أحمد علي الزين: هذا الرجل أخذ على عاتقه منذ زمن مبكر مهمات عديدة من أبرزها التعريف بالوجه المشرق والمضيء لثقافتنا العربية، لرهان منه على دور خلاق للثقافة، بعد أن خذلت السياسة الكثير من المثقفين في أطرها السائدة عبر تهميش أدوارهم، وإبعادهم عن القيام بدورهم الذي لا يتعدى حدود الشهادة للحق والتعبير بحرية، فاروق مردم هو واحد من هؤلاء الذين غردوا خارج السرب دون أن يضيعوا في الفضاءات البعيدة، بل ألفوا لغيابهم عن أوطانهم حضوراً نافذاً حتى في أوطانهم عبر مهمات نبيلة قاموا بها. على أواسط آب من عام 2005 التقيت هنا في هذه العاصمة الفرنسية باريس التي يسكنها منذ حوالي 40 سنة، تجولنا قليلاً على ضفاف نهر السان حيث يبدو أنه يرغب في التسكع بين أفكاره هنا، أو أن المكان قد يكون مواتياً لاستعادة المشهد الدمشقي يوم كان طالباًَ في المعهد الفرنسي. فاروق مردم بيك إذا شئت.. إذا شئت أم أبيت، شو مصدر هذه العائلة؟
فاروق مردم: أصل العائلة تركي عثماني، الجد الأعلى كان حاكماً لمدينة دمشق والياً لمدينة دمشق في أواخر القرن السادس عشر، ثم تركها أسرة في دمشق، واستمرت هذه الأسرة حتى الآن.
أحمد علي الزين: استمرت عبر فاروق بيك..
فاروق مردم: كمان إذا شئت..
أحمد علي الزين: طيب تركت أستاذ فاروق تركت دمشق أو أنت من مواليد دمشق عام 1944 في 23 نيسان وغادرت دمشق سنة 65.
فاروق مردم: في أواخر 65..
أحمد علي الزين: يعني تبعد عن ربيعك الأول حوالي 61 سنة، وتبعد عن دمشق حوالي 40 سنة، ما حكاية يعني شو حكاية هذا البعد أو خلينا نسمي المنفى؟
فاروق مردم: لا أحب كلمة المنفى كما قلت، لأنني لم أشعر بغربة يعني لا أريد أن أكذب عليك وأن أقول وأعيش حالة لا تطاق من الغربة والحنين الخ هذا غير صحيح، جئت إلى فرنسا للدراسة ثم طرأت أمور سياسية وأمور حياتية أيضاً جعلتني أبقى في فرنسا، وأستقر فيها وأتزوج في فرنسا، وأولادي عندي ولدان فرنسيان بما أنهما ولدا في فرنسا، مما جعلني أشعر نفسي فرنسياًَ أيضاًً، وإن كنت كما قلت قبل كل شيء أعتقد أن هويتي العربية هي الهوية الغالبة.
أحمد علي الزين: طبعاً يعني 20 سنة الأولى من حياتك كانت في دمشق، وخياراتك أو هيك تشكّل وعيك الأولي يعني بدأ بحارات دمشق عبر علاقات معينة، عبر صداقات عبر أفكار كانت آنذاك يعني، كيف بدأ انحيازك لتكون من اليسار مع القضايا القومية مع قضية فلسطين يعني بمن تأثرت؟
فاروق مردم: حدث هذا على ما أعتقد في المعهد الفرنسي العربي بدمشق لأننا عشنا بشكل حاد جداً أولاً العدوان الثلاثي على مصر، يعني أن تكون في مدرسة فرنسية وأن تكون فرنسا مشاركة أساسية في هذا العدوان في فترة نهوض الحركة القومية العربية، وفي فترة نهوض وتبلور شخصية عبد الناصر الكبيرة وهذا.. فطبعاً هذا أثر تأثيراً كبيراً جعل رغبتي في أن أكون أثبت هويتي العربية جعل هذه الرغبة قوية جداً، ثم عشت الوحدة السورية المصرية وأنا في المدرسة الفرنسية أيضاً في المعهد الفرنسي أيضاً، مما أضاف بعداً إضافياً إلى هذا الشعور العربي العروبي، يضاف إلى ذلك أن الثقافة الفرنسية التي شُبعنا بها في المعهد الفرنسي كانت ثقافة علمانية، وثقافة ديمقراطية، وكان بعض أساتذتنا في المدرسة من الفرنسيين والعرب كانوا يساريين، يعني أذكر أستاذاً فرنسياً كان أستاذاً للتاريخ مثلاً كان أستاذنا الذي درسنا تاريخ الثورة الفرنسية مثلاً وأثر فينا كثيراً، أذكر أستاذين أستاذاً للتاريخ وأستاذاً للجغرافيا من العرب من السوريين كانا شيوعيين، واعتُقلا في بداية سنة 95 في أثناء الاعتقالات التي عمّت سوريا بشكل خاص ضربت الحزب الشيوعي السوري في وقتها، وقد تأثرت جداً أصلاً باعتقال هذين الأستاذين لأني كنت أحبهما جداً، مما جعلني أميل إلى هذا التيار وبقيت صديقاً للحزب الشيوعي السوري خلال بضع سنوات.
أحمد علي الزين: كان فاروق مردم منهمكاً في إصدار كتابه الجديد الذي بعنوان "ماذا يعني أن تكون عربياً" بالاشتراك مع الياس صنبر، وهذا الكتاب الذي فيه عودة إلى أصول الحركة العربية المعاصرة ومعنى الانتماء والعروبة والقومية كان عنوانه "مدخلاً لإعادة طرح السؤال ماذا يعني أن تكون عربياً اليوم" و"ماذا يعني أن تكون فرنسياً" في عالم التبست فيه الهويات والصراعات ومعنى الانتماء، وأصبح العربي في مستوى ما في موضع الشبهة واسط تضافر الجهود لتشويه الصورة أو لطغيان صورة أحادية الملمح والسلوك والفكر وُصم بها شعب برمته.
فاروق مردم: في هذا الكتاب حاولنا قبل كل شيء أن نعود إلى أصول الحركة العربية المعاصرة، يعني إلى أواخر العهد العثماني وبدايات القرن العشرين، عندما تبلورت الفكرة العربية كفكرة سياسية، ولكننا ننطلق من فكرة أن العروبة قديمة يعني الإحساس العربي إحساس الفرد من أبناء هذه البلاد، وبالأخص بلدان بلاد الشام بعروبته هو إحساس قديم ولكنه غير مبلور على المستوى السياسي، جاءت البلورة على المستوى السياسية في أثناء تكّون الحركات القومية في أواخر القرن التاسع عشر، ثم حاولت مع صديقي الياس صنبر أن نتابع البحث في هذه الهوية لنبين تعدد الهويات العربية، يعني كيف يمكن أن تكون في وقت واحد سورياً أو لبنانياً أو فلسطينياً وعربياً، وأن تكون عربياً ومسلماً أو مسيحياً، وأن تكون دمشقياً أو حلبياً أو نابلسياً الخ.. يعني هي محاولة إعادة نظر في الهوية على أساس أنه ليس هناك هوية واحدة، وإن كانت هناك هوية طاغية بحسب المكان الذي يوجد فيه المرء، أو بحسب الحالة السياسية العامة للبلد أو تواجده هو في هذا البلد أو ذاك إلى آخره.
أحمد علي الزين: هذا على مستوى يعني الجواب كان على مستوى ماذا يعني أن تكون عربياً، يعني حاولت تفسر معاني ودلالات هذه الهوية.
فاروق مردم: من خلال تطور الحركات السياسية العربية ومن خلال تطور التاريخ العربي المعاصر، يعني ماذا جرى بعد الحرب العالمية الثانية؟ المسألة الفلسطينية، الحقبة الناصرية، التراجع في الفكرة العربية بعد هزيمة 67، ومع تكون الأنظمة الاستبدادية العربية، ومع صعود الحركات الإسلامية الراديكالية إلى آخره، ماذا بقي من الفكرة العربية؟ ولماذا ما زلت أعتبر نفسي عربياً؟
أحمد علي الزين: وماذا يعني أن تكون الجزء الآخر من السؤال اللي طرحته في البداية وماذا يعني أن تكون الآن اليوم فرنسياً؟
فاروق مردم: صرت فرنسياً بالصدفة الحقيقة، صرت فرنسياً لأني حُرمت من جواز سفري السوري خلال فترة من الفترات، ثم بسبب تواجدي الطويل في فرنسا، أنا في فرنسا مقيم في فرنسا منذ 40 سنة إذاً لضرورات الحياة اليومية، لضرورات العيش، لأسباب عائلية بسبب الأطفال إلى آخره.
أحمد علي الزين: بس ألا يعني لك هذا شيئاً أن تكون فرنسياً اليوم؟ لأنه كلمة عربي أو مسلم أو ما شابه ذلك بالنسبة للغرب على الأقل فيها شيء من الاتهام أن تكون إرهابياً مثلاً.
فاروق مردم: لأ أن تكون فرنسياً بالنسبة لي أولاً أنا ثقافتي بالأصل ثقافة عربية وفرنسية في وقت واحد، يعني كنت طالباً في المعهد الفرنسي العربي في دمشق، ولذلك ربيت في وقت واحد على الثقافتين العربية والفرنسية، ثم كنت في فرنسا حين وصلت إلى فرنسا كنت فرنسا في حالة غليان، يعني كنت طالباً وعشت منذ السنوات الأولى الحركة السياسية الطلابية الانفجار الطلابي الذي حدث في سنة 68، وهذا الشبق للحرية وللتغير الذي عمّ بين شبيبة فرنسا وشبيبة العالم في هذه السنوات، مما جعل علاقتي بفرنسا علاقة خاصة وعلاقة ليس لها معنى، يعني هي مسعى من أجل الحرية من أجل الديمقراطية من أجل العدالة.
أحمد علي الزين: طيب أستاذ فاروق كما ذكرنا 40 سنة أنت خارج دمشق تقريباً، هل بتقديرك يعني هناك سنوات أخرى ستبعدك عن دمشق؟
فاروق مردم: أنا لست بعيداً جداً عن دمشق بالمعنى الجغرافي، أعتقد أن وقت أوان العودة لم يعد بعيداً جداً.
أحمد علي الزين: على شو بتراهن؟
فاروق مردم: أراهن على هذه التغييرات التي تعمّ المنطقة في الوقت الحاضر، والتي تجعل من الغريب ومن المستهجن أن يُحرم أي مواطن من العودة إلى بلده، يعني هناك مطلب ديمقراطي بسيط في سوريا هو طبعاً أولاً إطلاق جميع المعتقلين السياسيين والثاني هو عودة جميع المنفيين إلى الوطن، المنفيين قسراً أو غير قسر بشكل غير قسري.
أحمد علي الزين: أستاذ فاروق هناك معارضات مختلفة للنظام القائم في دمشق الآن، أين أنت منها؟ وما هو دورك؟
فاروق مردم: أعتقد أنني أميل طبعاً إلى المعارضة الديمقراطية العلمانية في سوريا، أما دوري فلا دور لي سياسي أنا لست سياسياً، أعتقد أنني أقوم بدور ثقافي في فرنسا، وهذا الدور الثقافي لا يتعلق بسوريا وحدها يعني أنا دوري الثقافي يتعلق بالعالم العربي بأسره، إذ أنني أقوم بالتعريف بالترويج للأدب العربي وللتيارات الحديثة في العالم العربي، وأعتقد أن عملي الرئيسي هو إظهار هذا الوجه الذي أعتقد أنه الوجه المشرق للثقافة العربية الحالية أكثر من أن ينصبّ همي الأساسي على الموضوع السوري فقط.[فاصل إعلاني]
أحمد علي الزين: إذاً فاروق مردم ما يشغله الآن ومنذ سنوات هو التعريف بإنجازات وإبداعات الكتّاب العرب وتقديمهم للقارئ الفرنسي وللغرب بشكل عام، وهذا بحد ذاته إنجاز رائع يُسهم في بلورة الصورة الأصل أو الصورة المعاكسة عن السائد في الذهنية الغربية، وبموازاة هذا الاهتمام أو هذا الدور لم يغب مؤلفاً وباحثاً في العديد من القضايا، فلقد حقق على المستوى الشخصي الكثير من الأعمال تأليفاً وبحثاً وترجمة مدفوعاً بالهاجس نفسه إن كان في كتاباته عن القضية الفلسطينية أو في تناوله لموضوعات أخرى في الفكر والأدب والشعر.
أحمد علي الزين: يعني دورك الآن كمثقف عربي مقيم في باريس منذ سنوات طويلة، السنوات الأخيرة على ما يبدو صرت من الناس المتحمسين أكثر كما ذكرت لإظهار الصورة المشرقة للإنسان العربي، طيب هذه الصورة..
فاروق مردم: دون أن نكذب على نفسنا، دون أن نقول هذه الصورة المشرقة هي الصورة الوحيدة، مع الأسف العالم العربي كما تعلم يعيش في أزمة رهيبة.
أحمد علي الزين: هذا السؤال عم تبرز الصورة المشرقة يبدو أن هناك صورة أخرى مشوهة، هذه الصورة من ساهم في تشويهها كيف تشوهت؟
فاروق مردم: هناك في فرنسا أولاً صورة مشوهة أصلية، هناك خلاف عميق جداً بين الغرب إذا أردنا أن نعمم وبين العرب والإسلام من جهة ثانية والمسلمين من جهة ثانية، وربما يعود ذلك إلى عصر الحروب الصليبية، ومن بعدها إلى الحروب الاستعمارية، ولذلك.. وما من شك أن العنصرية في فرنسا أخذت أبعاداً جديدة في أثناء حرب الجزائر، وخاصة بسبب الهزيمة الفرنسية في حرب الجزائر، ثم لا شك أيضاً في أن تواجد العدد الكبير جداً من العمال المغتربين ذوي الأصول العربية في فرنسا قد أثرّ أيضاً في إعطاء صورة مخيفة عن العرب، مخيفة يعني هناك فرنسيون عاديون يعتقدون بأن هناك جحافل من العرب والمسلمين سيجتاحون فرنسا وما إلى ذلك، وتسهم بعض التيارات اليمينية المتطرفة في نشر وتركيز هذه الأفكار، ما من شك أيضاً في أن الحركات الإسلامية الراديكالية لعبت دوراً كبيراً في ذلك أيضاً، يعني عندما يشعر المواطن الفرنسي بأنه مهدد بقنبلة قد تنفجر في الطريق كما انفجرت قنابل في السابق في باريس وكما تنفجر اليوم في لندن وفي سواها، فما من شك في أن هذا يخيف المواطن الفرنسي العادي ويجعله أكثراً حذراً من جاره العربي.
أحمد علي الزين: طيب من خلال احتكاكك اليومي بالوسط الثقافي الفرنسي يعني هل المثقفين الفرنسيين يقرؤون هذه الصورة كما هي مروجة في الإعلام الغربي بشكل عام؟
فاروق مردم: هناك تياران، هناك تيار طبعاً وما عشناه في هاتين السنتين الأخيرتين كان رهيباً، من خلال بعض المعارك المفتعلة مثلاً معركة الحجاب في فرنسا أثارت الرأي العام ضد العرب والمسلمين المقيمين في فرنسا، ولكن هناك أيضاً ولحسن الحظ ثقافة ديمقراطية عميقة في هذا البلد، وهناك مثقفون متنورون يحاربون ويتصدون لهذه التيارات بشكل يجعلهم أكثر قبولاً للآخر، وأكثر استعداداً لتقبل الثقافة العربية الحديثة التي ندافع عنها.
أحمد علي الزين: طيب لنرجع لقصة الفكر القومي اللي حاولت توضحه في بعض الأسئلة في كتابك الأخير، يعني هناك من يرى من المثقفين العرب إنه سبب الأزمات اللي عم يعيشها عالمنا العربي اليوم هو تحديداً في هذا الفكر اللي جذر هذه الأزمات بدل ما يكون وصفة أو حل للمجتمع، تحت شعارات كبيرة وأهمل حياة الناس بشكل مخيف، ما رأيك بهذا القول؟
فاروق مردم: أنا أعتقد أن العروبة العقائدية العروبة التي تأدلجت والتي عُبّر عنها في حركات وأحزاب سياسية، وفي أحزب تسلمت السلطة عبر انقلابات عسكرية أساءت إساءة كبيرة طبعاً إلى الفكرة العربية، أنا أرى أن الفكرة العربية هي فكرة حديثة وحالية أكثر من أي وقت مضى، يستحيل في عالم اليوم على أي بلد في حجم الأقطار العربية كما هي اليوم أن تصمد في إطار العولمة الحالية، عندما تفكر أن أوروبا يعني كانت بحاجة إلى أن تجمع قوى فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وأسبانيا وألمانيا وهي كلها دول كبيرة حتى تستطيع الصمود أمام الاجتياح الأميركي، وربما الاجتياح الصيني فيما بعد على المستوى الاقتصادي، فما بالك بدول كالأردن أو سوريا أو لبنان أو قطر يعني هناك ضرورة للتقارب العربي، وليست ضرورة عاطفية هي ضرورة حياتية، ضرورة وجودية اليوم، ولكن بخلاف ما كان يقال في السابق لا أنطلق أنا بفكرة أن هناك أمة عربية ذات رسالة خالدة وواحدة إلى آخره ومنذ الأزل، وإنما فكرة أنه يجب بناء هذه الوحدة العربية، وتُبنى من خلال المصالح المشتركة، من خلال إظهار أن هناك مصلحة مشتركة للسوري وللبناني في التعاون وتطوير حالة وحدوية بينهما على أسس حقيقية وصحيحة ومتكافئة، ولكن من خلال مصالح مشتركة وليس من خلال الأفكار أن نقول أننا شعب واحد في بلدين وكذا هذا لا معنى له، يجب أن نكون قد نصبح على أن نسعى إلى ذلك من خلال إقامة علاقات حقيقية بين الشعبين، من خلال تبادل المصالح بينهما بحيث يشعر المواطن السوري والمواطن اللبناني بأن لكل منهما مصلحة في هذا التعاون.
أحمد علي الزين: هناك من يقول أن هناك فيه مؤامرة من الغرب وخاصة الغرب الأميركي يعني على فكرة القومية العربية، على محاكمة العروبة، على ضرب العروبة، على محو هذه الفكرة؟
فاروق مردم: أعتقد أن هذا صحيح أن عند المراكز الإستراتيجية الأميركية وعند المحافظين الجدد إلى آخره هذه الفكرة موجود، أنه يجب أن لا يكون هناك أي تعاون حقيقي بين الدول العربية، وأن تمر علاقة بين كل دولة عربية ودولة عربية أخرى عبر الولايات المتحدة بل حتى عبر إسرائيل، يعني هناك ضغط على الدول العربية من أجل.. أنت ترى كيف تضغط الولايات المتحدة حتى لا تنعقد قمة عربية حقيقية، فأنا أعتقد نعم أن الولايات المتحدة اليوم معادية عداءً كبيراً لفكرة التقارب بين الدول العربية.
أحمد علي الزين: طيب كنا عم نحكي عن الوسط الثقافي الفرنسي يعني كيف يشوف صورة العربي بمجتمعه، بتقديرك العرب والمسلمين المقيمين في فرنسا منذ فترة طويلة هم ساهموا بسلوكهم اليومي أو بثقافاتهم اللي نقلوها معهم بتشويه هذه الصورة؟
فاروق مردم: أنا أعتقد أن الأغلبية الساحقة من المسلمين ذوي الأصول العربية الذين يعيشون في فرنسا اليوم هم أناس معتدلون ويرغبون في الاندماج في المجتمع الفرنسي، ويندمجون فعلاً فيه، وهناك أيضاً منذ يومين أو ثلاثة قرأت استطلاعاً في جريدة لوموند يبين أنه يعطي صورة عكسية تماماً عن الصورة العامة، بأن العرب خارجون عن القانون، وبأن العرب في فرنسا لا يريدون الاندماج، وأنهم خاضعون لتأثيرات الإسلام الراديكالي إلى آخره، مما لا يعني أن الظروف أن وضع بعض العرب في جيتو.. في جزء من أبناء الجاليات العربية من أبناء ما نسميه الجيل الثاني أو الثالث في ضواحي معزولة في أبنية هرمة متهالكة، في ظروف في أوساط.. يعني يشعرون بأنهم منبوذون، ويردون هذا النبذ بنوع من.. ببناء شخصية أو هوية جديدة لهم هي هوية إسلامية متطرفة، ومن هنا أنا برأيي انتشر استخدام الحجاب في فرنسا للتمايز عن بقية الفرنسيين..
أحمد علي الزين: كردة فعل..
فاروق مردم: كردة فعل.
أحمد علي الزين: لإثبات الهوية حتى لو بأي طريقة يعني..عروبي إنما على طريقته، ودمشقي على طريقته، وفرنسي أيضاً على طريقته رغم السنوات الأربعين، فلديه معايير للانتماء ركيزتها الأساس هي الحرية واحدة من المقدسات بالنسبة له، فاروق مردم بين معهد العالم العربي والأكسيود التي يشرف ويدير مشروعه الضخم ترجمة الكتّاب العرب، يصرف أيامه ويزاول حبه لبلاده ولأصدقائه، وحلمه بعالم أقل بشاعة وأكثر رحمة وعدلاً، ويتابع مشروعاته الخاصة في الكتابة ممتلئاً بحيويته، وبصورة المثقف الذي حتى لو عرف أن منازلاته قد تكون خاسرة لحين يبقى يقارع بما يملك من معرفة وحب.
أحمد علي الزين: في الحلقة السابقة قمنا بجولة مع فاروق مردم في بعض نواحي الذاكرة ما بين دمشق وباريس، وفي بعض مواقفه من قضايا الانتماء والهوية والعروبة، وتحدثنا عن دوره كمثقف في الترويج إذا صح التعبير للصورة المشرقة في ثقافتنا العربية، وفي جعلها أن تحتل حيزاً لها في المشهد الثقافي الفرنسي خاصة والغرب بشكل عام. وفي السياق لخص فاروق مردم مسألة الاندماج وعوائقها لدى المهاجرين العرب منذ سبعينات في القرن الماضي، وظواهر التعبير عن الهوية التي تذهب أحياناً أي ظواهر التعبير إلى التطرف كردة فعل على واقع اجتماعي وظروف عيش. هذه العناوين هي من بعض اهتمامات مردم الذي يسعى إليها بكل نشاطاته لخلق حوار بناء بين الأنا والآخر، ولتصليح الصورة الخطأ ولشهادة الحق كما يقول، أما لفلسطين كقضية وإنسان فلقد احتلت منذ البدايات أولويات اهتماماته فالسنوات الأربعين التي صرفها من عمره في باريس كانت حافلة بالكثير من الإبداع، وبالكثير من الحضور الفلسطيني في وجدانه.
فاروق مردم: أولاً أنا أعتقد بأن الفكرة التي تقول بأن فلسطين هي قضية العرب الأولى هي فكرة حقيقية وصحيحة، ليس فقط بسبب التضامن مع الشعب الفلسطيني وهو شيء طبيعي.
أحمد علي الزين: بس بين جيلين قضية العرب الأولى بس ما ننسى القضايا الداخلية؟
فاروق مردم: لا أنسى القضايا الداخلية.
أحمد علي الزين: تحت هذه الشعارات ودفعت ثمنها غالي..
فاروق مردم: أنا أعتقد أنها قضية العرب الأولى لم أقل الوحيدة، أنا القضية الأولى وهو ليس ذلك فقط بسبب التضامن مع الشعب الفلسطيني وإنما بسبب ما تشكله إسرائيل من تهديد على الدول العربية، إسرائيل تهدد فعلاً مجموعة الدول العربية، نحن نرى أن إسرائيل لا تسير باتجاه الاندماج في المنطقة، ولكن بالعكس تماماً، يعني الصور التي رأيناها مؤخراً في التلفزيون مثلاً موضوع الانسحاب من غزة يبين ماذا؟ يبين أن هذا البلد يزداد تعصباً على المستوى الإيديولوجي، يزداد تطرفاً على المستوى السياسي، وأن المجتمع الإسرائيلي مهدد بالانفجار اليوم بين التيارين التيار الديني المتصلب والتيارات الأكثر علمانية والتي ترغب ربما في إيجاد حل ما، طبعاً هم حتى الاتجاهات العلمانية ترى الحل لمصلحتها طبعاً أو على حساب العرب هذا طبيعي، ولكنها قد تبحث عن حلاً، أما الاتجاهات الثانية فهي في دوامة غير معقولة لأنها تتجه نحو تأسيس جيتو كبير يهودي في وسط العالم العربي، ولكنه جيتو مسلح بمائتي قنبلة نووية وبجيش قوي، وبقدرة اقتصادية كبيرة تستطيع من خلالها السيطرة على جزء كبير من عالمنا العربي، لذلك إن هذا التهديد هو الذي يدعونا إلى الاهتمام بشكل خاص يعني سواء كنا في فلسطينيين أو غير فلسطينيين بالموضوع الفلسطيني، لأن المسألة الفلسطينية كما قلت هي جامعة، يعني نحن هنا في فرنسا جميع المغتربين في فرنسا بحاجة دائماً إلى قضية مشتركة، تبدو القضية الفلسطينية أنها القضية المشتركة يعني تجمعنا، يعني نحن اليوم نجتمع حول قضيتين، قضية الفلسطينية وقضية الديمقراطية في العالم العربي، هذا ما يجمع المثقفين العرب.
أحمد علي الزين: واثنيناتن مفقودين، طيب من خلال هذه التجربة الطويلة اللي راكمتها عبر السنوات، يعني قدرت ترسم ملامح لدور المثقف العربي، دوره الذي هُمشّ أو قُمع في أوطانه الحقيقية، وانتقل للنضال إذا صح التعبير خارج أوطانه، قدرت تكّون ملامح أو مشروع كتاب عن المثقف؟
فاروق مردم: أنا أعتقد أن ما يقال عن دور المثقف وعن دور الصحفي وعن دور الأديب لا يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، وهو أن.. هو الحقيقة هو أن يكون شاهد حق ولا أن يكون شاهد زور، يعني المشكلة أن عدداً كبيراً من المثقفين استسلموا للأنظمة العربية خلال فترة طويلة، وأساءوا إلى أنفسهم وإلى هذه الأنظمة أيضاً واليوم..
أحمد علي الزين: وإلى المثقف وصورة مثقف؟
فاروق مردم: وإلى أنفسهم وإلى قضيتهم وإلى كل شيء يعني، المهم اليوم أن يكون المثقف فعلاً حراً، وأن يعبر عما يراه بكل مسؤولية وبكل حرية أيضاً، أعتقد أن هذا الدور المثقف وليس مثقف له دور آخر، وليس عليه أن يغير الأنظمة، وليس عليه أن يمارس العمل السياسي بالمعنى النضالي وكذا، مهمته هو أن في ميدانه أن يقول..
أحمد علي الزين: الحقيقة ويكشف الحقيقة..سندباد أو الأكسيوت دار النشر الفرنسية التي كان يديرها رجل من كبار المثقفين الفرنسيين هو بيير بيرنار اهتمت بترجمة الأدب العربي منذ أوائل السبعينات، ولفاروق مردم في السنوات العشر الماضية دور في دفع هذه التجربة ورفدها بأنشطة تجعلها أكثر رسوخاً وحضوراً وتعميماً، فقد جعل العديد من الكتّاب العرب في صلب المشهد الثقافي في فرنسا وبالتالي في أوروبا من خلال ترجمة أعماله، ولعل هذا الدور الذي يقوم به فاروق مردم يحفز الحكومات العربية على الانتباه على الأقل على دور غائب كان ينبغي أن تقوم به منذ زمن بعيد في تقديم صورة خلاقة عن أمة أمعنت الصهيونية والعنصرية والتيارات الراديكالية في تنمط صورة بشعة ذات بعد همجي ومتخلف.
أحمد علي الزين: طيب طبعاً كما ذكرت إن السندباد هي معنية بترجمة الأدب العربي للغة الفرنسية.
فاروق مردم: بالدرجة الأولى.
أحمد علي الزين: بالدرجة الأولى طبعاً، شو المعايير اللي يخضع إليها الكتاب الذي سيترجم يعني؟ هل هناك من لجنة تقرأ؟ أم هي نتيجة فقط معرفة وعلاقات نوع من اللي..؟
فاروق مردم: لا هو أولاً نتيجة تتبع طبعاً لما يصدر في العالم العربي، ولتقدير شخصي الحقيقة هو تقديري الشخصي لتطور الأدب العربي الشعر العربي والرواية العربية في السنوات الثلاثين الماضية، يعني أنا أعتقد أنه يجب أن لا نقفز المراحل، بحيث نقدم الفترات الانتقالية أيضاً، يعني إذا ترجمنا مثلاً طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويحيى حقي إلى آخره، ثم إذا انتقلنا فقط إلى ترجمة الكتّاب الحاليين يعني الكتّاب الذي يبلغون الآن الثلاثين أو الأربعين من أعمارهم نكون قد نسينا أيضاً جيلاً كاملاً من كتّاب الستينات ما يسمى بالستينات، ولذلك اهتممت بالدرجة الأولى بترجمة أعمال هؤلاء الكتّاب كتّاب الستينات الذين شكلوا نقلة أساسية في الأدب العربي وفي الرواية العربية، يعني الكتّاب المصريون مثل جمال الغيطاني مثل صنع الله إبراهيم مثل محمد البساطي إلى آخره عملت قبل كل شيء على تقديمهم إلى القارئ الفرنسي، وسعيت إلى أن يكونوا جزءاً من المشهد الثقافي الفرنسي، يعني هذا شيء مهم يعني لا يكفي ترجمة كتاب واحد للكاتب، إذا تُرجم كتاب واحد سيضيع في زحمة الكتب والترجمات من جميع لغات العالم إلى الفرنسية، يعني أنت بحاجة إلى العمل مع كاتب وإلى أن تتبع أعماله، وأن تراكم التجربة وأن تسعى إلى تقديمه إلى تقديم كتاب جديد كل سنتين مثلاً بشكل أن..
أحمد علي الزين: يأخذ موضعه، يأخذ مركزه..
فاروق مردم: في الوسط الثقافي الفرنسي، وأعتقد أننا نجحنا، حتى الآن يعني هناك بعض الكتاب يمكن القول بأنهم جزء من المشهد الثقافي الفرنسي، يعني طبعاً هم عدد قليل، ولكن طبعاً تستطيع أن تسأل أي مثقف فرنسي هل تعرف محمود درويش؟ يقول نعم أعرف محمود درويش، ولذلك عندما يأتي محمود إلى باريس في ندوة مثلاً تجد أن القاعة من ألف شخص مثلاً، ويدفع الحضور وتوقعاته وترى ممتلئة بالحاضرين.
أحمد علي الزين: هذا الشيء يفرح الحقيقة، طيب تقريباً كيف كان يعني وقع هذه التجربة بالوسط الثقافي الفرنسي يعني؟ كيف استقبلها الناقد الفرنسي؟ كيف استقبلتها الثقافة والإعلام يعني؟ ساهمت بدورها يعني بحط كتف مثل ما نقول عنا بالعربي المسك بإيدك يعني لإبراز هذا الوجه المشرق مثل ما سميته لعالمنا العربي؟
فاروق مردم: إيه أعتقد أن بعض الكتّاب العرب استطاعوا فعلاً كما قلت أن ينفذوا إلى صميم الهم والوعي الثقافي الفرنسي، ولكن المهمة كبيرة جداً، المشكلة أن دار سندباد وأكسيود لا تستطيع القيام بها وحدها، ومن المؤسف أن الدول العربية لا تساعد إطلاقاً ولا تسهم إطلاقاً في التعريف بأدبها، يعني تجد مثلاً أن ألمانيا أو اليابان وهما دولتان كبيرتان تدعمان ترجمة أدبهما إلى اللغة الفرنسية.
أحمد علي الزين: وأحياناً ترجمة الكتب العربية للغتها..
فاروق مردم: تماماً مثل معرض فرانكفورت..
أحمد علي الزين: وما عرفوا يتعاملوا معه..
فاروق مردم: تمام، ولكن ترى أن الدول العربية لا تسهم إطلاقاً في هذا الجهد، مما يجعل أغلب دور النشر تخاف لأنها لن تبيع كثيراً في البداية، هي يعني عندما تترجم كاتبة عربية غير معروفة في فرنسا طبعاً، تقوم في مغامرة لأنك ستبيع 500 نسخة 600 نسخة 1000 نسخة فيكون خاسر وستخسر، إذاً لا تغامر هذه الدور لأنها تسعى إلى.. هناك يجب أن تقوم الدول العربية بدعم الترجمة، لأن الترجمة هي البند الأكثر كلفة في ميزانية أي كتاب..
أحمد علي الزين: الأقل كلفة، والأكثر يعني ترويجاً بالمعنى بين هلالين لصورتهم إذا أرادوا تحسين صورتهم.
فاروق مردم: وخاصة أنا أعتقد اليوم هناك أدب عربي حديث جيد، وجدير بالنقل إلى اللغات الأجنبية، وذلك في جميع الأقطار العربية لم يعد الأدب العربي محصوراً بين ثلاثة أو أربعة بلدان كما كان من قبل، ليس هناك أدب مصري فقط أو لبناني أو فلسطيني فقط هناك، أدب مغربي باللغة العربية يستحق الترجمة، هناك أدب في الخليج العربي، هناك أدب في المملكة العربية السعودية في اليمن.
أحمد علي الزين: يعني عندما نقرأ لا أحد يعرفه.
فاروق مردم: نقرأ لكتّاب وشعراء وشاعرات وأديبات من الخليج أعمالهم جيدة جداً تستحق الترجمة، ولكن لن تقوم أي دار نشر فرنسية بالمغامرة إذا لم تساهم الدول العربية نفسها في تشجيعها على هذه المغامرة.
أحمد علي الزين: أنت طرحت الصوت على مؤسسة ما على وزارة الثقافة..
فاروق مردم: أنا أتكلم بهذا الموضوع دائماً، أتكلم كصرخة في واد..
أحمد علي الزين: ما حاولت تعمل اتصالات إنه مثلاً..
فاروق مردم: في عدد كبير من الندوات أحاول بقدر استطاعتي أن ألفت الانتباه إلى هذه الناحية.
أحمد علي الزين: ولكن أنت من يصرخ في واد.
أحمد علي الزين: هناك صداقات تتعدى معناها السائد وتصبح شراكة في العطاء، بعد أن تأسس على شراكة في الموقف وفي الرؤية وتوحدها هموم وقضايا وأحلام، لقد جمعت فاروق مردم وسمير قصير حكاية صداقة من نوع الشراكة حيث أصدرا كتاباً مشتركاً عن فلسطين بعنوان "مسالك من باريس إلى القدس" عام 1992 وفي جزئين، وحين التقيت فاروق مردم في آب من عام 2005 كان سمير قصير قد سقط شهيداً في بيروت، وكان غيابه الصاعق طاغياً وحاضراً في أي لقاء يجمع بين أصدقاءه.يعني غياب هذا الشاب هذا الرجل أديش ترك أثر أو أديش ترك فراغ في مهمات كان ممكن يقوم فيها برأيك؟
فاروق مردم: يصعب علي الكلام عن هذا الموضوع فعلاً، يعني ما زلت حتى الآن تحت وطأة ما جرى، سمير طبعاً لم يكن واعداً فقط لأن ما أنجزه خلال حياته القصيرة كان كبيراً، سمير ألف ثلاثة كتب ضخمة ومبدعة في مجالها، عملنا معاً على كتاب عنوانه "مسالك من باريس إلى القدس - فرنسا والصراع العربي الإسرائيلي" وهو كتاب في جزئين، نحاول فيه أن نتتبع علاقة فرنسا بالصراع العربي الإسرائيلي ومن قبل بالصراع الصهيوني العربي منذ مؤتمر بال منذ نشأة الحركة الصهيونية..
أحمد علي الزين: طبعاً هو صدر بالفرنسية..
فاروق مردم: صدر بالفرنسية ونأمل أن يترجم إلى العربية الآن، والهدف منه لم يكن فقط الكلام عن السياسات الحكومية ولكن أيضاً عن الرأي العام الفرنسي, عن الأحزاب السياسية, عن الثقافة الفرنسية وعلاقتها بهذا الموضوع, مما دعانا أيضاً بالبحث في موضوع تاريخ اليهودية في فرنسا وتاريخ الدولة وتاريخ الجاليات العربية والعلاقات فيما بينها, والعنصرية المعادية للعرب والعنصرية المعادية لليهود في فرنسا الخ.. يعني هو كتاب جامع يحاول أن يعالج جميع جوانب وزوايا هذا الموضوع, الكتاب الثاني الذي ألفه سمير والذي أعتقد أنه الأول في بابه هو تاريخ الحرب اللبنانية وهو رسالة دكتوراه التي كتبها في باريس عن الحرب اللبنانية, وهو كتاب يستحق الترجمة إلى العربية طبعاً لم يترجم إلى العربية صدر بالفرنسية وهو كتاب كبير أيضاً يقع في أكثر من 600 صفحة, والكتاب الثالث طبعاً هو الرائعة التي اسمها "تاريخ بيروت" كتاب في غاية الجمال من حيث مضمون ومن حيث الشكل, لأن سمير كان كاتباً مرهفاً باللغة الفرنسية وباللغة العربية أيضاً كما قلت منذ قليل, ولكنه كان يعد بأكثر يعني أنا شخصياً أعرف أنه كان في جعبته 3 أو 4 كتب أخرى منها روايات ومنها.. منها كتاب مثلاً عن التجربة الناصرية كان يريد أن يكتب كتاباً عن الحقبة الناصرية وما الذي تعنيه بالنسبة له، لأنه كان يحترم كثيراً شخص الرئيس عبد الناصر، ولذلك أراد أن يعالج هذه المسألة من وجهة نظر نقدية طبعاً بعد 30 سنة من قيام الرئيس عبد الناصر، ومشاريع أخرى بالفرنسية وبالعربية، ولذلك أعتقد أنه خسارة كبيرة جداً للثقافة العربية وهي خسارة لا تعوض بالنسبة لأصدقائه.
أحمد علي الزين: يقال أنك أنت لك سمات كبيرة مش في بلورة شخصية سمير بدعمها باحتضانها إذا صح التعبير، هكذا يُروى عنك يعني أنت أخ كبير أو الأب الروحي له.
فاروق مردم: أريد أو أوضح ذلك، أنا تعرفت على سمير طبعاً أنا أكبر منه بـ 15 سنة وعملنا معاً وكما قلت في مداخلة أخيرة عنه بأنني عندما أفكر في الموضوع الآن أعتقد إنه هو كان الأخ الأكبر.
أحمد علي الزين: يعني طبعاً إضافة لكل هاالنشاطات والاهتمامات أنت تشغل موقع المستشار في معهد العالم العربي، يعني شو حكاية هذا المعهد وأنت شو الموقع.. يعني يستشيروك بشو هناك..؟ شو بيستشيروك شو بيسألوك؟
فاروق مردم: معهد العالم العربي تأسس على أساس شراكة بين فرنسا من جهة ومجموعة الدول العربية من جهة ثانية، مجموعة الدول العربية دول الجامعة العربية من جهة ثانية، على أساس المناصفة في التمويل، وعلى أساس الشراكة من الناحية الثقافية، تأسس في بداية الثمانينات في فترة كانت فيها العلاقات الفرنسية العربية صاعدة بما فيها العلاقات الاقتصادية، وربما كانت الفكرة الأولى من المعهد هو أن يكون نوع من الواجهة الثقافية لا أكثر، ولكن بسبب الطلب الاجتماعي هناك طلب اجتماعي ذكرت سببه هو سبب هذا التوتر الخاص في فرنسا حول موضوع العرب والمسلمين وفلسطين، وجميع هذه الأمور التي تهم المواطن الفرنسي هناك طلب اجتماعي كبير بما فيه في المدارس الثانوية وفي الجامعات إلى آخره على..
أحمد علي الزين: أن يلعب دور..
فاروق مردم: أن يلعب دوراً ثقافياً أكبر وأكثر طموحاً، وقد بدأ بلعب هذا الدور في سنة 1989 بفضل رئيسه آنذاك تيزانيه وكان شخصية فرنسية كبيرة، وزير سابق عند الديغول ووزير عند ميتران إلى آخره، ورجل مثقف وذو شخصية خارقة في الحقيقة فهو الذي أعطاه هذا الزخم وجعله..
أحمد علي الزين: حاضراً..
فاروق مردم: نعم، وأن يكون حاضراً في النقاش الاجتماعي والثقافي الفرنسي اليومي، بدأ ذلك ببعض المعارض التراثية الكبيرة، كان أول معرض عن تاريخ مصر، وأقيم معرض آخر عن تاريخ سوريا وكان معرض بديعاً جداً، يعني معرض مثلاً سوريا زاره أكثر من 400 ألف شخص، يعني مما يعني أنه كان أحد المعارض الكبرى في فرنسا في ذلك الوقت، طبعاً عندما تستدرج أنت 400 ألف شخص إلى المعهد هؤلاء الأشخاص سيزورون المعهد وسيطلعون على المكتبة وسيزورون مكتبة بيع الكتب وسيشترون بعض الكتب إلى آخره، يعني أنت تستدرج من خلال المعارض الكبيرة تستدرج الجمهور العريض ليس فقط المثقفين للتعرف على مجمل نواحي الثقافة العربية بما فيها الثقافة الحديثة والمعاصرة.
أحمد علي الزين: وسط كل هالعجئة الانهماكات وكانت مجدية يعني ياريت في كثير مثلك..
فاروق مردم: تسلم..
أحمد علي الزين: هل كنت تلاقي وقت لفاروق يعني لتحكي معه كلمتين على جنب؟
فاروق مردم: في الليل، في الصباح الباكر لأنني فعلاً مبكر.
أحمد علي الزين: يبدو بزياراتك يعني بس تعمل الصيفية العطلة الصيفية تبعك يبدو تروح على أماكن قريبة من بلاد الشام تروح صوب تركيا أو على بيروت أو صوب إسبانيا..
فاروق مردم: وفي فترة طويلة إلى قبرص، أقرب إلى على مقربة من سوريا لبنان..
أحمد علي الزين: بتقديرك هيدي بالوعي أو بلا وعي الواحد يختاره.
فاروق مردم: لا وعي أعتقد لا وعي.
أحمد علي الزين: فاروق مردم المتحدر من أصول عائلة تركية، ومن جد كان حاكماً لدمشق في القرن السادس عشر ليس فيه شيئاً من صفات الحاكم إلا العدل فيما لو مر في زماننا حاكم عادل، يضاف إلى صفات أخرى هي اشتغالات ومهام تنوعت ما بين التنشيط الثقافي والإبداع، وإدارة مؤسسات تهتم بشؤون الكتاب، هذا الستيني المولود في دمشق في 23 نيسان سنة 1944 يقيم في باريس منذ عام 65، تشرّب فكرة التمرد والاختلاف من المعهد الفرنسي في دمشق متأثراً بالفكر الماركسي وبعض الأصدقاء والأساتذة، وكانت ثورة الطلاب في باريس سنة 68 مؤشراً لبوصلة أفكاره، أما الهزائم والحروب والأنظمة التي صادرت الأفكار تحت الشعارات البراقة شحنته ليكون شاهداً سمح له الفضاء الباريسي أن يدلي بشهادته، ويحتج ويكتب ويجمع صوراً من فلسطين ووجوهاً من العالم العربي لينازل بها على منصة الصراع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق