أحمد الزين: سنين طويلة قضيتها هنا، دخلت إلى الحي غريباً وعندما ارتوت جذوري بهوائه وناسه أزهرت الحياة في أوردتي، وخلعت أوراق الخريف، بدأت أنمو كنخلة اطمأنت لموقعها فأرسلت جذورها إلى البعيد، واغتالت بسعفاتها الرقيقة الخضراء، وعندما نظرت إلى الأعلى لم تجد عصافير تشقشق فرحاً باستطالتها، فلم تيأس وانتظرت مجيء المواسم القادمة، وتمر الأيام وتعبرها المواسم، كانت المواسم تقبل وتدبر غير مكترثة بانتظاري، فاكتشفت أن الربيع لا يتوقف من أجل نبتة لا زالت تتعلم النمو والاخضرار، وتروي الشخصية أيضاً وتقول: أن من قذف بها إلى هذه الحارات هو رجل يدعى عبده خال ، وهو من كائنات ليل جدة من أصول قروية، مسكون بالحنين، يؤلف أناساً لمعالجة السأم ليحكوا له قصصهم ويطوف معهم في المدينة وفي الذكريات، ثم يجمعهم في كتاب يسميه تارة: "الأيام لا تخبئ أحداً" أو "ليس هناك ما يبهج" أو "الموت يمر من هنا" أو "الطين"، عبده خال تتعرف عليه في حاراته القديمة كالهنداوية مثلاً في مدينة جدة حين يحملك إليها أو تجده متخفياً خلف شخصيات رواياته ليقول: كنت أخطب تثاقلاً وزفة من صبيان ورجال الحي يتبعون ممشاي وأعينهم معلقة في هيئتي المكنسرة، والشوارع تضيق تضيق وتغدو أكفاناً نلبسها حين يداهمنا الحزن، آه من الشوارع، هل قلت أقفالاً إنها تتحول إلى أشياء أخرى، تتحول إلى دفتر ذكريات إن الشوارع سجل لتاريخني السري لا نقرأه إلا حين نشعر أننا على وشك أن نغادرها.
عبده خال تبدو أنت على خصام مع المواعيد، كيف بتتعامل يعني كيف تفي بمواعيدك مع شخصيات الروايات التي بتكتبها؟
عبده خال: أجدني أسير على حكاية خادم عائشة بنت طلحة، وعائشة بنت طلحة سيدة في المدينة المنورة كان لها خادم به من العته، فطلبت منه مرة جمرة نار.
أحمد الزين: أن يأتيها أن يأتيها بجمرة نار..
عبده خال: أن يأتيها بجمرة نار، فخرج مسرعاً ليلبي لها طلبها، فإذا به يجد في طريقه قافلة مسافرة لليمن، فيمّم شطر اليمن ومكث في اليمن لمدة سنة كاملة، ثم عاد إلى المدينة وتذكر أن سيدته طلبت منه جزوة.. أو..
أحمد الزين: جمرة نار.
عبده خال: جمرة نار، فتعجّل وأخذ الجمرة وأخذ يركض فسقط وسقطت معه الجمرة، فتنبه فقال: قاتل الله العجلة، يبدو أن المسألة ليست بهذه الصورة لكن هي عادة قديمة ربما الآن أرى لها صورة أخرى وهي عدم الدخول في الحدث، الوصايا الذهبية في الثقافة العربية: "في العجلة الندامة وفي التأني السلامة"، ربما هي نوع من عدم الدخول في صياغة الحدث كي لا ينتج عنه حدث آخر، تشعر بأن تلام أو تشعر بأنك قفزت حاجز زمني ما، ربما هي نوع من الفزلكة، لكن لها جانب اجتماعي آخر نحن في مجتمع ندفع ضريبة الذكورية لو صح التعبير، فالأنثى هنا معطلة تماماً وعليك أن تقوم بكل الأدوار أنت من سائق إلى خادم إلى موصّل..
أحمد الزين: فمن أجل ذلك هذه بتجي ردة فعل عندك يمكن إنو..؟
عبده خال: لأ، ليست ردة فعل هو الزحمة المبالغ فيها في حياتك، أيضاً تكاليف الحياة أصبحت باهظة وبالتالي أنت تركض في اتجاهات مختلفة لكي تفي بهذا الدور المناط بك اجتماعياً كتابياً أمور كثيرة، لكن تهمة أردعها لكي لا تعمم يعني [يضحك]..
أحمد الزين: لا.. لا هيدي نحنا عم نمزح يعني أنت أيضاً بتستيقظ الساعة 6 صباحاً، وتذهب إلى العمل وبتوصل الأولاد إلى المدرسة، وبتعيدهن من المدرسة، بس أضف إلى ذلك أنه أنت كمان من عشاق الليل، يعني أنت بتسمي حالك "كائن ليلي" يعني بتحب حياة الليل أكثر من النهار، ماذا تجد في الليل؟ يعني شو بتلاقي بالليل؟ ما هو أحياناً بالنهار بيكون في ليل كمان؟
عبده خال: بهذه النظرة نستطيع أن نجعل في أي زمن ليل، لكن خلينا نسير وفق المصطلحات البعيدة عن الرؤية الفلسفية، الليل له كائناته الخاصة به أيضاً، ربما تستعير من الليل التخفّي، والتخفّي تعطيك أيضاً الرؤية من غير أن يراك أحد، فأنت تكتشف المدينة وهي نائمة والنوم عادةً به فضح للشكل، عندما تكون نائماً أنا أستطيع أن أتأمل في وجهك وأفضح ملامحك التي تريد أن تخبئها في وضأ النهار..
أحمد الزين: عن الآخرين.
عبده خال: فأنا أبحث في الليل عن ما يمكن أن يخبئه النهار.
أحمد الزين: عما يخبئه النهار، في عندك شخصية في أحد القصص أو الروايات يمكن بتقول أن الليل يمكن هو..
عبده خال: يهرب أسراره..
أحمد الزين: آه؟
عبده خال: يهرب الأسرار أو السر دائماً يهرب في الليل، هذا أبو مريم في الأيام لا تخبؤها أحداً.
أحمد الزين: هذه الجدران والبيوت الحائلة والرواشين ومزاريب المياه والأسطح المنخفضة والعالية والناس والباعة المتجولون وأشجار السدري والنيم والقطط والكلاب السائبة لم تكن تثير في داخلي كل هذا الشجن وكل هذا الحب سابقاً، ألمحها الآن تغوص في داخلي وتتحول إلى آهات وحرقة جديدة لم أكن أحس بها من قبل، ما بالنا نتحول إلى كومة من حنين كلما جرفنا الزمن إلى ضفة جديدة من ضفافه! الأيام لا تخبئ أحداً، من جيزان من قرية على الحدود اليمنية إلى جدة، قبل 40 سنة تقريباً جاء عبده خال مع والدته ربما هي قسوة الحياة حملتهما إلى مطرح آخر إلى جدة من أجل المجاورة ومن أجل العيش.
عبده خال: عندما تكون الحياة أكثر قسوة من احتمالك، أو أطول باعاً من ذراعك تبدأ كإنسان تبحث عن فسحات أو تبحث عن فرجة من خلالها تخترق إلى مكان آخر، يبدو أن المسألة ليس لي فيها قرار كان القرار للوالدة - رحمها الله - حيث قررت أن تخرج من تلك القرية باتجاه الحجاز، أو باتجاه المفهوم المجاورة أهل الحجاز أو كثير ممن يأتون إلى الحجاز عنده مصطلح المجاورة وهو مجاورة البيت الحرام.
أحمد الزين: طيب شو حملت معك من هذه الذاكرة؟ يعني طبعاً هي جدة تكونت ذاكرتك الثانية أو الذاكرة الواسعة بجدة، وهي ذاكرة الرواية عندك أيضاً والذاكرة الشاسعة، يعني شو تكوّن عندك في هالقرية النائية؟ شو حملت معك منها.. أو شو بقي منها في عبده خال الآن؟
عبده خال: القرية لها مميزات وخاصة عندما تكون قرية تقترب كثيراً من البدائية فهي تتحرك وفق العقل الحر، وفق صخب الحياة، بمعنى أنها تصنع في كل يوم حياة لكي تتغلب على الحزن تصنع الفرح، في تلك الطفولة تحديداً الذي ممكن أن أقول أنني اكتسبته هو الحكاية.
أحمد الزين: ورثت الحكاية؟
عبده خال: الحكاية، الغريب.. ويبدو أن الحكاية هي أنثوية وليست ذكورية، لأن اللاتي يسردن الحكايات كنا نقول: خرفانات أو خبابير، يروينها نساء وهو عادة استعادة للدور.. دور شهرزاد في أن تتحول للحكاية إلى ضد الموت، فهي تقف بالحكاية مع شهرزاد لكي لا تموت، وفي القرية أيضاً يمارسن النساء هذا الدور لكي لا تموت الحياة فيمن يقمنَ برعايتهن، فبالتالي إذا جاء الليل ولدت الحكاية.
أحمد الزين: قلت أنه قد تكون الحكاية هي يعني انقسمت بتكوينك، يعني على مستوى آخر من ساهم بتكوين مصيرك يعني لتصبح روائياً؟ يعني من قرأت؟ بمن تأثرت؟ شو كانت القراءات المتاحة آنذاك؟
عبده خال: في البدء أثروا فيّ النساء كثيراً، أثروا فيّ كراويات كساردات، كنت أُتهم وأنا صغير أنك تحب مجالسة النساء.
أحمد الزين: هل على كبر ما عدت تحب مجالستهن؟
عبده خال: منعونا ما نستطيع يعني، مجالسة النساء كنت صغيراً وكانت تخرج من خلال أفواههم حكايات مهولة جداً، وطريقة المرأة في السرد طريقة ممتعة للغاية، فيها تفاصيل أخرى لا يستطيع الرجل أن يقوم بها، هذه أول ما تأثرت بالمرأة التي تروي، وقلت لك أن الحكاية ترويها نساء، ثم إذا انتقلت إلى جدة وجدت نفسي في جانب آخر أتأثر بالمدينة، وصدمة المدينة، وأدواتها.. وكذا، ولكن الآن طلع في بالي مسألة الأثر من خلال السفر، عندما أقول سفر السفر يخلق الحنين، ويخلق الشجن، ويخلق الشوق واللوعة، ويخلق ربما الفرح لأنك سوف تغادر مكان لمكان آخر.
أحمد الزين: هذه حوافز يمكن بتخليك..
عبده خال: ومن هنا تصبح الكتابة اللوعة أو المشاعر المصاحبة للسفر هي مشاعر لها رغبة في أن تكشف كينونة الداخل، أو رغبة في كشف ما حولك من ناس من شخصيات ما اصطدمت بهم، أتصوّر أن السفر أيضاً في القراءة أن تسافر مع شخصية أن تسافر في شخصية أن تقرأ العالم..
أحمد الزين: هذه بتعملك حافز آخر؟
عبده خال: هي تضع لك حافز..
أحمد الزين: يعني بمعنى أنه الفقد في كل.. بكل معناه هو اللي يمكن اللي دفعك للتعبير عما يحدثه في النفس؟
عبده خال: ممكن.. ممكن الشعور بالفقد.. الفقد ليس بـ.. أيضاً فقد اللحظة، فقد الزمن نفسه شعور بأنك تندب، وبالتالي تجدنا دائماً..
أحمد الزين: بكائين.
عبده خال: بكائين لأننا نريد أن نعيش في الماضي والمستقبل، ومن هنا الافتراق الحاد ما بين اللحظة الزمن الماضي والمستقبل هي التي تخلق الحالة الإنسانية لدى الكاتب ليعبّر.
أحمد الزين: ونُقلّب مع عبده خال دفاتر الذكريات، تارةً عن أحوال الأهل في جيزان، وعن الشقاء الذي حفر عميقاً في نفسه، وعن المكونات التي تصوغ عادةً جوهر الكاتب، الحكايات.. حكايات النسوة في ليالي القرى، النسوة اللواتي كنّ يُضئن الليالي ويقتلن الصمت، وحكايات الناس في نهارات المدن تحديداً في جدة حيث قذف إليها والتحم بحياتها وأزقتها وعالمها، وعمل في مهنها، جدة على ما يبدو الصائغ الأساسي الآخر الذي صنع الكاتب، فالداخلون بواباتها والعابرون والمقيمون كانوا في مرصد الكاتب وتحت مجهره، كذلك الحارات، الحارات والأمكنة التي تآخت مع تسكعاته وأصبحت سجلاً بأيامه، وأرّخ لها الرخاء على طريقته.[فاصل إعلاني]العيش بلا ذاكرة حضارية
أحمد الزين: يعني اليوم هيكِ أخذتنا بجولة بجدة القديمة، وقلت لي تغيّرت كثير الأحوال، يعني بتقديرك يعني تغيّرت الوجوه تغيّرت الناس المكان شوي يعني تداعى تساقط، شو السبب؟ يعني ليش ما حدا بيهتم بهذه الذاكرة اللّي عم.. تقريباً عم تذهب إلى النسيان؟ هي ذاكرة المدينة وذاكرة ناس المدينة؟
عبده خال: للأسف الشديد نحن نعيش بلا ذاكرة، مرّت علينا سنوات تصل إلى الـ 30 سنة أو أكثر تم تهشيم المكان بشكل يدعو للرثاء، ليس فقط على مستوى جدة، ولكن على مستوى مكة المكرمة، على مستوى المدينة المنورة وهي فيها عُمق تاريخي مهول، ربما أستعيد فكرتك الآن المقالة التي كتبتها في أنه إذا كانت الذاكرة تنظر للأشياء إلى أنها فانية.
أحمد الزين: زائلة.
عبده خال: وزائلة، وبالتالي هي ليس لديها الاستعداد لأن تبقي هذا الشاهد أو تحافظ عليه، إلى جانب هذه الفكرة والعظيمة الجميلة التي..
أحمد الزين: هي الثقافة يعني التربية الثقافة..
عبده خال: إي، كموروث ثقافي بأن الأشياء سوف تمضي وتزول وبالتالي لا، وهذا أتصوّر أن الجانب المادي طغى كثيراً على الجانب الروحي في جوانبه المختلفة، الروحي ليس في شكله العبادة فقط أيضاً في الاحتفاظ بأشكال التي..
أحمد الزين: روح الماضي..
عبده خال: روح الماضي.
أحمد الزين: روح الماضي المجسدة بالمنزل بالمدرسة القديمة بالبيت العتيق.
عبده خال: أن تعطي طعم رائحة الحياة القديمة وكذا، يبدو أن البلد أو جدة تحديداً تقبلت موجات مهولة جداً من القادمين إلى هذه المدينة، سواء من خارج البلد أو من داخل البلد كطلباً للعمل أو كذا، الطفرة المادية الضخمة التي.. تحويل المدينة إلى مدينة تجارية، كلها بثت الناس الجانب.. الإبقاء على الروح الماضي، كان الجميع يُحاول أن يتخلص من الماضي، وبعد زمنٍ طويل بعد أن أزيلت أشياء كثيرة تذكر الجميع أن علينا أن نحافظ أو نبقي شيء من هذا الإرث الكبير، لكن كان الوقت قد مضى.
أحمد الزين: يعني أنت هيك ببعض أعمالك حاولت هيك تعمل نوع من التأريخ لهذه الذاكرة مثلاً عن الهنداوية الحي اللي خلقت فيه، بتقديرك هي الرواية عبده الرواية هي بنت المدينة يعني صناعة مدينية فينا نقول، بعكس الشعر اللي هو ممكن يكون البادية أساسه، يعني أثر أو الريف أو..
أحمد الزين: أتصوّر أن الرواية ليست هي ابنة المدينة، لكن بقدر ما هي ابنة المُنشئ للرواية، قد يكون.. يعني ربما هي تُؤخذ على حكاية التقاطعات الحادة فيما تصنعه المدينة من قوانين صارمة تجعل الحياة تسير وفق قوانين معينة غير منفلتة، وبالتالي تأتي أيضاً الرواية لتعيد ترتيب هذا التنظيم أو ترتيب السجن الذي وضعت نفسك به، وتشير إلى هذه التقاطعات.
أحمد الزين: طيب شرط الإبداع كما هو معروف يعني أحد شروطه الأساسية هي الحرية، وفي مجتمع محافظ يعني قد يكون هذا الهامش أكثر ضيقاً يعني هامش التعبير والبوح أكثر ضيقاً من مجتمعات أخرى، وأنت تبدو مشاكساً يعني عبّرت عن هذه المشاكسة عبر شخصياتك المختلفة بالروايات، يعني كيف تدبرت هذا الأمر؟ وألم تتعرض مثلاً لبعض المضايقات أو الأسئلة أو المسائلة؟
عبده خال: نحن يقال عنا أننا مجتمع محافظ، ظاهرياً نبدو كذلك لكن على المستوى الحياتي اليومي هناك حياة فيها فراغات أو فيما مساحات كثيرة للحركة، وربما تكون الأحياء الخلفية أو الأماكن التي ليست في الواجهة بها شخوص تتحرك وفق أمزجتها ووفق أهوائها ووفق رغباتها، إضافةً إلى ذلك أن لكل فئة خروجها تخرج وتعود، يعني أنت تظهر بصورتين تظهر بالشكل الذي يجب أن تكون عليه أمام الآخرين، وعندما تكون في بيئة تتواطئ معك على الفعل الذي يُنظر إليه خارج هذه البيئة إلى أنه خطأ، تتواطأ على مزاولته بشكل يومي، الحياة لم تكن بهذه الصرامة، لم تكن بهذه الغلظة، لم تكن بهذه القسوة، كانت فيها كثير من الشخصيات الروائية التي تمارس صخبها وشقاءها وجنونها وفسقها، دون أن تجترح أو دون أن يتم إقصاؤها، بالعكس تتحول إلى نوع من الترفة، نوع من الاستملاح أن يكون شخص بهذا الجنون في وسط هذه البيئة، ويروي حكاياته.
أحمد الزين: بس هيدي.. هذا استثناءات مش قاعدة يعني أنه واحد متفلت من بعض القوانين إذا صحّ التعبير والقيام يعني.. هذا استثناء، يعني عامل عالمه على قدر على مزاجه، وأنت استفدت منهم..
عبده خال: استفدت كثيراً، ولكن أنا أريد أن أتحدث أن الصورة التي تظهر ليس بشرط هي الصورة الحقيقية، الذي ودي أن أقوله أن كثير من الممارسات التي كانت تمارس في الحجاز تحديداً في مدينة جدة أو مكة كان المجتمع يتعامل معها بنوع من التسامح، لا يُؤخذ موقف حاد.. هي التشكلات التي حدثت خلال الـ20 سنة الـ 25 سنة الماضية، هي جعلت قيّدتنا ودخّلتنا في إطار واحد جميعاً، يعني أنت لا تستطيع أن تدخل مجتمع كاملاً أن تعطيه صورة واحدة، هو لا بدّ أنه في تباين في أطياف مختلفة، لكن الصورة التي أريدها أن تقدّم أننا أشخاص لنا نمط سلوكي واحد أو متشابه وربما ملائكي، لكن الحقيقة لا هناك أمور كثيرة، في جانب أن تسأل..
أحمد الزين: خليني بس كمان يعني وضّح السؤال أكثر، هو واضح بس أنه لحتى ذكرك ببعض الأشياء إذا بدك، أن هناك الكثير منعتبره من المحرمات الخطوط الحمر، يعني هذه الخطوط الحمر بتحفزك للمجابهة للمواجهة للكتابة أن تثنيك يعني بتحرضك أم بتلجمك؟
عبده خال: عندما تعود إلى طبيعة الإنسان الحقيقية هو بطبيعته مخطئ.
أحمد الزين: مخطئ ولا حرّ؟
عبده خال: حتى.. حرّ.. حرّ في الخطأ، له حرية..
أحمد الزين: خطأ بالنسبة لمين؟
عبده خال: بالنسبة لنفسه، وبالنسبة للمجتمع، الخطأ الذي يُلام عليه من قبل شخص آخر، بمعنى أنه دينياً حتى إذا لم تخطئوا وتستغفرو ليأتينا الله بقومٍ آخرين يخطئوا ويستغفروا ويتوبوا، فالخطأ وحرية الإنسان في أن يقع في الخطأ مكفولة له حتى دينياً، فبالتالي أنت عندما تريد أن تصفيني وتحوّلني إلى ملاك أنت تتعدى على المشيئة الإلهية أيضاً، فبالتالي دعني أخطئ ودعني أمارس خطئي ثم أصوّب نفسي من خلال تذكري بالقانون العام، فالصياغة بأننا بهذه الصورة هي صياغة مخطئة لأن أي مجتمع يحمل شخصياته المتنافرة والمتضادة والمتآلفة في نفس الوقت، فلماذا أنت تريد أن تجعلني بهذه الصورة؟ الرواية ميزتها على أنها هي أداة كشف، أداة أن تجلس مع شخوصك لكل شخص حرية في أن يقول ما يشاء، لأنه ليس داخل نظام سياسي سوف يؤدي إلى قطع لسانه أو قطع رأسه إذا قال ما يعيب داخل التركيبة الفنية أنت تقدم الإنسان كما يشتهي أن يكون هو عليه، ربما تستعير شخصياً من الواقع، لكن هذه الاستعارة ليست بمعنى أن تحوّلني إلى سجين أيضاً للمجتمع، مشكلتنا نحن ككتاب الآن مخطوفين من قبل المجتمع، المجتمع يمارس نوع من السطوة الجبرية عليه.
أحمد الزين: بمعنى؟
عبده خال: بمعنى أنه إذا قرأ عملاً أدبياً، لماذا ذكرت هذه اللفظة؟ في مجتمعنا لا توجد هذه اللفظة، لا توجد هذه الممارسات، هو يتكلم وفق الآني وفق ما يجب أن يكون عليه المجتمع، بينما الإنسان ليس وليد يجب أو لا يجب، يجب أن تكون إنساناً كما أنت بخطأك، وكثير من أبطال الرواية يفضلوا أن يكونوا أو يسيروا بخطأهم على أن يسيروا بصواب الآخرين.
أحمد الزين: أستاذ عبده يعني معظم شخصياتك هي هيك شخصيات مهمشة بائسة ومشاكسة يعني على شيء من القسوة، هل يعني بتكتب هؤلاء أو يعني هذه الشخصيات بتخلقها أو بتشكلها لأنها بتجمعك؟ وبتقديرك يعني الكتابة الروائية هي نوع من التأريخ لهؤلاء المهمشين في الدنيا في الأرض؟
عبده خال: أذكر جملة قالها أحد أبطال الروايات أو كذا، تقول أن: "حصان المعركة لا يتذكره التاريخ"، فالذي يصنع الحقيقة هؤلاء المهمشين، نحن نسرق ثمرة أتعابهم..
أحمد الزين: حياتهم.
عبده خال: وحياتهم، وبالتالي صنعنا كذا، الذي صنع بدأ الفعل في الصنع والخلق والتدافع بالهيئة، هم هؤلاء الناس، حتى أن آثارنا تقع عليهم ولا نستشعر بهذا الأثر الذي وقع عليهم وحوّل حياتهم إلى آلاف الأفعال التي تصنع في كل زاوية وفي كل شارع وفي كل زقاق، هذا الذي لا يستطيع أن يصرخ أو يستطيع أن يقول أنني كنت حصان المعركة، أتصوّر أنك روائي سوف تكون ناجحاً إذا سلطت الضوء على هذا الحصان الذي قاد صاحب المجد الفارس إلى أن يخوض المعركة أو إلى أن ينتصر أو أن يهرب به إلى المعركة.
أحمد الزين: يقول عبده خال في إحدى هوامشه: البداية صرخةٌ تشقق بها المدى، بعدها تظلّ تلمم صرخاتك من الجهات الأربع، في الواقع فعل عبده ذلك، لملم صرخات عديدة من حارته القديمة، لملم ملامح من هنا وهناك لأناس عابرين وهامشيين، وأراد أن يؤرخ للحصان الحصان الذي لم يذكره التاريخ في المعارك.
أحمد الزين: في الحلقة السابقة حملنا عبده خال إلى أحياءه القديمة وأيامه، وروى لنا عن بعض أحواله هنا وهناك ما بين مسقط رأسه ما بين القرية والمدينة، روى لنا عن مواسم الشقاء وعن حكايات النسوة في مصارعة الليل الطويل، عن السيول التي علقت بباله وهي تحمل الأرواح، وعن أشياء كثيرة أشعلت في نفسه جذوة الاحتجاج اصطحبنا عبده إلى أكثر من مطرح وذاكرة لنكتشف تلك البذور التي كونت شخصياته وحكاياته وبالتالي كونته ككاتب رصد الحياة ليكتب عنها، فكتب كتب عن الشقاء لكأنه أراد أن يؤرخ للهامشيين وهو بعمقه ينتمي إلى هؤلاء الذين يجرون عربة التاريخ ويصنعون الحياة. لعبده خال العديد من الأعمال القصصة والروائية نذكر منها: "ليس هناك ما يبهج" و"الموت يمر من هنا" "الطين" و"نباح" و"الأيام لا تخبئ أحداً". كتبت عمل واحد تقريباً عن مسقط الرأس عن القرية اللي ولدت فيها بعنوان الموت يمر من هنا، يعني هذا العمل هو هيك وفاء لتلك الذاكرة؟
عبده خال: لم أفكر بهذه الصياغة، لكن يبدو هو أول عمل روائي كتبته التالي لي خمس مجموعات قصصية، بس كتجربة روائية كان أول عمل روائي، ويبدو أن الكاتب في أول عمل روائي هو محاولة الحشد ما يعرفه ليكتب عنه، وأيضاً الكتابة الروائية تلاحظ عند الروائيين العرب تحديداً أننا نكتب الماضي ولا نكتب المستقبل، ولكن نحن ككتّاب رواية ربما تكون ملاحظة على خطأ أننا دائماً نعود للماضي البعيد عنا لأننا نعرفه أو ندعي أننا نعرفه، وربما المسألة لها علاقة أيضاً بالتركيبة العقلية أو استعارة مفهوم البكاء على الأطلال أنك بحاجة ماسة لأن تعود إلى الماضي لتستنهضه وهي كارثة الثقافة العربية التي نعيشها الآن، أننا حتى إذا أردنا أن نسافر للمستقبل استعرنا الماضي ليكون ليكون العربة التي تقودنا للمستقبل، رغم أنها ربما دواليبها خشبية لا تصلح لأن تكون سريعة بما يكفي، "الموت يمر من هنا" هي نوع من محاولة استعادة طفولة فقدتها ولم تعد إليها، وبالتالي ظلت كثير من التفاصيل الحية النابضة والتي تشعر بأنها لها المحفزات الروائية تصنعها.
أحمد الزين: طيب، على سيرة الموت يمر من هنا بشكل عام عبده خال هيك أنت مسكون بهاجس الموت، هل هو يعني نتيجة حادثة ما تعرضت لها؟ أم نتيجة مشاهدات عشتها نتيجة واقع ما أو هو يعني يمكن رؤية وجودية أم موقف من الحياة أم الحياة هكذا؟ يعني بكل عمل هناك يعني..
عبده خال: فيه جثة ما؟
أحمد الزين: في نعم..
عبده خال: إذا أردنا أن نتكلم عن واقع صرف بعيداً عن ما يؤثر فيك من أفكار في الوقت الراهن، الطفولة الأولى أو القرية التي عشت فيها تتساوى فيها الحياة والموت يعني بنفس النسبة أن تحيا أو أن تموت متساوية تماماً، وبالتالي الموت صنو للحياة أنا أتكلم كواقع، يعني هذا التساوي يخلق لك حرية أن تتنقل بين الحياة والموت كحياة يومية، صُدمت في طفولتي مبكرة أنني عندما يهطل سيل الأودية أو كذا أن تشاهد الجثث تسير مع الماء، المرض أنواع الأمراض..
أحمد الزين: تذهب بالناس يعني.
عبده خال: تضرب يومياً، أنت كطفل معرض أو أنني خرجت..
أحمد الزين: مشروع ميت يعني.
عبده خال: أنا خرجت مشروع ميت بالفعل كلنا أو معظمهم يخرجوا مشاريع لموتى مشاريع لجنازات..
أحمد الزين: قادمة..
عبده خال: قادمة، هذا الحضور الطاغي للموت في الحياة الأولى البكر هي التي قادتني إلى هاجس الموت ليس بمفهوم الفناء ولكن بمفهوم الاستمرارية، وفي حديث عجيب للرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "الناس..
أحمد الزين: "الناس نيام إذا ماتو انتبهوا".
عبده خال: نعم، فنحن في لحظة موت بشكل مغاير يعني هي صور مختلفة نحن نعطي المفهوم، ولكن أتصور أن الموت ليس بمفهوم الفناء، تبحث فيه عن فلسفة وجودك وهي رحلة العقل الأول يبحث عن هذا السر العجيب الذي..
أحمد الزين: هذا السؤال الذي لم يجد الجواب الشافي حتى الآن.
عبده خال: لم يعد أحد ليخبرنا ماذا حدث، فبالتالي أنت تحاول أن تتمرن لكي يمكن لك أن تخوض هذه التجربة وأنت مطمئن يعني.
أحمد الزين: نعم، حاضرة المرأة في بعض روايات عبده خال رغم احتجابها في ظاهر الحياة اليومية، وحضورها نافذ وفعّال ومؤثر ومحرك، ربما على عكس ما هي عليه في الواقع اليومي المعاش حالياً، وقد تكون غير واضحة الملامح وغامضة في البعض الآخر من أعماله، فماذا عن هذا الحضور والغياب في تجربته الكتابية والحياتية.
عبده خال: قلت لك في البداية أنا تربية امرأة ويتيم، فبالتالي أنا لا أنظر إلى المرأة بالصورة التي هي عليها الآن، لكن غالباً أعطيها صوت غالباً وأن تتحدث مسعدة في الطين هي قائدة العمل، صابرة في الموت يمر من هنا وهي قادت عمل مها في الأيام لا تخبي أحداً، جليلة في السوق وإن كانت صامتة لكنها استطاعت من خلال صمتها أن تتحدث من ما يقال عنها، وربما في السوق أو الجزئية هذه الإشارة أو الملاحظة التي ذكرتها تنطبق على جليلة تحديداً لأنها نتاج فترة زمنية تم تغييب المرأة فيها تماماً، الـ 25.. 20 سنة شوهت المجتمع بشكل غير معقول وأعافت..
أحمد الزين: شو سبب هذا التشويه؟
عبده خال: في واقعنا الحياتي الحقيقي ليس كذلك، هي فقط مرور 20 سنة التي شوهت، وهي طغيان مفهوم ديني على تغييب المرأة من الحياة اليومية، وبالتالي غابت في السابق لم تكن بهذا الغياب الحاد، كانت حاضرة ومشاركة سواءً كان المشاركة في السوق أو مشاركة في مجمل الأعمال، في 30 سنة تم إدخالها في داخل البيت وتحويل حياتها أو تعطيل حياتها تماماً ولم تعد طاقة منتجة بينما هي بالأساس لا مشاركة أو صنف حقيقي..
أحمد الزين: يعني طالمنا فتحنا هذا الموضوع من موقعك أنت بالآخر إنت مش كاتب روائي راوي فقط أنت صوت مثقف موجود في هذا الوطن يعني، بتقديرك يعني فيه مجال أن ترجع تمارس دورها الطبيعي المرأة في المملكة؟
عبده خال: بدؤوا كثيراً يتنبهوا إلى الخطأ التاريخي الذي وقعنا فيه، وأننا حولنا المرأة فقط إلى مستودع رغبة، بدأ التنبه أن المرأة عنصر منتج ولا بد أن يدخل الحياة كما كان عليه، أو أن علينا أن نكسر القفل الذي صنعناه خلال 30 سنة، دينك الإسلامي عندما جاء أعطى حقوق حقيقية للمرأة، وهي لا يمكن أن تسير الحياة برجل واحدة، الرجل والمرأة هما القدمان اللتان تسير عليهما الحياة، فليس لمجتمع يريد أن يعيش صحياً أن يسير يحجل طوال الوقت، والقرارات التي الآن تتبناها على سبيل المثال وزارة العمل هي محاولة لإعادة المرأة إلى وضعها الطبيعي وإلى دورها الطبيعي يعني.
أحمد الزين: طيب، يعني نرجع للرواية عبده خال يعني معظم أعمالك تنشر خارج المملكة يعني هو لسبب الرقابة أو لشيء من هالنوع؟
عبده خال: أنا أشعر بالخزي عندما يقال أن رواياتك ممنوعة داخل بلدك لأنها تعطي إشارة سيئة، لكن في الحقيقة المسألة..
أحمد الزين: إشارة سيئة لمن؟
عبده خال: لأنظمة الرقابة داخل البلد أن تمنع كتاب لابنها يُنشر ويتداول في الخارج، وليس المسألة مقتصرة على عبده أصبحت عادة لدى الرقيب أن يمنع التوزيع مثل غازي القصيبي يعني تحمّل عدة وزارات وفي موقع حساس وكتبه ممنوعة، فالمسألة يبدو أن هذا القرار الخاطئ تم في الوقت الراهن بالسياسة الإعلامية التي يتبعها وزير معالي الأستاذ إياد مدني وهو رجل مثقف خرج من صلب الثقافة المحلية لم يعد يعلن أنه يعلن أن كتابه ممنوع، عودة إلى السؤال ينظر إلينا من المراكز إلى أننا كتّاب متواضعي الموهبة، وبالتالي النشر أن تنشر وأنت من داخل المملكة هذا الكلام تاريخياً يعني الآن ليس في الوقت الراهن، أن تنشر عملك في دار كبيرة أو دار عربية كبيرة تعطيك الوهج الإعلامية..
أحمد الزين: أفضل ترويج..
عبده خال: إي تعطيك الوهج الإعلامي، وتعطيك أيضاً أن تتوزع في كل مناطق أو نقاط التوزيع في العالم العربي.
أحمد الزين: صدف هي الحياة، تقذف بك إلى حيث لا تخطط أو تتوقع، عبده خال يصف نفسه كحجر إذا قذف به بمكان فلا يتزحزح منه، هذا هو طبع من يألف ويتآخى مع مطارحه لتصبح جزءاً عضوياً من كيانه، عبده خال هنا في هذه الجريدة عكاظ منذ أكثر من 20 سنة، مسؤولاً عن الملحق الثقافي، وله حديثاً عمود يومي يتناول به بعض قضايا مجتمعه، فماذا عن هذه التجربة؟
عبده خال: عملي داخل الجريدة فترة طويلة جداً، الفترة الطويلة جداً هذه كنت دائماً أنأى بنفسي أنا أدخل في المحرقة التي تسمى الصحافة اللي هي المحليات، أن تشتغل يوم كنت دائماً في الجانب الثقافي أو الصحف الثقافية وهي رافد جيد لكاتب يدعي أنه يكتب قصة أو رواية، الذي حدث أننا نحن نتخيل نفسنا بشكل أو بآخر نحن كتّاب أو من يكتب القصيدة أو يكتب الرواية، وأنك سوف تتلوث إذا اقتربت من الشأن المحلي كعمل صحفي يومي، في الوقت القريب جداً اكتشفت أن الثراء الحقيقي أن تكون في معمعة الصحافة اليومية لتكتشف..
أحمد الزين: تكتب عن هموم الناس..
عبده خال: تكتشف أشياء أخرى تكون غائبة عنك وتمنعك أيضاً المتابعة، يعني إذا جئنا للزاوية اليومية الزاوية اليومية وسعت القاعدة للاسم كونه صحفي وليس كونه أديب، يعني كثير آخرين لا يعرفون أنك روائي أو أنك تكتب رواية، لكن شعورهم أنك تتحدث بلسانهم يعطيك هذه القاعدة المتسعة.[فاصل إعلاني]
أحمد الزين: يا صاحبي الصغير الحياة لم تعلمك كل أسرارها فلا تنسَ أن تتعلم من كل تجربة تمر بك، وما قلته لك لم يأتِ من فراغ، فقد علمتني الحياة أن الإنسان هو صورة مكررة في كل زمان ومكان ولا يمكن لصدره أن يغلق مدى الدهر، سيأتي يوم ما وتعيد ما أقول، ألم تسأل نفسك كيف يتحرك الزمن؟ إنه أحداث نتناقلها ونصنع بها جرائمنا وحروبنا وأفراحنا ونكتب نهاية بعضنا بتلك الأسرار التي نتناقلها.
عبده خال: نحن نتاج صدف، وللأسف الشديد ليس هناك تخطيط مستقبلي لأي شيء، يعني على سبيل المثال كانت الوالدة حلمها العظيم أن أطلع قارئ للقرآن وإمام مسجد، لأن الشيء الأخير هو أن تكون قارئ ليس هناك شيء من ميزة إلا أن تكون قارئ قرآن، لكن نظام أبجد حطي كلمٌ كان صعب أبجد هوز.. كان صعب علي ويبدو ما أجت المسألة بشكل جيد، ثم انتقل حلمها أن تصبح مزارعاً، فإذا تغير المكان كان حلمها إنك تصبح نجار على سبيل المثال أو كذا..
أحمد الزين: هذول أنت كلهم اشتغلتهم بس بالرواية.
عبده خال: لأ مارستها كان، فيه عادة جميلة عند أهل الحجاز أنه في الإجازات الصيفية يذهب الأبناء إلى مهن مختلفة ليمارسوها، فمارست النجارة ومارست اللحامة هذه الطفولة المبكرة، بالصدفة البحتة ذهبت إلى علوم سياسية والصدفة البحتة أيضاً قادتني إلى التدريس، لأنني لم أحلم يوم من الأيام أن أكون مدرساً لكن الحاجة، والغريب قرار التعيين على أن تعمل مديراً وليس مدرساً، لأنه كان فيه خشية من خريجي العلوم السياسية.
أحمد الزين: طيب، عبده لو عشت خارج المملكة هل تظن أنك كنت ذهبت إلى الكتابة أو ربما كنت ذهبت إلى نوع آخر من الكتابة؟
عبده خال: أنا أشبه نفسي أشبه بالحجر إذا قذفت في مكان أظل في مكاني ولا أتحرك إلا بفعل آخر يزحزحني، لست ميالاً للدخول في تجارب غير مضمونة لأنني لا أعرف شيء في هذه الحياة، يعني لا أتصور أنه لولا الطريق هذا الذي سلكته أن أصبح كاتباً لربما كنت عديم الفائدة في أي شيء، وربما أيضاً بالكتابة أنني عديم الفائدة بالنسبة للآخرين أو الناس بعض الناس، لا أتصور نفسي خارج إطار المكان، مضت التجربة مررت على فرنسا مررت على ألمانيا اكتشفت أن طبيعتي البشرية لا يمكن أن تعيش في أوروبا على سبيل المثال، بها جفاف روحي عالي بها..
أحمد الزين: بالنسبة لإلك.
عبده خال: إيه شعرت كذا أنه لا تستطيع أن تعيش، وأن هناك كائنات خلقت للعمل فقط، هناك كائنات خلقت للنعاس وخلقت للضحك وخلقت لأن تعمل ساعة وتلعب ساعتين فتتناسب مع شخصيتي الداخلية..
أحمد الزين: طيب، منذ سنوات ربما أنت كان لك بعض المشاركة بصفتك كاتب وصحفي تدور هيك يعني بأوساط المثقفين والكتّاب بالمملكة، سجالات حول مسألة الحداثة وما الحداثة، طبعاً العالم اليوم يعيش..
عبده خال: ما بعد الحداثة وما بعد..
أحمد الزين: ما بعد الحداثة نعم، يعني أنت شو رأيك بالحداثة؟ كيف تقرأ الحداثة يعني خاصةً في مجتمع المملكة أو في محيطنا العربية يعني اللي هو محكوم بقيم وتقاليد وعادات يعني شبه راسخة تقريباً؟
عبده خال: طبعاً تم تلويث الحداثة في ذهنية الآخرين، وهي جاءتنا أيضاً بشكل مبتسر، يعني تصور أن تظل فترة زمنية معينة أن تظن الحداثة فقط كتابة في الشعر أو في القصة، بينما الحداثة مشروع حياة، مشروع تقوم عليه مسيرة حياة كاملة أو مجتمع كامل، فكر كاملاً، الهجوم على الحداثة أو الحداثة مصطلح الحداثة كان أصبح مرادفاً للكفر، وأصبح مرادفاً للإلحاد، وبالتالي أن تقول هناك كائن حداثي أو إنسان حداثي أنت كافر أو ملحد، حتى أنه ثمة كتب الآن موجودة في البلد تعريفها للحداثة أنها كفر وزندقة ونوع.. الرفض لما لا نعرف، أنا أتصور أن ديننا الإسلامي هو دين حداثة يعني لأنه يسعى للمستقبل، وأدوات المستقبل دائماً تختلف عن الماضي، وإذا أردت أن تكون إنسان مستقبلي عليك أن تحمل أدوات المستقبل ولا تحمل..
أحمد الزين: أدوات الماضي..
عبده خال: تحمل صناديق الماضي على ظهرك وتريد أن تعبر المستقبل. للأسف نحن نختار الأشياء التي تروق لنا من منتج الحداثة بينما نرفض جوهر الحداثة..
أحمد الزين: اللي هو الفكر والتنمية.
عبده خال: إي الفكر، نحن هذا الذي يأتي..
أحمد الزين: التنمية الذهنية يعني..
عبده خال: يأتي هذا الذي يرفض الحداثة هو يستخدم طائرة.. الطائرة أو يستخدم الجوال وهي منتج الفكر الحداثي، كيف ترفض أدواتها.. تقبل أدواتها..
أحمد الزين: كيف تستهلك أدواتها..
عبده خال: ولا تستهلك فكرها، هذا القصور الحاد وأنها ضد الدين، هي المشكلة أنا أتصور أنه دائماً الخوف من مواجهة العالم والارتداد للماضي هو الأزمة الحقيقية التي نعيشها، بينما أنت تملك سلاح على المستوى الديني أيضاً أنك تسير للأمام ولا تعود إلى الخلف، الخلف أصبح ماضيك، والحداثة ليست قطيعة كاملة مع الماضي وإنما انتقائية..
أحمد الزين: صحيح ربما في الفكر فيه أشياء حداثية..
عبده خال: بس في فكرياً مستقبلية، وهذا الذي أشير إليه إلى أنه على مستوى الخطاب الديني الحق هو خطاب مستقبلي وليس ماضوي، نحن نستعير أنساق من الخطابات التي تجذبك للخلف ولا تدفعك للأمام، رغم أنه يأتيك أحد ويقول لك أننا دين لكل زمان ومكان، طيب فرضية لكل.. كل مكان وكل زمان تستدعي أن تنطلق للأمام ولا تنطلق للخلف، أما أن تستهلك الأدوات وترفض الفكر فهي هنا الإعاقة هنا الإعاقة..
أحمد الزين: فيها نوع من الانفصام..
عبده خال: انفصام وإعاقة فكرية وتأخر كثير عن الركب.
أحمد الزين: أهديت إحدى أعمالك إلى الوالد، يعني كتبت إلى الوالد مع لهفة متأخرة، يعني لماذا تأخرت هذه اللهفة؟ هل فطنت إلى ضرورة حضوره مؤخراً يعني وفطنت إلى هذا الغياب؟
عبده خال: عندما تجد نفسك في شمس حارقة ورغبة لفيء أو جدار تستند عليه، تكتشف أنك نبتة ضامرة بحاجة إلى ظل شجرة كبيرة لتنمو تحت ظلها، كانت تظللني امرأة، وكلنا يرى أن أمهاتهم أو نرى أن أمهاتنا عظيمات، هذه المرأة العظيمة التي ظللتني لم تكن أو أغدقت علي من الحب مما جعلني لا أستشعر الفقد للأب، لكن عندما كبرت بدأت أحسّ في مشاعر لو أن لديك أب كيف يكون وضعك، إضافةً إلى الكمّ المهول من الحكايات التي تستهلكها الوالدة لكي تزرع فيّ ما كان عليه الوالد جعلك تشعر بهذه المسألة.
أحمد الزين: أحياناً بتسرقك اللغة يعني مثل ما كنا عم نحكي هيك إلى عالمها وبلاغتها يعني وسطوتها بتجرفك، بتقديرك هذا لا يؤثر على سياقات سرد القصصي أو الروائي؟
عبده خال: بذكر أننا تحدثنا خارج إطار التصوير الآن أن المكان له شخصية له سطوة، سطوة في خلق لغته وخلق شخصيته، دعنا نتحدث في جانب آخر الذي هو أن اللغة لا تحمل حقيقة، ليست هناك لغة حاملة لحقيقتها هي حاملة لما نتصور أنه حقيقة، وبالتالي الكمّ المهول من المجاز في اللغة يبعدك أصلاً عن أن تكون حقيقي، في حديثنا الآن لا تستطيع اللغة أن تحمل ما أريد أن أقوله ولا تستطيع أيضاً أنت أن تعبر عما تريد أن تقوله من خلال الواقع، هي فقط أداة نتواطئ على أننا نفهم بعضنا من خلالها، في العمل..
أحمد الزين: يعني لا توصل كل ما تفكر به كل ما تفكر به لا توصله.
عبده خال: أيضاً وأنا أكتب أتواطئ لإيهامك بكمّ من التشبيهات بكمّ من المجاز لكي أحدث في داخلك الأثر، فالمسألة هي جميع أفعالنا هي تواطؤ، وبالتالي اللغة إحدى الأدوات التي نتواطأ بها.
أحمد الزين: نحن تحدثنا شوي عن الحنين في البداية، ولكن أيضاً في معظم أعمالك هناك حنين اللي بيغلب شخصيتك وبيغلبك أنت ككاتب وراوي، يعني إلى أين الحنين بالنسبة لإلك؟
عبده خال: الإنسان عندما يهرب منه الزمن يبدأ محاولة استرجاعه من خلال الشجن من خلال البكاء، وحالة البكاء هي حالة وجدانية تخلق في الآخر الأثر، وأنت ككاتب تبحث عن هذا الأثر، وبالتالي تتقمص هذا الدور لكي تحدث هذا الأثر مع الشعور الحقيقي لدى المجموع بلحظة الفقد، لذلك هذا التواطؤ الذي نمارسه جميعاً في الفعل الكتابي والفعل الكلامي أو الحديث هو كيف أستطيع أن أؤثر عليك وأخطفك أو أستلب مشاعرك لتسير معي.
أحمد الزين: يعني يمكن كمان هو إضافة إلى ذلك هو من تكوين الشخصية العربية من تكويننا، يعني فيه ميل دائماً للحنين للأشياء التي انتهت إلى الأيام التي ولّت إلى ونستأنس بالكلام عنها يمكن..
عبده خال: وإذن لو تتفق معي هي خشية من الرحيل..
أحمد الزين: خشية من الرحيل..
عبده خال: هي محاولة أن تمسك بعمود الحياة لأن تبقى، فكلما مضت بك الحياة كلما أردت أن تعود للبدايات الأولى لكي تستمتع بهذه الحياة.
أحمد الزين: الشك هو طريق غير معبّد يبدو لنا مجهولاً موحشاً، ولكنه صورة أخرى لما ندعيه حقيقة عبده خال.
البرنامج جدا جدا رائع ..وانا متابع للبرنامج كثيير..
ردحذفارجوكم ابغى فيديو الحلقات please..
مشكورين..