2007-05-02

روافد مع الفنان التشكيلي صلاح طاهر

إعداد وتقديم

أحمد علي الزين: يعثر المرء في هذه المدينة على كنوز منها غلبة النسيان وبقيت شاهدة على مراحل من التاريخ، ومنها معاصر يتشكل على نضوجه ليأخذ مكانته في سياق حضاري وثقافي، ودائماً خلف الأبواب الموصدة هناك من يراكم عمره وتجربته، والبيوت أسرار تكتشفها أو تكتشف بعضها حين تتعرف على أهلها، وفي حال كان ساكنها من المبدعين من الذين مسهم قلق الحياة ومعنى الوجود تكتشف أبعاداً أخرى في حياتهم وتجربتهم وحضورهم الباذخ. هذا التسيعيني ما زال يبحث في الضوء واللون عن معنى جديد لهذا العالم، يزاول لعبته وشهوة الحياة يحاورها ويساجلها بما تختزنه الذات، يفيض بما في داخله من سرها يشكلها وجوداً وقامات صارخة من اللون، لم يثنه ثقل الأعوام عن ممارسة لعبته، عكازه ريشة وسعيه الباقي يتراوح في دوائر الضوء في الخطوط الحادة كصباه والحانية كعمره، عاصف والدفع يأتي من داخل النفس، وهادئ كما الأزرق لكن في العمق ثمة بركان خامد حيناً وحيناً يثور، ماذا يفعل أستاذ صلاح طاهر اليوم؟ كيف تغالب الوقت والعمر؟

صلاح طاهر: أنا أتصانع مع الوقت والعمر بالإنتاج الفني، أكبر نعمة ربنا أنعم عليها بها الإنتاج الفني، وهذا الإنتاج الفني مش مجرد إنتاج، هو إنتاج في إبداع وفي تجديد باستمرار في سنة ورا سنة أو شهر ورا شهر إلى آخره، فهذه نعمة كبرى من الله سبحانه وتعالى، الجزء الآخر من القضية إني أنا أقرا القراءة بتريحني جداً جداً.

أحمد علي الزين: يعني ما زلت حتى الآن تصارع الوقت بالإنتاج الفني؟

صلاح طاهر: الواقع إني أنا أحس إني مش بصارع الوقت الوقت اللي بصارعني.

أحمد علي الزين: أستاذ صلاح لنعود قليلاً إلى البدايات إلى المنشأ والتربية إلى الأهل، يعني ماذا كان عن دور الأهل في توجيه صلاح طاهر؟

صلاح طاهر: كان له أثر بالغ الأهمية في تاريخ حياتي كله، يعني في مرحلة الطفولة السبع سنين الأولى اللي هي أولاً أنا أصغر أخواتي كلهم، وأخوي الكبير عمره 20 سنة عني أنا، بعدين لي ثلاث إخوات ثانيين يعني أكبر مني بكثير أوي، كل ما أتذكره أنا إني لم أرَ في مراحل حياتي الأولى السبع سنين دي أي إهانة من أب أو من أم أو من الإخوة الكبار أو أي حاجة زي كده، كانت كلها مشاعر جميلة جداً جداً وتعاطف لطيف، وأخوي الكبير كان مثقف لأنه هو كان مهندس معماري.

أحمد علي الزين: هو كان له دور في توجيهك نحو..

صلاح طاهر: كان دائماً بيشجعني بجيب لي أدوات للرسم، لقاني بحب الرسم زي الأطفال كل الأطفال كده يحبوا الرسم..

أحمد علي الزين: يعني البيت اللي نشأت فيه كان له علاقة في الثقافة في الإبداع في..

صلاح طاهر: إلى أقصى حد يعني أنا ما كنتش لما أدور على والدي فين هو، ألاقيه قاعد بيقرا كتاب دائماً قاعد يقرا كتاب، وقراءاته عنده مكتبة جميلة عندي أخذتها عنده ورثتها عنه إلى آخره، يحب الشعر جداً ويحب الأدب العربي ويحب الكتب الدينية والبحوث الدينية يعني كان متبحر في هذه المسائل.

أحمد علي الزين: وكان يحثك على القراءة؟

صلاح طاهر: كان يحثنا على القراءة ويحثنا على الشعر، يعني وأنا أتذكر وأنا في سن التسع سنين أو الثماني سنين كان يحفظنا القصيدة وآخذ قرش عالقصيدة لما أحفظها..

أحمد علي الزين: تاخذ أجر.

صلاح طاهر: إي نعم.

أحمد علي الزين: أنا حافظ قصائد من ذلك الوقت.

صلاح طاهر: ما زلت تذكر بعضها؟

أحمد علي الزين: ما زلت أذكر بعضها.

صلاح طاهر: مش كلها يعني أجزاء منها.

أحمد علي الزين: مثلاً؟

صلاح طاهر: يعني: الناس للناس من بدو وحاضرة... بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم، يعني حاجات زي كده يعني.

أحمد علي الزين: الله.. والآن هل ما زالت الناس للناس؟

صلاح طاهر: هو الناس للناس دي غصب عن البني آدم، يعني الواحد يعني الكبير مع الصغير كلاهما محتاج للآخر ده شيء طبيعي، لكن يعني طبعاً المسألة تحتاج لشيء من الثقافة عند الكبير بقه عشان تناول عملية التناول، يعني لو أن الشخص الكبير الناضج تناول شخص وغير بشكل وقح وإهانة رح يزرع فيه بذور قاسية جداً جداً جداً في المستقبل لما يكبر يبقى رجل رح ينتقم لعقدة النقص اللي زرعت جواه..

أحمد علي الزين: يعني بمعنى إذا تعرض للإهانة بطفولته أو ربما يعني رح تؤثر فيه في المستقبل..

صلاح طاهر: يعني كثير جداً درس المسائل ديه نجد أن قواد الحرب القيادات الكبيرة بتاعة الحروب..

أحمد علي الزين: كانت تهان في طفولتها..

صلاح طاهر: كان تهان إهانة فظيعة جداً جداً جداً في طفولتها، جزء أمه تضربه أو أبوه يرفسه أو أبوه يعني يحقره أو أمه أو يعني يعني فقدوا المشاعر الثانية جواهم..

أحمد علي الزين: مثل مين مثلاً هل تذكر..

صلاح طاهر: نابليون واحد منهم، صدام حسين بهذا الشكل، غيره وغيره كثير جداً جداً.

أحمد علي الزين: بين البدن والروح تشكل صلاح طاهر، بدأ حياته رساماً لكن ثمة طاقة فائقة ربما في داخله في نفسه دفعته ليمارس في شبابه الرياضة الأكثر عنفاً الملاكمة، وهذه مفارقة هائلة بين اليد التي تحمل الريشة وبين اليد التي تهوي قبضتها على رأس الخصم ليتوج صاحبها بطل مصر ذات يوم، تراه الآن خجلاً من تلك الهواية، لكنه كما قال أفادته أفادته كثيراً في تماسك بدنه الذي يحمل الآن كل هذه السنين، أستاذ صلاح أنت بدأت حياتك بنوع من الرياضة شوي عنيف..

صلاح طاهر: جداً مع الأسف أنا بخجل..

أحمد علي الزين: كنت بطل مصر لسنوات في الملاكمة..

صلاح طاهر: إيه نعم بخجل منها لأنها حاجة تقرف لكن أهو نفعتني..

أحمد علي الزين: مين اللي حفزك مين اللي دفعك لهذا المجال..

صلاح طاهر: أخوي الكبير كان عمره عشرين سنين أكبر مني بعشرين سنة..

أحمد علي الزين: والمهندس اللي كان يجيب لك ألوان كمان حرضك على..

صلاح طاهر: هو حضرني ويوديني النوادي يفرجني ويعملي يعني عمل في العجب يعني هو اللي رباني تقريباً.

أحمد علي الزين: بدي أسألك عن دور الوالدة في هالمرحلة تحديداً..

صلاح طاهر: كانت عاطفتها نادرة المثال، أنا على ما أذكر أنا كنت أيامها في سن 18.. 21 كنت بطل مصر في الملاكمة في وزن الخفيف المتوسط فكان متعود على التدليك كل يوم والثاني لازم تدليك لي، فاليوم اللي ما فيش حد يدلكني تجي هي تدلكني كانت مشلولة، والله أنا مذهول من القصة دي الحقيقة تجي تدلكني بإيد واحدة وبالإيد الثانية ماسكة العصاية مسنودة عليها.

صلاح طاهر: الله عليها الله الله الله الله عليها لأم كلثوم، أم كلثوم لما تقعد معاها خارج الحفلات إنسانة نادرة الوجود يعني ما فيش بعد كده الحقيقة، يعني وبتحلم إني أنا أعمل وبتاع أخيراً عملتلها بورتريه..

أحمد علي الزين: عندك في البيت؟

صلاح طاهر: آه عندي فكانت تجي تقعد عملت لها بورتريهين اثنين صورتين اثنين مش وحدة بس بنصف الحجم الطبيعي تقريباً.

أحمد علي الزين: هنا اجتمع شمل أهل الهوى والليل مبدعون موسيقيون مفكرون وعشاق، الشيخ زكريا أحمد ونديمه بيرم التونسي، أحمد رامي توفيق الحكيم وعباس محمود العقاد وطبعاً أم كلثوم، كان بيته منتدى لأهل المعرفة، وليله للنقاش بهذا الشأن أو ذاك، والهزيع الأخير منه للطرب والوجد، من كان يزورك في هذا البيت في المراحل الأولى من حياتك؟

صلاح طاهر: لما ابتديت هنا حياتي الزوجية في بيتي..

أحمد علي الزين: من هم الأصدقاء الذين كانوا يجتمعون في هذا البيت؟

صلاح طاهر: كان لي أصدقاء أنا بقه يعني طبعاً بحكم الخلفية اللي عندي أنا الثقافية والروحية والفكرية والجسدية، كان لي علاقات لي جميلة جداً جداً جداً أكبر علاقة فيهم كانت مع العقاد عباس العقاد..

أحمد علي الزين: عباس العقاد..

صلاح طاهر: عباس العقاد كان عبارة عن الأب الروحي لي أب روحي وأنا كنت الوحيد اللي يسمح لي إني أستلف كتب من مكتبته قال الكلام ده أنيس منصور في كتابه عن العقاد..

أحمد علي الزين: طيب عبرت عن وفاءك لهالصداقة برسم للعقاد عملت له بورتريه؟

صلاح طاهر: عملتله ثلاث بورتريهات..

أحمد علي الزين: حسب ما ذكر لنا إنو هذا البيت كان ملتقى للكثير من المبدعين..

صلاح طاهر: كان يسميه صالون فكر وفن لأن كان بيجي زكريا أحمد بيرم التونسي أحمد رامي الشاعر ويعني هكذا طبقة من هذا النوع، وناس عندهم مواهب أخرى..

أحمد علي الزين: وأم كلثوم..

صلاح طاهر: وأم كلثوم كانت تجي ما تجيش معاهم بقا تجي بنهار بقا هم..

أحمد علي الزين: كانوا يجوا بالليل هم من رواد الليل.

صلاح طاهر: هم من رواد الليل.

أحمد علي الزين: أهل الليل.

صلاح طاهر: أم كلثوم..

أحمد علي الزين: هم من أهل الهوى والليل.

صلاح طاهر: أم كلثوم باستمرار بالنهار عندي أنا.[فاصل إعلاني]

أحمد علي الزين: وجوه كثيرة مرت في حياته والقليل بقي في البال، آلاف البورتريات وآلاف الأعمال الأخرى من الواقعية التعبيرية إلى التجريد عشرون ألف لوحة على ما يقارب المئة عام، يبدو لم يشغله أمر آخر سوى إبداعه وحوافز الإبداع، عالمه هذا المحترف وفسوحات الضوء وأطيافه، والمكان بالنسبة إليه هو داخله يتسع أو يضيق بمقدار شحناته الدافعة للخلق.

أحمد علي الزين: من من الأصدقاء القدماء يعني ما زالوا يترددون إلى بيت صلاح طاهر؟

صلاح طاهر: والله مع الأسف الشديد 90 أو 95% توفوا..

أحمد علي الزين: رحلوا..

صلاح طاهر: رحلوا نعم..

أحمد علي الزين: أستاذ صلاح أنت عاصرت أجيال مختلفة من السياسيين والحكام والمعنيين بالشأن العام يعني من بداية القرن حتى الآن، يعني من هم.. من منهم كنت على علاقة ود؟

صلاح طاهر: والله أنا ما تآخذنيش وبلا مؤاخذة في التعبير ومش عاوز حد يزعل مني أنا مش بتاع سياسة..

أحمد علي الزين: ما تعاطيت الشأن السياسي..

صلاح طاهر: لا أتعاطى السياسة ولا بتاع، أنا يعني طُلبت مرتين في حياتي لمركز سياسي كبير أوي واعتذرت اعتذار فظيع وهربت من الوظيفة ديه..

أحمد علي الزين: أيام عبد الناصر؟

صلاح طاهر: أيام عبد الناصر وأيام الرئيس حسني مبارك، يعني أنا ما أحبش أتكلم في الموضوع ده، وحاجة تحرجني أوي وطُلبت وزير مرتين مرة أيام عبد الناصر ومرة أيام حسني مبارك.

أحمد علي الزين: طيب شعرت أن هذه الوظيفة تخسرك من كونك مبدع أم..

صلاح طاهر: كانت رح تخليني خلاص أنتهي بقا من مقدرش ألاقي وقت للشغل بتاعي، يعني كله بقه حيبقى إدارة وحاجات بعيدة جداً جداً عن يعني رسالتي الحقيقية اللي هي رسالة الفن نفسها.

أحمد علي الزين: يعني أنت وهبت نفسك وحياتك للإبداع والفن ولم تتعاطى الشأن السياسي، ولكن المثقف والمبدع بشكل عام عنده موقف من الحياة والوجود والسياسة، شو حقيقة موقفك الآن مما يجري في العالم؟

صلاح طاهر: هو أعظم السياسيين اللي أنا بقدرهم وبحترمهم الشخص السياسي المثقف.

أحمد علي الزين: وهل هذا متوفر؟

صلاح طاهر: نادر جداً جداً ولا مؤاخذة يعني كلمة ما تسرش لكن نادر، لكن هناك شخصيات سياسية كبيرة عظيمة مثقفة موجودة في العالم.

أحمد علي الزين: في مرحلة من تجربتك أستاذ صلاح رسمت العديد العديد من الوجوه ربما أكثر من ألف وجه بورتريه لأصدقاء وشخصيات، يعني من الوجوه هيك يعني ترك بصمات في ذاكرتك في وجدانك؟

صلاح طاهر: والله صعب جداً إني أحصر لحضرتك العدد ده لأنهم مختلفين جداً جداً عن بعض والأيام بتفوت بتنسيني الحاجات دي كلها، ولكن يهمني في الشخصية الأعماق اللي جوا البني آدم لما برسمه سهل جداً أتطلع على جسده وبنصف ساعة ممكن، ولكن اللي عاوز أطلع أعماق النفس الروحية من ناحية روحية وأدور على أحسن ما فيه وأعبر عنه، يعني هي زي واحد بيكتب بيوغرافي تاريخ حياة البني آدم بس بيدور على أحسن ما فيها، لأن كل واحد فينا له جوانب كذا وجوانب كذا وكذا فندور على أحسنها ونعبر عنها في اللوحة في الصورة بتاعته.

أحمد علي الزين: هل هذه يعني هذا الدافع اللي عندك هو اللي خلاك تذهب إلى التجريد في مرحلة لاحقة؟

صلاح طاهر: لأ التجريد ما تآخذنيش في التعبير اللي رح أقوله أنا بعتبرش التجريد الصور الشخصية ديه فن بالمعنى الحقيقي، يعني أنا بدّي له قيمة لما بقلك عليه بتكلم من ناحية المعاني العميقة وتكتشفها وبقولها غير الشكل اللي قدامي على طول، ولكن الفن الحقيقي في كلمة وحدة هو الإبداع..

أحمد علي الزين: الخلق..

صلاح طاهر: الخلق بمعنى إنك إنت يبقالك أسلوب لا مثيل له لا إنت بتقلد حد ولا إنت قادر تقلد حد ولا بتعيد نفسك ولا إلى آخره، فيه إبداع مستمر مستمر مستمر مستمر مستمر ده الفن، الفن..

أحمد علي الزين: ولكن لم تتأثر بأحد على الإطلاق؟

صلاح طاهر: إطلاقاً مع إنه لي أساتذة عظام جداً جداً ولكن تأثرت فيهم من ناحية الصنعة التكنيك مش من ناحية الفن، من ناحية الفن لي أنا الحمد لله رب العالمين، ربنا أنعم علي بها وبتطلع قسمها للعناية الإلهية هي اللي تمشيها.

أحمد علي الزين: أعجب من أمر هذا الرجل الذي يشاهد الشعرة الفارقة في فرشاته وهو في خضم تداعياته لينتزعها بيد لا رعشة فيها، وتعجب أيضاً من ذاكرته التي لم تتلف صورها الأيام، ومن مقدرته على مزاولة إبداعاته ومزاولة متعه الأخرى كأس للروح وآخر للعقل ليتفتق الباطن بصوره وتداعيات ألوانه وأشكاله وآخر لمحاورة الذاكرة والحنين، أستاذ صلاح بتذكر هذا الوجه؟

صلاح طاهر: هههههه كان ده عمري سبع سنين.

أحمد علي الزين: بتشتاق له للفتى اللي هون هذا الطفل.

صلاح طاهر: أشتاق له عالفاضي يعني..

أحمد علي الزين: عالفاضي آه، هل أنت نادم على شيء؟

صلاح طاهر: لأ ما أنكرش ما دام الشيء حصل خلاص، ما القدر هو اللي برتب كل حاجة.من أين يأتي صلاح طاهر بهذا الفيض من الألوان؟

أحمد علي الزين: أستاذ صلاح شو مصدر اللوحة عندك من أين تأتي في هذا الفيض من الألوان؟ شو مصدر هذه الألوان؟

صلاح طاهر: والله هو الموضوع اللي حضرتك كلمتني فيه بتوسع في الوقت شوي البورتيهات ولكن أنا بعتبرش البورتيهات هي الفن الأساسي لأني أنا أعتبر أن الفن إبداع وابتكار، ولو إني عم بحاول أدخل عنصر الابتكار والإبداع في البورتريه ولكن الإبداع نفسه هو الفن الحقيقي.

أحمد علي الزين: كنت على علاقة جيدة بالشاعر بيرم التونسي ولكن لم تضع له بوتريه؟

صلاح طاهر: مع الأسف مع الأسف ما كانتش الظروف بتاعتنا تسمح بهذا.

أحمد علي الزين: والشيخ زكريا؟

صلاح طاهر: ولا الشيخ زكريا مع الأسف لكن كان كل يوم خميس عندي هم الاثنين.

أحمد علي الزين: بقيت صداقتهم في القلب؟

صلاح طاهر: صداقة في القلب حلوة ديه أوي يعني عوضتني عن إنهم البورترات اللي إنت بتقول عليها.

أحمد علي الزين: كل خميس كانوا يجوا لعندك على هذا البيت؟

صلاح طاهر: كل يوم خميس وكانوا أحياناً يقعدوا للصبح..

أحمد علي الزين: عود وشعر وغناء..

صلاح طاهر: عود وشعر وكله هيصة وكلام ودمه خفيف لحد صباحاً ويفطروا الصبح عندي هنا، وكانت مراتي الله يرحمها شخصية واسعة الأفق جداً جداً جداً وتعمل لهم كل ده وتحضر لهم كل ده وما تبينش أي غرابة في الموضوع.

أحمد علي الزين: وضعت البورتريه لرفيقة عمرك؟

صلاح طاهر: آه طبعاً مش عايزة كلام.

أحمد علي الزين: طيب الذاكرة عند صلاح طاهر الذاكرة ألم تشكل نوع من المصدر لتشكيل الرسم؟

صلاح طاهر: إطلاقاً أنا سايب المسألة للوعي العقل الباطن بتاعي.

أحمد علي الزين: للعقل الباطن..

صلاح طاهر: هو اللي عماله بيشتغل..

أحمد علي الزين: يعني ما نشاهده في هذا البيت المتحف إذا صح التعبير..

صلاح طاهر: تلاقي حاجات من العقل الباطن بس هذا العقل الباطن نتيجة سنين طويلة أوي أوي أوي.

أحمد علي الزين: ومخاضات عسيرة.

صلاح طاهر: قبل كدا ولخبطات وقطعات ياما قطعت لوحات يا سيدي العزيز، ياما قعدت يومين ثلاثة أشتغل في لوحة ورحت مقطعها في النهاية لأن ما فيهاش اللي أنا عايزه أخذت بال حضرتك.

أحمد علي الزين: ولكن في مرحلة في المراحل الأولى من حياتك لجأت إلى الطبيعة والوجوه وإذا سميناها الواقعية.

صلاح طاهر: هي كانت عبارة عن أستاذي العزيز..

أحمد علي الزين: هل تتنكر لها؟

صلاح طاهر: هذه ثروة عظيمة لكل فنان، الفنان هي المعلم الأول بتاعه والثروة الأولى بتاعته هي الطبيعة، وبعدين العبقرية بقه تجي إنك تأخذ هذه الطبيعة وتشكلها زي ما إنت عاوز بقه كمان، إن لم تشكلها على نحو جديد تبقى إنت لسه مش فنان.

أحمد علي الزين: يعني إنت من الواقعية التعبير إذا صح التعبير إلى التجريد..

صلاح طاهر: فاتت يا سيدي العزيز في مراحل أخرى، يعني أنا بعد ما كنت في اتجاه الطبيعة ابتدأت أغير سكتي في الاتجاه بتاع تجريد الطبيعة نفسها.

أحمد علي الزين: أستاذ صلاح أنت يعني يقال أنك رسمت ما يقارب 18 ألف لوحة..

صلاح طاهر: عالأقل..

أحمد علي الزين: ماذا تشعر الآن؟ هل تشعر أن هناك لم يعد هناك من فسحة في الزمان والوقت لتحقيق المزيد من الأعمال؟

صلاح طاهر: والله أنا بنسى الجملة اللي حضرتك قلتها خالص لأنها خطيرة علي أوي، لكن أنا اللي يهمني في حياتي كلها إني أشتغل وأشتغل وأشتغل وأشتغل.

أحمد علي الزين: هل خفت مرة من شيء؟

صلاح طاهر: لأ.

أحمد علي الزين: لم تخف من أي شيء؟

صلاح طاهر: أبداً..

أحمد علي الزين: حتى من الرحيل..

صلاح طاهر: لأ كله ماشي ده القدر والقدر هو كده رح نخاف من القدر إزاي ده القدر بيد ربنا.

أحمد علي الزين: هل استطعت أن تقول كل شيء في اللوحة؟

صلاح طاهر: لأ.

أحمد علي الزين: هناك المزيد من الأشياء.

صلاح طاهر: المزيد.. المزيد.. المزيد لسه جاية.

أحمد علي الزين: المزيد من العمر ومن العطاء يتمناه أصدقاء صلاح طاهر لأن لديه المزيد مما يود أن ينجزه على ختام المسار، صاخبة حياة هذا الرجل بمستواها الإنساني والإبداعي والحياتي، صاخبة كما ألوانه هو الآن كما قال يتصارع مع الوقت، ولكن على ما يبدو ليفوز على غروب كل يوم بلوحة ونفوز بالتعرف على قامة من قامات مصر. مائة عام من ذاكرة مصروداعاً صلاح طاهر...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق