أحمد الزين: أن يسكن أحدٌ هذه المدينة وهو على قدرٍ من الشغف بالتاريخ والجمال هو محظوظ لا محالة، ومن يأتيها وبه مسّ من لهفة الخلق والإبداع سوف يشقى قبل أن يجد سبيله للعثور على لغة خاصة به في هذا الفضاء الإبداعي المكشوف بكل بهائه المعلن والمتاح بتحدٍّ كل تشكيلاته للمقيم والعابر في متن المكان أو على هامشه، المدينة مشرعة الأبواب للفرجة، للتعلم، للتفكر والتأمل، للحوار والبحث، ومن يرغب في التمايز هنا وبه قلق الإبداع عليه أن يصرف سنوات كثيرة من عمره لعله يضع حجره الخاص في هذه العمارة الساحرة المدهشة، جبر علوان جاء إلى هذه البلاد منذ 32 سنة، وهذه العقود تكفي لجعله أن يكون مواطناً رومانياً وشروط انتسابه إلى إمبراطورية الإبداع هذه هي سلاح من نوع خاص، قوسٌ قزحيٌّ وسهامٌ صقلها بمبرد الموروث البابلي وهذّبها على مهل في ساحات روما ومتاحفها ومعاهدها وحينما شدّ قوسه ليرمي تشظّى وتر القوس وطرش ألوانه في الفضاء، فأُصيب جبر بهذيان اللون ولكي يبرأ انسلّ إلى ليله ولمّ الضوء ثم فرد ألوانه على الجدار فكانت حكاية.
المكان في ذاكرة الفنان
أحمد الزين: جبر علوان أكثر من 32 سنة بعيداً عن العراق، يعني كيف أصبحت صورة المكان الأول في الذاكرة؟
جبر علوان: مكاني الأول موجود على شكل ذاكرة ضبابية هذه الذاكرة بعض الأحيان تظهر بشكل قوي في داخلي وفي أعمالي، وبعض الأحيان تكاد أن تغيب، اللي يساعدها على غيابها هو أسمع أخبار إنّو المدن تغيّرت والناس توفوا وأهلي توفّوا وأصدقائي توفّوا أو اعتقلوا، ولأسباب كثيرة فلا أعرف ما هو المكان بالضبط.
أحمد الزين: صارت ملامحه غامضة؟
جبر علوان: الملامح غامضة جداً..
أحمد الزين: يعني بتقول يعني في بعض هيك اللقاءات الصحفية إنك تخشى الحنين، إنني أخشى الحنين يعني فيما لو حدث الحنين، كيف تعالج تلك المسألة؟
جبر علوان: لا أعرف لأنه.. أنا أعتقد بما أنه الفنان التشكيلي أو الكاتب أو المبدع بشكل عام حينما يتناول موضوعه يتناوله بطريقتين: طريقة الماضي يتذكره على شكل ذكرى أو يعيشه بشكل حنين، فالحنين بالنسبة إليه هو شيء مزوّر لأن كل الأشياء تكون جميلة في الماضي، ولكن الذاكرة هي أعمق هي تفرض في باطن العقل فبالتالي تتذكّر المقهى إيجابياتها وسيئاتها، تتذكر المكان كيف كان في الصيف حاراً وكيف كان بالشتاء بارداً، فالذاكرة هي أكثر صدقاً في التعبير عن الماضي.
دهشة المهاجر في بلد غريب
أحمد الزين: طيب جبر علوان أنت ما الذي جاء بك إلى هنا؟ وما الذي أدهشك حين وصلت؟ شو الشغلة اللي أدهشتك حين وصلت وما زالت تدهشك حتى الآن؟
جبر علوان: أسباب مجيئي هو متابعتي لتأريخ الفن وتأثيراتي بـ.. والسينما الإيطالية وبعض الكتاب الإيطاليين خلاني - مع دفع بعض الأساتذة لي- دفعني أنو آتي إلى إيطاليا، وحينما جئت إلى روما وجدتها امرأة جميلة عمرها أكثر من 2000 سنة، أحبتني واحتضنتني ومنحتني سرها، وبنفس الوقت خلتني أبحث عن هذا السر لأنه هو شكل جمالي..
أحمد الزين: نعم.
جبر علوان: فما بعد هذا الجمال هي اللي كوّنتني ولعبت دوراً في حياتي.
أحمد الزين: ولكي يروي حكايته يصطحب زائره بجولة على الساحات والمطارح التي صرف عمره فيها مندهشاً ليس بالجديد الذي يراه وحسب، بل بما رآه سابقاً ووجد فيه ملمحاً آخر، وهذه حال من به مسٌّ أو لوثة الكشف، هذه ساحة إسبانيا، هنا رسمت قبل 30 سنة البورتريه للعابرين والسياح كي أحصل على لقمة العيش، وهذه نافورة بارنيني أظن أنها لم تتبدل، أما هذه الجاليري هي جاليري جادورو، هنا توجد أشياء باهظة الثمن والقيمة، أجيال وأجيال عبرت هنا، مقهى جريكّو هو بمثابة متحف وطقس، هنا جلس كبار الفنانين، كل شيء على الجدار وفي المطبخ وعلى الطاولات بقي كما كان منذ 300 سنة تقريباً، هنا تابعت دراستي في النحت في هذا المعهد، وهنا نستدلّ على المسالك نحو الإبداع، المعاهد لا تصنع فناناً، تدله كيف يمكن أن يصبح فناناً؟ أما هذه الكنيسة هي كنيسة الفنانين فيها يشيّع أهل الفن إلى مثواهم، أظن هذا طقسٌ نادرٌ وجميل، أما هنا داخل هذه الكنيسة يحيى كرفادجو عبر لوحاته المذهلة، هذا الدرج يفضي إلى حديقة مذهلة أيضاً، هنا أنصاب الأنصاب لمئات المبدعين، حديقة فيلا برجازي حين تتجوّل هنا تشعر بجلال التاريخ والتماثيل لكأنها ترحب بك وبالعاملين، هي كما الشهود على حقبات الزمان، أما هنا ساحة فينيسيا وهذا النصب نصب الجندي المجهول نصبٌ جديد نسبة لماضي المدينة 100 سنة فقط، لكنه في عظمته يحاكي ماضي المدينة الضارب في القدم وأمام كل هذا المشهد يخطر بالبال سؤال عن ملامح الصورة الأولى في ذاكرة الرسام هناك في البعيد في بابل.
الانتماء إلى الفن والإنسان
جبر علوان:لنقل إنه الآن توضّحت الأمور أكثر في روما بعد 30 سنة، توضّحت الأمور أكثر ولكن للأسف بدأت تغيب أمور في ذاكرتي في ابن بلدي، طبيعة لون الحائر لون ملابس الإنسان ولكن في نفس الوقت هي مزج من الطرفين فأنا لا أنتمي لجهة معينة فقط، الثانية تكمل الأولى وبنفس الوقت أيضاً الحضارات الأخرى تأثرت بها من خلال سفري من خلال متابعاتي من خلال مشاهداتي..
أحمد الزين: طيب جبر لنقل أنه من بابل أو من تخوم بابل تلك القرية اللي ولدت فيها يعني من ذلك التشكيل الحضاري والإنساني والتاريخي إلى روما تشكيل آخر، الأول: زال قسم منه بفعل الزمان، وبهت القسم الآخر في الذاكرة بحكم تلك المسافات والبعد، والثاني: صارخ بحضور ومجسد هنا وهناك يعني أين أنت من هاتين الحضارتين لمن تنتمي؟
جبر علوان: أنا أعتقد أنا مزيج بين الاثنين واحد يكمل الثاني، ولنقل إنه الآن توضّحت الأمور أكثر في روما بعد 30 سنة، توضّحت الأمور أكثر ولكن للأسف بدأت تغيب أمور في ذاكرتي في ابن بلدي، طبيعة لون الحائر لون ملابس الإنسان ولكن في نفس الوقت هي مزج من الطرفين فأنا لا أنتمي لجهة معينة فقط، الثانية تكمل الأولى وبنفس الوقت أيضاً الحضارات الأخرى تأثرت بها من خلال سفري من خلال متابعاتي من خلال مشاهداتي..
أحمد الزين: نعم.
جبر علوان: فأعتقد نفسي أنا مزيج من مجموعة مشاهد وحضارات..
أحمد الزين: يعني أنت إنسان أُممي فينا نقول..
جبر علوان: أعتقد هكذا، أعتقد الفنان يجب أن يكون مرحالاً غجرياً يلم أينما يذهب، يشاهد ويخزّن في عقله في اللاوعي وبعدين لما يرسم كالمجترات يتقيّأ هذه المادة ويبدأ يرسمها.
أحمد الزين: يعني بمعنى من المعاني بتحسّ اللوحة اللي بترسمها هي البيت اللي بتسكنه أحياناً أو هي المكان اللي بتنتمي لإله؟
جبر علوان: أعتقد هو المكان والمكان اللي ينتمي إليه الإنسان يعني مو فقط ستاتيك المعمار وإنما وجود الإنسان وطبيعته وعلاقته معي وملابسه وشكله..
أحمد الزين: نعم.
جبر علوان: واحتكاكي فيه هي هذا اللي أتأثر فيها..
أحمد الزين: طيب فإذاً جبر أنت مثل ما عرفنا أتيت روما بهدف متابعة الدراسة والتعلم والاستفادة من هذه التجربة الإنسانية العريقة، يعني كيف فينا نقرأ تجليات هالتجربة بأعمالك؟ وخاصة أنت أتيت يمكن لتعمل نحاتاً مش يعني كرسام فدخلت معهد الفنون الجميلة إنّو على أساس تعمل نحاتاً.. يعني فينا نقول تلك الكتل من الألوان والضوء المتجسدة في بعض لوحاتك هي يعني بعض الأجوبة على رغباتك إنّو تكون نحاتاً.
جبر علوان: تأثير النحت في العمل أغلب النقاد يجدون هنالك كتلة في اللوحة، فالكتلة هي عبارة عن.. من ممارستي للنحت قد تكون تبدو بشكل مباشر أنا لست محللاً نفسياً في عملي الفني ولكن هكذا النقاد يجدون..
أحمد الزين: يرون.
جبر علوان: يرون يجد المشاهد الإيطالي أو الناقد الإيطالي المتتبّع لعملي أن هذا الفنان صحيح هو من عندنا، بس هو مو من عندنا، هو جاي فيه دم جديد وهو جاي من الشرق
أحمد الزين: طيب سؤال جبر يعني إنّو شخص مشرقي عايش في روما يمارس الفن التشكيلي بمدينة فيها معايير إبداعية عريقة، معايير إبداعية ونقدية وتستند إلى تراكم في التجربة وإلى أسماء عظيمة يعني أنت كيف نجوت نجوت تحديداً بهذا التميّز في روما كما نعلم أنت من الأسماء المعروفة في إيطاليا وربما في أوروبا وأكثر من مكان وعندك بعض اللوحات في المتاحف الأوروبية يعني كيف قدرت تحصل على خصوصيتك.
جبر علوان: أنا أعتقد هي الصدق والتلقائية اللي ساعدتني أن أكون طفلاً أمام لوحتي وهذا ليست الطفولة..
أحمد الزين: المجانية يعني..
جبر علوان: المجانية، وإنما هو أن ترسم ما تحسّه ما تشعره تطلق حرية إلى ممتلكاتك اللي أنت غير عارفها، وأعني هو اللاوعي اللي يترسب في عقلك اللي يتأتى نتيجة قراءاتك ومشاهداتك، تطلق الحرية.. فبالتالي إذا نرغب باب التواضع إنه بعض النقاد اللي الإيطاليين يجدون فيه عندي لوناً.. لوناً شرقياً فيه روحية خاصة شرقية، الأوروبيون همّ ملونين وأساتذة بالفن وظهرت مدارس كبيرة في فلسفة اللون، وباحثين من.. والانطباعية، ولكن يجد المشاهد الإيطالي أو الناقد الإيطالي المتتبّع لعملي أن هذا الفنان صحيح هو من عندنا، بس هو مو من عندنا، هو جاي فيه دم جديد وهو جاي من الشرق.
أحمد الزين: وكنت أتخيل الوجوه الغائبة والمحمولة إلى ترابها الأبدي أتخيل طفولتي خيالات في فصول بابل، خفت مراراً من أن يتملكني الحنين في بعض طوفانه الجارف، خفت أن يتحوّل الحزن إلى السواد المطلق فهربت إلى الضوء.. إلى الضوء الذي كنت أهرب إليه وفيه، في بابل وبغداد، وانحنيت على الأبيض لأقيم حدادي وطقسي، انحنيت على سرب من الضوء المتقطّع بخيالات تعبر الشارع، ضوء ينهمر شلالاً من القمرة الزجاجية الملونة، ويتساقط بقعاً قزحية على ظل جدارٍ أو غيمٍ داكنٍ يعبر سماء روما..
ويقول جبر علوان: أقيم طقسي هذا لأشفى أو لأبرأ أو لأحاور الغيابات والأجساد المحفوفة بالسوادِ وبمخاطر الليل ومعاطفه المولوله في عواصف الريح، فوجدتني أرسم على الجدار جداريه قزحية وامرأة من فصول منحنية على روحها أماً للفقدان وحضناً لمعالجة الحنين، وأنثى تجعل العالم أقل خراباً وأخف ثقلاً وتسعف وجودي المادي المتعثّر على احتمال الفجائع الكبرى والغيابات الأبدية، وتجعلني استدل على متاهات الفرح أتبعه في متاهاته مندهشاً بكل ما أراه ورأيته، أنقل دهشتي رؤيتي حلماً على الأبيض كطفل يلهو ودائماً يتحوّل لهوي إلى خلق جسدٍ أنثوي غائم في قزحيته غامضٍ نابض في دلالاته، وهذا تعبيرٌ بليغٌ عن أشواقي وعن امتناني لزمني، وإن كان زمني مليئاً بالخذلان، استطعت أن أعثر في بعض أيامه المختبئة في ليله الطويل الطويل على ضوء يشبه الخلاص، أو هو الخلاص، ودائماً هو تلك السيدة الأنثى التي أصنع لطفولتها أرجوحة من قوس قزح وسريراً من الغمام لا يطاله الليل في عصفه المجنون ولا الجموح الذكري الذي يهشّم الجمال بفؤوس الأخلاق البائدة المزوّرة.
أحمد الزين: المرأة موجودة في لوحاتك بشكل أكثر من سواها، ومنكسرة على شيء أو مقدار من الحزن، يعني بتقديرك يعني هذا هل هو نتيجة فقدان أو نتيجة إحساسك بظلم ما يعني طال المرأة في مجتمعك في بيئتك؟ يعني لماذا تلك المرأة دائماً في لوحتك حزنها غائم وانكسارها غائم.
جبر علوان: طبعاً رسم المرأة في الفن التشكيلي ليس جديداً، يعني تاريخ الفنون من عصر النهضة وما قبل عصر اليونانيين في عصر النهضة اليونانيون كانوا يرسمون كثيراً المرأة وينحتون المرأة، أما بالنسب لي بشكل شخصي فأعتقد متابعتي من قرية بسيطة إلى حالة المرأة ابتداء من والدتي إلى أخواتي إلى النساء اللي كانوا يحيطون جنبي في الريف شاهدت أن قساوة المجتمع والرجل بشكل خاص على المرأة، شاهدت ظلم الرجل للمرأة، فحاولت أن أكون نصيراً إلى المرأة، لماذا هذا الإنسان الجميل الرائع اللي تمنحنا كل شيء نضطهده، فكان عبارة عن سؤال في بداية تكويني، وهذا الموضوع رافقني حتى هنا في أوروبا على الرغم من أن المرأة حصلت إنجازات كبيرة، واستطاعت أن تأخذ حقوقها وحريتها، ولكن بنفس الوقت الرجل لا زال بتفكيره برجوازي إزاء علاقته مع المرأة. فهو موضوع قد يكون اجتماعياً أنا مرأتي ما أعرف أن تقرأها كثيراً، أنا أجدها امرأة أولاً جميلة اللي أرسمها، ثانياً هي متأمّلة متطلعة حتى في وحدتها هي تبحث عن ذاتها ولماذا؟ تطرح السؤال.
أحمد الزين: طيب وبنلاحظ أيضاً في أعمالك جبر تلك الألوان القزحية، ولكن دائماً ضبابية ملتبسة غامضة حتى الوجوه والأجساد في.. بلوحاتك متماهين مع الغموض، يعني هل أنت ترى العالم على هذا النحو أم هو على هذا النحو؟
جبر علوان: أنا أعتقد أن العالم هو هكذا، تبدو الأشياء واضحة ولكن غير واضحة..
أحمد الزين: نعم.
جبر علوان: لذلك الإنسان يبحث من أجل توضيح الأشياء، أما الفنان ما لازم يوضّحها، لازم يترك أيضاً في عمله شيئاً من اللعب والضبابية والغموض وأشياء خفية فمو بالضروري يظهرها يجب أن يتركها لكي الآخر يكتشفها، بس يجب أن يتركها بطريقة فنية ليست عبثية، وليست تلقائية، أيضاً لازم يعرف وين يترك هذا المجال ووين يوضّح المكان الآخر.
أحمد الزين: دائماً.. دائماً أعثر في العتمات على بقعة ضوء تبرز وجهاً كما الأمل، أو يداً كما الطير، وانحناءة كما التأمل. هنا في روما مرت السنوات الثلاثين كما هجرات الطير في بلادي العتيقة، رسمت على أبواب السنين أنثى وأقفلتها خلفي وأنا أتابع بحثي عن الضوء لأصل إلى الحرية المطلقة.
جبر علوان: أنا إنسان بعض الأحيان أعيش حالة معينة فيها شيء من الحزن، قدر الإمكان أحاول أن أبتعد عنها ولكن يظهر في اللوحة، يعني أنا حينما أرسم ما أستطيع أن أقود لوحتي.. لوحتي هي اللي تقودني اللون هو اللي يقودني، فبالتالي أسقط ضمن تأثيرات معينة وأنا أرسم، يعني أعتقد الفنان اللي يرسم هو ليست عمل صنعة أو عمل فكرة، فكره هي تكون ضبابية فتتحوّل أثناء العمل، بأثناء العمل أنا دائماً بشرد، بشرود الذهن، أعمل ولكن عيني اللي بتشوف وعيي بيشوف شيئاً آخر..
أحمد الزين: اللون يجرّك يعني..
جبر علوان: اللون يجرني، ذهني يجرني إلى موضوع آخر، واللون يجرني إلى موضوع آخر والموسيقى كثيراً ما يحدث أن أسمع موسيقى معينة فالموسيقى تكون عين أخرى أيضاً، فبالتالي اللوحة تكون مجموعة مكوّنات أنا غير قادر على إدارتها أو إخراجها أتركها لوحدها..
أحمد الزين: ولكن في النهاية..
جبر علوان: وفي النهاية..
أحمد الزين: تضبط بعض الأمور..
جبر علوان: طبعاً تكنيكياً، ولكن روحياً لأ غير قادر على لَمّها..
أحمد الزين: طيب، في ما لو عدت إلى العراق الآن شو هو المكان اللي تذهب له في البداية أول مكان يعني بتزوره؟
جبر علوان: مدينتي وأحبّ أن أكتشف نفسي، هل ذاكرتي لا زالت هي حيّة أو لأ، هل لا زالت المقاهي كما تركتها أكيد كلا، هل الماء هو نفس الماء اللي كان يجري في النهر.. أعتقد كلا، أنا أعرف إنه كثير من الأشياء ما موجودة بس رح أرجع إلى مدينتي، أعرف بعد انقطاع طويل اجتني تجربة بعد انقطاع طويل ممنوع كنت اكلّم أهلي بسبب قساوة النظام، فصارت فيه فجوة بعد الحرب الإيرانية، فاستطعت أن أكلم أختي، فالسؤال اللي سألتها من بقى من أهلي؟ لم أسال من.. من مات من بقى؟ أتوقع لا شيء.
أحمد الزين: طيب شو رأيك باللي حدث ويحدث في العراق الآن؟
جبر علوان: ما حدث هو شيء طبيعي ما يحدث هو شيء غير طبيعي، أبحث عن لماذا هذا الشيء غير الطبيعي؟ فيه جملة عوامل تحدثوا عنها كثيراً من السياسيين فهذا موضوع تدخلني في معمعة طويلة..
أحمد الزين: نعم.
جبر علوان: ولكن تسألني عن الوضع، فأنا قد أكون قريباً عن عنوان كتبه أميل حبيبي اللي يقول: أنا المتشائل.
أحمد الزين: طيب جبر سنة بعد سنة التجربة عم تكبر، والوقت عم بيمرّ وأيضاً العمر عم بيمرّ يعني هل أنت تفكّر في البقاء في روما؟ أم تخطط للعودة إلى العراق؟ أو لنوع من العودة أم أنه لا عودة إلى الأمكنة؟ جبر علوان [يضحك]: أنا ليست لدي فكرة أو تخطيط واضح في هذا الإطار كما كان دائماً في..
أحمد الزين: في بالك.
جبر علوان: في بالي، لم أخطط للبقاء في العراق، ولم أخطط للبقاء في إيطاليا.. ولكن الآن مرتاح أنا لوجودي هنا، وهذا لا يعني أن أحلامي لا زالت مع أن أعمل شيئاً لبلدي أن.. قد أعود يوماً ما، قد تهدأ الأوضاع، قد ممكن أن أحمل مشاريعي لأنه لدي مشاريع كثيرة من أجل من أجل أصدقائي من أجل ناسي في العراق، وبضمنها مشروع لا أكذب عليك، أنه لدي الكثير من الأصدقاء الفنانين الإيطاليين بحكم علاقتي وتجربتي معهم، وهنالك مشروع بتبرع أغلب.. كثير من الفنانين الإيطاليين بلوحات وإهدائها للمتحف العراقي..
أحمد الزين: فنانين إيطاليين.
جبر علوان: فنانين إيطاليين
أحمد الزين: هذا بحكم علاقتك.
جبر علوان: بحكم علاقتي بالوسط الإيطالي وبالجاليريا، وهو مشروع قائم أعمل عليه يحتاج وقتاً ولكن هذا المشروع أريد أن أعود لبلدي مع شيء هاكم يا جماعة شيء جبناه إلكم استفادوا منه..
أحمد الزين: يعني غبنا 33 سنة نأتي ولو بشيء
جبر علوان: ولو بشيء بسيط
أحمد الزين: ويقول جبر علوان روما متحفٌ قائمٌ في العراء تشرق عليه الشمس وتغيب منذ أكثر من 2500 سنة، يدهشك حين تراه للمرة الأولى، ويدهشك أكثر كلما رأيته فالظاهر كأنه مختبئ دائماً أو متماهٍ بفضائه، وخلف الجدران هو تكثيفٌ للزمان يأتي لوحة أو منحوتة أو زخرفة أو بهاءً هندسياً عجيباً، ولا بد أن تصاب بالحسرة إن افتكرت ببلادك المتروكة للهباء بكل تاريخها ومدنها العتيقة لا بد أن تحزن على تاريخ نسبي. ما يدهشني في هذه المدينة هو أنني في كل يوم أرى ما لم أره من قبل، وهو قائم قبل مجيئي بدهور، هي هكذا دائماً المدن العريقة ما يظهر من جمالها ليس سوى نسبة مما هي عليه من حقيقتها، ثم كيف لمدينة عمرها يفوق 2500 عام أن تتعرّى أمامك بكل زمانها فهي تحتاج لكل هذه السنين لكي تروي لك أساطيرها وحكاياتها وغزواتها ودروبها، ولكي تخلع عنها معاطف التاريخ وخوذات الحروب وصهيل خيول أباطرتها وهم عائدون في طريق روما القديمة في نشوة من نشوات الغزوات بنوا قلعة في التخوم البعيدة تحتاج لوقت طويل بطول عمرها لكي تطويها كتاباً وتمضي به في ساحاتها نحو مقهى من مقاهيها التاريخية تقرأ فيه فصلاً من عمرك، فصلٌ تألّف هنا ومرّ سريعاً كما السحاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق