2007-04-13

روافد مع الشاعر جودت فخر الدين

إعداد وتقديم

جودت فخر الدين: رأيت الغروب كثيراً وأما الشروق فكرم لنا ضائع في شفوح التلال نجيء إليه إذا قادنا الصيف في بعض أيامه نحو فجر كسول، نجيء إليه فيمنحنا بعض ما كان خبأه من شموس طوتها الفصول، رأيت الغروب كثيراً وأما الشروق فكان لنا هفوة بين عام وعام، وكان لنا فكرة تتمرغ باهقة في سهول الكلام، تُرى كيف أمضي نهار فسيح وليل طويل وبينهما برهة كي أرافق نفسي، كأني أدربها كل يوم لتدرك معنى الغياب، لتدرك أن الليالي حياد وأن النهار حجاب، وأن الأشعة صوت المياه وأن الرؤى كالردى ألف باب وباب.

أحمد الزين: جودت فخر الدين هذا ركن أو زاوية من زواياه، شرفة من شرفاته، شرفة غاربة يطل منها على ما خلف الغياب على ما يشبه التمرين على الغياب، ولكن ليس بعد كما يقول في قصيدة أخرى، فهناك تمارين تؤجج شهوات الحياة والقصيدة ونشوات اللغة.

جودت فخر الدين لسروه وحوره وتينه وحقله ودروبه القديمة ولأشياءه التي حدق فيها عميقاً صفحات كثيرة، طواها كتاباً وراء كتاب أو لنقل باباً وراء باب، والشعراء يحتفلون بأنفسهم عندما تتوج التجربة بإصدار جديد أو بكتاب يجمعها بين دفتيه، لكأن عمرهم أو ما تبعثر من العمر جُمع شتاته عبر الكتاب.على نهاية العام 2006 صدرت أعماله الكاملة احتفل بها على طريقته بإصدار ديوان جديد، لكأنه عندما أشرف أن يغلق باب الخمسينات فتح باباً آخر على شرفة جديدة.

هل هذا النوع من طي صفحة أو نوع من وداع لمرحلة أو شو يعني للكاتب عندما يطوي صفحة من تجربته ويتأمل فيها؟

جودت فخر الدين: في الحقيقة سررت بهذين الإصدارين الأعمال الشعرية من خلالها أو من خلال إصدارها شعرت بأنني جمعت نفسي أو لملمت نفسي، وبأنه قد كل ما حققته في الماضي قد أصبح محفوظاً في كتاب واحد، وإلى جانب هذا الكتاب الأعمال الشعرية كان هنالك كتاب آخر يقول أنه ما زال هناك شيء وعنوانه "ليس بعد"، فإصدار الأعمال الشعرية له هذا المعنى الإيجابي قد تكون له معاني أخرى.

أحمد الزين: إذا بدنا نقوّله شو بدنا نقوّل هيك الواحد بس يعني لك شيء على مستوى الزمن على مستوى العمر على مستوى..

جودت فخر الدين: طبعاً المعاني الأخرى التي أشرت إليها تتمثل في أنك عندما تجمع كتاباتك السابقة تشعر أن زمناً طويلاً قد مر، وبأن أموراً قد انتهت، وتشعر من خلال كل قصيدة من قصائدك السابقة بأن شيئاً قد انصرم قد ولى، وبأنك تتقدم بالعمر، هذا المعنى الذي يورثك شيئاً من الخوف إذا صح التعبير أو الحذر أو بالإحساس من الاقتراب من النهاية، ولكن في الوقت نفسه يعني الشيء الإيجابي هو أنك تشعر بأنك حققت شيئاً، وأن هذا الشيء أصبح مجموعاً في كتاب.

أحمد الزين: حين يصطحبك الشعراء إلى مطارحهم الأولى إلى حيث ولدوا وكبروا مع شجرة في الدار، ومع توالي الفصول عليها تقع على موضعة القصيدة أو على البتار الخبيب في وهاد شهدت لهوهم وتعثراتهم في طريقهم نحو الكتاب مرة ومرة نحو الحقل، وتعثر على مشهدهم البكر الذي تكّون في بالهم وعلى غيمهم وظلال شجرهم.

جودت فخر الدين: طريق إلى بيتنا في الجنوب سلكته الحروب كثيراً.. ونحن نرممه كل يوم.. نرمم أعمارنا فوقه لنتابع سير الحروب.. والله نشأتي نشأتي كانت في قريتي الصغيرة في الجنوب، وبداياتي بدايات تفتح الشعري خاصة كانت في القرية، فأنا يعني بداياتي الشعرية كانت في البيت في داخل الأسرة، ونحن في البيت عندنا تقاليد شعرية، وجدي كان شاعراً وأبي شاعر وأنا نشأت على سماع القصائد العربية المهمة يعني على عيون الشعر العربي، ولذلك نشأت على حب اللغة وعلى حب الموسيقى موسيقى الشعر، وكنت أعرف الأوزان منذ الصغر، ولذلك كنت أكتب القصائد الموزونة القصائد العامودية في الثالثة عشرة والرابعة عشرة، ولكن شغفي باللغة كان هو الأساس.

أحمد الزين: مثل ما عرفنا أن الوالد هو المعلم الأول لك على مدار سنوات خمس أو أكثر بقليل، من خلال هو كان مدير المدرسة والمعلم الوحيد في المدرسة في القرية.

جودت فخر الدين: نعم و هذا أمر طريف آخر وهو أن قريتنا صغيرة كان فيها مدرسة ابتدائية صغيرة، وفي البداية لم يكن فيها سوى صف أو صفين، وكان أبي هو الأستاذ الوحيد، مع مرور الزمن أصبح معه معلم آخر أو معلمان، ولكن بالنسبة لي أنا لم يعلمني أحد في المرحلة الابتدائية سوى أبي، فعن أبي أخذت في المرحلة الابتدائية تقريباً أخذت كل شيء، كان يعلمني في المدرسة وفي البيت، واتجاهي الشعري كان الدرجة الأولى بتأثير منه.

أحمد الزين: وكان يعاملك كولد له أم تلميذ؟

جودت فخر الدين: لا أظن أنا الولد الوحيد عنده الابن الأكبر، ولذلك عاملني معاملة خاصة وكان يطبق عليّ تطبيق كل نظرياته التربوية ويريد..

أحمد الزين: يتمرن فيك.

جودت فخر الدين: كان يريد أن ينشئني على النموذج الذي يعتبره مثالياً. قال أبي خذ بأيدي القصائد ثم انتحى من قوافيه قافية واستقام بجلسته قائلاً: خذ بأيدي القصائد.. لكنني خفت كنا نخاف وما زال واحدنا يستريح إلى خوفه من عناء السكوت.. كأنا رأينا على قمم الشجرات ائتلاقاً لآياتنا الكثر.. فقلنا لتلك السماء الصغيرة وهي تكلل شرفتنا في المساء الخرافي كوني كلاماً لنا أو حطاماً.. تعالي إلى خوفنا صفقي في براريه وانتشري.

أحمد الزين: طيب جودت يعني يبدو استطعنا أن نقرأه من شغلك أنك مسكون بمطارحك الأولى بالأشياء المكونة لتلك المطارح من شجر وتراب وماء ونبت وعشب، وصخرة تقول عنها أظنها توقفاً مسالماً تمنح للعابر بعض أمنه، ليش.. لماذا هذا الحضور الملفت أو الحاضر الطاغي للأشياء في قصيدة جودت فخر الدين؟

جودت فخر الدين: يعني أنا قلت لك في البداية أن علاقتي بالطبيعة كانت هي الأساس، كنت أحب أن أحاور أشياء الطبيعة، والمطلع الذي قرأته الآن هو من مجموعة اسمها "أوهام ريفية" في هذه المجموعة التي هي المجموعة الثانية، تجد كثيراً من الأشياء من أشياء الطبيعة حاضرة في قصائد هذه المجموعة، فالأشياء في الشعر هي نفسها وليست نفسها في الوقت نفسه، هذا ما أقوله عادة وقد كتبت مراراً بهذا المعنى، فعندما أكتب عن قريتي الجنوبية كلما كتبت عنها أغيرها أحاولها تصبح كائناً آخر، ولكن مع ذلك تحافظ على شيء من شخصيتها الأساسية هذا هو.. هذه هي طريقتي في التعامل مع الأشياء.

أحمد الزين: طيب هل هذا يعني بمستوى آخر التركيز على تناول العناصر هذه العناصر بالقصيدة يعني هو تعويض عن شيء يعني تريد ترغب أن تقوله، أو تهرب من شيء إلى هذه الأشياء؟

جودت فخر الدين: في الحقيقة لا أدري تماماً لا أظنه تعويضاً عن شيء، ولكن هو حب لهذه الأشياء، فعلى سبيل المثال استطيع أن أقول لك أنه إذا كتبت في أي مكان في الأرض يعني حتى لو خارج الوطن أينما كنت عندما أكتب تلك الأشياء أشياء الطبيعة في قريتي حيث نشأت تحضر تلقائياً إلى القصيدة، فكأنها بشكل آلي حاضرة دائماً في ذهني، ولكن كل مرة كان أراها تتحول وتتجدد.للظل عوارض يدركها الغيم.. فيلعب لعبته في توزيع الضوء ويوحي للظل فيصبو.. يلعب لعبته في التهوين.. نراه يهرل نحو أماكن عارية فيظللها أو يرغب عن أخرى فيعريها.. يبقى مرتبكاً تضحك منه قرانا.. تعرف لمسته وهو يمر كثيراً.. أحياناً يرتد كمن يتذكر شيئاً.. يسمع قهقهة الغيم المسرع.. يدرك خيبته يتقلص من خجل.. ويحوم قليلاً ليعاود صبوته الحمقى بين خيوط الشمس وقهقهة الغيم.

أحمد الزين: طيب جودت إذا منسمي هذا النوع من تناول أشياء أو هذا التحديق في التمعن في الأشياء مثلاً كحركة في الظل أو لعبة القمر شرود القمر أو هيك وحشة الأشياء كما تراها، هل هو نوع من شعورك أنت بالغربة أو بالاغتراب عن الواقع الذي أنت فيه مثلاً، يعني أنت ما تناولت إيقاع المدينة أو صخب المدينة أو إلى ما هنالك؟

جودت فخر الدين: ممكن أن يكون فيه شيء من هذا النوع، ممكن، يعني كأنه نوع من الهروب هروب من شجون المجتمع أو العلاقات مع الآخرين إلى يعني هذا الهروب الذي يوصف أحياناً بأنه رومانسي، يمكن أن يكون في طبيعتي في تكويني شيء من هذا، وأما بالنسبة إلى المدينة وهذا موضوع دائماً يعني يُطرح علي وعلى غيري العلاقة بين الريف والمدينة، يعني أنا في الأساس ريفي بطبيعتي مع أنني عشت أكثر المراحل من حياتي حتى الآن في المدينة، ولكن ما زال الريف يحضر في تكويني الثقافي والعاطفي أكثر أكثر من المدينة هذا ما اعترف به.

جودت فخر الدين: شرفة هزها العصف كادت تنوء بأهوال ما شهدته.. ولكنها صمدت في مكان لها مشرفاً.. فتراءى لها السهل والليل والشجر المستباح.. وعشب يقاوم في كل منعطف.. وترائى لها الخوف والبأس واليأس والأمل المتجدد في كل خوف وفي كل يأسٍ.. ترائى لها كل شيء ولم ترَ شيئاً.. وظلت هنالك من حيث تشرف تهفو لظلٍ لغصنٍ لطير.. تحدق في السهل بين الشروق وبين الغروب.. تحدق في الليل بين الغروب وبين الشروق.. فلا السهل سهل ولا الليل ليلٌ.. ترائى لها كل شيء ولم ترَ شيئاً.. وظلت تطل وتهفو يمر بها زمن عطلّته الحروب فتعلو عليه.. وتسبح في غيم وحشتها.. شرفة هالها العصف لكنها صمدت في مكان لها مشرف.. صمدت في الزمان المعطل.. ظلت تطل وتهفو وتعلو لعل زماناً جديداً يلامس وحشتها العالية.. شرفة تتقصى الحياة فتصعد في برهة نائية.

أحمد الزين: إذا كان المثقف طبعاً أنت بالنهاية جامعي أستاذ جامعي وتهتم بالنقد والكتابة النقدية ويعني بقراءة المجتمع بأشكاله المختلفة، يعني إذا كان المثقف هو الأكثر تحديقاً في مسار التاريخ وحركة المجتمع والحياة، كيف بتقرأ الراهن الذي نعيشه حيث يطغى نوع من الهوس الديني حيناً أو الطائفي أو المذهبي أو هيك فيه نوع من العودة إلى كهوف التاريخ شو سبب هذا بتقديرك؟

جودت فخر الدين: يعني فعلاً نحن نحيا اليوم مرحلة قد تكون يعني من المراحل السيئة في تاريخنا إذا لم تكن الأسوأ، وللأسف يعني نحنا الآن لسنا في سياق إنتاج إنتاج معرفي حقيقي، يمكن أن يكون الأدب ما زال.. ما زال يعني ملاذنا الوحيد وخاصة الشعر في نظري، ولكن على مستوى الفكر على مستوى الرؤى المستقبلية على مستوى النظر إلى مصيرنا وإلى.. وإلى ما نحن فيه، وإلى ما يمكن أن نؤول إليه للأسف نحن لا نقوم إلا بردود أفعال، يعني نحن حيال الحضارة الغربية أو حيال ما نسميه أحياناً بالهجمة الغربية على مجتمعاتنا، لا نفعل في الغالب سوى أن نكون بردة فعل هذه.. وعادة غالباً ما تكون ردة الفعل رجعة إلى الماضي، يعني نحاول أن نحي شيئاً من ماضينا الذي نظنه مليئاً بالصور المشرقة أو ما أشبه ذلك، نادراً ما نفكر بأن علينا أن نفعل شيئاً جديداً أن نغير في حياتنا وفي علاقتنا بالآخر وخاصة ما نسميه بالحضارة الغربية.

أحمد الزين: طيب ما جاوبتني بشكل واضح على السؤال، أنه أنا يلي عم بشوفوا أن هناك يعني فيه استحضار من فواجع الماضي لدى البعض، يعني وكأنه هو البديل حتى عن مشروع الحياة والمستقبل يعني ماذا عن دور المثقف بهالمعنى؟

جودت فخر الدين: أنا أشرت إلى أزمة ثقافية وهذا الأزمة يعني عامة، ويعاني منها بالأخص المثقفون العرب والذين يعملون بشكل خاص في حقول الفكر، فهم إما أنهم يستعيدون شيئاً من الماضي يعني من تجربتنا الفكرية العربية الماضوية، وإما أن يأخذوا أحياناً ببعض النماذج الغربية، فنادراً ما يخترعون أو يبتكرون شيئاً جديداً، بهذا المعنى ليس عندنا منتجون للأفكار، هلأ ما السبب في ذلك؟ يعني البحث عن السبب ليس سهلاً ولا أدعي بأنني أملك الإجابة عن مثل هذا السؤال، ولكن المشكلة واضحة وقائمة يعني يجب أن نبحث عن سبل للخروج من الحالة الثقافية الراكدة التي.. التي نعيشها.

أحمد الزين: طيب ليش الحداثة مثلاً تجلت في الشعر، أنه تغنى الشعراء العرب أنه طبعاً النصف الآخر من القرن العشرين أنهم جددوا في القصيدة العربية، وكأن الحداثة فقط هي تتجلى فقط في الشعر، ليش ما تجلت في نصوص أخرى من الأدب، ليش ما تجلت مثلاً في نصوص التراث ونصوص الدين؟

جودت فخر الدين: هذا دليل على أن العرب يعني هم أصحاب شخصية شعرية إذا صح التعبير أو شخصية لغوية، يعني شخصيتهم الحضارية لها طابع طاغ هو الطابع الشعري أو الطابع اللغوي.. يعني هذا الشيء يمكن أن يكون إيجابياً من الناحية الشعرية يعني يقدم..

أحمد الزين: يعني أنا على خط موازي آخر تقريباً مثل ما قلت فيه قفر ما في شي.

جودت فخر الدين: يعني لو تقصينا تطورنا التاريخي نلاحظ يعني للأسف أو لحسن الحظ لا أدري، نلاحظ أن الشعر دائماً يكون في الطليعة، وفي عصورنا الحديثة أنا أظن بأن الشعر ما زال يعبر هو المعبر الأول عن الشخصية الحضارية العربية، ولكن نستطيع أن نلاحظ بأن ما سمي بالنهضة أو محاولة النهضة في بدايات القرن العشرين خلقت نوعاً أو جواً من التفتح الفكري للأسف افتقدناه في نهايات القرن، يعني كان وضعنا على المستوى الفكري في بداية القرن العشرين أفضل من وضعنا في نهايته، وكان هنالك بعض المفكرين الذين دعوا إلى شيء من التفتح والانفتاح على الآخر وتجديد الفكر العربي والتراث العربي، وطرحوا أفكاراً لو قدر لها أن تنتشر وأن تتطور يمكن أن تكون قد أوصلتنا إلى ظروف أفضل بكثير مما نحن فيه، ولكن حدثت يعني أحداث هائلة وكبيرة يمكن أن تكون قد ساعدت في لجم تلك الاندفاعة وقد يكون.. إسرائيل مثلاً سبب.. سبب أساسي في هذا النكوص أو التراجع إذا صح التعبير، يعني فلا أدري بالضبط لماذا حصل ذلك.

أحمد الزين: هلأ أنت أستاذ جامعي طبعاً بالجامعة في كلية الآداب مطروحة القصيدة الحديثة تدرس بكل أشكالها صح؟

جودت فخر الدين: نعم.

أحمد الزين: ليش لا يدرس مثلاً يعني تيارات فكرية حداثية أخرى مثلاً مثل محمد عبده.

جودت فخر الدين: أنت تطرح الآن مشكلة السلطة، السلطة التي لها تجليات في مجالات التربية والتعليم وفي تنظيم البرامج والمناهج، فمن هم القيمّون على مثل هذا الأمر، فنحن فعلاً بحاجة إلى تحديث وتطوير وحتى إلى ما يشبه الثورة في مناهجنا وبرامجنا التعليمية، القيمون على ثقافتنا وعلى مؤسساتنا التعليمية والتربوية أظنهم قاصرين عن وضع ما هو مناسب للنهوض بلغتنا وبثقافتنا بشكل عام.

أحمد الزين: كثيراً ما يأخذك الحوار مع الكتّاب والشعراء إلى أكثر مطرح وسؤال، مع جودت فخر الدين يجيز المرء لنفسه أن يسأله مثلاً عن هموم الشعر بوصفه شاعراً، وعن مفهوم الحداثة المقتصرة ذهنياً على القصيدة بوصفه ناقداً، وعن دور المثقف والأستاذ الجامعي بوصفه أستاذاً للغة العربية وآدابها في الجامعة اللبنانية، يسأله مثلاً عن دوره في الإسهام في طرح السؤال على الأقل لماذا تغيب عن المناهج حداثات من نوع آخر طالت الفكر العربي منذ مطلع القرن الماضي وحتى يومنا هذا، حتى لا تبقى إجاباتنا على أسئلة الحياة إجابات شاعرية بغالبها.

جودت فخر الدين: نحلة جثمت قرب حوض الزهور التي ذبلت، والطنين الذي أطفأته الشظايا تململ كالشوك فوق التراب، إلى من تحدث ذاك الضباب؟ ضباب الوهاد التي تتنفس فجراً، إلى من تحدث حين أتى وتبين وجه القرى غائراً في حطام البيوت؟ ترى هل تغلغل بين الحطام! ترى هل تناهى إليه أنين البيوت التي انقبضت كالأجنة! هل ضاع فوق الدروب يحاول أن يتلاشى فلا يستطيع! ضباب أضاع الجهات، أضاع وجوه القرى، وتقوض بين حطام البيوت، تقوض مختنقاً مثل فجر الوهاد.

أحمد الزين: هذه التلال تسلقتها لسنوات طوال نحو المدرسة في تبنين حيث تلوح القلعة الصليبية، هنا مرت طفولتنا وكنا نتخيل ما خلف خط الأفق حيث فلسطين. ويروي جودت فخري الدين عن أيامه في قريته في مدرسته وفي بيت أهله حيث قرأ عيون الشعر في مكتبة أبيه، ربما بدأ حياته شاعراً حيث أنه كتب الشعر مبكراً، لكنه ذهب إلى التخصص في الفيزياء وأصبح أستاذاً لهذه المادة لسنوات، ثم تخصص لاحقاً في اللغة.. في اللغة العربية وآدابها ليصبح أستاذاً لها في الجامعة اللبنانية. جودت فخر الدين هو شاعر الأشياء والعناصر، تمعن في تحولات الطبيعة وكتب عنها سماها مرةً: "أوهام ريفية" أو "سماوات" أو مرة "منارة الغريق" أو سماها مرة أخرى "أيام ومياه وأصوات" ولكنه صاغها بمرآته الخاصة وبرؤيته وبلغته المتفردة.

أحمد الزين:نرجع نحكي شوي عن القصيدة عندك هيك قصيدتين تتحدث فيهم عن لعبة العمر والزمن، يعني قصيدة يمكن اسمها: "أربعون" والثانية اللي هي كانت عنوان آخر ديوان: "ليس بعد" كمان عن مراحل الخمسين، يعني هل تظن أن الكتابة هي نوع من المنازلة غير المتكافئة طبعاً مع لعبة الزمن؟

جودت فخر الدين: يعني طبعاً جدنا المتنبي يعني هو أفضل من عبر عن ذلك الصراع المرير مع الزمن، وطبعاً عنده الكثير الكثير من الشعر والقصائد التي تتناول هذا الصراع، ولكن عندي يعني فيما كتبته من شعر كنت دائماً أشعر بحسٍّ.. أنا شديد الحساسية تجاه الزمن كأني أشعر بمروره لحظةً بلحظة، كتبت قصيدةً في العشرين من العمر وفي الثلاثين وفي الأربعين والقصيدة التي عنوانها: "ليس بعد" لها عنوان آخر جاء هذا العنوان تجاوزاً للخمسين، فيعني أشعر بمرارة الإحساس بالزمن هذا ماثل يعني في معظم ما كتبته من شعر، لا أدري إذا كان هذا الأمر خاصاً بي ولكن يمكن أنني قد عبرت عنه يمكن أكثر من غيري.

أحمد الزين: بتخاف؟

جودت فخر الدين: هنالك يعني لا أنكر أن هنالك شيء من الخوف.

أحمد الزين: بتعتبر أن الكتابة هي نوع من البحث عن مخارج للخلود إذا أمكن يعني أو ضد الموت أو..

جودت فخر الدين: نعم. يعني الكتابة الشعرية أو الكتابة الأدبية بشكل عام هي نوع من المقاومة، مقاومة حيال الزمن، يعني في صراعك مع الزمن أنت بحاجة إلى بعض الأسلحة، الكتابة تجعلك تشعر بأنك لست مجرداً أو لست أعزل.

أحمد الزين: طيب سيد جودت طبعاً أنت تهتم بالنقد أيضاً يعني إضافةً لكونك شاعر، ولديك يعني كتابات نقدية مختلفة، يعني وقت اللي بتكتب القصيدة هل تفكر يعني بمنطق الناقد الذي فيك؟ يعني كيف تنجو من تدخله حتى يؤثر يعني على عفوية الأشياء التي تكتبها؟

جودت فخر الدين: يعني أنا أحب أن أوضح هنا أن علاقتي بالنقد أو بالكتابة النقدية أتت على نحو عرضي في الحقيقة، يعني أنا كما قلت لك يعني علاقتي بالكتابة الشعرية هي الأساس، ولكن كنت أحياناً بدأت أكتب المقالات النقدية في الصحف يعني بحكم المتابعة وحب الكتابة في الصحف في البداية، ولكن بعد ذلك عندما أعددت أطروحةً لنيل شهادة الدكتوراه في الجامعة اليسوعية وكانت تحت إشراف أدونيس، أدونيس كان أستاذي عندما أعددت هذه الأطروحة، هذه الأطروحة يعني من المصادفة أنها حملت عنوان "شكل القصيدة العربية في النقد العربي حتى القرن الثامن الهجري"، يعني في النقد العربي من أوله إلى آخره النقد العربي القديم، يعني تناولت تصور النقاد العرب القدامى لشكل القصيدة العربية يعني القصيدة العمودية، وبعد ذلك يعني أصدرت كتاباً ثانياً يعني أنا عندي كتابان في النقد، الكتاب الأول هو الأطروحة: "شكل القصيدة العربية" والكتاب الثاني هو كتابات في نقد الشعر وحمل عنوان: "الإيقاع والزمان" وهو مجموعة من المقالات والدراسات التي نشرت في صحف ومجلات، يعني هذه علاقتي بالنقد من حيث الكتابة النقدية إذا صح التعبير، ولكن من حيث المبدأ في نظري أن كل شاعر أو كل أديب ينطوي في ذاته على ناقد، على ناقد لنفسه أولاً ولغيره ثانياً، ولكن عندما يكتب الشاعر عندما يكتب يغيب الناقد على ما أظن، يعني يجب أن تكون الكتابة تلقائية.

أحمد الزين: أكثر حرية طبعاً، ولكن عندما تكتب عن أعمال الآخرين أديش فيك تكون عادل وأنت كشاعر، يعني قصيدتك معيار جمالية هذه القصيدة؟

جودت فخر الدين: يعني الأساس.. الأساس في النقد أو في إطلاق الأحكام النقدية الذوق.. الذوق الأدبي، يعني أنت عندما تمارس النقد تنطلق من ذوقك من معاييرك الذاتية، كل ناقد في النهاية عنده معايير ينطلق منها، وطبعاً يجب أن يكون عادلاً ومنصفاً ونزيهاً كما قلت يعني، للأسف للأسف الكتابات النقدية السائدة حالياً تفتقد لمثل هذا الأمر، وإذا أردت أن نتكلم عما يكتب الآن من نقد فالوضع أيضاً ليس مشجعاً، والذين يمتهنون هذه المهنة مهنة الكتابة الصحفية خاصةً في مجال النقد لا يملكون الكفاءات المطلوبة وحتى وأكثر من ذلك يعني هنالك العلاقات الشخصية وتبادل المنافع وما إلى ذلك، فوضعية النقد يعني يؤسف لها.ليس بعد فلا تسترح أنت تمضي طليقاً لأنك ما زلت تجهل دربك، لا تسترح كي تظل طليقاً ووحشة دربك روحك، هل تستمد البصيرة من وحشة الدرب؟ لا بأس إن لمعت عثرة من ورائك أو عثرة من أمامك سر هادئاً، وإذا داعبتك الظلال التي بذلتها غيوم تروح وتغدو كأشرعة الأمس والغد قل: إنها بهجة السير تحت السماء التي تستميلك.. تحنو عليك.. تمد إليك يد المستجير.. تقدم وقل: إنها بهجة السير فوق ثرىً عانق الدهر مستسلماً للبروق التي لونته بألوانها.. ولأنك ما زلت تجهل دربك.. ها أنت تمضي طليقاً وخطوك يفتح باب الفضاء.

أحمد الزين: طيب يعني كمتابع هيك وقارئ طبعاً للتراث العربي الشعري بشكل خاص، كيف تقرأ الآن مستوى القصيدة العربية بشكل عام؟ يعني هذا الكم الهائل من الشعراء إذا صح التعبير..

جودت فخر الدين: هذا السؤال يعني أحب أن أجيب عنه..

أحمد الزين: فيه ناس يقولوا كثر الشعراء قل الشعر.

جودت فخر الدين: طبعاً هذا صحيح، ولكن إذا أردت أن أقدم لك تقويماً سريعاً لرؤيتي إلى تاريخنا الشعري، أنا في نظري أن الحركة الشعرية الحديثة كان يجب أن تقوم، ولكن إذا قومناها إذا أردنا أن نعطيها قيمتها الشعرية هل هي مرحلة شعرية قوية؟ أم أنها مرحلة شعرية ضعيفة مثلاً؟ في نظري أن مركز الثقل في الشعر العربي قد يكون الشعر الجاهلي وهذا قد يفاجئك الآن، يعني تحفة الشعر العربي قد تكون المعلقات وهذا أمر أظن لا ينكره أحد بأن المعلقات معلقات الشعر الجاهلي هي تحفة أدبية عالمية إذا أمكن القول، والشعر كما هو معروف يعني بعد الدعوة الإسلامية تراجع نوعاً ما تراجع قليلاً بسبب الظاهرة القرآنية التي كان لها حضورها الساطع والطاغي، ولكن بعد ذلك عرف الشعر العربي نوعاً آخر من النهوض في العصور العباسية مع شعراء مثل بشار وأبي نواس وأبي تمام والبحتري وابن الرومي والمتنبي وصولاً إلى أبي العلاء، يعني كانت هنالك قمة شعرية أخرى تمثلت بهذه المرحلة التي ذكرنا، وبعد ذلك دخل الشعر العربي في مرحلة أطلق عليها اسم عصر الانحطاط الذي يقال أنه كان انحطاطاً على جميع المستويات، وحاول الشعراء بعد ذلك فيما سمي بعصر النهضة أن ينهضوا بالقصيدة العربية، بعضهم أراد أن يحيي القصيدة العباسية، وبعضهم أراد أن يتأثر ببعض الشعر الأجنبي وما إلى ذلك، إلى أن انطلقت حركة الشعر العربي الحديث في الخمسينيات، في ظني أن هذه الحركة أنتجت كميات هائلة من الكتابات الشعرية ولكن أنتجت نوعيات قليلة جيدة، هذه النوعيات القليلة الجيدة موجودة وهي تمثل وجهاً مشرقاً في حركة التطور التاريخي في شعرنا، وفي نظري أنه قد حان الوقت لتقويمها تقويماً نقدياً لم يحصل حتى الآن، يعني نحن بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على انطلاقة حركة الشعر العربي الحديث أصبح بالإمكان أن نقوّم هذه المرحلة، ولا أدري من هو المبادر أو المؤهل لمثل هذا التقويم.

جودت فخر الدين: السماء التي انبثقت من جحيم المخاوف لم ترتفع.. سقطت كلها في الحديقة.. وانتثرت كالزجاج المحطم.. عاصفة القصف ألقت ببعض النوافذ فوق تراب الحديقة فارتعشت نجمة في السياج الذي صار كالأفق، صار السياج حدود السماء..

أحمد الزين: أنت متى وكيف تكتب؟

جودت فخر الدين: أنا ليس عندي خطة أو خطط واضحة للكتابة، ولا أدري متى تأتي متى يحين الوقت المناسب لكتابة القصيدة، ولكن يعني أحياناً أنسى أنسى قضية الكتابة وأنهمك ببعض القراءات أو ما أشبه ذلك، أو ببعض الأمور الحياتية إلى أن أشعر بأنه أصبح لدي شيء أقوله، فاللحظة أكثر ما أستمتع خلال الكتابة أثناء الكتابة يعني أثناء اللحظات التي تمر وأنا في حالة الاستعداد للكتابة هي أفضل اللحظات عندي، عندما تنتهي من كتابة القصيدة تشعر بأن شيئاً جميلاً قد انتهى أو وُضع له حد.

أحمد الزين: بتقرأ شعر وأنت عم تكتب يعني في مرحلة كتابة قصيدة ما تقرأ لغيرك؟

جودت فخر الدين: طبعاً أنا دائماً لا يكاد يمر يوم لا أقرأ فيه شعراً قديماً كان أو حديثاً.

أحمد الزين: طيب مين من شعراء هيك عم نحكي عن الحداثة العربية من الخمسينات حتى الآن، مين من الأسماء في هذه المرحلة اللي بتحب تقرأ لهم؟

جودت فخر الدين: يعني أولاً إذا سألتني عن تأثري إذا شئت ببعض الشعراء شعراء الحداثة خاصةً، أنا قلت لك في البداية بأن مرجعيتي الأساسية موجودة في التراث الشعري، عندما أتيت إلى الجامعة بدأت يعني لم أطلع على الشعر الحديث إلا في سن السابعة عشرة أو الثامنة عشرة، وأول شاعرين قرأت لهما هما بدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور، وحقيقةً أحببت هذين الشاعرين مع أنهما مختلفان من حيث اللغة ومن حيث أمور فنية كثيرة، وبعد ذلك يعني أستطيع أن أضيف إليهما أدونيس الذي كما أخبرتك كان أستاذاً لي عند إعدادي أطروحة الدكتوراه، فهؤلاء الشعراء الثلاثة بشكل خاص يعني أثروا فيّ كل واحدٍ منهم على نحوٍ خاص. الصخرة أظنها توقفاً مسالماً تمنح للعابر بعض أمنه، ولا يرف جفنها لذا ألفتها، وبات عندي أن صخرةً تقيم جانب الطريق لا تملك إلا هدئة الوجوم والرضا، وصرت كلما أتيتها أقول: هذي صخرتي، وما علمت أن صخرةً تقيم داخلي قد ضاع دونها الطريق.

أحمد الزين: طيب شو هي المحرضات أو هيك المحفزات التي تدفعك أحياناً تروح تكتب قصيدة؟

جودت فخر الدين: أنا إجمالاً لا أكتب الشعر على أثر حادث معيّن، وحتى لو كان هنالك حادث كبير فإنني أحاول أن لا أنقل هذا الحدث أو أن أتأثر بتفاصيله، وإنما أحاول أن أضيف إليه أو أن أحوله، أحياناً تكون الدوافع متنوعة، تكتب قصيدة حب أحياناً، تكتب قصيدة نابعة من تأملك في الأشياء كما كنا نتكلم في بداية الحديث، لا تستطيع أن تحدد بشكل دقيق الدوافع أو المحفزات التي تدفعك إلى الكتابة.

أحمد الزين: نعم، يعني المرأة مش من الحوافز الأساسية عندك هيك؟

جودت فخر الدين: ذكرت لك قبل قليل قصيدة الحب، طبعاً المرأة دائماً لها حضورها القوي في الشعر، وأنا عندي يعني حضورها قوي وإن كان لا يبدو على السطح لا يبدو على السطح، حضورها عميق بهذا المعنى حضورها قوي في قصائدي.

أحمد الزين: وحضورها عميق في القصيدة وكمان حضورها عميق في نفسك؟

جودت فخر الدين: طبعاً، يعني كيف يمكن أن يكون قوياً في القصيدة إذا لم يكن..

أحمد الزين: بس مبين إنه بتستحي شوي إنت؟

جودت فخر الدين: هذا دليل آخر على حضورها القوي.

أحمد الزين: باطني باطني.كل من عاش تجربة بيروت ما قبل حروبها الأهلية وسنوات الغزو والاجتياحات، بخاصةً تلك الفترة الممتدة بين الستينات وأواسط سبعينات القرن العشرين يحمل في قلبه حسرةً على تلك الأيام، فتلك المنارة العالية أومأت للكثير من الباحثين عن شاطئ يرسون عنده، فكانت عنقود الضيع كما وصفها مرةً الشاعر عصام عبد الله، وكانت شهوة الحياة وقبلة العشاق والشعراء والمثقفين.أديش يعني تمتن إذا صح التعبير لتلك المرحلة من بيروت؟ يعني أديش أضافت لمكونات جودت؟

جودت فخر الدين: يعني أنا جئت إلى بيروت في أوائل السبعينات وكانت فترة قصيرة هي فترة دراستي الجامعية، يعني من أول السبعينات حتى بداية الحرب الحروب الأهلية في 1975، هذه الفترة يعني أسترجعها أو أستذكرها وكأنها فردوس مفقود فعلاً، ولو أنك تتصور كيف كانت الجامعة مثلاً في تلك الفترة، وكيف أن التفاعل الثقافي بين مختلف الطلاب والتيارات السياسية والثقافية والفكرية ما بين أشخاص قادمين من جميع المناطق اللبنانية ومن جميع الطوائف ومن جميع المذاهب دون أن ينتبهوا إلى مذاهبهم أو طوائفهم كان هناك تفاعل عظيم، وكان المجتمع اللبناني يعني فعلاً في حالة تطور وتقدم، لا أدري لماذا حصل أيام.. طبعاً نستطيع أن نجد الأسباب لما حصل، ولكن كنا نظن يعني كنا نتوهم بأننا نعاني من مشكلات كبيرة، ولكن الآن بعد الذي حصل على مدى الثلاثين عاماً الماضية، نشعر بأنه كان علينا أن نحافظ على ما كنا عليه قبل 1975.

أحمد الزين: طيب سياسياً أنت كيف بتصنف نفسك؟

جودت فخر الدين: أنا غالباً ما أشعر بأنني لست.. لا أثق بأي طرف سياسي إجمالاً، وأتمنى لو كان هنالك طرف سياسي يطرح مشروعاً حقيقياً لبناء الوطن ولبناء الدولة على أساس غير طائفي، يعني لو كان.. هذا للأسف هذا الأمر ليس موجوداً، ولكن لكي تقوم الدولة ولكي تنشأ مقومات حقيقية للحياة الديمقراطية في لبنان يجب أن تقوم الدولة على نظام غير طائفي، لأن هذا الأمر ليس موجوداً فأنا أشعر أحياناً بأنني لا أتحمس لأي طرف من الأطراف السياسية.

أحمد الزين: طيب المثقفين بشكل عام.. المثقفين بشكل عام أديش مدى تأثيرهم على الطوائف التي ينتمون لها بالهوية على الأقل؟ بالنهاية أظن حسب تقديري أن المثقف المفروض يكون عنده زاويته الخاصة بالدنيا، بس بحكم وجوده بين هالناس يعني أديش يمكن يؤثر وأديش له دور؟

جودت فخر الدين: من حيث المبدأ هو يجب أن يكون هنالك تأثير كبير للمثقفين في المجتمع، وأن يكونوا قادةً للمجتمع وأن يوجهوا المجتمع نحو خيارات صحيحة وحديثة ومتطورة، ولكن للأسف عندنا في لبنان أحياناً تجد بأن المثقفين ينقسمون فيما بينهم بحسب الانقسامات الموجودة في المجتمع، فبدلاً من أن تكون الثقافة رائدة وأن تكون هي الموجهة أحياناً تكون هي التابعة تكون تابعةً لما يجري في المجتمع وهذا يعكس أيضاً أو يشير إلى أزمة الثقافة.

أحمد الزين: طيب سيد جودت كمان مثل ما حكينا بالبداية أخذتنا مبارح على الضيعة ويبدو معمر بيت بالضيعة أنت جميل، ماذا يعني لك البيت الواحد الواحد يعمر البيت تقريباً يكون على بداية الخريف من عمره، شو هالتمرير المتأخر هذا شو بيعني لك؟

جودت فخر الدين: أن تبني بيتاً هذا يعني تجدداً نوعاً من التجدد يعني تشعر بأنك قد بدأت بدايةً جديدة، وأنا هنا يعني في المناسبة أقول لك بأنني بدأت بمشروع بهذا المشروع مشروع بناء بيت في الضيعة في العام 1986 يعني مضى على البداية أكثر من 20 عاماً، بعد عام 2000 عندما تحرر الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي كان هناك فرصة لإكمال البيت، وأنا لم يمض أكثر من ثلاث سنوات على استعمالي للبيت الجديد، نتمنى أن تسمح لنا الظروف العامة بأن نستعمل هذا البيت.

أحمد الزين: بتقديرك رح يخلوك تستعمله؟

جودت فخر الدين: من يدري.

أحمد الزين: بالطبع جودت لا يدري، لأن معادلة الشعر لا تتفق مع معادلات الحروب وقادة الحروب، الشعراء يقيمون في منازلهم ويسكنون القصائد، لعلنا بين أمكنة إقامات جودت أضأنا نواحٍ من حياته وتجربته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق