أحمد الزين: لا أعلم إن كنتَ شربتَ كأسك الأخير قبل أن تذهب إلى نومك، أو إنك زعبرتَ على إلهام وقلتَ لها: إنه ما قبل الأخير. أتاني صوتها من مصياف قالت عاد ممدوح، عاد أخيراً إلى مصياف، حيث أردت أن تبني بيتاً لتؤلِّف فيه أصدقاءً لهفوات الزمان وشعراً لمنادمة الليل، لا أعلم أيها المترع بالصخب أنك تعبتَ أخيراً من تلك المنازلة.
ممدوح عدوان: مرةً أخرى وحيداً مرةً أخرى سعيداً عندي الكأس على حافته ترسو أماني وفلكي لم أعد في حاجةٍ للندماء سأكون اليوم حراً وبعيداً ما أرى في العتم مما لا يراه الناس ملكي ثم لن أحتاج تصديق أحد حين أنضو عن غموض الليل أستار السواد وأرى ما يختفي عني وما أحتاج أن أُبصره ثم أحكي ما أرى من معجزات فأرى راقصةً أُخرجها من هلوسات معها رتل نساء فأُعرِّي من أشاء. ليس لي من أصدقاء ليس لي من أحدٍ أكمل كأسي معه دون عناء. ليس لي عاشقةٌ تُدفء قلبي وتؤاويه شريداً لست أحتاج إلى من سيغنّي إنني أُطرب للصوت الذي أُطلق في تعتعة السكر وأرضاه غناء ولذا أنفرد الآن بنفسي علّني أحكي وأحكي وعلى نول ظلام القلب والوحشة أبقى مفرَداً أنسج أهلاً ورفاقاً ونساء وبهم أبدأ ما أحسبه ليلاً جديداً أبدأ العمر الذي يبدو جديداً أبدأ الليل كما أُنهيه وحدي لست أخشى أن يوافيني البكاء ثم لن يخجلني أن أدفن الرأس على أي غطاء ثم أبكي.
أحمد الزين: يروي إدوارد سعيد بمذكراته، أظن "خارج المكان" هو اسم مذكراته، أنه عندما أصيب بذلك المرض العصيب أولُ أمرٍ خطر بباله أن يكتب رسالةً للوالدة بحكم تعوّده على كتابة رسائل لأمه يخبرها بما يحدث له يعني فـ.. وهو في سياق كتابة الرسالة تذكر أنّ والدته توفيت منذ سنوات، ولكن كما ذكرنا بحكم التعوّد أحب أن يخبر أمه بما أصابه، السؤال هو أستاذ ممدوح: عندما شعرت بذلك يعني، ما هو السؤال الذي طرحته على نفسك يعني؟ بماذا فكرت؟ ما حقيقة ذلك الشعور الذي انتابك؟
ممدوح عدوان: يعني أولاً أقول لك أنا، أن المرض ليس عيبا، كل الناس تمرض، الإنسان يعني فزيولوجيا موجودة بتتعرض، وأنا قصتي مع المرض مختلفة، رغم تقديري لأمي ومحبتي إلها باعتبار إنّو من الفواجع الأساسية بحياتي لما فقدت أمي، وهي لمسة إنسانية كبيرة من عند إدوارد سعيد إنّو يخطر له أول شيء يحكي لأمه، لكن أنا كانت قصتي مختلفة مع المرض، يعني أنا بدأت أتعالج في بداية (فبراير) شباط، هلأ نحن بنهايات تموز عم نصوّر، ولا يوم حسّيت إني مريض، رغم إنّو مرّيت بحالات صعبة حسب ما قالوا لي اللي حولي والأطباء إنّو أنت مرّيت بحالات صعبة جداً، وكنت دائماً أتعامل مع الموضوع إنّو أنا يعني كإنّو فيه جرح عم روح لعند الدكتور مشان يعالجه ويضمده إنه هذا ما مُميت بَدّو يشفى، بجوز يترك ندبة أو ما يترك ندبة ما هي مشكلة، لكن هذا قابل للشفاء حتماً، والمسألة هاي طبعاً عائدة لإيماني بالطب وعائدة بشكل أساسي لكن عائدة لإيماني بنفسي وإنّو أنا الآن ما بدي موت.
أحمد الزين: تحدثت عن الوالدة يبدو الوالدة كان إلها أثر بحياتك بغضّ النظر عن كونها هي اللي سببت وجودك في هذه الحياة يعني، يعني إلى أي مدى هي.. متأثر إنت بوالدتك؟
ممدوح عدوان: أنا يعني ظليت لقبل كم سنة بعتبر أكبر فاجعتين مروا بحياتي هما موت أمي وحرب 67 حزيران 67، والثنتين تقريباً شفتهم متطابقتين، الثنتين كإنّوا مأساة أكبر مما نستحق، وأكبر مما نستطيع أن نحتمل، وظلت أمي يعني تحتل هواجسي حتى الــ.. يعني سنوات طويلة، وطالعت ديوانين شعر، واحد منهم "أمي تطارد قاتلها".
أحمد الزين: ممدوح عدوان يعني بشوفك الآن تزاول يعني لعبة الحياة، ولاّ لعبة الكتابة وتزاول السيجارة والكأس ومنادمة الأصدقاء، فينا نعتبر يعني هذا السلوك هو نوع من المنازلة اللي إنت سوف تنتصر فيها؟
ممدوح عدوان: هو يعني ما بدّي سمّيها منازلة هي اختيار، إنّو أنا طالما أنا حيّ يجب أن أحيا حياتي بكاملها، وبكاملها تعني بكل التفاصيل ولو بدو يجي الموت يجي، وأنا يعني عمري ما خفت من الموت، وأحياناً بتوهّم إنّو أنا ما رح موت، بيجوز بعد سنوات طويلة من العجز وكذا أقول يلّه الموت صار أريح، نحنا عنا في عتابا بالأرياف بقول: الموت سترة.
أحمد الزين: نعم.
ممدوح عدوان: والهزيمة تعيبنا، فأنا تقريباً يعني مؤمن بهيك شي، لما كنت أتعامل مع الموت سواءً موت الناس الكبار حولنا، بعدين موت أصدقائنا بعدين موت ناس بعمر أبنائنا، كنت حس إنّو كتبت ديواناً كاملاً اسمه "كتابة الموت" .
أحمد الزين: نعم.
ممدوح عدوان: فصار يعني بعض الصحفيين أو الأصدقاء يسألوا: أنت ما عم تخاف من الموت؟ قلت لهم: لأ. وهذا مو جواب نظري ولا شعار ولا هتاف ولا..، ما عم خاف من الموت لإنّو ما عم يخطر لي إطلاقاً، ودائماً أنا يعني بتعامل مع نفسي إنّو أنا عندي مشاريع..
أحمد الزين: نعم.
ممدوح عدوان: وهالمشاريع لازم كمّلها، والموت إذا كان بيؤذيني فهو أن يُوقف هذه المشاريع، فدائماً أنا كنت معتبر إنّو هاي المواصفات المتعلقة فيّي إذا توقفت بدها تتوقف المشاريع اللي ما في حد بيقدر يكمّلها.
أحمد الزين: عائدٌ لتوّه من تلك المنازلة، يزاول الحياة، شهوة الحياة، مترعٌ كأسه ناصعٌ يعالجه بشغفٍ وحكمة ولفافته دائمة الاشتعال ينفخ دخانها في سراب الوقت هازئاً من أضرارها الفادحة ومن نصائح الحكماء، عائدٌ من منازلته والفارس فيه لم يسقط لم يساوم، والشاعر فيه ماضٍ في منازلةٍ أخرى مع الزمن واللغة، على طاولته نصٌّ هائل ينقله إلى العربية "الأوزيسّا" الملحمة الكبرى، وفي خلايا حاسوبه الكمبيوتر نصٌّ آخر سماه: "حيونة الإنسان"، هنا وهناك على طاولة العتاب والكتابة ينثر أوراقه، كتبه، عمره وشعره وضحكته المشحونة بالسعال والدخان والمرارة والسخرية.
أحمد الزين: بهالمعنى أنت هلأ الآن يمكن هذا الهاجس صار أكبر عندك إنّو هناك المزيد من المشاريع ربما المزيد من القصائد، المزيد من المسرحيات، من الأعمال الدرامية، تشعر بإلحاح إنّو بدك تنفذها كلها..
ممدوح عدوان: لا.
أحمد الزين: ما في عندك هذا الشعور..
ممدوح عدوان: أبداً شعور سهل الأمور طبيعية
أحمد الزين: فسحة الحياة؟
ممدوح عدوان: أبداً فيه قصيدة ما اكتملت وظلت شهرين عم بشتغل فيها ما مشكلة وما بستعجل عليها، وإذا ما اكتملت بلا، بمزّقها مثل ما بمزّق غيرها، فترة اللي ريحت نفسي فيها يعني بداية إحساسي بالمرض أصبت بتعب ذاكرة، فصرت أنسى، فقررت أوقف كل نشاط كتابي، وفتحت الكمبيوتر صرت راجع الفايلات اللي فيها نصوص إلي سابقاً، نصوص مسرحيات نصوص كتب، نصوص.. بدأت راجع على مهلي وهلأ صرت دافع ثلاث كتب للطباعة، وكمشروع عم ترجم "الأوديسا" اللي هي بعتبرها تكملة لمشروع ترجمة "الإلياذة" ، اللي صدرت
أحمد الزين: اللي صدرت من سنتين عن..؟
ممدوح عدوان: المجمع الثقافي.
أحمد الزين: المجمّع الثقافي في أبو ظبي نعم.
ممدوح عدوان: فأنا ماشي بمشروع بدّو سنتين ترجمة الأوديسا ومعتبر إني بدّي كمّله، فـ.. ما في مشكلة.
أحمد الزين: أستاذ ممدوح يمكن المبدع بشكل عام يشعر بوطأة الزمن أكثر من سواه، لأنه يتعامل.. يتعامل مع لعبة الزمن، بتقديرك هو يذهب إلى الكتابة لفكرة الخلود لفكرة إنّو هو يخشى الزوال لتخليص نفسه.
ممدوح عدوان: يا زلمة أي خلود؟؟ وأي..؟ أنا أقسم بالله بكتب لأتسلّى [يضحك] أنا بستمتع بالكتابة، بتيجيني فكرة بقول: يا سلام شو حلوة هاي تنكتب، وبشوف حالي أنا جدير بكتابتها فبروح بكتبها، بكتبها لأني بستمتع بكتابتها، ولما بخلّصها يعني ببحث عن أقرب الناس إلي، خاصةً إذا كانت نصّ مو كتير طويل يعني وبقرأ لهم إياه، لزوجتي لابني لصديق لـ.. بتلفن لواحد وبقلّو: تعال اسمع هاي.. حتى الزاوية الصحافية لما بكتبها هيك بحماس بحسّ كأنيكاتب قصيدة بقوم بقرأها للناس قبل ما أنشرها، لأني ما عم فكّر بالخلود، ولا بيعنيني الخلود، وإذا في خلود فهو للآلهة مو إلنا.
أحمد الزين: نعم.
ممدوح عدوان: فيه ناس عملوا أعمالاً موجودة ومستمرة وباقية من مئات السنيين ok، إن شاء الله بس أنا ما عم بشتغل على هذا الموضوع أبداً.. أنا حقيقةً ابن زمني، بشتغل رد فعل على زمني، ولكي أُرضي أبناء زمني، أرضيهم أحياناً بأني أستفزّهم، إني أشتمهم، بس بشتمهم على شيء فيهم الآن.يا إلهي إن وضعي غير خافيولذا أختصر الشرح الطويلاأعطني يا رب خبزي وكفافيأعطني شيئاً يُعافيغير أن الخبز وحده غير كافيأعطني شيئاً لكي أستر عجزيأنت تدري أن هذا العجز مخزيأنا أحتاج إلى ما يُسند الظهر قليلاثم ما يملأ البطن قليلاومن الأمراض شافيأعطني يا رب بعد الوجبة الأولى فراشاً ساخناً، وامرأةً ساخنةً ساذجةً تقبل من أفعى ثماراً مغرياتٍ بالقطافأعطني من حيث لا أدري غناءً تهجع الروح إليه وتلافيأنا أكثرت ولن تعطي سأبقى راكضاً أطلب خبزي ناشفَ الريق وحافي.[فاصل إعلاني]من قاسيون تبدو دمشق تحاصر نفسها بالإسمنت، والحارات الدمشقية تكاد تختفي أو تختبئ من طريق الزحف المعدني، والغوطة لم يبقَ منها سوى بعض الشجر في حالة رثاء يتمايل بعتاب، هذا ما تبقّى من الغوطة، قال ممدوح.في عينيه دمعتان بعيدتان بُعد الستينيّ عن صبيّ مصياف، على طريق حماه، ورأيت طيف الانكسار والصمت وبريق أملٍ في عينيه، بريقٌ أقوى من الموت والخراب، ثم ويمجّ من لفافته وينفث الدخان في فضاء قاسيون.ممدوح: يا ثلج كان لديك عنوانيوأتيت كيف يردك الخجل الثقيل فلا تدقّ البابْتقضي بقية ليلك القاسي على الأعتابْتأتي إلينا صامتاً خجِلاً ومتشحاً عباءتك الوسيعة رفرفت فوق التلال وفوق أشجار الصنوبر، ثم حطّت كالأمانيأراك عند الصبح منطرحاً، لحافك من سماءٍ والفراش ترابْيا خجلتي إن أبصر الجيران لي ضيفاً ينام على الطريق، وكان معروفاً من الأحبابْ.
أحمد الزين: هل كنتَ حراً دائماً في كتابتك؟ يعني هل ساومتَ مرةً؟ هل تنازلتَ مرةً؟ هل مُنعتَ من النشر مرةً؟
ممدوح عدوان: هذا صار أكثر من سؤال. السؤال الأول إنّو أنا كتبتُ بمقدمة ديواني الأول الظل الأخضر: اكتب وكأن أحداً لن يقرأ، بمعنى لا تكتب لأن فلان يحبُّ كتابتك، ولا تكتب لأن فلان بيكره كتابتك، ولا تكتب مشان تسترضي فلان، ولا تكتب مشان تستفزّ فلان، اكتب جوّاتك، شو في جواتك اكتبه.
أحمد الزين: وكتبت زي هيك؟
ممدوح عدوان: وأعتقد إني فعلت ذلك، وهذا سبّب كثيراً من المتاعب فيما بعد، وانمنعَتْ بعض الكتب، وانمنعتُ بعض الكتابات، انمنعتُ من السفر، انمنعتُ من الكتابة لسنوات، يعني كان وأنا بشتغل بجريدة الثورة كان ممنوع ينزل اسم بخبر فيها عادي، يعني مرت ظروف معينة وأنا خمس.. قدّيش هلأ، من 65.. من 64 لهلأ 40 سنة تقريباً.
أحمد الزين: نعم.
ممدوح عدوان: إيه، وأنا عم أماحك بالإعلام وأشتغل فيه، فمرت ظروف كثيرة، من شجار مع زميل لشجار مع رئيس تحرير لشجار مع وزير لشجار مع..، منع من السفر لإنّو بيحجزوا البسبورت، يعني بتصير هيك مسائل، وهذا تعوّدنا عليه، بقول: يا ما هالخدّ متعلم على اللطم.
أحمد الزين: نعم، مع العلم إنّو أنت كنت كنت حزبي يعني إنّو
ممدوح عدوان: أنا ظليت حزبي لعام 68.
أحمد الزين: وشو السبب تركت الحزب؟
ممدوح عدوان: سببها حرب 1967.
أحمد الزين: بسبب حرب 67؟
ممدوح عدوان: طبعاً، لما صارت حرب الـ 67 حسيت أنا بحاجة لشيء يعني مثل الهاملت كان بدّو معادل موضوعي أكتر عمّه، فكان بدّو معادل موضوعي لحجم الغضب اللي عنده، وحجم الفساد اللي يشوفه حواليه، فأنا كنت شوف فساد، بس حرب حزيران فرجتني الفساد بطريقة أشنع، وقلت أنا ما بدّي ماحك هالفساد نحن الآن لازم نجنّد قوانا للعدو فرحت تطوّعت مع الفدائية.
أحمد الزين: الفدائيين الفلسطينيين؟
ممدوح عدوان: الفلسطينيين، ونزلت على الأغوار وبقيت لآذار 68 ورجعوني.. رجّعوني لإنّو أنا سوري وكان يقال إنّو هدول مو فدائيين هدول مخابرات سورية، بتعرف مشاكل الأنظمة، ورجعت بعدين صارت معارك أيلول بالسبعين، طبعاً بعدها تركت الحزب، لإنّو خلاص أنا ما عاد قادر أتابع، معارك السبعين بالأردن.
أحمد الزين: أيلول.
ممدوح عدوان: أيلول، رحت مراسل مع الفدائيين، وبعدين رحت على الجيش، وأنا بالجيش صارت حرب تشرين كمان، رحت مراسل القطاع الشمالي، وشو بدّي قلّك مضحك مبكي، كل المعارك اللي كنت مراسل فيها انهزمنا فيها [يضحكان] ، فأنا مراسل الهزائم.
أحمد الزين: أقول لك الحق عليك؟
ممدوح عدوان: والله بجوز. نحس.. نحس.
أحمد الزين: ساخرٌ وموجعٌ ممدوح، ومعه يدور الحوار ويتشعّب في السياسة وفي الثقافة وفي الحياة التي تليق بهذا المشاغب على عمره الستين، ولأنه لا يرغب في هدرها مجاناً أو إسرافها تراه نازل الغياب في ساحتها مراهناً على مخزون الحب والشعر والشوق الذي في داخله، ليعود منتصراً ووحيداً ترسو على حافة كأسه الأماني والفلك، ستون سنة وثمانون عملاً ولم ينضب هذا الشاعر.. هذا اللاهي بلعبة الكتابة المستمتع بنصه وبزمنه والمتصالح مع الأيام ومع النفس، لا وقت ضائعاً لديه، الحياة حارة، حارةٌ للكتابة مثلما كانت حارةً أو بريّةً في زمن الطفولة ولذا تراه كما لو أنه يلهو أو يداعب اللغة ليأتِي النص قصيدةً أو رواية أو مسرحاً ودائماً مسكون بأسئلة الحياة وقلق الشاعر.المعروف عنك ممدوح عدوان إنّو أنت ما في وقت ضائع عندك، يعني الوقت اللي ما بتكتب فيه تمارس فيه حياتك والمُتعات الأخرى، يمكن الوقت الضائع الوحيد هو النوم.
ممدوح عدوان: أنا لما براجع حياتي الماضية بندم على شي واحد أنه فعلاً بداية شبابي ضيّعت وقت، وفيما بعد لما صرت ما أضيّع وقتاً اكتشفت إنّو أنا عم بتحسن كتير واكتشفت الشي اللي عم تقوله حضرتك أنه الإبداع ليس موهبة فقط، الإبداع شغل ومتابعة ومثابرة وبحث، وإذا كان الإبداع اللي عم بنشوفه أمامنا فيه 20% موهبة فيه 80% شغل .. 80% شغل، وبالتالي ما عاد الموهبة بتكفّي حدا.ابنه: مثل ما هو واضح بالحياة كتير قديش هو صاخب وحِرِك وبنفس الوقت طريقته هو هيك في البيت، علاقته معنا كانت كتير ما بشوفها بنفس الطريقة مع رفقاتي كيف مع أهاليهم كنت دائماً أشوف هذا الزلمة كيف معي مختلف عن كيف الأهالي الثانيين عم بيكونوا مع أولادهم، مو كلهن يعني أغلبهن، كان عاطينا كتير حرية وكتير ثقة، أنا و لاّ أخي يعني، وهذا الشي صرت شوفه بعدين لقدّام يعني إنّو هاي الحرية اللي ما أعطتني فرصة لأتمرد عليه، بحبّه كتير كشخص كـ.. هلأ صار لي أربع سنين غايب عن الأسرة تبعنا، عن البيت ومسافر فإنّو هذا من الأشخاص اللي بشتاق له مثل ما بشتاق لرفقاتي ما بشتاق له كأبي.
أحمد الزين: احكي لنا عن المسرح وعن الشعر وعن السياسة احكي لنا عن الحب عن المرأة.
ممدوح عدوان: شوبَها، بتشكي شي المرأة؟
أحمد الزين: ما بعرف [يضحكان] يعني قدّيش أثّرت فيك بحياتك وبتجربتك؟
ممدوح عدوان: والله هو يعني الميل الطبيعي يعني لذكر طبيعي أن يحبّ النساء، وهذا الحبّ بالأول بيكون هيك... يعني موجّه نحو مطلق أنثى، الآن هذه [يشير إلى زوجته التي تبتسم للكاميرا] هذه ولا غيرها.
أحمد الزين: يعني بتكون هي الأم والحبيبة والعشيقة والزوجة والبنت.
ممدوح عدوان: هي بعدين الحبيب الأول بيكتفي فيها، إنّو هي بتغنيه عن النساء الأخريات، فإذا انسجموا وتابعوا بتصفّي هي الزوجة والعشيقة والأم والأخت.. والبنت، بتصفّي بنته وبتصفّي أمه يعني.
أحمد الزين: إلهام عم بتقوم بهالدور؟
ممدوح عدوان: إيه طبعاً كتير، كتير.
أحمد الزين: هلأ بنسمع شو بدها تحكي عنك منشوف.زوجته إلهام: بالسنوات الأخيرة صرنا أكتر احتكاكاً ببعضنا، ويمكن وقت اللي مرض وقال لي: إلهام أنا ما بدي أتعبك، قلت له: كيف تتعبني؟ ما نحن عايشين مع بعضنا، إيش معنى هلأ واحد وجعو رأسه والثاني بقول له يالله باي باي؟ يعني ما بيصير.
ممدوح عدوان: فتجربة المرض يعني أعطت البصمة النهائية على ما يجب أن تكون عليه العلاقة.
أحمد الزين: بالله؟ يعني كل شيء هيه.
ممدوح عدوان: إيه طبعاً.
أحمد الزين: يعني عندما هيك كنت تشعر بملمة أو بضيق، بغض النظر عن المرض اللي أنت تغلبت عليه واضح، لمين كنت تلجأ؟
ممدوح عدوان: لحالي.
أحمد الزين: لنفسك؟
ممدوح عدوان: المشاكل الجدية الجدية الجدية كنت أحكي فيها لحالي، يعني أعالجها مع حالي، وهلأّ بتقلّي إلهام إنّو قد تكون يعني أحد أسباب اللي وصّلتك للمرض إنك بتحبس وما بتحكي.
أحمد الزين: بس بتكتب إنت؟
ممدوح عدوان: بكتب، بس مو كل الأشياء بتنكتب .
أحمد الزين: في مكان محدد بتكتب فيه عادةً؟
ممدوح عدوان: هون وراي هون.[يشير إلى الخلف]
أحمد الزين: على الكمبيوتر؟
ممدوح عدوان: بحطّ الكمبيوتر، بورتبل هو. عندي جوّى.
أحمد الزين: بهاي المكتبة بتقصد جوّى المكتبة؟
ممدوح عدوان: بالمكتبة فيه كمبيوتر المكتب، بس أنا دايماً بشتغل هون لأني ما بحبّ القعدة بالصالون أنا، ولما بدي مراجع بد شغلات كذا بفوت على غرفة المكتبة اللي هلأّ شفتوها.
أحمد الزين: يعني قمت ذات يوم هيك بعمل معيّن وأصبت بالندم الشديد؟ وقلت: يا ريت ما عملته؟
ممدوح عدوان: لأ.. أبداً.
أحمد الزين: في أمكنة مرقت بشدّك الحنين إلها أكثر من غيرها.
ممدوح عدوان: إيه. فيه مكان محدد وهو بقريتنا بـ "قيرون" اللي هي جنب مصياف، هي جبل وفيه وادي، وفي وسط هالوادي في نهر حافر وادي ثاني، فبيت جدي عندهم أرض هون، وكان حلمي أنا أني عمّر غرفتين هون تطل على الوادي الثاني اللي بتذكّر بطفولتي صار فيضان كبير كسر أشجار الدلب وقلّع شجر وكذا، وهلأ كبر شجر الدلب وصار يمكن 20 أو 30 متر طوله، وهو منظر كتير جميل وبحسّه من المناظر اللي ما بتنتسى بذاكرتي، ويعني هذا بتستاهل أنك تقول والله بدي أرجع مثل ما كنت صغير وأعمّر بيت هنيك وكذا، يعني ما بعتقد إنّو يتحقق، لكن هذا من الأماكن اللي بتظلّها بذاكرتي.أنا شاعرٌ أو شاهدٌ متورّط لم يلق متكأً له في مفخرةبدمٍ تُرى أم بالدموع ملأت هذي المحبرةوكتبتُ شعراً كي أعزّي أم رسمت على الدفاتر مقبرة نتعمد الإسرافْ لنستّر الفاقةْ الزاد خبزٌ حافْ والنفس أفّاقةْ الدمع نهرٌ جافْ ما بلّل الياقةْ والريح في الأعطافْ ذكرى بلا طاقةْ يبكي لنا الصفصافْ فنحنّ كالناقةْ تابوتنا مصيافْ والقبر ورّاقةْ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق