أحمد علي الزين: غالباً هم محظوظون أولئك الذين يُولدون وينشؤون في كنف عائلة تشتغل بهم الإبداع والثقافة، إذ أنهم يرثون حس الجمال وبذرة الخلق، ويبقى عليهم إن أشاؤوا وانتبهوا الحفاظ على هذا الإرث ليخطو خطواتهم الخاصة في بناء شخصيتهم، عبد الرحمن الباشا واحد من هؤلاء ورثوا معرفة موسيقية من والديه توفيق الباشا والمطربة وداد، لكنه بنا على هذا الإرث عمارته الخاصة التي لا يمكن أن تتمايز عالمياً لولا الاجتهاد والمثابرة والتمارين الشاقة على آلة عازفيها الكبار قلة نادرة في العالم وهو واحد بامتياز من هذه القلة التي تواصلت مع التراث الموسيقي العالمي بروح الاختلاف والتفرد في قراءات تلك النصوص الموسيقية الخالدة وإعادة عزفها، عبد الرحمن الباشا من أحيائه القديمة في بيروت إلى مسارح العالم يلعب أجمل وأعمق ما خلقه الفكر الموسيقي الإنساني.
يعني حتى يصبح الفنان عالمياً أو عازف البيانو تحديداً يخترق هذه العالمية لا بد من الجهد الكبير والمزيد من التمارين وقطع أشواط عديدة، يعني حتى نقدر نعرف كيف وصل عبد الرحمن الباشا لهذه العالمية خلينا نبلش خطوة خطوة ونعود للبدايات، يعني كيف تم اختيارك لآلة البيانو؟ لماذا البيانو تحديداً وليس آلة أخرى مثلاً ربما كما نعلم أنك أنت كنت بلشت على فيولون؟
عبد الرحمن الباشا: صح، قبل حكاية البيانو في حكاية فيولون بس قصيرة جداً، أنا حبيت بالأول الكمنجة عن طريق عبود عبد العال، كنت أُعجب بعزفه، ولكن كنت صغير وقبل حبي بالكمنجة حبي بالموسيقى بشكل مطلق يعني بالفضل لوالدتي المطربة وداد ووالدي توفير الباشا، فالألحان والأنغام كنت عايش فيها وهي كانت أعتقد اللغة الأم قبل ما تكون أي لغة أتعلمها وأحكيها فحكاية الموسيقى قبل حكاية البيانو، والبيانو اتضح لي تهيأ لي أنه سهل أن الواحد يطلع منه أنغام جميلة لأنه هو مثل ما نعرف البيانو يتدوزن والمفاتيح جاهزة مش مثل الكمنجة أو آلة ثانية.
أحمد علي الزين: مش بدك تفتش؟
عبد الرحمن الباشا: أيوا، بس كمان انجذبت بآلة البيانو عن طريق المكتبة العالمية للبيانو، طبعاً الواحد فيه يعزف كل شيء على البيانو، ولكن الموسيقى الكلاسيكية أنجزت وحضّرت للبيانو من أجمل موسيقى بالعالم، فجذبتني كثير عن طريق موزارت بتهوفن شوبان، اتضح لي أنه عن طريق البيانو عم ألمس من أعلى الخطوات الإنسانية بميدان الفن.
أحمد علي الزين: وقبل ما تبلش دراستك على المستوى الأكاديمي دراسة النوتا وكذا إلى آخره كنت تعزف شيء على السمع؟
عبد الرحمن الباشا: أكيد أنا قبل ما أتعلم النوتا كنت أعزف لأنغام الأغنيات التي كنا نسمعها على الراديو مثلاً أغنية أم كلثوم أنت عمري كان عمري 6 سنين عزفت كل المقدمة وحتى اندهش والدي ما كان علّمني شي ومحمد عبد الوهاب وقتها كان ببيروت وسمعني وكل هالأشياء بلشت قبل علم النوتا، فالنوتا هي طبعاً وسيلة كثير مهمة حتى الواحد يتمكن من تفاصيل العزف، خاصة لما بدنا نعزف سمتات لبتهوفن أو مقطوعات شوبان، ولكن الواحد لازم يتخطى كمان مرحلة النوتا، لأن النوتا ما هي إلا رمزيات للغنية الموجودة.
أحمد علي الزين: في الداخل.
عبد الرحمن الباشا: في الداخل، وفي سمعنا الباطن فهيدي مشان هيك هلأ منشوف كثير عازفين متخليين عن النوتا..
أحمد علي الزين: بشيلوا النوتا ويعزفوا على..
عبد الرحمن الباشا: في عالم كثير تندهش بذاكرتهن، ولكن أنا أعتقد أن هذه الذاكرة شيء ثانوي، المهم أن المبدع يعطيك كأنك أنت عم ترتجلها من مرة وجديد مع أن المقطوعة مكتوبة جاهزة ولكن هو عم يرجع يخلقها من جديد، هون تبرز عبقرية المبدع عن غيره.
أحمد علي الزين: في البداية كان البيت وكان الأب المشتغل بالمعرفة الموسيقية مؤلفاً وصائغاً ومرجعاً هو توفيق الباشا رائد من رواد الموسيقى العربية منذ أواسط أربعينات القرن العشرين، كان البيت وكانت الأم أيضاً المطربة وداد التي أهدت أذواقنا أجمل أغنيات زمانها، كان الأب وكانت الأم وكان البيت مطرح لقاء للمغنيين والشعراء والملحنين، في هذا المناخ لابد لعبد الرحمن أن يُعدى بالصوت وأن يتدرج على السلم الموسيقي مكتشفاً سحر الطنين المولد الأول للانفعال وللتأمل.
أحمد علي الزين: أديش أسهم توفيق الباشا بتوجيهك نحو هذه الآلة؟ طبعاً كان له دور على ما أظن؟
عبد الرحمن الباشا: هو الحقيقة بالأول لما شافني حبيت الكمنجة أعطاني فرصة أني أتعلم الكمنجة، ولكن أنا كان عمري أربع سنين وما كان عندي صبر كفاية على هالآلة صعبة البداية فيمكن كسرتها هيك يقولوا، وقال بابا: ما بقى فيه يسطع أبداً أي آلة موسيقية، ولكن لما كان هو غايب كنت أنا روح على البيانو لأنه كنت حب الموسيقى، فسمعني عن غفلة أني عم بعزف جيد يعني من دون ما حدا يدرسني، وانتظر شوي حتى يشوف إذا فعلاً تعلقت بهالآلة، لما شعر أن هذه الآلة أنا عم أتمكن منها وحاببها شجّعني بهالوقت هذا، يعني كان عمري صار 8 سنين، وبعدها ما كان كثير يتورط بدي قلّك لأنه هو مش آلته البيانو على الرغم من أنها كانت تساعده شوي بتأليفه كان حاططني بإيدين معلمة عظيمة زيفارت سركيسيان.
زيفارت سركيسيان (مدرسة بيانو): كنت أعرف أن عبد الرحمن الباشا سيكون له مستقبلاً زاهراً فبعد شهر وأربعة دروس على البيانو قلت لشقيقتي التي لم تكن على دراية بوجود عبود قلت أني بدأت أدرّس شخصاً سيصبح شيئاً مهماً في يوم ما، ردت عليّ بألا أبالغ فبعد أربعة دروس لا نستطع أن نعرف، رديت: بلا سوف ترين أنه سيصبح شيئاً مهماً.
عبد الرحمن الباشا: كانت البيانو بالنسبة لي لما كان عمري 8 سنين كهدية، يعني لما والدي قال لي: خلص هلأ صار فيك بدي آخذك عند معلمة البيانو، أنا شعرت أن هذه هدية كبيرة، فطبعاً مش كل اليوم يشعر فيها هدية يعني.
أحمد علي الزين: يعني مشان هيك تحافظ عليها.
عبد الرحمن الباشا: بمرحلة ما تبلش الصعوبات والصعوبات كبيرة على ابن 8 أو 9 سنين فبهذه المراحل اللي كان يشجعني طبعاً والدي ويرشدني بشيء معين، ولكن كمان أنا نفسي ما كنت بس نفّذ الدروس التي كانت تعطيني ياها معلمتي، كنت إذا حابب أغنية أو حابب أنا..
أحمد علي الزين: تحاول تنفذها على السمع.
عبد الرحمن الباشا: أيوا حاول نفّذها على السمع وحابب أنا ألّف أشياء معينة شخصياً، كنت أعملها يعني أتسلى بآلة البيانو كأنها لعبة.أنا كنت أحلم أنها تكون مهنتي، بس بنفس الوقت كنت روح على المدرسة مثل أي تلميذ صغير وكنت ألعب فولويه وباسكيت وهالأشياء يعني كنت كثير حرك وكنت حتى يقولوا عني شيطان.
أحمد علي الزين: الوالدة بتقول هالشيء؟
عبد الرحمن الباشا: إي، فيعني ما أشعر أنا إني انحرمت.
أحمد علي الزين: من أشياء الطفولة.
عبد الرحمن الباشا: يعني بس أن البيانو كانت لعبة مميزة عن غيرها.
أحمد علي الزين: ممتعة.
عبد الرحمن الباشا: ممتعة كمان طبعاً.
أحمد علي الزين: فيها اكتشافات وأخرى، طيب على سيرة الوالدة وداد طبعاً المغنية الكبيرة كان لها دور أكيد كمان من موقعك كمغني أن تحضنك توجهك إضافة للوالد؟
عبد الرحمن الباشا: هلأ الوالدة كان عندها الحنان الفائق، أنها عم تعطيني كل ثقتها الموسيقية فهيدا أعتقد يشجع كثير الثقة بالنفس وخلاني أوثق بمستقبلي كفنان، ولكن أعتقد أن التي منحتني أكبر شيء منحتني ياه هو كيف بدنا نقول الأنستان ميوزيكا هالأنستان هي.. لأنها هي ما تعلمت الموسيقى على النوتا، تعلمته عن طريق..
أحمد علي الزين: السمع.
عبد الرحمن الباشا: السمع.
أحمد علي الزين: مثل كل أبناء جيلها تقريباً.
عبد الرحمن الباشا: أيوا، هذا تراث بقى أنا أعتقد علاقتي مع الموسيقى إذا بدنا نفرقها بين زملائي الأوروبيين تتميز من هالشيء أني بقدر أنسى النوتا أكثر منهم لما أعزف من دون نوتا.المطربة وداد
والدة عبد الرحمن الباشا: أول مرة طلع على المسرح كان بالسبلي هول، يعني كانت أول حفلة له وكان عمره 9 سنين وكانت العالم زقّفت له بشكل مش معقول شي ثلاث أربع مرات ويرجعوا ويعيدوا العالم يزقفوا قد ما كان هو فنان وبتحسه أنه ابن مسرح هيدا الطفل، يعني خرج يطلع على المسرح، خرج يواجه ناس، مش أنك تحسه أنه طفل يعني دق عزف وخلص لأ، يعني تحسه أن له شخصيته فنان.
أحمد علي الزين: زيفارت سركيسيان قلة تعرف صاحبة هذا الاسم وقلة من المشتغلين في الموسيقى وتحديداً عازفي وطلاب آلة البيانو، هذه السيدة صاحبة الفضل الأول إضافةً للأهل كما يقول عبد الرحمن الباشا في جعله هذا الذي هو عليه الآن عازفاً عالمياً، كنا نبحث في بيروت عن المكان الأنسب كي يلعب عبد الرحمن بعض المقطوعات ونبحث عن الآلة الأكثر ملائمة لعازف من هذا المستوى، فتذكر معلمته الأولى زيفارت سركيسيان هنا في منطقة الحمراء وفي هذه الناحية في هذا البيت حيث كان يتهيب أن يمس هذا البيانو الذي خصّصته فقط للمتفوقين وكان هو الذي تبنته متفوقاً بامتياز.عبد الرحمن مبارح يوم أمس رحنا بزيارة لعند معلمتك الأولى التي هي زيفارت سركيسيان، شو كان شعورك بس طرقت الباب ودخلت وسلّمت على المعلمة الجليلة هذه؟
عبد الرحمن الباشا: هلأ الحقيقة أنا تعرفت على زيفارت سركيسيان كان عمري 8 سنين وطبعاً كان في هذا الاحترام.
أحمد علي الزين: الرهبة.
عبد الرحمن الباشا: الرهبة وخشية أنه كل.. ما أغلط ولا مرة، ما كنت أشعر أنها هي عم تميّزني عن غيري، كنت أنا بالنسبة لي تلميذ من تلامذتها، يمكن مش أفضلهم أكيد، ولكن اتضح لي بعدين أنها كانت هي عندها ثقة بمستقبلي، فكنت روح.. هلأ نبارح لما وصلنا لعندها تهيأ لي أني بعدني..
أحمد علي الزين: عبد الرحمن الصغير.
أحمد علي الزين: التلميذ الصغير.
عبد الرحمن الباشا: يعني ما بسترجي كثير أفتح البيانو من دون ما آخذ إذنها أو شيء، مع أنها هيّ تعدّني تخطيت مراحل كثير مهمة، هيّ حتى ما قدرت تتخطاها بحياتها، فهذا بس ما يغيّر، بعدين فيه عندها مش بس علاقة بين معلمة وتلميذ، ولكن كانت حاضنتني كأم ثانية كمان.
أحمد علي الزين: يمكن أظن أنها هي عفتك من الأجر على ما أعتقد، أنكم كنتوا تدفعوا أجر كطلاب بعد فترة من الزمن نتيجة موهبتك المختلفة صحيح.
عبد الرحمن الباشا: هيك عرفت من والدي بعد سنين أنه بعد سنة تعليم رفضت تأخذ أي أجر لأنها كانت تقول له لوالدي أن تعليم عبد الرحمن كان هدية لها.
أحمد علي الزين: حلو كثير، يعني تعتبر هذه السيدة المعلمة الأولى لها دور هام في حياتك وتجربتك ويمكن لولاها ما كنت صرت عبد الرحمن الباشا الآن؟
عبد الرحمن الباشا: أعتقد هذا الشيء لأنها خلتني أبعد شوي عن التعبير الرخيص، هذا بحب كثير أكّد عليه، التعبير الرخيص الذي فينا نشوفه وين ما كان اليوم حتى بميدان الموسيقى الكلاسيكية، منهن كثير يحبوا يقولوا: شوف أنا أديش بحس شوف أنا أديش ذكي.
أحمد علي الزين: استعراض يعني؟
عبد الرحمن الباشا: هالاستعراض هيدا.
أحمد علي الزين: المجاني.
عبد الرحمن الباشا: أيوا خلتني أبعد عنه وركّز على الأشياء العالية من ناحية الفكر والعالية من ناحية التعبير الرفيع، يعني الواحد ما يعبر إلا على الشيء الذي داخله الذي فعلاً شاعر فيه ومن دون أي برهان خارجي.
أحمد علي الزين: يمكن هي التي كوّنت عندك هذا النوع من الهدوء أو من التعبير شبه المحايد أحياناً أنت أمام البيانو عم تعزف، يعني نادراً ما نشوف على وجهك انفعالات هيك كبيرة أو..
أحمد علي الزين: هلأ شوف فيه شغلة أن التمكن من آلة البيانو لآخر الحدود هي نوع من البطولة فالبطولة فيها موقف خطير، يمكن أنا أشعر بهذا الموقف الخطير وبدي أتمكن من كل القضايا، ما شي يفوتني، فلذلك فيها الكونسنترسيون تبيّن على وجهها إني عم أعزف، ولكن أنا أطلب من جمهوري - وصار عندي جمهور مميز عن غيره – بطلب من جمهوري أن يركّز على السمع مش على النظر، لأن الموسيقى قبل ما تكون استعراضية قبل ما تكون نظر هي أولاً عالم للأذن.
أحمد علي الزين: أيضاً يعني كمان هذه الشخصية الهادئة التي تتمتع فيها أو على الأقل التي تبدو هكذا يعني شخص هادئ تأملي هي أيضاً اكتسبتها من كون هي الموسيقى بحد ذاتها عمل تأملي إذا صح التعبير؟
عبد الرحمن الباشا: هلأ فيه طبعاً بالموسيقى خاصة الموسيقى العظيمة تهذيب النفس وكمان الذي يساعد على تهذيب النفس هي الصعوبات اللي الواحد لازم يتخطاها التقنية، ولكن فوق هالشيء كله كمان فيه نوع من الموسيقى مثل موسيقى بتهوفن فيه فكر فيه تأمل يشبه الفكر الفلسفي أو التأمل الديني أو إذا نغيّر القول التأمل الروحي أو الصوفي، فهيدا إذا الواحد ما خاض عالم المؤلف ما فيه يتمكن من كل التعابير الموجودة بهالموسيقى بالنص الموسيقي
أحمد علي الزين: ما فيه يتمكن من قراءته من وجهة نظره على الأقل..
عبد الرحمن الباشا: أيوا.. فأنا كان عندي ميول شخصي للفكر الفلسفي وللصوفية إجمالاً، عندي هالميول ويمكن طابقت من خبرتي الروحية والفكرية على موسيقى بتهوفن واتضح أن هذه مطابقة لأننا نعرف أن بتهوفن كان عنده فكر عالي جداً وكان عنده كمان إيمان قوي جداً، كذلك باخ يعني ما ننسى بس باخ كان اتجاه مختلف نوعاً ما، شوبان كمان غير شكل بس شوبان فيه شبه مختلف، هلأ شوبان رح نحكي طبعاً عنه لأن شوبان ترك بلده بحرب وعاش برّات بلده بشكل محدد بباريس يشبه يعني..
أحمد علي الزين: يشبهك يعني شوي..
عبد الرحمن الباشا: يعني فينا نعمل نوع من المقارنة.
أحمد علي الزين: على سيرة باريس، أنت كانت المحطة الثانية بعد بيروت وتجربتك ببيروت، يمكن كان في خيارات قدامك أنك تكمل دراستك على مستوى عالي في أكثر من مدينة، فربما أجتك منحة من الاتحاد السوفييتي، ولكنك اخترت باريس، ليش اخترت باريس؟
عبد الرحمن الباشا: هلأ كان فيه سببين: أول سبب الوالد ما كان بدّو يوقف دراسته الثانوية، أنا كنت تلميذ الفرار بس كان كمان فيه سبب موسيقي فني أن الموسيقى مكتبة البيانو الفرنسية موسيقى ترافيل كانت غريبة شوي عني أكثر من الموسيقى الألمانية أو الروسية، فاتضح أن المدرسة الفرنسية رح تلبي لي رح تكمل لي..
أحمد علي الزين: مشروعك أو طموحاتك.
عبد الرحمن الباشا: طموحاتي أكثر من المدرسة الروسية، لأني لما كنت ببيروت كنت أعزف موسيقى بروكوفيوف راخمانينوف بسهولة يعني أفهم هالموسيقى، هلأ موسيقى ترافيل دوبيسي كانت تظلها غريبة شوي عني.
أحمد علي الزين: في الحلقة السابقة تعرفنا على عبد الرحمن الباشا وسط مناخاته الأولى، بين بيت الأهل البيت الموسيقي العريق دارة توفيق الباشا، وبين بيت المعلمة زفارت سركسيان، هنا في بيروت تشكلت مداركه الأولى، واختزنت ذاكرته تآلفات النغمية، هي مزيج مما سمعه من غناء وموسيقى ومن تدريبات على أعمال خالدة بحد ذاتها تشكل نوعاً من التحدي بالنسبة لأي عازف يطمح للاختلاف وسط ألاف العازفين، فذلك الشاب المفتون بموسيقى رخمني نوف وبسحر انسيابات موسيقى الشرق، لفت انتباهه رافيل بمقدار ما حمله بتهوفن إلى التأمل والتفكر، فكانت باريس هي المحطة الأنسب لمن يريد التعمق في المعرفة الموسيقية، وفي مستوياتها المكملة للمدرسة الأولى أو المدرسة الروسية والألمانية، في هذه المدينة تابع عبد الرحمن الباشا دراسته، تابع دراسته في المعهد الموسيقي العالي وحاز على درجات عالية خولته للمشاركة في مباراة أعلى جائرة عالمية هي جائزة الملكة إليزابيت في بلجيكا، فنال الجائزة الأولى بين حوالي 80 عازفاً هم الأوائل عادة في معاهدهم، وبذلك يكون للمرة الأولى ينال عربي على هذه الجائزة وكان ذلك عام 1978.
عبد الرحمن الباشا: سنة 78 أنا كان عمري تقريباً صار 20 سنة حبيت جرب إنه أعرف كوّن حالي أنا فين بين هالعازفين العالميين، فخضت هالمباراة الصعبة اللي مدتها شهر، كنا 81 عازفاً.
أحمد علي الزين: عازف.
عبد الرحمن الباشا: من..
أحمد علي الزين: كل أنحاء العالم.
عبد الرحمن الباشا: كل أنحاء العالم.
أحمد علي الزين: هودي همّ الأوائل بجامعاتهم.
عبد الرحمن الباشا: تقريباً الأوائل، بس اللي حابين يعني يعرفوا إذا يتمكنوا بها إنه يأخذوا هالجوائز في 12 جائرة هي بالآخر، فأنا صرت بين 12 الأول والآخر وعنا آخر امتحان آخر بروف مع الأوركسترا ولوحدنا يعني شيء كثير صعب، حتى فيه كونشيرتو مكتوب خصيصاً للكونكو ما حدا بيعرفه لازم.
أحمد علي الزين: للمرة الأولى.
عبد الرحمن الباشا: إي وحطونا نوع من السجن بس سجن ذهبي يعني 8 أيام كل واحد بدو يتعلمه بعد 8 أيام بدو يعزفه مع الأوركسترا من دون أي مساعدة من أستاذ معين أو شيء، وممنوع أنو الواحد يحكي مع أي كان بالتلفون من برّة، فصارت هالمباراة وأنا حزت على الجائزة الأولى وبتعرف إنه بلجنة الحكم هي 22 شخص من أهم العازفين ومن أهم المعلمين بالعالم.
أحمد علي الزين: ومن جنسيات مختلفة.
عبد الرحمن الباشا: من جنسيات مختلفة فكان هذا طبعاً نجاح كبير مش بس اللي كعازف ولكن نجاح كبير للبنان، لأنه أول مرة بلد عربي لبنان يأخذ يطلع لها المستوى بمباراة فنية موسيقى، وكمان كان نجاح لمعهد باريس لأنه المعهد باريس يعني لـ 78 كان إجمالاً الروس الأميركان يأخذوا الجائزة الأولى، ومعهد باريس مع إنه كان يعني كثير مهم ما توصل لهالدرجة هيدي.
أحمد علي الزين: شو الهموم اللي رتبتها إذا منقول هموم اللي رتبتها الجائزة على عبد الرحمن الباشا؟
عبد الرحمن الباشا: هالجائزة تفتح أبواب كثيرة أبواب العالمية المسارح العالمية، هيدي خطرة لأنه.. مش لأنه الواحد صار عنده الجائزة الأولى صار فنان يتعدى الزمن والمكان، فممكن إنه هاللجنة العظيمة شافتني أحسن واحد بها الوقت هيدا ولكن يمكن بعد سنة يمكن أنا أضعف، هيدا صارت كمان، صارت يعني في ناس غيروا ضعفوا لسبب معين، أنا حبيت إنه أتمكن وأفرض حالي كفنان ماكن على الزمن.
أحمد علي الزين: طيب طبعاً باريس وأوروبا كونت عبد الرحمن الباشا أو سمحت لعبد الرحمن الباشا يكون هذا الفنان العالمي بجهدك طبعاً مش هي سمحت لك، ولكن شو أضافت لك يعني تجربتك في باريس شو أضافت لعبد الرحمن الباشا خارج إطار كونك هذا الموسيقي العالمي؟
عبد الرحمن الباشا: هلأ لما وصلت على باريس فهمت شيء معين من موسيقى الكلاسيكية ما كنت أفهمها بالأول، ليش لأنه هالموسيقى نابعة كمان من مش بس من فكر عظيم ولكن نابعة كمان من مجتمع معين، من مناخ معين حتى بدي أقول من نور معين، لأنه هالشتاء هاللون الرمادي بالجو ما أثر على ألوان الموسيقى الكلاسيكية، وكمان الواحد بده يتعلم من تجربة هي تجربة كثير قاسية إنه يبعد عن بلده، بدو يبعد عن بلده مش بس غصب عنه ولكن كمان تا يعرف شو كونه هو، شو ذاته.
أحمد علي الزين: عادة عازفي البيانو بيلعبوا أعمال مؤلفين كبار يعني مع أمثال مثل ما ذكرت بيتهوفن رافيل شوبان إلى آخره باخ، مَنْ مِنْ المؤلفين أنت اللي تشعر نفسك أكثر انسجاماً مع مناخاتهم الموسيقية وتقدر ربما تسكب شيء من ذاتك من روحك على أعمالهم؟
عبد الرحمن الباشا: هو الحقيقة أنت ذكرت من أهم الموسيقيين وهم فيني أقول إنه عندي اختيار بينهم في 9 أو 10 من الموسيقيين اللي أعزف لهم بشكل مستمر دائم، ولكن فينا إذا بدي حدد أكثر بدي ما فيني أنزل تحت 2 هم بيتهوفن وشوبان، لأنه بالنسبة إلي الاثنين يكملون بعضهن، إذا بدي أختار موسيقى معينة، اثنياتون يكملون لأنه بيتهوفن وشوبان مثل ما نقول بالفكرة الصنينة الينغ واليانغ هم مثل الرجل والمرأة، مثل الليل والنهار، يعني هم كون لحالهم، يعني هم الاثنين كون متكامل، فعند بيتهوفن ألاقي شخصية رجولية.
أحمد علي الزين: درامية.
عبد الرحمن الباشا: درامية وبطولية كمان بنفس الوقت، وفي علو فكري في ثورة داخلية، في الواحد اللي يتعدى ضعف الإنسان بطيبة القلب بقوة الإرادة، عند شوبان فيه حنين وشاعرية، فيه هدوء في نعومة كل إنسان بحاجة لها، بمرحلة من اليوم بالنهار أو بالليل شو ما كان هالإنسان بدو يكون بحاجة لها تا يقدر يكمل، وتا يقدر يحب هالحياة، مع أنه شوبان في عنده بعض أحيان حزن كبير بهالموسيقى بس حزن جيد بجمال فائق يعني مش عارف إذا رح تضحك من هالجمال أو رح تبكي من هالحزن.
أحمد علي الزين: عبد الرحمن بتقديرك يعني شو السر إنه ما عاد يعني العالم لم ينجب أسماء بهذا المستوى بعد 200 -300 سنة يعني إذا ما أكثر شوي كمان؟
عبد الرحمن الباشا: هلأ هيدا السؤال جداً وخطير الرد عليه، لأنه بهالرد رح نحكم على الموسيقيين اللي عايشين بالوقت الحاضر، والحقيقة أكيد يمكن في منهن رح يتوصلوا يوماً ما إنه يأخذوا الاسم.
أحمد علي الزين: يبقى بالتاريخ.
عبد الرحمن الباشا: يبقى بالتاريخ أيوا ممكن جداً، ولكن في مرحلة تاريخية بالموسيقى الكلاسيكية بالذات مرحلة كثير صعبة، ليش؟ هلأ إذا أنا محلل شوي بعصر باخ موزارت وبيتهوفن كانوا الموسيقيين ما يؤلفوا أسلوب مميز، كانوا يأخذون الأسلوب الموجود يعني الموسيقى الموجودة بعصرهم ويشتغلون عليها، هيدي اللغة ما يغيّروها، همّ بس على طريقتهن يحكوها، بعد بيتهوفن بيتهوفن كرّس فينا نقول كرّس "التثبيت الذاتي" اللي هو التيار الرومانسي رومانتيكي اللي رح يمشي عليه شوبان وشومان وغيره، يعني كل واحد بده يثبّت وجوده واختلافه عن غيره بهالشخصية، هيدا كله كمان لأنه رغم هالموقف هذا بعد فيه صلة بين موسيقتهم والموسيقى كلغة عالمية بعد منهم القرن العشرين رح يكون في نوع من التوسوس إنه دخيلكن أنا بدي كون مؤلف عظيم بس ما بدي أي شي يربطني بالموسيقى اللي مضت، ففي هالمحاولات إنه ألّف موسيقى ما حدا سمع فيها، بدي بس أقول شغلة إنه قبل أهم من الجديد هو الجمال، الجمال حتى لو في شيء ترديد معلش إذا في جمال.
أحمد علي الزين: تكرار يعني قصدك.
عبد الرحمن الباشا: أيوا وهيدا صار يمكن الشي النادر للموسيقى الكلاسيكية الجمال اللي تتقبله كل أذن.
أحمد علي الزين: على سيرة التأليف يعني طبعاً أنت لك تجربة بالتأليف إضافة لكونك عازف يعني، طيب أين تضع نفسك كمؤلف من هذا الوسط وسط المؤلفين؟
عبد الرحمن الباشا: أنا بالأول بلّشت البيانو عن تأثيري بتأليف الوالد، لأنه طبعاً مثل ما نعرف الوالد مؤلف قبل كل شيء، فأنا حبيت أقلده مثل أي ابن حب يقلد الوالد بلشت ألّف على البيانو حتى أسرق له يمكن ألحانه وأقول هيدي ألحاني، فبعدين لما بلشت دراسة البيانو كانت التأليف عندي كمان مستمر بعدين نسيته شوي لأنه كنت عم أتمكّن من الأداء أكثر، ولكن ظليت عم ألف والتأليف عندي ما أشعره إنه مجبور عليه يعني هيدي نوع من الفرصة لي لما أكون خلصت شوي من الدراسات ألجأ شوي لشي ذاتي شي شخصي بيخليني أنا أعبر عن إحساسي بوقت معين.
أحمد علي الزين: غالباً يعني نقد النقاد الموسيقيين في أوروبا خاصة يعني تعاطوا مع تجربتك بشكل إيجابي، أنت على المستوى الشخصي تأخذ مسافة بين عبد الرحمن العازف وعبد الرحمن المثقف الموسيقي وتعمل نقداً ذاتياً للتجربة؟
عبد الرحمن الباشا: هلأ الحقيقة إنه الناقد اللي فينا نقول الصعب..
أحمد علي الزين: اللي هو الموسيقي يعني.
عبد الرحمن الباشا: إي أصعب ناقد على عزفي هو أنا، وبعض الأحيان يعني حتى لو النقض طلع إيجابي أنا في عندي ملاحظات على طول على عزفي، وأحاول على طول إنه ما يعني كون كثير مرتاح للي عملته أنا لأنه هذا يساعدني إنه على طول على تخطي مراحل معينة.
أحمد علي الزين: يعني عدم الرضا عن الذات بشكل كامل هو محفز لأنه الواحد يظل مبدعاً، يعني عملية الشك اللي يمارسها على شغله هي التي تحفزه إنه يكون أفضل في أمسية أخرى ربما.
عبد الرحمن الباشا: نعم فيه عملية شك وفي عملية ثقة بالذات يعني فيه توازن بين الاثنين لازم يحافظ الواحد عليها.
أحمد علي الزين: طيب أستاذ عبد الرحمن يعني الجمهور العربي واللبناني بشكل عام ما عنده ثقافة سمعية على مستوى الموسيقى الكلاسيكية والبيانو بشكل عام، يعني عنده ثقافة الطرب وثقافة سماعية الغناء إلى ما هنالك، يعني إلا ببعض النخبة اللي تهتم واللي هي قلة، ما تشعر بشيء من المرارة إنه المصدر اللي أتيت منه المصدر اللبناني العربي مش هو جمهورك الأساسي؟
عبد الرحمن الباشا: هو أنا بعرف وبشعر إنه الموسيقى الكلاسيكية اللي هي أنا بحبها في.. منبعها كمان جاي من الأندلس جاي من الموسيقى العربية، لأنه هالموسيقى ما فيها تنبع من لا شيء يعني، لأنو هالألحان اللي تجذب أذننا إحنا كشرقيين الموجودة في الموسيقى الكلاسيكية أكيد في لها صلة مع تراثنا القديم، هلأ كيف فينا نحنا يعني نفهم إنه الجمهور الياباني بعيد أكثر بعد منا عن الموسيقى الكلاسيكية عم يستوعبها وعم يمارسها وعم بحبها، فهيدي عبارة أولاً إنه بدها نوعاً ما جهد إنه الواحد يتعرف عليها أكثر بالأول، بعدين في دور يمكن بالإعلام إنه ما يعطي بس الموسيقى التجارية بهالقنوات ولكن كمان شوي موسيقى كلاسيكية من الخفيفة يعني فينا من السهلة السمع بالأول تا هالجمهور ما يكون عنده بس خيار واحد.
أحمد علي الزين: طيب طالما عم نحكي عن إنه الجمهور وعلاقته بالموسيقى بتقديرك لنحكي شوي عن الغناء يعني نأخذ رأيك على الأقل، هذا الجيل الآن يختلف عن جيل وداد الوالدة، شو سبب هذا إذا سميها انحطاط إذا فينا نسميه هذا الإسفاف بمستوى الغناء بالعالم العربي؟
عبد الرحمن الباشا: أعتقد إنه كل ما بدنا نستخدم الموسيقى منوصل لهالمرحلة إذا نخدم الموسيقى ما منوصل لهالمرحلة.
أحمد علي الزين: إذا كان عبد الرحمن الباشا ورث من أهله توفيق الباشا وأمه المطربة وداد جينات الموسيقى فهو بدوره أورثها لأبنائه، وقد يكون أجمل هدية يورثها المرء لأبنائه هي المعرفة، حصانة لا يمكن لأحد أن ينتزعها، في بيت عمه الفنان التشكيلي أمين الباشا اجتمع بعض شمل العائلة، حيث تعرفنا أكثر على مصدر وإرث عبد الرحمن ولمسنا عدواه الجميلة التي انتقلت إلى أبناءه، - فيه شغلة إنه اليوم فيه تقنية بكل الفنون، تقنية بالعزف تقنية بالفنون التشكيلية تقنية بالكتاب إلى آخره.. بس الفنانين قلائل بالعالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق