسي، بل كيف قلت لك المرسم هو معبد أو منبع الإبداع هي المرأة كذلك بالنسبة لي أنا شخصياً، وأعتقد أن أغلبية الفنانين عندهم حضور الأنوثة أو امرأة في حياتهم عنده دور أساسي هام للإبداع، لكن إحنا اللي عنا مع الأسف الفنانين غالباً أغلبية الفنانين ما يعرفوش أنا شخصياً وقعت في هيك شي يسيروا الحياة مع المرأة، وإن إحنا كنا نحن محتاجين فيها لا بد ضروري إنما دائماً كانوا يضيعوها كانوا يخسروها ما كانوا يعرفوا يحتفظوا فيها.

أحمد علي الزين: حتى أنت؟

محمد بناني: حتى أنا، أنا طبعاً..

أحمد علي الزين: هلأ أنت عايش حالة غرام جديدة، يعني رغم فرق السنوات بينك وبين هذه الأنثى اللي بتحبها ويبدو هي بتحبك.

محمد بناني: نعم لأننا أولاً وقع عليه فشل في الحياة الزوجية الأولى..

أحمد علي الزين: مطلق يعني..

محمد بناني: ومش بسبب زوجتي كان السبب الفن، يعني شوي كان الفن كان السبب في..

أحمد علي الزين: هو من أولوياتك.

محمد بناني: كان من أولوياتي وكنت أعطيه تقريباً حياتي كاملة، والمرأة كانت تصبح تقريباً يعني تغار من الفن، ولهذا أنا محتاج كذلك أحبْ وأُحب، يعني كذلك غذاء ضروري لحياتي والحب فيه مشاكل.. عم عارك فيه، ولكن هي ضرورية..

أحمد علي الزين: فيه صراع، فيه أثمان وفيه..

محمد بناني: والفراق والدموع والبكاء.. ضعاف.. ولكن هذا شيء ضروري للإبداع.

أحمد علي الزين: طيب من الحب يعني إلى الحنين، خلينا نحكي عن الحنين شوي، أنت وقاعد في القنيطرة مثلاً وأنت من أكثر الناس كنت تجوالاً تقريباً في المدن، وين هي الأمكنة بتحسّ بحنين أكثر إلى تطوان أم إلى إسبانيا؟

محمد بناني: هو أنا في الحقيقة أنا جئت القنيطرة ونفرت من مكاني، وكنت مستعد نعيش في.. هربت من الرباط لأن فعلاً هناك وقع لي حادث الطلاق، إذاً ما كان ممكن نعيش ذكريات الحياة الزوجية اللي كانت عندي في الحي ولا في المدينة، كانت عندي ذكريات جميلة جداً وكان عندي ذكريات مؤلمة، ولكن حتى الجميلة أصبحت تؤلمني، إذاً أنا بصراحة مدينة تطوان هي مدينة..

أحمد علي الزين: الأهل وطفولة..

محمد بناني: لكن مدينة تطوان مع الأسف ما بقي فيها ولو ذكرى واحدة اللي تذكرني بالطفولة، ذكريات والمدينة اللي يعني كان عندي فيها الذاكرة كأنها مُسحت.

أحمد علي الزين: طيب أستاذ محمد متل ما ذكرنا أنت تنقلت كتير في مدن العالم دراسة ويعني مشاركة في المعارض وعندك حضور في أكثر من مدينة وعاصمة، ماذا أضافت إليك هذه المدن؟ هذا التعدد في الأمكنة شو أضاف لك شو أعطاك شو منحك؟

محمد بناني: أنا كنت في البداية أرسم حياتي وأرسم ذاكرتي وأرسم أحاسيسي، إذاً هذه الجولات والرحلات والأسفار كانت عندها دور إيجابي كبير بالنسبة لعملي في حياتي، حتى حياتي اليومية لو ما كنتش عملت هذه الرحلات..

أحمد علي الزين: يمكن ما كنت قدرت رسمت هذا..

محمد بناني: أنا قلت مرة أنني كنت أحب المغرب لكن أنا أحببته أكثر واكتشفته أكثر لما ابتعدت عنه، ولما رجعت رجعت بشوق.

أحمد علي الزين: بتخاف من الموت؟

محمد بناني: بكرهش نعيش ما زال شوية، يعني الموت لا بد منه، ولكننا نبغي نعيش نكون صحاح مش مريض، ما نبغي نطول في الحياة وأنا عاجز، نبغي نعيش وأنا منتج وصحيح..

أحمد علي الزين: عاشق ومنتج وكل شيء، بالنسبة لمحمد الصغير ما بتشتاق له هو موجود معك على طول. بتشتاق لحدا في ذلك الوقت من الطفولة؟ حدا من أصدقائك حدا من الأهل؟

محمد بناني: طبعاً أشتاق الأصدقاء، وحتى الزوجة اللي تفارقنا أنا وهي كان اشتاق لها دائماً، كان دائماً وعندي علاقة طيبة معها، إنما بعض الأحيان كان يقع الواحد في تساؤل ويقول يمكن ظلمتها أو يمكن.. أنا اليوم كريم ولدي يقول لي أنت فراقك مع والدتي عاد علينا كاملاً بالمنفعة لأنه.. قال لي أنت ذهبت وصنعت أباً لي آخر أحسن من الأب اللي كان يمكن يكون.

أحمد علي الزين: ربما، على كل حال ونحن رح نشتاق لك.

محمد بناني: وأنا كذلك والله، أنا قضيت تلات أيام وأربع أيام ونحن مع بعض في أصيلة..

أحمد علي الزين: قضينا وقتنا مع بعض، بعدين أنت حنون وأنا حنون يا أخي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق