2006-05-12

روافد مع المفكر والباحث نصر حامد أبو زيد

إعداد وتقديم

أحمد الزين: نصر حامد أبو زيد أظن أن كثيرين يعرفون هذا المفكر والباحث الذي أثارت أعماله سجالات عديدة على أكثر من مستوى، وعملت بعض الأطراف والتيارات على تكفيره منذ أكثر من 10 سنوات في موطنه الأم مصر معتبرة أن اجتهاداته البحثية في الفكر الديني وقراءاته الخاضعة لمعايير العقل ضرباً من ضروب الكفر، ثم وخرجت حكايته من الحرم الجامعي حيث كان ينبغي أن يرقى كأستاذ مشتغل بالبحث وقضايا الفكر خرجت إلى المحاكم التي في حينها أفتت في طلاقه من زوجته وكان الذي كان. متشابهة حكايات الباحثين والمجتهدين في قراءة التراث، فكل من يرمي حصاة في البحيرة الراكدة ليحرك الساكن لكأنه يصيب حرس الأجوبة المطلقة فيثير الهلع، ويصبح في مواجهة غير متكافئة حين يزان نتاج العقل في غير ميزانه، عند هذه الحدود على المرء أن يختار بين أمرين، البقاء بشرط من يراه مخطئاً وآثماً وهو شرط يشبه الممحاة وفيه نوع من الإخصاء الفكري ويترتب عليه الكثير من التنازلات، أو الخروج بشرطه شرطه الخاضع لتجليات العقل ولطرح الأسئلة، ومن مثل هذا الرجل أظن أنه سيختار شرطه أي سيختار الخروج والرحيل، فإلى هذه المدينة الهولندية ليدن جاء نصر حامد أبو زيد مستكملاً طرح أسئلته فهنا يقيم، وفي هذه الجامعات يدرّس وهنا يزاول أبحاثه وكتاباته.

أحمد الزين: دكتور منذ بدايتك كنت مشغول بأسئلة العدالة والحرية، الآن بعيداً عن مصر وعن هموم مصر إذا صح التعبير ما هو السؤال الأكثر إلحاحاً الذي يشغلك، هل هو سؤال الراهن سؤال الإسلام الذي يشغل العالم أيضاً؟

نصر حامد أبو زيد: ما فيه شك أضيف إلى أسئلة العدل وأسئلة الحق، وهي أسئلة لأنها لم تحل فما تزال ماثلة، لكن أضيف إليها أيضاً سؤال الإسلام في العصر الحديث، الإسلام والثقافات الأخرى إلى أي حد يمكن التعايش مع هذه الثقافات وكنت أعرف هذا هو السؤال الملتهب في الغرب خاصة بعد أحداث سبتمبر، والذي يزداد التهاباً مع تكرار عمليات التفجير هنا وهناك.

أحمد الزين: طيب دكتور بتقديرك لماذا عالمنا والعالم الإسلامي تحديداً ما زال أسيراً في معظم سلوكه أسيراً للنص الديني والنص التراثي؟

نصر حامد أبو زيد: عندنا طبعاً في إطار الفكر الديني مشكلات وأسئلة يعني حرجة، ولم يتم التعامل مع هذه الأسئلة.. أو بمعنى أصح تجمدت هذه الأسئلة منذ القرن التاسع، يعني ما يزال إنتاج المعرفة الإسلامي في الثقافة الإسلامية بشكل عام وفي الفكر الديني بشكل خاص يعتمد على المبادئ المعرفية التي تمت صياغتها في القرن التاسع. منذ ألف عام لم يحدث بعد مراجعة لهذه القواعد، هذه القواعد مبنية على مفاهيم ثيولوجية، مفاهيم دينية أيضاً صنعها البشر لكنها تحولت إلى عقائد. نذكر على سبيل المثال فقط الخلاف بين المعتزلة وبين خصومهم حول طبيعة الكلام الإلهي، هل كلمة الله مخلوقة وبالتالي هي ليست الله؟ أم أن كلمة الله هي الله؟ وأظن هذا سؤال مهم جداً، وهو كان مطروح للنقاش بين المعتزلة وبين خصوم المعتزلة، لكن حصل أن تدخلت الدولة، تدخل الخليفة المأمون في ذلك الوقت وأراد أن يجعل مثلاً مقولة المعتزلة بخلق القرآن هي مقولة النظام، وبالتالي اضطهد الذين قالوا غير ذلك، وحصل تغيّر في إيديولوجية الدولة فتم اضطهاد الذين يقولون ذلك. هنا حصل التشابك بين السياسي وبين الفكري وما يزال قائماً ولم يحدث تفكيك لهذا الاشتباك، وبالتالي لم يحدث نقاش لهذه الأسئلة المحرجة ولم ينفتح النقاش مرة أخرى وبالتالي ظل الفكر الديني أسير هذه اللحظة التاريخية.

أحمد الزين: لأنه ممنوع بمعنى من المعاني؟

نصر حامد أبو زيد: لأنه ممنوع بمعنى من المعاني، ولأن أفكار معينة تم إنتاجها في سياق سياسي معين تحولت إلى أن تكون هي العقيدة الصحيحة وما سواها هرطقة.

أحمد الزين: دكتور قبل 11 سنة عندما أتيت هولندا للأسباب التي نعرفها جميعاً، وفي أول ندوة لك أو محاضرة بدأتها بالبسملة، وكأنك تقول يعني إذا أردتم أن تقدروا أنني منشق فأنتم مخطئون وهذا الكلام إليك، وكنت تخاف أن تعامل كمضطهد في المجتمع الغربي، بتقديرك الذي حدث معك في مصر قبل 11 سنة أليس ضرباً من ضروب الاضطهاد والاضطهاد الفج؟

نصر حامد أبو زيد: يعني أعتقد إنه الذي حدث في مصر كان مرة أخرى احتقان في المجتمع المصري، واحتقان وانشقاق هائل في جماعة المثقفين المصريين، لأن هذا حصل على الأقل في التسعينات، في التسعينات كما نعرف زادت وطأة ما يسمى بالعمليات الإرهابية التي وصلت إلى قلب القاهرة بل ووصلت إلى رئيس مجلس الشعب الذي قتل جهاراً نهاراً أمام فندق وسط المدينة. فأنا لم أعش هذه المأساة باعتبارها مأساة شخصية، وأنا مدين أصلاً في هذا أيضاً للدكتورة ابتهال زوجتي. عشنا هذه المأساة باعتبارها مأساتنا نحن الاثنين، لكن ليس كمأساة شخصية وبالتالي لم نحولها لقضية داخلية خاصة بنا. كنا نرى الأمر بوضوح شديد وعندما تركنا مصر لم نقبل أن نكون الضحية لأنه ليس هنا من ضحية، ربما و في السياق عينه جاء شخص ثاني اسمه أحمد الزين مثلاً وأقدم على نفس الشيء ستحصل ردة الفعل نفسها. قررنا أن نسيب مصر لأنه أصبح من المستحيل أن ندرس (أنا و زوجتي) في الجامعة تحت الحراسة المشددة سواء في البيت أو في الطريق أو في الجامعة، و كنا نعي بأننا لسنا هاربين ولسنا ضحايا ولسنا مضطهدين من الإسلام. و أول محاضرة ألقيها كان فيها جمهور كنت أدرك طبعاً أنه آت لكونه على معرفة بالقضية وأن اسم أبو زيد أصبح مرتبط بحكم قضائي.. فبدأت المحاضرة بالبسملة وبنطق الشهادة، وكما تعلم لو كنت ذهبت إلى المحكمة ونطقت الشهادة لكان انتهى كل هذا الأمر لكني رفضت هذا الحل..

أحمد الزين: رفضت لأنك أنت مؤمن بينك وبين نفسك أن ما هكذا تحل المسائل؟

نصر حامد أبو زيد: إذا كنت قد ذهبت إلى المحكمة ونطقت الشهادة فكأنه أصبح هناك سلطة تبحث في قلوب الناس وأصبح مطلوب أن تثبت أنك مسلم أو مؤمن. ولأني داخلياً لا أشعر بالاضطهاد كون هذا هو الواقع المصري وبالتالي كان حرصي الشديد هو أن أنقل هذه الرسالة لكل من يهمه الأمر. أنا أعرف أن الكثير من المضطهدين في بلاد إسلامية أخرى يأتون إلى أوروبا فيستثمرون هذا الاضطهاد.. وعرض علي اللجوء السياسي وقلت لا أنا متأسف وشكرتني المؤسسة الهولندية لأن هذا كان سيخلق مشكلة بينهم وبين الحكومة المصرية و أنا لست مضطهدا من الحكومة المصرية.

أحمد الزين: طيب سيدي كان هذا دكتور خليني أقول شيء آخر إنه لنقل إن مصر في بعض تياراتها طبعاً مش مصر يعني كفرّت الدكتور نصر حامد أبو زيد وخذلته، بالمقابل أوروبا ربما كرمته بشكل من الأشكال عبر تلك الكرسي التي استُحدثت في إحدى جامعات هولندا يمكن من أهم الجامعات عن ابن رشد وباسمه العربي كما ذكرت لي وليس اللاتيني اللي معروف في أوروبا، يعني أنت كيف تفسر هذه المفارقة بين الخذلان وبين التكريم؟

نصر حامد أبو زيد: والله أقلك على حاجة يعني برضه أنا لا أريد أن أرى في هذا مفارقة، لأن التأييد اللي أنا يعني شفته واللي أنا يعني جربته ليس فقط من الجماعة الثقافية المصرية والعربية والمثقفين في العالم كله وإنما من الشعب المصري يعني من الناس العاديين الذين وجدوا في صدور حكم بالتفريق بين رجل وزوجته يعني شيء لا يُقبل.

أحمد الزين: شيء خرافي..

نصر حامد أبو زيد: شيء خرافي، ومن ضمن الناس العاديين كان في الوقت دا بعض الصحف تعمل يعني إيه استبيان في الشارع مع الناس سيدة يعني أميّة يعني وأنا سعيد بهذا سألت يعني أنا ما عرفش ماذا فعل هذا الرجل، وقد يكون هذا الرجل مخطئاً وقد يكون مجرماً لكن ما ذنب امرأته.. ما ذنب زوجته إذا كانت زوجته متمسكة به، يعني وإذا كانت زوجته متمسكة به يبقى مؤكد هي شايفة إنه هو ليس بهذا السوء كويس، والست دخلت إلى منطقة يكاد يكون المجتمع الذكوري لا يقبلها، قالت يمكن لو سابوه مع زوجته كانت تؤثر فيه تأثير كويس، يعني لاحظ المغزى هنا، إمكانية إن الزوجة يكون لها تأثير على الزوج.

أحمد الزين: ولها دور في ذلك..

نصر حامد أبو زيد: ولها دور وده كان من الحاجات المبهجة جداً إنه المواطن المصري العادي نظر إلى المسألة مش من المنظور الديني، وإنما نظر.. مش منظور الفكر الديني وإنما من منظور سلامة المجتمع.

أحمد الزين: دائماً يزين الأشياء بميزانه الخاص ميزان العقل، يقرأ الصورة جيداً وكلما ابتعد في المسافة تصبح أكثر وضوحاً ويرى فيها ما كان خفياً في حينه، لذلك حين يروي الآن عن تلك التجربة يروي بموضوعية وبحيادية وبتواضع ولم يعتبرها رغم أنها مسته شخصياً لم يعتبرها استثنائية في خطورتها وهي بالتأكيد خطيرة ومؤسفة ومؤلمة، لكنه لم يحملها سوى تحليله وتفسيره للواقع المصري المتشابك، للخوف الذي أثر على بعض المثقفين والذي في بعض وجوهه حصانة للسلطة في مواجهة الإرهاب آنذاك، وللحسابات الضيقة لدى بعض الأكاديميين أو القيمين على الجامعة الذين لم يقرؤوا جيداً مخاطر أن يُلجم عقل مفكر أو باحث، ويستذكرها الآن في سياقها العام في سياق التحولات التي تصيب المجتمع المصري والعربي بشكل عام، يستذكرها هنا في مجتمع يسمح للذاكرة أن تبوح بمقدار ما يسمح للعقل أن يشتغل.

أحمد الزين: لم يأت نصر حامد أبو زيد إلى هولندا بصفته مضطهداً أو ضحية لم يلعب هذا الدور، ولم يذهب إلى استثمار وضعه كما يفعل بعض المبعدين أو المنفيين الذين يجيدون استثمار قضيتهم وما آلت إليه الأحوال، هي صدفة، صدفة أن جاء هولندا حيث كان متعاقداً مع إحدى جامعاتها كأستاذ زائر مثلما كان في أكثر من جامعة من العالم ولأكثر من مرة، ولعل كتاباته وأبحاثه وأسئلته المتوالدة هي التي فتحت أمامه آفاقاً للتدريس وهي التي خولته أن يشغل كرسي ابن رشد الكرسي المستحدث في إحدى جامعات هذه المدينة، ثم أن سلوكه المتقشف وشعوره بالاكتفاء والرضا وطموحاته المؤطرة فقط في ميدان المعرفة والبحث وجرأته في إخضاع الموروث إلى معايير المعاصرة ومفاهيم التحديث هذه الأمور مجتمعة جعلت من شخصيته موضع تقدير وأكسبته ما يستحق من موقع وانتشار وشهرة.

أحمد الزين: إذاً دكتور نصر أنت من بدايتك تجرأت في تناول موضوعات هيك الصعبة، تجرأت في أكثر من مكان وقمت بنقد للخطاب الديني، نقد خطاب الأزهر، خطاب الرئاسة، وكنت ربما من الداعين إلى.. من أول الداعين إلى قراءة أو من بين الداعين إذا يعني ذكرنا الأسبقين محمد عبده وطه حسين إلى قراءة عقلانية للنص الديني والآن في هولندا هل تجد مساحة أرحب لجرأة أكثر؟

نصر حامد أبو زيد: أنا أعتقد إنه يعني وجودي في هولندا مجرد وجود مكاني، يعني بمعنى إنه يظل شاغلي الأساسي قارئي في العالم العربي وفي العالم الإسلامي، يعني أي جرأة عقلية في إطار ثقافة تخطت حواجز كثيرة جداً في تعاملها مع نصها الديني لا تساوي شيئاً، زي ما إحنا منقول في مصر يعني يبيع المية في حارة السقايين، المهم بالنسبة لي وأنا سعيد أني ما انفصلت عن هذا هو الأسئلة المرتبطة والمرتهنة بالثقافة العربية في إطار الإسلام والثقافة الإسلامية بشكل عام، وجودي في هولندا ساعدني في بعد مهم جداً إنه طول ما أنا في مصر أنا مشغول بالأسئلة اللي ينتجها الواقع العربي والواقع المصري بشكل خاص، لما خرجت خارج العالم العربي وبقيت في هولندا فبقيت على صلة أوسع بالعالم الإسلامي في تركيا في إيران في أندونيسيا، عن طريق الاحتكاك بطلاب وبأساتذة يأتون إلى هذه الجامعة، فبقيت يعني أكثر معرفة بالتعددية الثقافية في العالم الإسلامي، اختلاف الإجابات المطروحة على نفس القضايا في العالم الإسلامي دا أعطى أو أتمنى أن يكون أعطى غنى لتعاملي مع الأسئلة التي ينتجها الواقع العربي والواقع المصري على وجه الخصوص، يعني حدث في مكتبة الإسكندرية.. أنا أسف في الإسكندرية مؤتمر حول تجديد الخطاب الديني في العالم الإسلامي غير العربي، أنا صاحب فكرة هذا المؤتمر للأسف ما قدرتش أحضر بنفسي أرسلت.. لأنه أكمل من عدة سنوات وأنا أطالب نحن في العالم العربي لا نعرف شيئاً عن الفكر الإسلامي خارج العالم العربي، نحن في العالم العربي مقتنعون إلى درجة اليقين أننا إسلام بالرغم أن العرب أقلية الآن بين عدد المسلمين في العالم.

أحمد الزين: مليار و200 مليون.

نصر حامد أبو زيد: ولا نعطي يعني أهمية أو عناية للفكر الإسلامي خارج إطار العالم العربي باعتبار إنه إحنا أصل الإسلام.

أحمد الزين: طيب دكتور الآن ماذا يعني أن يكون المرء يعني مفكراً في عالم قد لا يصل فيه صوت المفكر أو المثقف كما ينبغي أن يصل؟

نصر حامد أبو زيد: فكرت كثيراً في هذه المسألة ووصلت إلى قناعة قد لا تكون يعني مرضية لأناس كثيرين يعملون في الفكر، يعني إنه ليه أنا كرجل أشتغل في الفكر أعتبر نفسي من فصيلة مختلفة عن أي مواطن يشتغل في أي مهنة، كل مهنة في مجتمعاتنا إذا أخلصت للمهنة ففي مجتمع لا يحترم الإخلاص تتعرض للمتاعب، يعني لا يحتاج الأمر أنك تكون مفكر وتطرح أفكار جريئة زي ما قلت عشان تعرضي للمتاعب، إذا كنت موظف أمين فأنت تتعرض للمتاعب، لكن لأنه فيه مساحة الثقافة يُنظر للمفكر باعتباره فصيل خاص من البشر، أنا أعتقد ودا ليس تواضعاً مني أنه آن الأوان إنه إحنا نعتبر الفكر مهنة وإنها مهنة تتساوى مع المهن الأخرى.

أحمد الزين: بمقدار معين؟

نصر حامد أبو زيد: بمقدار إخلاصك للمهنة ولقواعد المهنة، يعني كيف تجيد مهنتك؟ الفكر مهنة لها أصول ولها قواعد وأن المفكر مواطن وأنه إذا تعرض لمضايقات وإذا تعرض لمتاعب..

أحمد الزين: لأنه أمين وحقيقي مع نفسه..

نصر حامد أبو زيد: فيجب أن ينظر لهذه المتاعب اللي تعرض لها في إطار المتاعب العامة التي يتعرض لها المواطنين، يعني فيه زميل لي مرة قال لي عبارة لا أنساها أبداً، إنه يعني في إطار إلحاح بعض الأصدقاء لماذا لا تعود إلى مصر، فقلت أنا محتاج لاعتذار، فزميلي رد بعبارة لن أنساها قال لي: إذاً كل المواطنين يحتاجوا لاعتذار، وفعلاً أدركت طبعاً لماذا أنا الذي أحتاج لاعتذار، المواطنين اللي تحرقوا في القطارات، المواطنين اللي غرقوا في العبارات، المواطن الأمين الذي يتعرض لاضطهاد لا لشيء إلا لأنه أمين لا يريد أن يكون مرتشي..

أحمد الزين: مواطن مفتقد للحرية للعدالة..

نصر حامد أبو زيد: أنا شأني شأن كل المواطنين يعني لو إن المجتمع دا يعتمد على المواطنة وعلى قيم المواطنة لم أكن أتعرض لما تعرضت له.

أحمد الزين: ألا تعتقد دكتور إن المثقف خلينا نسميه النهضوي التنويري، المثقف النقدي الآن يعني يعيش حالة من الغربة أو نوع من الغربة؟

نصر حامد أبو زيد: ما فيش شك بس..

أحمد الزين: رغم هذا التواضع أو؟

نصر حامد أبو زيد: ما فيش شك إنه إحنا.

أحمد الزين: أنت في واد والعالم في واد آخر؟

نصر حامد أبو زيد: إحنا في مجتمعاتنا واخذ بالك النقد يُنظر إليه شذراً، والعقل يُنظر إليه شذراً، وأمل دنقل له قصيدة جميلة جداً في حكاية العقل التائه، إنما ده بشكل عام برضه، يعني بمعنى إيه؟ بمعنى إنه هل هناك مثقف يمكن أن يسمى مثقف ويكون غير نقدي؟ هل يكون هناك.. هل ممكن أن يوجد مفكر أو تفكير دون أن يكون أهم سلاح له النقد؟ يعني إذا تخيلنا مثقف غير نقدي فإحنا نسلخ عنه صفة الثقافة، بالضبط كما إن المواطن غير القادر على أن يرى الخطأ والصواب في المجتمع واخذ بالك يعني في شكوك في مواطنيته، العقلية النقدية جزء من الهوية الإنسانية إذا افتُقدت افتقد معها يعني عناصر كثيرة جداً من الهوية، لأنه مجتمعات سلطوية مجتمعات أبوية مجتمعات قبلية، كيف تتخيل أنه في هذه المجتمعات.. في المجتمعات القبلية تكون قيمة الدفاع عن القبيلة أهم من قيمة الدفاع عن صواب الفكرة واخذ بالك، وإحنا عندنا للأسف الشديد يعني هذه القبلية الفكرية، يعني يصعب جداً أن تجد حد ينتقد موقف الثقافة العربية من الثقافات الأخرى ينتقده بشكل يعني إيه.. من ليس هناك مجاملة، فيه مجاملة كلنا منخنقين في مسألة الاستعمار والهجوم وتعرضنا للإذلال وتعرضنا لإي وإيه كما لو كنا نحن أبرياء من كل هذا.

أحمد الزين: عندنا ميل نكون ضحايا.. يعني ما جاوبتني عن السؤال يعني أنت بينك وبين نفسك تحسّ بغربة مش لأنك في هولندا طبعاً يعني هذا الشخص اللي عم يشتغل بالفكر وبالأسئلة الصعبة يبحث ويفتش بالآخر عن حلول للمجتمع وليس لنفسك فقط؟

نصر حامد أبو زيد: طبعاً بيحسّ بالغربة زي المواطن يعني ما هو متلائم مع قيم شايف إنها قيم مش صحيحة، إنما يعني اللي يقلل من حجم الغربة التواصل مع أجيال من الشباب.

أحمد الزين: ليس لديه من جواب مطلق ولا يدعي ذلك، وكما يقول هذه ليست من مهام الباحث أو المثقف النقدي، أما أجوبته تشير دائماً إلى عمق الأزمة التي تعيشها مجتمعاتنا في علاقاتها بالتراث وبنصوص التراث، وتكشف عن الأعطاب وعن العوائق التي تقف في مواجهة التطور وحركية الفكر، طبعاً الصورة عن المستقبل بالنسبة له غير مطمئنة في عالم يقبع بين العولمة والإرهاب والقيم التي طالما ناضل الإنسان من أجلها وفي مقدمتها الحرية والعدالة أصبحت الآن مرهونة بمفهوم الأمن أو تكاد تقايض بذلك. يرى دكتور نصر حامد أبو زيد إلى الأشياء بمنظاره البحثي والنقدي تاركاً في كل أجوبته احتمالات لأسئلة تتوالد، أما هدفه دائماً هو العالم الإسلامي والجرأة في طرح الموضوعات وتحريك الساكن، فابتعاده أو اغترابه في الجغرافيا لم يفقده الهدف، وعلى حد قوله هو لم يأتي الغرب ديمقراطي حتى يبيع المية في حارة الساقيين بل كانت أوروبا محطة غنية للتواصل مع مشرقه العربي والإسلامي عبر احتكاكاته بزملاء تجمعه بهم هموم مشتركة، وعبر طلابه وبالطبع عبر ترجمات أعماله إلى لغات المشرق. في الحلقة القادمة سوق نتعرف على بدايات دكتور مصر حامد أبو زيد ونتابع معه بعض الأسئلة.

أحمد الزين: ولد الدكتور نصر حامد أبو زيد في قرية قحافا في طنطا سنة 1943 درس في الكتّاب بداية وحفظ القرآن في سن مبكرة، كان والده يهيئه لدخول الأزهر لإعجابه بشخصية الشيخ محمد عبده صاحب الفكر النهضوي ولكن لم تحقق أمنية الوالد نتيجة لمرضه ولإدراكه أن أحداً ينبغي أن يعيل الأسرة، فطلب من ابنه البكر أن يدرس مهنة ما تسعفه على القيام بهذه المهمة في حال رحيله، وهكذا حدث درس نصر حامد أبو زيد مهنة الاتصالات السلكية وتخرج سنة 1960 وعمل في هيئة المواصلات حتى بداية السبعينات، لكنه واصل دراسته الثانوية في المدارس الليلية وانتسب إلى الجامعة بعد ذلك وتخرج سنة 1978 من قسم اللغة العربية، ثم استكمل دراسة الماجستير وكانت رسالته تحت عنوان "الاتجاه العقلي في التفسير" أما رسالة الدكتوراة فكانت عن تأويل القرآن عند محيي الدين ابن عربي، وكأنه في هاتين الدراستين وضع حجر الأساس أو الخطوة الأولى في مشوار بدا منذ بدايته شائكاً وصعباً وخطراً، وهكذا توالت الدراسات وازدادت الهموم والأسئلة التي لم تزل عالقة ويعتبرها نصر حامد أبو زيد هي أسئلة حق، وقد تذكرنا في الحلقة السابقة كيف استطاعت بعض التيارات أن تكفّر هذا الرجل وأثارت عليه حملة موصوفة في عنفها مما أدى في نهاية المطاف إلى خروجه من مصر، فماذا عن بدايات أيامه؟

نصر حامد أبو زيد: يعني القرية قرية تقليدية فلاحين أغلبية السكان، خليط من المسلمين والأقباط متدينين بمعنى إن الدين جزء من الحياة بشكل عام ليس شيئاً منفصلاً عن..

أحمد الزين: وليس دينياً سياسياً؟

نصر حامد أبو زيد: عن الحياة، بالتأكيد ليس ديناً سياسياً لأنه في الوقت ده كان الوفد هو التعبير السياسي عن كل المصريين تقريباً، هنا تعلمت يعني عن الدين ومعنى الدين، العلاقة بين المسلم وغير المسلم، تعلمت، الإخوان المسلمين كانوا بدأوا يبقوا جمعية لكن جمعية لأن رئيس الشعبة من البلد من الريف يعني وما كانش باين الطابع السياسي، ربما الطابع السياسي كان مرتبط بالأخوان في القاهرة في مركزه الرئيسي، هنا مجموعة القيم الخاصة بالإسلام كدين وكقيمة اجتماعية والعدالة بشكل أساسي كجوهر هو المكون الأساسي، ولما رحت للكتّاب وحفظت القرآن وبعدين أدرك والدي إن التعليم يعني كان بدأ مرضه أن التعليم الأزهري طويل فتحولت إلى التعليم المدني، فكنت في مدرسة للأقباط مدرسة صاحبها قبطي، وهنا يعني التعليم أصبح يعني نوع من تطوير لمفاهيم التعايش الأساسية لمجتمع القرية نفسه يمنعها.

أحمد الزين: لمفهوم التعددية..

نصر حامد أبو زيد: يعني دا المناخ اللي تربيت فيه واللي ظل وسيظل فيما أعتقد حجر أساس في تكويني وفي تفكيري..

أحمد الزين: من 14 سنة مثل ما تروي حضرتك يعني أصبحت مسؤولاً عن العيلة عن الأخوة بحكم..

نصر حامد أبو زيد: توفي والدي لأنه كان مريض وبعدين لما أخذت الإعدادية هو صمم إني أواصل التعليم العام فكملت دراستي وحصلت على الدبلوم واشتغلت وساهمت مع أمي في إعالة العائلة.

أحمد الزين: طيب على المستوى الشخصي يعني هذه الأبوة المبكرة اللي أنت مارستها ومش أب يعني كموقع الأخ شو تركت بصمات أو أثر في حياتك في تجربتك اللاحقة؟

نصر حامد أبو زيد: أعتقد أنها يعني تركت بصمات في إحساس يعني أعتقد مستمرة إحساس بالمسؤولية، ولما طبعاً أخواتي كبروا وتزوجوا.. أنا أكبر الأخوة لكن آخر واحد تزوج.

أحمد الزين: يعني زوجتهن كما يفعل الأب يعني.

نصر حامد أبو زيد: جميعاً نعم، نعم ويعني إحساس بالمسؤولية إحساس بالترابط، إحساس بقيمة العلاقات الإنسانية وده انعكس على وظيفتي كمعلم كمدرس، يعني معظم تلامذتي لو في مصر أو خارج مصر بيقولوا إني أنا أتعامل معهم بمنطق الأبوة بكل ما يمكن فيها من قسوة لكنها قسوة ليس مقصود بها العقاب بقدر مهي مقصود بها يعني التربية، وأعطتني قدرة يعني أنا سعيد بها جداً على التعامل مع قطاعات عديدة من المجتمع، يعني أنا يعني زي ما بيقولوا أنا رجل سهل المعاشرة يعني وصعب جداً أني أنا أقطع صلتي بالإنسان، يعني إذا قطعت صلتي بإنسان يبقى مؤكد هذا الإنسان ارتكب شيء بشع، يعني أنا أعتقد دا كمان من الأشياء الجميلة اللي تدّي للحياة معنى أجمل كثير جداً تجربتي من هذه الناحية تجربة إيجابية.

أحمد الزين: طيب دكتور أنت كان بودك دراسة الأدب العربي وأن تكون ناقداً في الأدب العربي، طبعاً مثل ما ذكرت ظروف الحياة خلتك تدرس المهنية واشتغلت في قطاع المواصلات السلكية واللا سلكية لسنوات ولكنك حصّلت دراسات..

نصر حامد أبو زيد: أخذت الثانوية العامة..

أحمد الزين: ودخلت الأدب العربي وكنت تريد أن تكون ناقداً في الأدب العربي، ما الذي أتى بك إلى الدراسات الإسلامية؟

نصر حامد أبو زيد: يعني قسم اللغة العربية في ذلك الوقت كان منصب يعني لا يوجد فيه متخصص في الدراسات الإسلامية والدراسات القرآنية بسبب ما تعرّض له القسم من يعني إي..

أحمد الزين: اضطهاد..

نصر حامد أبو زيد: يعني كان آخر أستاذ للدراسات القرآنية الشيخ أمين الخولي، وكان مشرف على الرسالة محمد أحمد خلف الله عن الفن القصصي في القرآن، وهذه الرسالة أثارت جدلاً في الجامعة وانتهى الأمر إلى عدم قبول الرسالة وإلى فصل الطالب من الجامعة لأنه كان معيد، وإلى حرمان المشرف اللي هو الشيخ أمين الخولي من الإشراف على هذا القسم، منذ هذه اللحظة ما كانش في متخصص، فالقسم لأمر ما يعني السنة اللي تعينت معين قالوا لا من حق القسم أن يخصص المعيد حسب احتياج القسم، ومن هنا يعني حصل يعني إني أنا يعني ما كنتش يعني موافق..

أحمد الزين: متحمس..

نصر حامد أبو زيد: بسبب ما أعرفه..

أحمد الزين: قد يحدث لك ما حدث لأمين الخولي ولطه حسين سابقاً..

نصر حامد أبو زيد: وعبرت عن هذه المخاوف لأساتذتي وقالوا لي لا لا ده كان خلاف بين الأساتذة وليس له علاقة بالفكر وكذا وكذا.. ومضت حياتي في القسم باحثاً ماجستير دكتوراة ترقي إلى أستاذ مشارك زي ما منقول بسهولة بل وبتقدير عالي في كل هذه المراحل، وبعدين حدث ما حدث في بداية التسعينات لما تقدمت للترفيع إلى درجة أستاذ..

أحمد الزين: فكفرت..

نصر حامد أبو زيد: فتم التكفير من الجامعة من داخل الجامعة، يعني فرق كبير بين اللي حصل لخلف الله وبين اللي حصل لطه حسين.

أحمد الزين: ويمكن رئيس الجامعة آنذاك هو اللي آثار الموضوع لدى النيابة العامة؟

نصر حامد أبو زيد: رئيس الجامعة آنذاك وقع في حيص بيص زي ما منقول أنه داخل اللجنة العلمية كان فيه آراء متضاربة رأيين إيجابيين ورأي سلبي لأنه في الوقت دا كان الخطر العام الاحتقان العام في المجتمع والخوف العام من الإرهاب كان يتحكم في القرار السياسي، فرئيس الجامعة يعني تصور أن هذه مسألة مسألة ترقية يعني إذا الأستاذ لم يرق ممكن أن يرقى في الدورة التالية، ولكن إذا رقي بعد هذه الاتهامات ممكن دا يثير الجامعات الإسلامية داخل الجامعة ويحدث نوع من الشغب داخل الجامعة وكما تعلم يعني مجتمعاتنا تريد السلامة.. السلطات يعني تريد السلامة ولوكان ذلك على حساب القيم الأساسية يعني.

أحمد الزين: طيب دكتور الواحد هيك يستشف من الجلسات معك طبعاً ومن بعض الكتابات عندك نظرة التأمل والتصوف يعني حتى في أشكال إيمانك إذا صح التعبير، كيف اكتسبت ذلك من الدراسات التي قمت بها مثلاً من إطلاعك على ابن عربي؟

نصر حامد أبو زيد: طبعاً بس جذورها في نشأتي في القرية، يعني إنه في شخصية أثرت فيّ أو في القرية كان رجل فلاح شاعر متصوف اسمه حسن سمك وأنا ذكرته في بداية مقدمة كتابي عن ابن عربي وذكرت القصة بالتفصيل، إن هذه النزعة موجودة في التربية، وموجودة أيضاً باعتبار النشأة في يعني في أسرة فقيرة يعني، ويبقى يعني في أسرة فقيرة ممكن تتعلم علم الطموح إما الطموح إلى أن تكون غنياً أو الطموح إلى المعرفة، وأنا ربيت من الأب هنا في أن المعرفة غنى يعني لا يساويه أي غنى، وبعدين قراءتي في التصوف كانت نوع من يعني عمق لهذه الأفكار الأولية، أهم حاجة تعلمتها من التصوف الاستغناء، يعني كلما استغنيت عن الأشياء كلما ازددت غنىً..

أحمد الزين: كلما أحسست بالحرية؟

نصر حامد أبو زيد: وكلما أحسست بالحرية يعني طبعاً أنا مش زاهد لهذا الحد، يعني مش واخذ الزهد الصوفي حرفياً، وإنما زاهد بالمعنى الاجتماعي، بمعنى يكفيني مكان أعيش فيه وكتاب أشتريه ووجبة أتناولها.

أحمد الزين: وامرأة..

نصر حامد أبو زيد: وزوجة يعني طبعاً يعني ما هو البيت هنا بكل حمولاته الاجتماعية والإنسانية وكذا وكذا.. دا طبعاً أنا مدين فيه للعم حسن سمك ولقرائتي للتصوف.

أحمد الزين: نعم طيب بالنسبة لموضوع الانتماء مبارح في الدردشة كنا عم نتحدث كيف بتشوف أنت الانتماء لمصر مثلاً، فقلت إنه عندما عدت من فترة غير بعيدة أحسست بالانتماء بمعناه الإنساني، أن تنتمي للأهل للناس للوجوه يعني وليس للوطن بمعناه المجرد..

نصر حامد أبو زيد: طبعاً يعني دا برضه يعني خبرة قديمة، يعني ماذا يعني الوطن؟ الوطن يعني الناس، وإحنا تعلمنا من بدري أوي برضه مجموعة من القيم الجنة من غير ناس ما تنداس، فالوطن بالنسبة لي يعني الناس يعني الوجوه، وفي أول اغترابي القسري لما جيت يعني أقدر أقول لك كل رؤاياي الليلية كانت وجوه تلامذتي..

أحمد الزين: وليس الأمكنة فقط..

نصر حامد أبو زيد: أنا ما ليش علاقة بالأمكنة بالمناسبة، يعني أنا أعجب جداً ببعض الأصدقاء اللي لهم علاقة بالمكان المدينة الفلانية، أنا ما ليش علاقة بالأمكنة، لكن لي علاقة بالناس يعني أتذكر في المدن بأني تعرفت فيها..

أحمد الزين: يعني هذه الصيغة بعض سلوك المتصوفة لأن الأمكنة عندهم العالم الداخلي

نصر حامد أبو زيد: احتمال يعني أحياناً ده يسبب لي مشاكل يعني..

أحمد الزين: مشاكل لوجستية بالأرض..

نصر حامد أبو زيد: أه بالضبط، يعني أنا يعرف عني أصدقاءي وتعرف عني زوجتي أنا عبقري في التوهان في يعني أفقد الطريق، يعني أنت شفت النهار دا ما كنت أقدر أجيبكم من الأوتيل وهو في نفس المدينة اللي عشت فيه 11 سنة، المكان عندي مرتبط بالناس مرتبط بالوجوه، الوطن وأنا كتبت مقالة زمان أوي وأنا لسا أكتب قبل ما أبقى معيد في الجامعة وأنشر بعض المقالات هنا وهناك، ماذا يعني الوطن؟ هل مصر هي المواطن عبد التواب ولا عثمان أحمد عثمان؟ عثمان أحمد عثمان مواطن مصري طبعاً، المواطن عبد التواب مواطن مصري أيضاً ولا هنا محدد انتمائي ما أقدرش أنتمي للوطن كله، يعني أنا مع المواطن عبد التواب أكثر مع المواطن عثمان أحمد عثمان إلا إذا كان عثمان أحمد عثمان في فهمه للمواطنة يضع المواطن عبد التواب في اعتباره.

أحمد الزين: حلوة كثير هالجدلية..

نصر حامد أبو زيد: هنا انتمائي انتماء للوطن اللي أنا جزء منه وهو غالباً الناس يعني وبشكل عام الفقراء، وأنا اشتغلت في الشرطة لفترة..

أحمد الزين: أنت اشتغلت في الشرطة؟

نصر حامد أبو زيد: أنا فني لاسلكي في الشرطة أنا تابع لهيئة المواصلات، من حيث التعيين والمرتب لكن طبيعة العمل في الشرطة، فعملي في الشرطة كمان وراني قاع المجتمع المصري.

أحمد الزين: ولا مرة اعتقلت نفسك..

نصر حامد أبو زيد: أنا ما كنتش ألقي القبض عن الآخرين أنا كنت مسؤول عن أجهزة الاتصال، إنما شفت قاع المجتمع المصري يعني وعشته وتماهيت أحياناً مع بعض الحالات، وكان نجاحي في التدريس في مصر وأعتقد أن ده كان خطري، يعني خطري مش فيما كتبت من كتب أنا يعني إذا صح الكلام أن عن خطر، خطري كان عملي في الجامعة لأنه كان عندي ولا يزال عندي هذه القدرة على التواصل.

أحمد الزين: لم يصل دكتور ناصر حامد أبو زيد إلى هذه القناعات وإلى الموقع من تجربته ورؤيته للمجتمع وللحياة دفعة واحدة، أو أنه أتى من يسر في العيش إلى يسر في التحصيل والوصول بل عاش شغف العيش وكافح طويلاً في رحلته من قريته قحافا إلى هذه المدينة ليدن المطمئنة على حواف أقنيتها، حتى يبدو مطمئناً إلى صفاءاته الداخلية بمقدار القلق الذي يحدثه سؤاله أو فكره في الرؤى السكونية.

أحمد الزين: خطورتي كما قال كامنة في التواصل أكثر مما هي في مؤلفاتي، في هذا الفعل يجد الدكتور نصر حامد أبو زيد نوعاً من السعادة، فيسعده أن يكون أستاذاً أن يختبر أفكاره في ميزان التواصل المباشر مع طلابه وزملائه، فمهنة التدريس بالنسبة له هي المفتاح الأساسي لكيفية التفكير في مجتمع تعلم أن لا يفكر أو يسأل.

نصر حامد أبو زيد: إذا أجدت مهنة التدريس فيمكن في الفصل وأنت تعلم تتعلم، وأنا أعتقد أن المدرس المعلم اللي ما بيتعلمش عنده خلل في المهنة.

أحمد الزين: الأفضل يستقيل، طيب في سؤال أنت دائماً تطرحه على نفسك وهو يقول سؤالك طبعاً وليس سؤالي كيف تجمع بين قوة العقل وقوة التجربة والتدين؟

نصر حامد أبو زيد: نعم أنا أعتقد إنه يعني دا سؤال بقى له عدة سنوات، يعني لأنه ما يحتاجه العالم وليس فقط العالم الإسلامي ما يحتاجه العالم اللي غالى في عقلانيته إلى درجة وضع الدين في أفق اللا عقلانية، وإحنا عارفين دي الوقت إنه بعض فلاسفة ما بعد الحداثة لأ يعتبر إن جزء من بنية العقل اللا عقل أو الجنون أو ما يسمى بالأسطورة، وعشان كدا أقول التدين وليس الدين، التجربة كمان كجزء من تحويل العقل إلى تجربة شخصية شخصانية، مش إلى أفق مجرد من القواعد - واخذ بالك - وأنت إذا دورت على تقدم البشرية يعني لو أخذت نيوتن مثلاً رح تجد هذا الخليط من العقل والتجربة ونسق ما من أنساق التدين، يمكن الإيمان بقيمة العلم ودا تدين..

أحمد الزين: كلام مفتوح وواضح نعم..

نصر حامد أبو زيد: مفتوح طبعاً دي قيمة عندنا نقدر أنا أعتقد في تراثنا الإسلامي والعربي عندنا هذه القيمة، عندما قيمة مفكر زي ابن رشد أنه فيلسوف..

أحمد الزين: ومتدين..

نصر حامد أبو زيد: ومتدين وهو الفيلسوف الوحيد الذي أفرد كتاباً للفقه، لكن الفقه بأي معنى؟ لما تقرأ بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد رح تجده مشغول بفقه الاختلاف، إذاً يمكن أن نجد في تراثنا عناصر تجمع بين عقلانية وتجربة ومن كلاهما ينبثق تدين طبعاً إلى حد كبير مرتبط بالتجربة مرتبط بالعقل، وليس منبثق من فرض خارجي أياً كان الفرض الخارجي أعتقد أنه نموذج..

أحمد الزين: وهذا اللي يتيح لك اختيار صيغة التدين..

نصر حامد أبو زيد: طبعاً يتيح لأي أحد يختار صيغة تدينه مش أنا، يعني إذا إحنا قدرنا نرسخ قيمة العقل ليس العاقل الذي يستبعد ما وضح في خانة اللا عقل في إطار التنويرية الكلاسيكية.

أحمد الزين: دكتور بدي أسألك سؤال على سيرة أبو الرشد اللي هو خصصوا له كرسي الكرسي التي تشغلها أنت، ووضع بتقديرك نتيجة وضعه في مرتبة وسطى بين مرتبتي أفلاطون وأرسطو، يعني ليش الكرسي لابن رشد في الجامعة؟

نصر حامد أبو زيد: يعني لأن هذه جامعة الإنسانيات وأنت عارف إنه في دائرة الهيونوميست الثانويين في ثانويين علمانيين يعني يرفضوا تماماً إنه يبقى في الفكر الديني أي إمكانية لفكر ثانوي، وفي ثانويين يروا إنه الدين رؤية للعالم يمكن أن تتضمن بعض العناصر الهيونومستيك، وهنا يعني المثال اللي ممكن يفكر فيه هؤلاء اللي يدافعون عن رؤية دينية للعالم باعتبارها رؤية يمكن أن تقدم منظوراً إنسانياً بما فيهم ابن الرشد.

نصر حامد أبو زيد: طيب دكتور في النهاية فيما لو عدت إلى مصر هل تعود إلى الجامعة؟ أم تعود فقط كمفكر كباحث تهتم..؟

نصر حامد أبو زيد: لا أنا أعتقد إن حال الجامعة اللي أصبح في الحضيض، ما أشهده في الجامعة وما شهدته في الجامعة لأنه في زيارتي إلى مصر شيء مؤسف وخاصة إذا جاء في إطار الدراسات المرتبطة بشكل أو بآخر بالفكر الديني، يعني فيه هناك شباب يعاني، شباب من الباحثين اللي إمكانيتهم يعني محدودة ولكنهم يحاولون القفز فوق الأسوار، فالمؤسسة الجامعية يعني تقطع أقدام هؤلاء، يعني لا أريد أن أقول أنها يعني تعمل عمليات يعني أبشع من هذا.. يعني أنا أستطيع أن أقول وأنا يعني مستريح أنه فيه عمليات خصاء فكري، يعني هناك أصبحت قواعد إما أن تخضع لهذه القواعد وإما أنك ليس لك مكان في هذه الجامعة.

أحمد الزين: يعني لن تعد للجامعة..

نصر حامد أبو زيد: يعني إذا وصل إلى الخصاء الفكري..

أحمد الزين: ما في لك مكان يعني..

نصر حامد أبو زيد: يعني وبعدين حتى إذا قررت أن أعود سيبقى فيه أكثر من سؤال..

أحمد الزين: ما بتخاف مثلاً للتعرض لإساءة لأذية معينة..

أحمد الزين: يا أخ أحمد الخوف موجود في كل مكان، يعني إذا انت تخاف عليك أنت تخاف من الحياة لأنه الحياة مليئة بالمخاطر، يعني أنت في بيتك الغاز ينفجر، تنسى البتوجاز مفتوح.. في بلادنا إمكانيات الموت واسعة جداً..

أحمد الزين: لأنه مفتوح على طول البتوجاز..

نصر حامد أبو زيد: الحقنة الخطأ في المستشفى - واخذ بالك - يعني أنك تسقط في الطريقة نتيجة.. تنزف حتى تصل الإسعاف، يعني في مجتمعاتنا الحقيقة الموت في كل ركن.

أحمد الزين: وخاصة في العقل؟

نصر حامد أبو زيد: مش رح تخاف بقى من أي موتور يعني يمسك خنجر ويطعنك زي ما حصل لنجيب محفوظ، نجيب محفوظ يعني كان يفتح السيارة عشان يسلم على الشاب.

أحمد الزين: افتكره واحد من معجبينه وهذا الوحيد اللي مش قارئ له ولا نص يعني..

نصر حامد أبو زيد: يعني كمان جزء من استمراري في العمل الحقيقة إني عمري ما عشت في الخوف دا.

أحمد الزين: بوقت قليل تصعب الإحاطة بسيرة رجل من أمثال الدكتور نصر حامد أبو زيد، ولكن في هذا الوقت القليل يمكننا أن نكتشف أبعاداً ذات عمق وتأثير في حياته، نكتشف تواضع رجل الفكر الذي يعتبر في كل كتاباته أنه يساهم في بلورة إجابة تتمخض في دورها عن سؤال، ومسؤولية نابعة من تجربة حياة تجاه علاقته بالآخر وتجاه كلمته، ونكتشف أيضاً مقداراً من الزهد والتصوف في شخصيته وأملاً بالخروج من ظلمات ليل طويل تعيشه هذه الأمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق