2006-11-10

روافد مع سماحة السيد هاني فحص

إعداد وتقديم

هاني فحص: صحيح الإنسان يرتبط بالتفاصيل فتكونه ما بيقدر يخلص منها، بس للمرة الأولى بحسّ إن التفصيل الأهم هو الوطن، وأن البيت هو بيت في الوطن، وحاسس إنه الوطن عم بيهز كأنه قابل على مرحلة تصدّع كنا نخاف منها دائماً بالحرب والسلم.

أحمد الزين: كانت رائحة البارود والجريمة صارخة في المدينة وفي ضاحيتها تحديداً حيث يقيم، وفي جنوبها حيث ولد، وكان بعد لم يذهب إلى بيته ليتفقد أشياءه، مكتبته ذاكرته وصوراًَ من أيامه ونصاً يعالجه لم يكتمل من التحقق، وأفكاراً مبعثرة حملها في باله، كان يقلقه شيء آخر ويشغله هم آخر أكثر حملاً بيت أعمّ وأشمل وأكبر يخاف عليه ويخاف خرابه النهائي، كان ذلك على أواخر آب الوطن يلملم أشلاءه، والسيد هاني يلملم شتات أسئلته وأفكاره حين التقيته كان يطل للمرة الأولى من نافذته على ساحة الجريمة.

هاني فحص: إحنا ملزمين بالتفاؤل، وملزمين بالعمل من أجل جعل التفاؤل واقع من دون مبالغة ومن دون أوهام.

أحمد الزين: خلال فترة الحرب قرينا لك مقال بعنوان عمامتي ويراعتي والحرب، وبالسياق قرأنا إن هذه العمامة شكّلت لك بعض المشاكل في تجوالاتك في بيروت وخلال إقامتك بهذا البيت، طبعاً هذا البيت هو بيت أحد أصدقاءك شو المشكلة اللي شكلتها العمامة؟ ثم يا ترى هل العمامة هي المشكلة أم فكرك هو المشكلة؟

هاني فحص: بالعكس القلم أنا برأيي حل للمشكلة، لأنه أمام الدفق الإعلامي والإطلاق هو الإطلاق المضاد في المواقف نتيجة الارتجال وإغراء الصورة، يبقى القلم هو المكان اللي فيك تضبط فيه انفعالك وتضلك نسبي، تكتب النص وتراقبه أنت ذاتياً تسيطر عليه وما يسيطر عليك، أما بالنسبة للعمامة يعني الشيء اللي عانيته أنا في بيت الحاج حسين القطان الصديق الكويتي أول ما وصلت على البناية طُلب مني أن أنزع عمامتي، طيب هذه مفارقة العمامة اللي كانت عامل طمأنينة تاريخياً أصبحت مصدر قلق، أنا ما بدي استغل هذه المسألة هالمفارقة لإدانة أحد، بس فيه إشكالية فيه إشكالية.. هل هو إن يعني المجاهد أو المناضل بيخوف؟ والله إيه تعودنا عليها إنه حتى بيخوف عيلته وأولاده بتقديري ما بدنا نضخمها نحنا بس تنعكس على أمثالي تنعكس بشكل مباشر حاد وقاس، هذه مؤشر على أسئلة جديدة كيف نعالج هذا الوضع.

أحمد الزين: طيب سماحة السيد لبنان اليوم مرة أخرى يلملم أشلاؤه بعد حرب مدمرة، ربما ما من أحد كان يتوقع حدوثها وإن كان توقع أحد يعني ما كان يتوقع أن تكون بهذه الشراسة كما عبر عن ذلك سماحة السيد نصر الله، بتقديرك لماذا هذه الحرب؟ هل هي حرب الوكالة عن الآخرين؟ هل هي كانت تمريناً على الساحة اللبنانية يعني لحرب أكثر شمولية؟ ما الذي تقوله بهذا السياق؟

هاني فحص: اسمح لي المرة كون أكثر خوفاً من التحليل وأكثر خوفاً من تقديم موقف ناجز، يمكن ما عندي أجوبة على أسئلتك عندي أسئلة أضيفها إلى أسئلتك، بس على البداية على بداية السؤال ليش هذه الحرب لا تُسأل العقرب لماذا تلدغ، فإسرائيل مشروع حرب السلام يهددها، وأيضاً يعني حجر الزاوية في البناء الإسرائيلي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري والحرب هي اللي بتشغله، والاستعداء هو اللي يستقطب المجتمع بقى عنا أبو مازن الآن مشروع سلام بالأرض المحتلة مكروه أكثر من حماس إسرائيلياً.

أحمد الزين: يعني هذا بخلينا نفكر إن إسرائيل هي أيضاً تساهم في خلق عدو لها، طبعاً يعني أقصد بسلوكها بإجرامها عم تدفع الناس على ردات فعل لا عقلانية أحياناً.

أحمد الزين: كل متطرف بده متطرف يبرره، التطرف يبرر التطرف، الاعتدال والوسطية لا يبرروا التطرف، لذلك أنا بتقديري المجيء بالمتطرف يكون عبر تحطيم المعتدل وعبر إحباطه، هذا الكلام لا يريد أن يقول إن هناك تواطئاً، فإذن إسرائيل هي مشروع حرب مشروع حرب دورية لأنه كل ما أنجز على المستوى العربي أو على المستوى الوطني اللبناني وغيره لا بد من تحطيمه، لأنه بالنهاية هذه الحرب الدورية اللي تعملها ترجعنا إلى طرح الشعار اللي قتلنا، اللي فرغنا اللي هو لا يعلو فوق صوت المعركة، ويتعطل كل شيء والمعركة لم تحسم، بيصير التخلف على كل المستويات يساهم في خسران المعركة، وخسران المعركة يعيد إنتاج التخلف مرة ثانية، وأنا بتقديري إن التنمية الشاملة هي الوسيلة الأنجع لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

أحمد الزين: تقصد بمعناها الفكري والثقافي والعقلي؟

هاني فحص: وحيث يأخذ البعد المستوى العسكري منها موقعه من دون أن يختزل بقية المستويات، يتناغم بتصير فيه بنية تنموية متكاملة، النقطة الأساسية اللي بدي قولها بنهاية هذا الكلام إنه هناك خلل منهجي في تعاملنا مع هزيمتنا أننا لم نعترف بها.

أحمد الزين: يعني تعني بالهزيمة ليس أمام العدو أمام أنفسنا أمام العقل أمام المعرفة؟

هاني فحص: أنا بتقديري إن الهزيمة أمام العدو هي أحد تمظهرات وتعبيرات هزيمتنا الأعمق الهزيمة البنيوية، الهزيمة أكثر يعني أنا برأيي الخلل في نظام السياسة أصله معرفة، نظام المعرفة مختل مش معناته إنه عم قول تعالوا نقوض موروثنا ومكوناتنا، عم أقول تعالوا نقراها من جديد نعيد قراءتهم، بينما بدي قول شغلة مقارنة بسيطة وسريعة اليابان انهزمت، ونحنا واليابان بلشنا بمشروع النهضة والتحديث سوا بأربعينات القرن التاسع عشر، اليابانيين رجعوا جددوا مشروعهن بعد الهزيمة الكبرى بالحرب الثانية، أيقنوا بأنهم انهزموا فبلشوا بالمستوى المعرفي، مستوى المعرفة راحوا للإمبراطور نزلوه من السماء على الأرض، نزلوا المقدس إلى التاريخ إلى التاريخي واللي يمكن أن يكون عُرض للدنس، نحنا كل ما انهزمنا كل ما رفعنا التاريخي إلى المقدس وسعنا مساحة المقدس.

أحمد الزين: يعني سماحة السيد أن ينفرد حزب ذو صفاء ديني بمواجهة عدو هو أيضاً توراتي تلمودي بفكره وبسلوكه، هل نستطيع أن نسمي هذا نوعاً من أنواع الحروب الدينية؟

هاني فحص: شعب الله مقابل حزب الله، أولاً قبل أنا أتفهّم لماذا المقاومة في لبنان ومواجهة إسرائيل أصبحت حصرية في حزب الله، هذه مشكلة ما كانش على حزب الله أن يحلها كان لازم نحنا نحلها ما حليناها.

أحمد الزين: كان هناك مقاومة كان هناك جبهة المقاومة التي هي مزيج من الأحزاب المختلفة، أظن أنها مُنعت من مزاولة يعني عملياتها..

هاني فحص: أنا موافق على هذا الكلام بس قابلية الأطراف الأخرى كانت عالية الاستجابة لهذا التحدي، يعني لم تمانع لم تمانع وكمان إلها أسبابها التاريخية، أنا برأيي المشكلة مركبة غير قابلة توجيه التهمة باتجاه واحد كلنا مسؤولين عن ما حصل.

أحمد الزين: لأ هو تساؤل فقط يعني أن ينفرد حزب ذات صفاء ديني كما ذكرت بمحاربة طرف آخر هو أيضاً أصولي وذات صفاء ديني،

هاني فحص: أنا بتقديري 80% من الحروب الدائرة حروب دينية، الاتحاد الأوروبي كان مفصل في الغرب، أدار ظهره ل500 سنة من الحروب الدينية داخل أوروبا، بس 80% من الدم المسفوك في العالم وراءه ذرائع دينية وأفكار دينية وأوهام دينية وتشوهات دينية تشويهات دينية، ودائماً دائماً بحربنا بلبنان وعلى المستوى العربي لبنان كان في الصراع والمنافسة والسجل كان له أسبابه الاجتماعية بس هذه الحرب بلبنان مطلوب إطالتها ما بتطول وما بتكثر بشاعتها وما بتدمر لبنان إذا ما كانش إلها مسوغ إيدلوجي، والمسوغ الديني هو أعلى المسوغات الإيدلوجية فُرفع الاختلاف إلى مستوى التناقض الديني، فحتى العلمانيين استثمروا المكون الديني في إدانة الحرب والتبس اليسار واليمين بالمذاهب والطوائف المذاهب والطوائف، فأنا موافق تماماً على أن الحروب الدائرة حروب دينية، وهذا يستدعي مزيداً من الشغل والعمل إلى التمييز بين الدين والسياسة، وأوافق أن نصل في هذا التمييز إلى حد الفصل، التمييز الذي وصل في الغرب إلى الفصل بين الدين والدولة فكان أثره طيباً على الدين وعلى الدولة معاً، لأنه حرر المسيحيين من الكنيسة، ووضع الكنيسة في خدمة المسيحية، إذن مش يعني إنه بلا إشكالات وبلا تعقيدات بدها تضل موجودة، لأن العملية عملية معرفة وسلوك وريح الدولة من الدين، لأن الدين بالدولة يتعبها والدين بالدولة بتصير الدولة تتعب الدين بتصير تنتجه على خاطرها على مقتضياتها وهي غير مقتضياته ممكن تكون صح، وبصير هو يحاول ينتجها على مقتضياته وموجباته، بينما الدين نظام قيم مالوش مشروع دولة بأساس، نظام قيم ممكن أن يحكم سلوك الدولة بس لا يقوضها.

أحمد الزين: على كل حال أنت عندك قول بهذا المعنى إنه يعني تقول إذا الدولة أنتجت الدين تفسده وتفسد به، وإذا الدين أنتج الدولة يفسدها ويفسد بها، لأن الدولة هي من شأن العقل، طيب قادة هذه الحروب هن مش واعيين لهذا المستوى من الكلام أو من الرؤية اللي أنت عم تشوف من خلالها؟

هاني فحص: لأ أنا رأيي المسألة مش مسألة وعي، يمكن قسم منهم ما يكونش واعي هيدا مصيبة، فيه قسم آخر يعيه ويشتغل عليه لأنه يعيه، بيشوفوا أديش قيمة الدين ودوره كمكون في الاستقطاب وفي التحريض والتعبئة والاصطفاف بيشغلوه.

أحمد الزين: ولكن نهاية ذلك؟

هاني فحص: نهايته إحنا نتبادل الهزائم أو نتبادل الانتصارات، تاريخ الصراع المحطوط بهالسياق هو تاريخ تآكل نحنا مناكل بعضنا، السلطة عم تاكل الدين والدين عم تاكل السلطة، الدين عم تاكل المجتمع والمجتمع عم ياكل الدين الدولة.

أحمد الزين: السيد هاني فحص يغريك أن تجالسه أن تحاوره وتصغي إليه وتساجله، فتطرح من أسئلته وتأخذ من بعض أقواله منطلقات للتفكير، كأن يقول مثلاً الإحالة على الغيب تلغي الحضور وتشوه الغير، ويستنفر العقل للفصل بين ما ينبغي أن لا يختلط، وللبرهان على تأكيد معادلة كالاعتدال مثلاً كقضاء للحق وللحقيقة، أو المشاركة والتعدد ومعرفة الذات في مرآة الآخر.[فاصل إعلاني]

أحمد الزين: واضح أن السيد يقف في المطرح الذي يطل منه على الجميع وقد حصنه بالمعرفة وبالاعتدال وبانفتاحه على الآخر، حيث يرى فيه تكامله أو النقيض أحياناً النقيض المحرض على التفكير والتأمل، يستحضر من الماضي ما يؤسس للمستقبل ويؤكد الحضور، يجتهد في استشراف الآتي وشرطه المشاركة والحوار تاركاً لمتن أفكاره ورؤاه هامشاً رحباً للتصويب أو للنقد أو للمساجلة، فليس من شيء مطلق عنده سوى إيمانه وأمله، وله في كل ذلك ما يشبه الرسائل أو الإشارات نقرأها في كتاب أو نسمعها في ندوة أو تصلنا كرسالة محملة بالأسئلة وباحتمالات أجوبة تنتظر منا إضافة أو إجابة ما أو تأملاً.منذ فترة بعثت برسالة إلى سماحة السيد حسن نصر الله يعني هل تلقيت جواب؟

هاني فحص: دائماً كنت أبعث رسائل بطريقة أو بأخرى للإخوان في حزب الله ولا مرة تلقيت رد مباشر أو كلام مباشر، أنا بتقديري إنه لما يقرئوني يقرءوا مودتي لهم احترامي ويقرؤوا نقدي، فيعتبروا إن المودة هي ضمانة إن ما يتحول نقدي إلى عداوة، ونقدي لهم هو من مجمل يمكن يقولوا لحالهم ما بعرف.. بس حتى الآن آثار الآثار الإيجابية لقراءتهم لجانب المودة تصلني، بس الآثار الإيجابية أو السلبية لقراءتهم للبعد النقدي ما وصلني شيء، وأنا مُصر شاءوا أم أبوا إني شاركهن بالرؤية ولو غصب عنهم، لأني أنا ألتمس العذر أمام الله وأمام التاريخ أن لا أقول ما أعتقد أنه صواب حتى لو انكشف لاحقاً أنه غير صواب، منطلقاً من حسن النية ومن الشراكة أنا أعتبر حالي شريك لكل القوى الموجودة على الساحة، لأنه على المستوى الوطني برأيي وعلى المستوى الفكري ما فيه باطل مطلق وحق مطلق فيه نسب.

أحمد الزين: سماحة السيد يعني أنت لديك مقالة بعنوان "الجمهرة والخيانة" يعني ماذا تعني لك الجماهير والحشود بخاصة يعني في مجتمعات هيك هشة معرضة دائماً للاشتعال؟

هاني فحص: القرآن لقطها بكير "قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادا وتتفكروا ما بصاحبكم من جنة" في حالة هياج يطلع واحد بهالهياج بده يقول إن الرسول مجنون يقولوا معه مجنون، سلوك القطيع أيضاً حكا عنه بكير، تعبير علي بن أبي طالب جميل "كن في العامة ولا تكن منها، وخرج من مسجد الكوفة فتبعه المصلون فالتفت إليهم في بعض الطريق وقال: أبكم حاجة؟ قالوا لا قال من لم تكن به حاجة فلينصرف، فإن خفق النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة للقلوب، تفسد قلوب الأتباع بالمذلة والهوان، وتفسد قلوب المتبوعين بالأنانية والكبرياء". بصراحة أنا في لحظات معينة أكره الجمهور إلى أن ينفض إلى أن يخرج إلى الشارع ويصبح أفراد فأحبهم.

أحمد الزين: سماحة السيد قلت يوم أمس خلال الدردشة إن الذاكرة هي شرط الحلم والبعض يستهلك الذاكرة لقتل الحلم، لنتحدث قليلاً عن الثقافة الاستشهادية، يعني أن يضحي الإنسان بنفسه أحياناً أو بأبنائه أليس هذا نوع من الإلغاء لنعمة الحياة التي منحها الله؟

هاني فحص: دعني أحترم هذا السلوك لأنه خيار أنا أحترم خيارات الناس، أنا لا أختارها لا أختارها لأنه أنا بتقديري خيارها ما بيهدّي كثير، لأن هذا نوع من استخدام المتغير أو غير الثابت في إلغاء الثابت، الثابت هو هذا التكوين المركب في الإنسان بين الحياة والموت، مش بس الموت بين الشهادة والشهود، بين الشهادة بمعنى الاستشهاد والشهادة بمعنى الحياة الشهادة للحياة، "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم". وأنا بتقديري إذا شاعت ثقافة الشهادة وسيطرت واستغرقت الناس كلها بتوصلنا إلى حد كأنه عم نعمل دين موازي للدين، اسمح لي إني قول ممكن توقفنا على حافة ما بعرف شو بدي قول الشرك والانسحاب من الحياة، فرحنا صرنا نشوف الماضي مثالاً ناجزاً، والماضي شو بدنا نستحضر بالماضي نحنا منستحضر من الماضي لا نستحضر الرازي ولا نستحضر أبو حيان ولا نستحضر الإمام الصادق بجانبه العلمي الأوسع من المذهبي، نحنا منستحضر الجروح، نحنا منستحضر الأحزان، منستحضر الخلاف منستحضر التمايز التمايز عن الآخر، منستحضر إلغاء الآخر وإلغاء ذاتنا من قبل الآخر هالصورة النمطية منرجع لها، ومنستحضر الفواجع حتى تجمعنا لأنه فش آخر يجمعنا لأنه الدولة لم تجمعنا.

أحمد الزين: طيب سماحة السيد ألا تجد أن غالبية الشعوب المسلمة تعيش الخرافة أو لنقل الحكاية أكثر من عيشها ليومها وتحمّل مسؤولية فشلها أو نجاحها للغيب، وأنت القائل الإحالة على الغيب تلغي الحضور وتشوه الغيب؟

هاني فحص: الغيب مقام اجتماع، بس تحوله إلى حضور بيصير مقام افتراق، لأن الحضور جدلي تقديري كل ما كان الحاضر محبط كل ما كان الرجوع إلى الماضي هو التعويض، مثل ما بقول أنا دائماً إنه الماضي لما المستقبل صعب ومحاط بالأسئلة ولا ينتج إلى بالشراكة، الماضي سهل استحضاره وسهل الإحالة عليه، هو شو اللي بيحصل؟ بيحصل إنه بيصير فيه نوع من الدفع بين الدين بالنص الديني وبالسلوك الديني إلى مستوى خرافي نتيجة العجز عن إدراك الأسباب الطبيعية للحدث.

أحمد الزين: يحيل بعض المفكرين أسباب التخلف الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية بشكل عام إلى الدين، يعني إلى عدم تجديد قراءة النص والتراث بشكل عام وفق معايير علوم الاجتماع ومثلاً والتاريخ وعلوم اللسان، ما رأيك في هذا القول؟

هاني فحص: أنا برأيي أحد شروط نهوضنا أن نلغي المسافة بين العلم الديني والعلم الدنيوي، ونبطّل كرجال دين اختزال العلم بالفقه والعالم بالفقيه، ورأيي إن يعني عملية الاستنباط الفقهي لتتعاطى مع النص ومع واقعة ومع ذاكرة ومع سؤال ومع مشهد متحرك، لا بد لها من حقول معرفية أخرى تتكامل بها، علم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة والقانون والألسنية هودي كلهم مفروض بدون افتعال يدخلوا في معدات الاستنباط الفقهي، الفقه ما عم يستبق لأنه مش عم يشارك بالرؤية لأنه الرؤية إلها شروط معرفية أكثر من الفقه، فمش عم يستبق مش عم يتوقع مش استقبالي مش استشرافي، دائماً يكيف اللي بيحصل ولذلك عم بصير تناقضات، فيه إسلام صراطي غير استشرافي بحط حاله بمطرح أمام منجز تكنولوجي مثلاً تلفون بيحط حاله أمامه يحاربه بيجتثه، بعد فترة بصير الوقائع تتكون ويصير التلفون أو الهاتف أو أي منتج بيصير ضرورة حياة، بيرجع الفقهي يكيف نفسه وراها فتنتهي الصراطية إلى الواقعية، أنا برأيي من الأول لازم ندور الزوايا من خلال الشراكة المعرفية، وأنا برأيي اللي أنتج الموجب في تاريخ الفقه الإسلامي وحركيته هو هذه الشراكة بين المسلمين وبينهم وبين غيرهم، الشراكة أنتج لأنه الآخر تحدي معرفة إذا ما أصغيت لسؤاله وشفت شو عنده من معارف تتكلس، ما فيه حدا يتحداك ما في أسئلة تقض مضجعك، السؤال هو العلم يبقى يبقى إنه في أنا برأيي إنه في خلل في طريقة معرفتنا الدينية، المفروض نعمم فهماً جديداً ويكون خلافي مش ضروري يكون إجماع عليه بس يكون حيوي إنه ما عنا إشكالية، هل ننزل على الواقع أو ننزل الواقع على النص؟ أنا أنزل النص على الواقع أدعو إلى تنزيل النص على الواقع، يعني إلى قراءة النص قراءات متعددة، لا تلغي نصيته ولا تلغي الثابت فيه، بس المعرفة به متغيرة نتيجة المستجدة المعرفي والمستجد الحياتي، وإلا نكون خارج التاريخ، نستطيع أن نقرأ النص الديني في التاريخ مش خارجه، بشرط أن نتفق على منهجية لا تمس بالمقدس العام في الدين ما تحوله فقط يعني ما تلغي البعد الغيبي فيه، وهذه مسألة منّه سهلة ما حدا يبسطها كمان.

أحمد الزين: وفي إجاباته يجعلك تستعير من متنه ومن هوامشه لتزعزع اليقيني أو لترسخه، فمن مقادير قلقه وطمأنينته من شكوكه ويقينيته تغرف المعاني لتفرش أرضاً خلاقة للحوار، عمامته لا تلغي انفتاحه على الآخر وعلى السؤال، فالسيد المعمم شرطه السؤال ومرجعه العقل.

أحمد الزين: طيب سماحة السيد خلينا نرجع نحكي شوي هيكي عن الدوافع اللي خلتك تذهب إلى النجف، وتقول أنت ربما اللغة كانت هي الدافع يعني للذهاب إلى النجف؟

هاني فحص: أنا يعني من جيل متدين ما يقدرش واحد منا بهداك الجيل يكون غير متدين.. متدين قلق متدين على غير معرفة تفصيلية وقتها بيّن المعرفة تفصيلية بالدين مش مهمة، الدين هو غير المعرفة به، لذلك نحنا كنا متدينين أكثر من هلأ هلأ نعرف أكثر وتدينّا أقل، منصلي أكثر وثوابنا أقل، أنا شافوني بصلي الشباب وإن كان متقطع وقتها وإنشاء وشعر وكذا صاروا يقولوا لي الشيخ، فأنا كلمة الشيخ ترجمتها أني تركت لحيتي وقبضت حالي شيخ، بس شيخ شكس شيخ مشاغب..

أحمد الزين: ويسرق عنب..

هاني فحص: يسرق عنب يسرق رمان وبيعمل مقالب ما شي الحال..

أحمد الزين: سرقة العنب حلال..

هاني فحص: أنا برأيي هول بيطعموا الإنسان ضد السرقة، اللي بيسرقش عنقود عنب بيرجع يسرق بلد، واللي يسرق عنقود عنب بتحول السرقة إلى ذاكرة حلوة ما تتحول إلى سلوك، هالمطرح أخذني كمان على أمكنة أخرى إلى أن تبين إنه أنا أعشق اللغة العربية، من عشقي لها عشقتني كمان، كمان اللغة بشر لحم ودم وقلب وعقل، صاروا يقولوا لي أنه لازم تروح على النجف لأنه بذهني النجف ما فيها غير اللغة العربية بس ما بعرف شو فيها النجف بس لغة عربية، وبعد ما خلصت المدرسة التكميلية حملت حالي ورحت على النجف برضا من أهلي برضا من أهل الضيعة انبسطوا لي، وصلت على النجف وبنائي إنه رايح على الجنة ما فيه ولا عائق خلصت العملية انتهت حُسم الأمر، يومين ثلاثة اكتشفت إنه لأ الطريق إلى الجنة هوني أصعب، فبلشت تكبر التركة وبلشت يكبر القلق على الذات وعلى الذهن وعلى العقل وعلى الدين، يكثر الأسئلة وأني جاية فلاح بشوكي بترابي لم أدرك بالبداية علاقات المدينة هذه، فتحولت يعني كنت مشاغب بس مشاغب غير مكروه، أنا كنت مشاغب وميال للاندماج بأسئلة الحداثة واللي كان يحميني من إغارة الآخرين عليّ السيد محمد تقي الحكيم رحمه الله عميد كلية الفقه هو الذي احتضني ورباني وعلمني علمني الكثير من القيم مش بس علم ومعرفة، علمني أهمية السؤال..

أحمد الزين: طالما فتحنا هذا الموضوع سماحة السيد هل بالضرورة أن يكون رجل الدين معمماً؟

هاني فحص: أنا برأيي نشأة العمامة لها تاريخ ومفهوم ومبرر، بس حصر العلم الديني فيها الآن يعني شغلة فيها مبالغة وما فيها دقة أيضاً، وإنما العمامة لها رمزية روحية رمزية دينية روحية، تقديري لا بد من الحفاظ عليها بس تقديري أنها تراجعت، الحفاظ عليها يتم عبر إعادة الأولوية للمستوى العلمي وإلا يأكلنا الشك وعم يأكلنا عم ياكلنا الشك.كنا نتآمر نحنا وصغار حتى نسرق عنب وتين ورمان، وأحياناً يجي الدور علينا نحنا أنا لازم أسرق رماناتنا، وتعلمنا بالسرقة البسيطة تعلمنا عدم السرقة، اللي يسرق شغلة صغيرة يبطل يسرق، اللي ما بيسرقش أبداً بيرجع بيسرق شيء كثير.

أحمد الزين: مشاغباً كان فتىً يخلف بين المسنين في ساحة القرية في طرح أسئلته المقلقة، ويمضي لكتابة نص في الإنشاء قبل أن يكبر شغبه المعرفي لتقلقه أسئلة الحداثة، كان يبحث في تدينه الفطري عن معرفة، وفي حبه للغة عن أفق لهذا الحب، في بلدته وفي كنف والده عامل بناء المتدين انتسب السيد إلى الحياة قبل انتسابه إلى النجف فعمل في حقولها وترابها، اشتغل كوى وحائكاً للعباءات، وخياطاً وذاق مرارات التبغ قبل تذوقه لمرارات المعرفة في أسئلتها الكبرى.سماحة السيد يعني ثقافتك الإسلامية يوازيها ثقافة أخرى يعني من خلال إطلالاتك المختلفة على الفكر الفكر الماركسي أحياناً، يعني ماذا شكلت عندك هذه الثقافة؟ ماذا شكلت من أسئلة إضافية في مثلاً مسألة الدين في مسألة الإيمان في مسألة الحياة وفي مسألة الوجود؟

هاني فحص: نعم على المستوى الذهني حولتني إلى أميبة أسئلة، السؤال يفرّخ سؤال، ويعملك حالة قلق لا تطمئن بدونها هذا مستوى، والمستوى الآخر هو المستوى الشخصي السلوكي اليومي، ما قربت عليه هذا أنا إيماني إيمان عجائز بلا أدلة فطري لا دوني، وأنا رأيي كل الناس مؤمنين لذلك أنا أحسن الظن بالناس من موقعي كمؤمن، فإذاً الأسئلة طرقت ما ضل فيه مطرح معرفة أو اجتماعي ما عالجته بالسؤال أو عالجني بالسؤال، حسيّت بأن الحداثة موقع الشراكة بسلبها وإيجابيها مش بديل مش نقيض.

أحمد الزين: بعد النجف عدت إلى جبشيت إماماً للمسجد، ولكن لم تطل الإمامة في المسجد لماذا؟

هاني فحص: أنا أول ما وصلت يعني إيه إمام مسجد بالمعنى التقليدي وحاولت أجدد من داخل السياق، وفيه اعتراف أني عملت أشياء حلوة يعني، بس أنا كمان عندي لوحة الفنان اللي بيكتب ثلاثة أرباع الرواية وبعد عشر سنين يكتب الربع الأخير، فكنت قلق يكفي المسجد لقيته ما بيكفي، مش لقيته ما بيكفي لأنه ناقص لقيتوا بدك تمده بدك تفتح له جداره والمحراب تبعه بدك تفتحه على الحياة فتحته على الفكر والأدب رجعت للوثة الأدبية، وعملنا منتدى أدباء جبل عامل، وعملنا يعني أدب مصطبي بمعنى إنه كنا نروح نقعد بالهواء الطلق أمام الناس نتناقش بالسريالية وبالنصوص ونناقشها ونتعارك وإلى آخره وأمام الناس ومين ما يجي يقعد مع الشاي فقط، فمجموعة كبيرة كانوا، بعدين بفترة فعلاً والدي لاحظ قال لي أنت عم تقعد الناس وتخطب فيهم مش عم يفهموا عليك.. تسر بلغة الأدباء ولغة الشباب إلى لغتي اليومية لغة الناس فحسيت بالخلل، بلحظة ما قلت يعني لازم أروح على مطرحة ثانية فرحت مع مزارعي التبغ أختي وأمي من الساعة 12 بيروحوا على الحقلة بالليل وبيجوا يضلوا قاعدين للمغرب، تبغ ما أنا عشت التبغ ما أنا مكون من مرارات.. مكون من فرح مر وحزب مر ونوم مر وسهر مر وكتاب مر وشاي مر وسكر مر وعرس مر وموت مر كله بسبب الدخان، استئثار الواحد فينا أوعا حدا يستأثر، فرحت مع مزارعي التبغ رحت معهم، هم قادوني والله ما أنا قدتهم، بس الأحزاب قالوا أنه هم قادوهم، الأحزاب إجوا بعدين وصادروا العملية واكتشفت اليسار من جوا، ما عاديته بس انتبهت إنه يعني كنت أنا جاية من النجف ما نسميه الفوضى المنظمة، جاية بدي تنظيم مثل الأحزاب لقيت أي تنظيم، لقيت قبائل يتخللها مثل القبائل الأخرى يتخللها لمعات يتخللها لمعات، يتخللها أشخاص فيهم بلسانهم بعقلهم فيه ضوء بس هي تركيبها تركيب قبائل، وهذا الدليل هيها تشتت تفتت تصارعت تقاتلت راحت على سياقات مختلفة، وثم بعدين شفتي هاي المسألة كمان يعني بلشت أبحث عن الشرط السياسي للمجال الاجتماعي شفت إنه فلسطين هي شرطنا جميعاً.

أحمد الزين: فذهبت إلى فتح..

هاني فحص: فذهبت إلى فتح لأني كنت عم دور على مطرح الفلسطينيين تسمح الاعتدال تكون معتدل أو مش معتدل.. تسمح لاعتدالي ولتديني أن يمارس دوره بدون قمع وبدون مصادرات.

أحمد الزين: لأن هذا التدين والاعتدال ما له مطرح باليسار بشكل عام، من شان هيك شلة المنتدى ذهبت إلى اليسار وأنت ذهبت إلى مكان آخر؟

هاني فحص: إي نعم أيوا راحوا عند الحبيب صادق هو كان المشروع ضده بالآخر هو أخذه سبحان الله، فرحت على فتح لهذه الغاية، وفعلاً كانت مساحة الحرية بحركة فتح واسعة، طبعاً الآن رأيي تغيّر بعدها فلسطين شرط بس شروط تحقيق هذا الشرط اختلفت، وأنا برأي أن أهم الشروط بفلسطين الآن، أنا برأيي الأمة العربية العرب تعبيرهم من وين ما بدقق فيه العرب بيكون كل مصالحهم وصلتهم ودورهم تأدى إذا قدروا إذا قدروا يأمنوا شروط محترمة لتحقيق دولة فلسطينية بالضفة الغربية والقطاع بشكل من الأشكال، وأي شكل مقبول وقابل للتطور وبنفس الوقت إنه أحسن شيء يقدمه لبنان للعرب ولفلسطين هو الوحدة الوطنية اللبنانية الوفاق اللبناني الدولة اللبنانية الشعب اللبناني، بس هذا الموقع الموقع الفلسطيني فتحني أكثر كنت منفتح بالأساس من أيام النجف، أنا شاركت باستقبال الإمام الخميني وتواصلت معه وكان مزاجي مقرب معه هو ما كان عنده مشروع بالنجف يأخذنا لمطرحة كان دقيق بالمسألة.. إيران ما بده التعقيدات النجفية، الإيرانيين طلوا علي يعني المحور أو الإطار اللي يتعاطى مع الإمام الخميني المعارضة في الخارج طلوا عليّ جلال الدين الفارسي ومحتشمي وعائلة الله يرحمه محمد صالح الحسيني هن طلوا عليهم وتحولت إلى قناة بين فتح وبين الثورة الإيرانية، وهذا ما أدى في النهاية إلى أن اشتغلنا كثير ما بدنا نربح حدا جميلة ولم نقبض أثماناً حتى الآن ولا نريد أن نقبض، والإيرانيين والفلسطينيين عرفوا أنه أنا لا أبحث عن أثمان لا أبحث، لذلك إذا زعلت ما بيخافوا مني وإذا رضيت ما يعتبروه شيء نهائي، فلذلك أنا رافقت أبو عمار على الطائرة الأولى باتجاه طهران بعد نجاح الثورة، وشفت أشياء جميلة شفت سلبيات وشفت تعقيدات، ثم انتقلت إلى إيران مع عائلتي وسكنت 3 سنوات هناك واشتغلت في كل الحقول المعرفية والسياسية والإعلامية.

أحمد الزين: هموم كثيرة شغلته وتشغله حتى اليوم دينية دنيوية سياسية واجتماعية أدبية وفكرية، اختبر الحياة بكل تنوعها الاجتماعي فمن مصطبته الأدبية إلى عمله مع مزارعي التبغ حين فتح محراب مسجده على الناس، واختبر النضال السياسي وشعارات اليسار، ولعل اعتداله جعله يحدد منذ سبعينات القرن العشرين خياراته مستفيداً من مسارات هذه التجربة.

أحمد الزين: سماحة السيد تقول إنك اكتشفت من خلال تجوالاتك يعني في التيارات والأفكار أن تلك الحركات اليسارية والقومية كانت تهتم في القضايا والأفكار، وكان الإنسان يعني غائباً عنها؟

هاني فحص: للحظات معينة ومطارح ما مبينة، يعني دورت بتلاقي بس بالمشهد ما فيه المشهد ما فيه، وأنا رأيي بدنا ننتبه للمسألة قضايا عظيمة، والله فلسطين ما فيه أحلى منها، بس الإنسان الفلسطيني والإنسان قضيته قضيته مشاعره تركيبه ذهنه أسئلته أحلامه مشاركته مشاركته أنا بدناش نضل نناضل للقضايا بالنيابة عن الناس، لأن الأوادم منا يحبطوا بالآخر واللي مش أوادم بيأكلوا القضية والناس معاً، والدين هيك السبت من أجل الإنسان وليس الإنسان من أجل السبت، والآية كمان قريناها "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" فيه مشروع حياة، هذا لا يلغي الآخرة بس هي الدنيا تحرز مشروع تستحق وإلا شو يعني الله عم يلعب لا سمح الله الله.. تعاش ما فيه آخره بدونها، مش إنه تشيلها وتحطها في الآخرة، الآخرة تترتب على ما تنجزه فيها أنت مكلف فيها، مكلف وصاحب حق مش بس مكلف، مكلف وصاحب حق.

أحمد الزين: بالعودة إلى الشأن اللبناني بتقديرك هل بالإمكان قيام الدولة؟ هل هذا ممكن في ظل الطوائف والمذاهب والهوس الديني أحياناً والهوس السلطوي أحياناً أخرى؟

هاني فحص: بكل المنطقة ما فيه أسس قائمة للدولة قد ما فيه أسس قائمة في لبنان، من الميثاق والدستور الأول إلى الميثاق الأخير إلى الطائف اللي جمع بين الميثاقية والدستورية، واللي اكتشف هودي اللي عملوا الميثاق اكتشفوا تعدد اللبناني وبلشوا يفكروا كيف بيجمعوه فراحوا على الميثاقية ليكتشفوا المكون المحتوي التعدد، أنا رأيي هذا شيء رائع، هذا طالع بالنهاية أنه فيه مشروع عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع، ما هي الدولة نتيجة هذا العقد، هذا العقد مشروع قلق كذا بس موجود، وين فيه بالمنطقة العربية مشروع عقد اجتماعي بين دولة ومجتمع؟ وهذه دعوة لإدانة الدول، فيه دول ممكن تتطور باتجاه متقدم وهلأ صار فيه إلحاح على الإصلاح، بس على المستوى البنيوي في لبنان هذا الشيء متوفر، كيف ترفع هذا المتوفر؟ كيف تمنع تآكل هذا المتوفر؟ تراجعه وكيف ترفع من وتيرة تحويله من مشروع إلى واقع إلى واقع؟ أكثر شيء لبنان هو اللي حامل مشروع.. يعني نواة دولة جنين دولة والدولة المثال، لأن التعدد اللبناني اللي اكتشفناه مبكراً بلشنا نكتشفه بكل الدول العربية لأنه وحدة العرق لا تمنع التعدد، وحدة المذهب وحدة الدين لا تمنع التعدد، وحدة المذهب لا تمنع التعدد، الحداثة لا تمنع التعدد، الكلاسيكية لا تمنع التعدد، التعدد قانون كوني فإذاً هذا البلد اللي عنده مشروع عقد اجتماعي كيف يرفعه إلى مستوى العقد الفعلي، كيف يوقع عملياً بمشروع دولي حتى يرجع يقدم هون؟ أنا برأيي معنى الرسالة اللبنانية، المعنى الأهم فيه لها بعد وجداني شعري فني إلى آخره، بس هذا بعدها الأساسي، هذا الجسم الأساسي تبع الإنسان اللبناني هذا النص المتن البقية حواشي حواشي جميلة موصولة بالمتن بس هذا المتن.

أحمد الزين: على كل حال دائماً يعني نراك متحمساً وعندك هذه الطمأنينة.

هاني فحص: الطمأنينة غير مفرطة، الطمأنينة مع ضرورة الحذر الشديد، وبرأيي الطمأنينة تعرف من وين تُنتج؟ تعرف ليش أنا مطمئن؟ لأني بعرف اللي حاملين نفس هذا الحلم وعم يشتغلوا له، نحنا عم نصنع طمأنينتنا وتفاؤلنا بالشغل بشغلنا، متيقنين بأن المستقبل اللبناني ينتظر الاعتدال والمعتدلين، بس هول المعتدلين والاعتداء بدهن يبطلوا يكونوا مثل أوادم الساحة الله يرحم أمواتهم ويرحم أرواحهم كانوا رائعين قدّ الفترة ساحة الضيعة، يجب أن يتحولوا إلى مؤسسة مؤسسة تعددية كمان بدناش حزب واحد، وبدناش الحزب يتقاتل مع اللا حزب بدنا نكمل بعضنا.

أحمد الزين: يعني هل هذه الطمأنينة على المستوى الشخصي عندما تكون في عزلة ما تكون متوفرة؟ يعني تطمأن لقناعاتك تطمأن لأجوبتك أن تراودك الشكوك أحياناً؟

هاني فحص: أطمأن لقلقي على قناعاتي وعلى أجوبتي، والقلق اللي يزعجني هو القلق الشخصي هو قلق اندماجي في القضايا العامة اللي خلاني أهمل خصوصياتي فتراكمت مشاكلها وما عاد فيّ عالجها، بس كل بيضي في سلة الوطن والدولة، بس تسلم الدولة إن شاء الله يتكسروا البيضات بأكل من عند غيري أستقرض أجوع، بس لما ما في دولة وما في وطن فيش معدة ما بتعرف شو تتحول.

أحمد الزين: وللسيد اهتمامات أخرى في ميادين الأدب بدأها في كتابة القصة القصيرة إضافة لكتاباته في مجالات الفكر والنقد وله في ذلك العديد من الكتب والدراسات، تراوده بين حين وآخر كتابة الرواية، ولكن هل يستطيع رجل الدين الذي فيه سبر أغوار هكذا عمل؟

هاني فحص: هذا حلمي بس هذا بده حرية كثير، لأن الرواية حياة الفكر الديني يلحق النص يقول لك حرام وحلال، هلأ ممكن أنت تقول النص بس أنت مش من موقع ديني يقبلك الدين معلش، بيسب لك بس النص حلو ونص أنا شو أسوي مثل ما قلت عندي مأزق.. فما بعرف أنا أقرا الرواية الحديثة والرواية القديمة ما فيك تعزل مكون اجتماعي فيها، فيش تعزل مستوى من مستوى الاجتماع والممارسة وتحط الكل والكل أنا وأنت، أنا ونجيب محفوظ أنا ونابوكوف نفس الشيء يعني شايفين اللي شايفينه كلنا، بس أنا مطلوب أني أتجاهله نابوكوف يقوله، بالإضافة إلى ذلك إن الرواية مش عم تطغى عليها عم تكون مصدر حيويتها علاقة الذاتي بالموضوعي الدمج الكامل بين المتحقق والمتخيل أو المختلق طيب أنا فيّ أعمله.

أحمد الزين: الأولاد يشبهوك؟

هاني فحص: مش متفق أنا وحدا معهن.

أحمد الزين: يعني كل واحد عنده نهج فكري معين؟

هاني فحص: فيه مشتركات واسعة بس أنا أولادي أتقاتل أنا وياهن يرفضوا ويقاتلوا، التوتر اللي عايش بيني وبينه التوتر اللي عايشه مع أصدقائي، بالعكس في أصدقائي يطاوعوني أكثر..

أحمد الزين: ماذا عن السيد هاني فحص كزوج؟ وماذا عن الزوجة في حياتك في تجربتك؟

هاني فحص: زوجتي المشترك الفكري بيني وبينها عميق جداً، ولكن للأسف هذا تمت عمارته على حساب العلاقة الخاصة، فالرفاقة رائعة بس تؤثر على العلاقة الزوجية على الثنائي الزوجي، الثنائية الزوجية وهذه ضرورة الأولى الفكرية تتعوض بس هيدي ما تتعوض لذلك تشعر بالخسارة بعد لحظة.

أحمد الزين: ندمان؟

هاني فحص: نعم..

أحمد الزين: يقول السيد هاني فحص أقل القليل من العقل أو العلم أو الدين أو الضمير يكفيك لأن تكون متطرفاً، وأن تنتقل من تطرف إلى تطرف مضاد، أما أن تكون معتدلاً فهذا أمر ليس سهلاً، ويحتاج إلى مزيد من العقل والدين والعلم والضمير، وتترتب عليه متاعب ومضايقات ويحتاج إلى صبر طويل وأعصاب قوية وحسابات دقيقة، خاصة وأن إغراءات التطرف قوية فهو قد يكون مجلبة للمال والجاه والسلطان الحرام، وإن كانت جهنم الدنيا والآخرة في انتظاره بعدما يبلغ النهاية في ارتكاباته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق