2008-01-18

روافد مع الشاعرة جمانة حداد

إعداد وتقديم

جمانة حداد:شخصيتي العامة مدينية كتير يعني شخصيتي الخارجية وأنا بنت مدينة مظبوط..

أحمد الزين: بامتياز.

جمانة حداد: بامتياز. ولكن المشهد يلّي شفناه اليوم هون، بيشبه مشهدي الداخلي، يعني أنا من جوّى كتير برية، متوحشة، حتى لو ما بوحي بذلك وفي كتير ناس بيقروا لي ما بوحي بهالشي إلا وقت اللي بكتب، وفي ناس بيقروا لي وبس يتعرفوا علي للوهلة الأولى بيقولوا لي: مش معقول. بعدين بس يقرّبوا أكثر ويعرفوني أكثر بيلاقوا أن هالنتوءات اللي موجودة في نصي موجودة جواتي كمان يعني، بحب المشاهد الصعبة..

أحمد الزين: بالطبيعة.

جمانة حداد:بالطبيعة.

أحمد الزين: الحجار.

جمانة حداد:الحجار. مثلاً ما بحب الأرض الملساء ما بحب ما بحب الأشياء السهلة الناعمة، هيك يعني بحب النتوءات الترويسات إذا بدك، طبعاً عندي حيّز اجتماعي ولكن حيّز ضيق كتير ومزاجي.

أحمد الزين: قد تكون الوجوه أحياناً غامضة حتى لو لمحتها، وقد تكون الكلمات ناقصة حتى لو أفصحت عن حضورٍ أو غياب أو عن ارتكاباتٍ باذخة الجمال مثلاً أو عن معنى مبتكر لفعلٍ شديد الوضوح، ولكن حين ينعقد لقاءٌ ما ويدور الكلام تكتشف ما يقع خلف ظلال اللغة وخلف الوجوه وتفصح الملامح عن جوهرٍ خبيء، هي الصدف غالباً تشيّد جسراً تعبره إلى الآخر أو إليك. جمانة حداد حين تقرؤها تقدر أن صاحبة النص من خلاصاتٍ غير عادية، وأن هذا الشعر نابعٌ من أغوارٍ عميقة بعيدة عصية شائكة وعرة حميمة ومحمومة. شعرٌ نفذ منه القليل كإشاراتٍ عن خزينٍ ينتظر أسباب تدفقه، نفذ المعنى الذي لم يعد يحتمل نفسه في القاع. جمانة حداد يأخذك نصها إلى بدايات هذه الأعماق وتأخذك إلى حيث هي تشتهي من الأمكنة لتشير إلى الظل ربما أو إلى الغامض، إلى اللهفة، إلى المدى، إلى مراياها المتعددة إلى عابراتٍ وعابرين في الحياة وفي نصها، إلى بعضٍ مما هي عليه، وإلى افتتاناتها في اللغات، إلى أسفارٍ بها ومعها لكأن اللغة صديقٌ حميمٌ تخبره أسراراً وتؤمنه على الكلام.

قراءة في نص من نصوصها: عندما أجلس أمامك أيها الغريب أعرف كم تحتاج إلى الزمن كي تردم المسافة إلي، أنت في أوج الذكاء، وأنا في أوج المأدبة، أنت تفكر كيف ستبدأ حديث المغازلة، وأنا تحت ستار وقاري أكون قد فرغت من التهامك.

أحمد الزين: شي مرعب هذا، فينا نسمي هذا تجلي من تجلياتك في تقمّص ليليت وفي مقارعة الذكورة؟

جمانة حداد:أول شي ليليت مَنّا يعني تعبير عن مقارعة الذكورة. أنا ولا مرة بحس أني بحاجة أني أتحدى الرجل، بالعكس وخصوصي بليليت، أنا دائماً بقول أن الرجل ندّي وشريكي، ولكن إيمتين بيصير في نوع من تحدي مش.. مش مقصود، يعني يُتلقى وكأنه تحدي ولكن هو مانّو تحدي، هو وقت اللي بحس أن الشي اللي أنا معتبرته حق ومسلمات ينظر له وكأنه هدية، تعطى لإلي، هذا الشيء اللي ما بقدر أقبله وهذا الشي اللي أحياناً بعض السلوك الذكوري بيوحي فيه.

أحمد الزين: طيب شو سر هذه.. إذا بدنا نسميها منازلات هذه المنازلات حتى لو أنت عم تقولي أنك ما بتحسي أنت عم تخوضي معارك ضد الذكورة يمكن معاركك هي باللغة ضد النص الذكوري مش ضد الذكر المجسّد بالرجل، شو سرّها هيدي؟ إذا في سر ما بعرف؟

جمانة حداد:يمكن إذا بدك إذا بدك تسمي إذا مصرّ تسميها منازلات بعتقد لها علاقة بشخصيتي، بشخصيتي كإنسان كامرأة وككاتبة، هيدي لغتي، أنا دائماً بقول أني بكتب في أظفيري، يعني أنا عندي لغة شرسة وطبع شرس، وهالشي بيتجلّى بالكتابة ويمكن ياخذ أحياناً شكل المنازلة، ولكن هون المنازلة هي فقط مش قناع ولكن هي تعبير خارجي عن باطن مختلف جداً هو حقيقة وجوهر..

أحمد الزين: وهيدا أنت.

جمانة حداد:وعرين يعني.

أحمد الزين: وعرين، كيف فيك تعملي المصالحة بين هذه الوعورة والقفر والأظافر والأنوثة التي فيك يعني؟

جمانة حداد:برأيي ما في ضرورة للمصالحة، نحنا كلنا خليط من تناقضات، الطريقة الوحيدة لحتى نعيش حالنا هي أن نقبل هالاختلافات الموجودة فينا، ونسمح لها أنها تتجلى يعني وقت اللي أنا بحاجة أني أكون كتير شرسة بكون، ووقت اللي أنا يعني بأقصى درجات نعومتي وهشاشتي وهالشي حقيقي كتير كمان فيي، كمان بكون، يعني بعتقد أنه مش عملية مصالحة بقدر ما هي ضرورة قبول كل هالاختلافات والمشاهد المتنوعة اللي موجودة جواتنا كلنا.

أحمد الزين: يعني أنت بتكتبي كأنه أحياناً بتحسي هذا نوع من الدفاع عن نفسك؟ أو لتعوضي بعض الهشاشة اللي بتحسّي فيها؟

جمانة حداد:ما بعرف إذا دفاع. يمكن بحث أكتر. بحث أنه..

أحمد الزين: عن شو؟

جمانة حداد:عندي فضول. فضول تجاه ذاتي. بعتقد أنه شي صحي أن يكون عند الإنسان قبل ما يكون كاتب أن يكون عند الإنسان فضول تجاه ذاته. قبل كنت خاف. هلأ بحس أنه أكثر وأكثر عندي الشجاعة أني أفتح الأبواب المسكّرة وشوف شو في وراءها يعني.

أحمد الزين: بس أنت بتقولي في مطرح ما من كتاباتك ما بذكر يعني ربما بتقولي أنه يمكن الكتابة هي نوع من الانتحار وكذلك الشعر؟

جمانة حداد:صحيح لأنه أنت عم ترتمي..

أحمد الزين: بـ..؟

جمانة حداد:بكل عُريك بأحضان لغة يمكن تخونك، بأحضان كلمات يمكن ما تكون هي هاي الكلمات اللي أنت عم تفتش عنها، أو يمكن تعطي تعطي نتيجة مختلفة تماماً عن يلّي أنت كان بدك تقوله وأنت اللي عم تفتش عنه، بس في النهاية حتى ولو انتحار وحتى ولو خيانة الكتابة ككل نتيجتها أهم من النية اللي أنت كان عندك ياها وقت اللي بلشت تكتب.

نص بصوت جمانة حداد: أنا ليليت المرأة القدر، لا يتملّص ذكرٌ من قدري ولا يريد ذكرٌ أن يتملص، أنا المرأة القمران ليليت، لا يكتمل أسودهما إلا بأبيضهما، لأن طهارتي شرارةُ المجون، وتمنعي أول الاحتمال، أنا المرأة الجنة التي سقطت من الجنة، وأنا السقوط الجنة، أنا العذراء ليليت وجه الداعرة اللامرئي، الأم العشيقة والمرأة الرجل، الليل لأني النهار، والجهة اليمنى لأني الجهة اليسرى والجنوب لأني الشمال.

نص بصوت أحمد الزين: أنا ليليت المرأة الغابة، لم أعرف انتظاراً يرجى لكني عرفت الأسود وأصناف الوحوش الأصيلة، ألقّح جميع أنحائي لأصنع الحكاية، أجمع الأصوات في رحمي ليكتمل عدد العبيد، آكل جسدي لكي لا أعير بالجوع وأشرب مائي كي لا أشكو عطشاً، ضفائري طويلة من أجل الشتاء وحقائبي غير مسقوفة، لا يرويني شيءٌ ولا يشبعني شيء وأعود لأكون لبؤة الضائعين في الأرض.

أحمد الزين: بين جمانة وحداد ليليت حكايات وتماهي وتجسيد ووجوه عيش فمن هي ليليت؟ ليليت المرأة التي تحدثت عنها الأسطورة والمثولوجيا القديمة في آشور وبابل، هي التي رفضت الخضوع للرجل وسئمت الجنة وهربت، وحين استدعاها الرب للعودة رفضت فنفاها إلى ظلال الأرض وخلق أو جعل امرأةً أخرى هي حواء من ضلع آدم، تُرى إلى أي مدى حاضرة ليليت في حياة وسلوك جمانة حداد؟

أحمد الزين: خبرينا عن.. أنت أدّيش فيكِ من ليليت وأدّيش فيكِ من ضلع آدم؟

جمانة حداد:بالنسبة لليليت هي جزء مني، ولما اكتشفت قصتها لقيت كتير فيه هيك إذا بدك تماهي بيني وبينها بشغلتين أساسيتين، وذكرتهم أنت. أول شغلة هي رفض الخضوع الأعمى، مش بس للرجل، ليليت صاقبت أنها رفضت الخضوع بس يمكن لو كان غير الرجل كمان كانت رفضت الخضوع، وثاني شي هو السقم من الجنة، يعني من الأشياء الكاملة المريحة المبسطة.. اللي هيك يلي هي يعني..

أحمد الزين: جاهزة

جمانة حداد:جاهزة

أحمد الزين: الأشياء الجاهزة..

جمانة حداد:جاهزة للبسط يعني..

أحمد الزين: لا تسدعي عناء يعني شغل..

جمانة حداد:أيه فـ.. بهالناحيتين لقيت كتير

أحمد الزين: بتشبهك.

جمانة حداد:أني كتير أشبهها، فحبيت هيك أني أستولي على قصتها وأني جيبها لزمني لأني عجبتني قصتها كتير وأعدت كتابتها على طريقتي شعرياً.

أحمد الزين: طبعاً والجانب الآخر؟

جمانة حداد:أما بالنسبة للضلع تبع آدم، يعني أكيد أنا منّي امرأة من ضلع رجل، بمعنى بما يوحيه هذا التفسير من تبعية. ولكن بحترم كمان الرجل اللي فيي لأني أنا كأنثى مثل ما حكيت قبل شوي عن التناقضات اللي موجودة فينا أنا كأنثى فيي جزء ذكوري، وبعتني فيه، وبصغي له، وبحب وجوده فيي، لأنه مغني جداً.

أحمد الزين: بنرجع شوي لفكرة قصة النص والتمرد يعني، طبعاً النص العربي بشكل عام يعني هو نص ذكوري حتى لو كانت اللغة، اللغة أنثى يعني، حتى بحروفها بتلاقيها معظمها أنثى. يعني أنت شو عم تعملي بهالنص بس تكوني عم تكتبي؟ في عندك نوع من التحدي لشيء يعني؟ عم تتحدي نفسك عم تتحدي النص ذاته؟ عم تتحدي المنجز المحقق؟ مين عم تتحدي؟

جمانة حداد:أكيد مش المنجز بس بتحدى شغلتين أنا وعم بكتب، بتحدّى حالي وبتحدّى اللغة العربية يلّي اخترت أني أكتب فيها. كنت قبل أكتب بالفرنسي واخترت أني أرجع للغة العربية لسببين: أول شي لأنها لغة كتير حلوة، وثانياً لأنها لغة بتحتمل بعد تحديات، يعني بعد في كتير أشياء، بعد في كتير رهانات، أكان على صعيد الشكل أو على صعيد المضمون ما تحققه باللغة العربية، ومنشان هيك بتستفزني، ولكن ما عدا ذلك لما منحكي عن التمرد تمردي فطري وعفوي منّو تمرد مجّاني أو مقصود لحتى..

أحمد الزين: تقولي الشعر.

جمانة حداد:أني أقول أني أنا..

أحمد الزين: من أجل الاختلاف فقط.

جمانة حداد:ثائرة أو من أجل الاختلاف يعني.

أحمد الزين: نعم. طيب هذا التمرد اللي عم تحكي عنه هو له علاقة بالبيئة اللي عشتِ فيها شي بتقديرك؟

جمانة حداد:أنا كنت كتير..

أحمد الزين: أهلك؟ كذا مثلاً..

جمانة حداد:كنت كتير طفلة عاقلة مثل ما بيقولوا..

أحمد الزين: ياويلي عليكِ.[ضحك]

جمانة حداد:ما كنت.. يعني هالتمرد ما كان ظاهر لبرّه. كنت قضّي ثلاثة أرباع وقتي وأنا عم بقرأ وتربّيت في عيلة تقليدية جداً، ولكن هالحياة الأخرى يلّي هي غير الظاهر - إذا بدك - الهادئ، هالبنت يلّي بتقرأ وما بتلعب بلعب البنات كنت أرذل كتير الدمى وكل هالأشياء، هالظاهر كان من جوّى عم.. يعني مثل ما تقول بركان عم يتعذى بالقراءات اللي كنت عم بقرأها وأجا الوقت أنها.. أنها تتجلى يعني وأنها تتبلور.

أحمد الزين: حدا شجعك من الأهل؟ والدك مثلاً شو كان يعملوا لك؟

جمانة حداد:والدي هو بيشتغل في مجال الطباعة وبعتقد أن والدي شاعر من شعراء الحياة كتب بعض القصائد ولكن ما بلور تجربته ككاتب ولكن هو بروحه شاعر، وهو يلّي كان يغذيني بالكتب أكان بالكتب اللي كان يجيب لي إياها

أحمد الزين: من المطبعة

جمانة حداد:أو كان بالكتب يلّي كان عنده إياها في مكتبته يلي ما كان كانت مش متاحة لإلي ولكن كنت أسرقها وأقرأها لأنه هو كان مفكر بعقليته أن هالبنت عم تقرأ هالكتب اللي أنا عم جبلها ياهم وأنا عم جبلها كتب لعمرها ولكن كان ناسي أنه هو كل النهار بالشغل

أحمد الزين: وعم تقري له بكتب عمره هو..

جمانة حداد:وأنا عم بقرأ له بكتب عمره ويمكن حتى أكبر من عمره كانت يعني في أشياء قراءات مرعبة قريتها بعمر كتير صغير.

نص بصوت جمانة حداد: قالت: إن الحب يشبه القمار وأنها تخسر دائماً.

قالت: إنه عادةٌ سيئة لا تجرؤ على الشفاء منها.

قالت: إنها تخاف الضوء رغم أن الليل الذي بذلته ليس قليلاً تكتفي بوحدتها ولا تبالي بالصحبة.

لكنها تسقط من غيمتها كلما دلّها مطرٌ إلى أرضها.

أحمد الزين: طيب بالعودة للشعر جمانة بتقولي نحن الشعراء محاطون بأشباح يخاطبوننا سراً، يعني الشاعر أو الكاتب بشكل عام هو بتقديرك مهيأ لأن يخاطب من شيء غير محقق؟

جمانة حداد:دايماً دايماً مهيأ الكاتب عموماً أنا بحس أن الكاتب خشبة مسرح..

أحمد الزين: حدا بيجي بيلعب عليه؟

جمانة حداد:خشبة مسرح وفي عليها كتير أشخاص كتير شخصيات بده في سبوتات ضوّ بده يعرف يضوّي عليهم وكل مرة بعتقد في كتاب بحس أني عم ضوّي على إحدى هذه الشخصيات الموجودة فيي واللي هي أساساً موجودة مش مفتعلة مش بس أنا كنت بحاجة أني أفتش عليها لحتى لاقيها وكرمال هيك قلت لك أنه في عندي فضول تجاه ذاتي هو هالفضول تجاه الأشخاص اللي ساكنينّي يعني.

أحمد الزين: طيب جمانة لو أردنا هيك التحدث عن مصادرك الشعرية يعني من أين أتت؟ ومثل ما بنعرف أو مثل ما بتذكري دائماً أنت مش على ود مع القصيدة العربية التراثية على الأقل، يعني ما بتشكل نوع من الخزين الأساسي للغتك؟

جمانة حداد:لأ.

أحمد الزين: من وين هذه مصادرك الشعرية من أين أتت؟

جمانة حداد:هلأ قراءاتي الأساسية اللي خلتني أحب الشعر هي قراءات فرنسية بالدرجة الأولى، يعني شعراء الحداثة الفرنسيين خصوصاً السرياليين يعني حبيت كتير أوليار أراكو شار وبمرحلة لاحقة ميشو فكل الشعراء هودي هم شكلوا إذا بدّك مخزوني الأساسي، ومن بعدهم اكتشفت شعراء الحداثة العرب وحبيتهم كمان، شعراء مجلة شعر تحديداً أنسي الحاج ، الماغوط..

أحمد الزين: أدونيس.

جمانة حداد:يوسف الخال يعني بس شعراء إذا بدك التراث الشعر العربي ما..

أحمد الزين: ما عنى لك. يعني أي بيت شعر هيك له علاقة بمخاطبة الوجدان أو العقل أو العاطفة ما بيعمل نوع من الإيقاع ما بيحرك فيكِ شيء؟

جمانة حداد:لا. بتعرف عندي عندي يمكن بمعزل عن..

أحمد الزين: عندك مناعة؟

جمانة حداد:عندي مناعة وكمان بمعزل عن موضوع المناعة عندي بالرغم من جمال هالشعر هيدا، عندي انزعاج من موضوع الوزن والقافية، لأني دائماً بتخيّل أن الشاعر قاعد عم يكتب هو ومكبّل وبصير فكر أنه يمكن ما كان حط هالكلمة لو ما أنه مضطر أنها تكون آخرتها مثلاً يسير، أو كان يمكن كان حط كلمة ثانية أحلى بكتير، أو يمكن أنه مثل واحد قاعد حاطط ميزان وعم بشتغل، وعم قلّك منّا منّو قلة تقدير لهالشعر لأنه بعرف أديش حلو وبعرف أديش غني وبعرف أديش صعب، ولكن شعور بعدم الانتماء وبأني أنا بمحلّ آخر يعني.

أحمد الزين: صحيح.

نص بصوت جمانة حداد:

ضمّني إليك

كي إذا خسرت شدة قلبي تزوّدني شدة قلبك

كي إذا ذهبت جذوري عميقاً أكون في عهدة هاويتك

كي إذا أهدرت عمري أزداد بك أعماراً ولغات

ضمّني إليك

كي أصير عشبةً تؤرق الصخر

كي تصير صخرةً ليّنةً في ظل عشبة

كي يولد نهرٌ بيني وبينك فتفيض كل الأنهار

أحمد الزين: طيب هيدي اللغة العالية إذا سميناها اللغة.. لغة عربية عالية عندك يعني هيك اصّنص اللغة إذا صح القول، كيف تكوّنت يعني هاللغة؟ تسمحين لي أسميها مثلاً هي نتيجة نتيجة هذه القراءات المختلفة بلغات عديدة أنت يعني قمت بها؟

جمانة حداد:صحيح وبالعربية كمان هلأ صحيح أن قراءاتي الشعرية تحديداً كانت بالفرنسي ولكن مثل ما قلت لك كان بيي يمدّني بكتب متنوعة بالعربي وبالفرنسي، فهالشّي بعتقد هو كمان ناتج من عشق للغة، يعني أنا اللغة اللي بتعلمها بحب أني أتقنها بحبها، يعني وبحب أني أرجع أعطي فيها أقصى ما يمكن أن أعطيه، وبس أتعلم كلمة جديدة أو أكتشف كلمة جديدة عندي متعة وعندي سعادة وفي كلمات بحبهم وفي كلمات ما بحبهم بيزعجوني فهيك هي علاقة لها علاقة..

أحمد الزين: مثل الناس

جمانة حداد:أيه يعني هي على مستوى العلاقة تحديداً مع اللغة قبل ما تكون من وين أجت هاللغة العربية، أكيد هي نتاج كمان هاللقاحات يلّي أنا ملقحة فيهم يعني، كل لغة جديدة بتتعلمها تغني لغتك الأساسية كمان لأنه..

أحمد الزين: صحيح.

جمانة حداد:بتدلّك بتفتح لك آفاق وتراكيب وأفكار..

أحمد الزين: مش متوفرة..

جمانة حداد:مش متوفرة كانت بلغتك أو بقراءاتك على الأقل يمكن موجودة بلغتك بس ما وقعت..

أحمد الزين: أو بالقليلة عملت لك حافز هذه اللغات اللي..

جمانة حداد:صح أو لتروح لمحل ثاني مثل قفزة يعني

أحمد الزين: لتلعبي مع اللغة وأنت بتحبي اللعب مع اللغة.

جمانة حداد:أيه بحب ألعب مع اللغة صحيح.

أحمد الزين: وما بتحبي تلعبي مع الشعراء الآخرين؟ [ضحك]

جمانة حداد:لا. بحب ألعب مع اللغة أو مع نصي، بحب ألعب مع اللغة ومع نصي. لأ إجمالاً أنا علاقتي باللغة كتير هيك علاقة شخصية إذا بدك وذاتية وكتير حميمة وكتير هيك خاصة، وأنا وعم بكتب أوقات منكون عم نتخانق وأوقات منكون عم نغازل بعضنا.

أحمد الزين: مع..

جمانة حداد:مع اللغة.

أحمد الزين: النص؟

جمانة حداد:أيه أيه أيه.

أحمد الزين: تُرى هل من خاسرٍ حين يكون اللعب مع اللغةِ؟ أظن أنه لا خسارة ولا ربح ولا تعادل، هناك لعبٌ مستديمٌ مستمر، فهذا الخزين لا ينضب، وسحر اللغة دائماً هو غاوٍ، جمانة حداد دفعها الشغف بالآخر بمعرفته بمرآته تحديداً، بلغته، بثقافته، دفعها فضولها لمعرفة لغات الآخرين وهذا يقود إلى معرفة حضارات وثقافاتٍ وسلوك عيش وتفكيرٍ ورؤى في الفرنسية والإسبانية والإنجليزية والإيطالية والألمانية حين تجتمع في عقل واحد أو لسانٍ واحد ستكوّن أو تختزل جملةً جديدة واستخدامات غير متوقعة وتفتح على آفاقٍ في لعبة الشعر والكتابة. ولكن هل السبب هو فقط لفضول في المعرفة؟ أم أن هناك سببٌ أخر غامض؟

جمانة حداد:بعتقد أن السبب مش واحد السبب في كل شي نعمله دايماً بيكون متعدد، إذا بدي أقعد أفكر بالأسباب ومفكرة فيهم قبل بعتقد أنه بالدرجة الأولى إذا بدي أرجع للخلية هو طمع.

أحمد الزين: طمع.

جمانة حداد:طمع.

جمانة حداد:أنت طمّيعة؟

جمانة حداد:أنا طمّيعة.

أحمد الزين: بكل شي؟

جمانة حداد:طميعة طميعة بالحياة طميعة بالأدب طميعة بكل شيء هذا جزء من طبعي طميعة ومش صبورة يعني

أحمد الزين: وبالحب طميعة كمان؟

جمانة حداد:كتير بالحب، أساساً يلّي مش طميع بيكون مش خرج يحب.

أحمد الزين: لازم يشوف حكيم.

جمانة حداد:لازم يشوف حكيم. فهالطمع هو إذا بدك يعني حافز صاقبت هالطمع بينصب على أشياء معينة، من بين الأشياء اللي بينصبّ عليها بينصبّ على اللغات لأنه عندي شغف بالآخر. عندي كمان رغبة بقراءة الأشخاص اللي بحبهم إن كان بلغاتهم الأصلية، عندي ولع باللغة كلغة ولع ألسني يعني ولع على المستوى أيه أن اللغات كيف تركبت.

جمانة حداد: علاقتي بالتاريخ كثير ذاتية بمعنى أنه ما بشوفوه إلا من منظار الحيوات السابقة اللي بعرف أني عشتها، واللي بحس فيها من جوا بالغريزة أكثر ما هي باللمس، يعني وكمان ببعض آثار شخصيات كنتها وأشخاص سكنتهم ولهم علاقة بأزمنة سيحقة جداً.

أحمد الزين: يعني أنت عم تحكي بالمفهوم العلمي يعني تؤمني بنوع أنه أنت مثلاً كنت عايشه حيوات سابقة أو بالمجاز أنه أنت وريثة أو حفيدة تلك الأجيال التي عبرت؟

جمانة حداد: لا مش بالمجاز أبداً، عم بحكي أني أنا أؤمن بالتقمص نعم بالنسبة لي كل حياة هي يعني فصل من مجموعة فصول.

أحمد الزين: جمانة حداد تبدأ من تماهي وتنتهي إلى آخر، تفتح باباً وتغلق باباً وأبوابها تفضي إلى الأعمق والداخل، تدخل وتخرج من نفسها من الآخرين من نصٍ إلى نصٍ من صورةٍ إلى صورة صاخبةً حيناً عنيفة وحادة، وحيناً هادئة ساكنة وخافتة، وتقول مثلاً عن شعراء انتحروا "المنتحر هو ضيفٌ مرتبك وصل متأخراً إلى الحياة ومبكراً إلى الموت". تُرى كيف انتبهت جمانة إلى هؤلاء الضيوف؟ هؤلاء الضيوف العابرين على عجلٍ. وما الذي بينها وبين هؤلاء الذين لم ينتظروا طويلاً بل كتبوا ورحلوا فوثقت للبعض منهم وكتبت للنساء مرايا العابرات في المنام. كيف انتبهتي جمانة إلى هذه الغيابات أو إلى هؤلاء الضيوف الذين جاؤوا أو غادروا على عجلٍ؟ هل هناك شيء عميق بيربطك فيهم هي الضيوف اللي تعرفنا عليهم بالكتب؟

جمانة حداد: جداً، أحس أحياناً أنهم أطفال لي، وهيك كنت عم أحس أنا وعم أعمل الكتاب انتبهت لهم أعتقد غير موضوع ستي اللي هي شعلت فتيل فكرة الانتحار، يعني هي الموضوع.. ولكن السبب الآخر كان مصادفة مثل أعتقد أجمل شي بيصير معنا بحياتنا يكون بسببه المصادفة، هو أني اكتشفت أنا وعم بعمل سلسة ترجمات للملحق الثقافي بجريدة النهار لشعراء أحبهم أعتبرهم شعرائي، اكتشفت أنا وأحضر المقدمات أن معظمهم شعراء منتحرين، تعجبت وقلت من بعد ليليت كنت حابة أخذ فرصة لأنها كانت كثير مهيمنة ليليت عليّ، قلت بشتغل هالموضوع وكانت الفكرة بدايةً ثلاثة وثلاثين شاعر، يعني ما فكرت أني ممكن أوصل لهالعدد، وصلت يعني كل باب يفتح على باب صار مثل متاهة شعراء منتحرين حتى وصلت لـ150 شاعر وتحققت الانثولوجيا، وأنا عم اشتغل..

أحمد الزين: خلال قرن تقريباً مئة سنة بس..

جمانة حداد: أنا اخترت القرن العشرين بس حطيت في آخر الانثولوجيا ليستا باللي قبل وليستا بكتّاب وليستا بفنانين..

أحمد الزين: قلال العرب فيهم بس؟

جمانة حداد: أيه قلال العرب 15 شاعر عربي..

أحمد الزين: فيه أسباب.. طبعاً أسباب عديدة للعرب شي ديني شي آخر، أنتِ سميته بالكتاب هو مش يعني هذا بيتهم لهؤلاء..

جمانة حداد: صح بيتهم.. بيتهم إذا بدك هيكي حسيت أني عم بفرش وأني عم قعدهم في كل واحد له زاوية وهيك، أنا بيناتهم هيك كنت عم بتخيل حالي كل الوقت، كان صعب. كان مشوار صعب ولكن هلأ بس اطلع لوراء بحس بسعادة أني مشيت هالطريق.

أحمد الزين: ما خوفك هذا المشروع؟

جمانة حداد: لا بدايةً ما كنت خايفة يعني مستغرب هالموضوع..

أحمد الزين: عم نحكي شي نفسي يعني الواحد إذا يلاحق.. كأنه واحد عم يلاحق راكض وراء الموت، إذا بتسمحي لي أقول هيك أنت بتخافي مثلاً؟

جمانة حداد: أنا ما بخاف من الموت وهالكتاب قواني أكثر، ولكن تعبت مش قبل ما أعمله ما كنت خايفة بس تعبت أنا وعم أعمله.

أحمد الزين: طيب أنت على المستوى الشخصي شي مرة فكرتي ممكن الواحد ينتحر؟

جمانة حداد: صحيح أني حساسة كثير وهشه وعندي نقاط ضعف ولكن أنا لا أفكر بالانتحار، ومش عم أقولها كإدانة بالعكس أنا معجبة فيهم أنهم أخذوا القرار وأفهمهم، ولكن منّي.. أنا بحب الحياة..

أحمد الزين: نعم، طبعاً الانتحار فيه جانب عنف مثلاً فيه مرآة ريتيكا..

جمانة حداد: نعم شاعرة هندية انتحرت بالسكين..

أحمد الزين: وهيك حاطة صورة، حاطة دعاية لصورة أن السكاكين الأكثر اللي بتقطع بشكل سريع، يعني تقولي: أداعب رغبة الشرايين ناتئةً.. شرايين معصم كمثل غفراناً ممنوح سلفاً.. أختصر أنا طبعاً مش عم أقلها كلها.. من أجلها أخلع أساوري وأداعب رغبة الشرايين، كيف تبرري مديح العنف؟

جمانة حداد: أبرره لأني أنا عنيفة يعني أنا صحيح ما قلت لك أني ما عندي ميول انتحارية، ولكن أنا أنتحر أنا وعايشة، وعنيفة تجاه نفسي وتجاه روحي منّي شخص مسالم، ما بعرف إذا بدي أقول للأسف أو لحسن الحظ بس منّي شخص مسالم، وأعتقد أن الشغوفين دايماً هيك. يعني أنا نارية مؤذية تجاه نفسي قبل ما أكون مؤذية تجاه الآخر وأفهم العنف، بينما الأشياء اللي هيك الهادئة لا أفهمها ولا أتحملّها يعني طبعي ما بيقدر يتفهم الأشياء الهادئة..

أحمد الزين: هذه السكونية الاستكانة الدائمة يعني..

جمانة حداد: على طول هيك فيه بحر هائج، فمن شان هيك بفهم كنت عم بقدر اتخيلهم كل واحدة لوحدها كيف وصلوا لهون، وبأي حب وبأي رغبة وبأي متعة يمكن.

أحمد الزين: مرآة أخرى مرآة مارينا هاي شاعرة روسية انتحرت شنقاً، "أتأمل جثتي الممددة فأجدني للمرة الأولى جميلة، ممددة شاحبة وجميلة كجرحٍ في الاسطورة". تقولي: الانتحار يعبر عن رومانطقية خاسرة وفروسية مؤجلة، بتقديرك هو كمان مش خيانة لفكرة الحياة الممنوحة للإنسان؟

جمانة حداد: ليكن، أنا منّي ضد الخيانات، ولكن بدي قلك شغلة دايماً كنت عم أحسها أنا وعم بشتغل على الشعراء أن الفرق يمكن بيننا وبينهم، أنه نحنا عنا استعداد أن ننطر، هم حبوا يفتحوا الباب ويفلوا، نحنا ننطر حدا يفتح لنا الباب، ننطر هذا الذي أسمه موت يعني طبيعي. ولكن هم قرروا أنه هلأ يروحوا لمحل ثاني بتعرف لأنه أنا أؤمن أنه فيه محل ثاني وفيه حياة أخرى..

أحمد الزين: فروسية مؤجلة..

جمانة حداد: فروسية مؤجلة لهذه الحياة الأخرى رايحين يمارسوها هنيك، فمشان هيك أحس أن الفرق الوحيد بيننا وبينهم أنهم قرروا يفلوا على بكير.

أحمد الزين: تبدأ الحياة هنا سيان تكونين في رحمٍ أو تحت التراب.. سوف تمشين طريقك وسوف يتبعك الطريق.. مفتاحكي ضيعكي في الليل هو المفتاح ضائع منذ قبل أن يودع يديك.. سيناديك الضائع ولم يعثر ولن تعثري.. غالباً حينما تكتب جمانة حداد ترسم أو تضع مشروعاً لكتابٍ ما أو لديوان، فلكل ديوان موضوع أو فكرة والقصائد تدور في فلكٍ واحد أو موضوع واحد كالمرايا العابرات في المنام مثلاً أو ليليت أو عودة ليليت، بالطبع هنالك قصائد متفرقة لا يربط بينها موضوع أو فعل أو فكرة، ولكن على ما يبدو تنهج جمانة حداد هذا النهج في الكتابة بشكل عام.

جمانة حداد: لقيت حالي يعني بالمراحل يعني إذا بدك الست السبع سنوات الأخيرة بالكتابة أنه عندي رغبة أنه كتاب الشعر يكون.. عندي حاجة أن كتاب الشعر يكون بالنسبة لي مشروع، يعني أنا ما بكتب قصايد وبرجع بجمعهم وبطلع ديوان، حتى إذا بدك فيه مشروع.. يعني هلأ أنا عم اشتغل كتاب جديد عندي مشروع تقريباً مفصل مثل ما تقول روائي محضر..

أحمد الزين: يعني أنت بتشتغلي مثل الروائيين..

جمانة حداد: بعدين ببلش أحفر وببلش أكتب وبلش.. إيه بشتغل مثل الروائي مشروع منّه رواية أكيد هو شعر، ولكن هو هيك عالم متكامل موجود بقلب كتاب، وحسيّت أني رحت فيه للآخر.. من الأول للآخر، أقله قدرتي أنا يعني أديش أنا كنت قادرة أعطي فيه أعطيتها للآخر.

أحمد الزين: ووقت اللي ينجز العمل بتحسي بنوع من التوازن؟

جمانة حداد: أحس بمتعة المنجز، عندي هيك.. وكثير الأشياء العالقة تتعبني، كثير هيك وتقض لي مضاجعي أحياناً يعني الأشياء، ومن شان هيك عملية الكتابة عندي كثير متعبة أكان البداية، بالبداية بحسّ على طول رغبة أني بدي أهرب..

أحمد الزين: من الكتابة..

جمانة حداد: أيه بدي أهرب أنه أول ما بكون مبلشة، بالنص ما بعود أهرب بحس حالي أني علقت بس علقت بشي عالي شي غير منجز بده بعد.. بده بعد.. بده بعد وهالشي هو أصعب شي، والختام اللي هو قرار أنك تتخلى خلاص لأنه مثل ما بقول بول فاري ولا مرة بتخلص قصيدة نتخلى عنها.

أحمد الزين: هناك أيضاً بشغلك عندك حس درامي رفيع، يعني على شكل الكتابة في حواريات في محلات في كورس ينشد في.. كيف تكّون هذا.. يعني هذا لحاله يأتي من مناخات الكتابة أم أيضاً ممكن الكاتب يتقصد بقصيدته يعمل حوارية أو يعطي الكلام على لسان كورس مجموعات؟

جمانة حداد: هلأ هو جايه من محلين يمكن أول شي من اعتقادي بأنه نحن خشبة مسرح وأنه أنا كشاعرة بهالكتب عم خلي الشخصيات اللي فيها أنها تحكي، ولما بدها تحكي أكيد بده يكون في مجموعة أصوات، ثاني شي السبب الثاني هو إيماني أنه أكثر وأكثر أنه فيه علاقة كثير وثيقة بين المسرح والشعر، يعني مثل ما الإنسان خشبة مسرح القصيدة كمان بالنسبة لي مسرحية، يعني من شان هيك فيه البعد الدرامي عندي اللي هو منّه بالضرورة غنائي أحياناً يكون ذهني كامل ولكن فيه درامية، يعني فيه أشخاص بدهم يحكوا وفي أنا أصواتي أحياناً بكون أنا الشخص الآخر وأحياناً بدي أكون نفسي وأحياناً بدي أكون شخص ثالث، وأحياناً أكون جزء من مجموعة، فكل العناصر هيدي هي اللي بتخلي الكتاب يكون شعر إذا بدك ذي بعد هيكِ مسرحي، بس مش المسرح بمعناه الخارجي المباشر لأ المسرح بمعناه الداخلي يعني هيك الأعمق...

أحمد الزين: يعني ما لا يرى في القصيدة

جمانة حداد: صح، الطبقات إذا بدك، الطبقات كلها نوع من تأشير للطبقات.

جمانة حداد: أنا ليليت العائدة من سجن النسيان الأبيض.. لبؤة السيد وإلهة الليلين.. أجمع مالا يُجمع في كأس وأشربه لأني الكاهنة والهيكل.. لا أترك ثمالة لأحد كي لا يُظن ارتويت.. أتجامع وأتكاثر بذاتي لأصنع شعباً من ذريتي.. ثم أقتل عشاقي كي أفسح للذين لم يعرفوني.

أحمد الزين: طيب إذا بدنا نرجع نحكي كمان عن الجرأة بكل شغلك فيه جرأة طبعاً وفيه تحدي وفي.. في الذهاب إلى البعيد في البوح، يعني من أين تأتي هذه الجرأة في البوح؟ البوح في كل شيء يعني على مستوى الجنس على مستوى الموت على مستوى..

جمانة حداد: أنا أعتبره منطلق مش هدف، يعني موجود ورايي أنا وعم بكتب وإلا ما كنت بكتب، كل إنسان لما يكون عم يكتب لازم يعرف أنه قادر يكتب كل شي بده يقوله، إذا ما كان هالشي يكون شي تاني، ولكن إنه قادر يروح لآخر إذا بدك خط موجود أو حتى ما فيه خط مافي أفق مافي حدود وإلا ما يكتب، يعني هون الجرأة أو ما يسمى بجرأة منّه شيء هدف بحد ذاته هو شيء له علاقة بشخصيتي بلغتي بالشي اللي أنا بقوله شعرياً وعم أقوله.

أحمد الزين: بتحسي فيكي تقولي كل اللي بتفكري فيه؟

جمانة حداد: بحاول أكيد بعد في كتير أشياء بفكر فيها ما بقولها لأني بخاف أقولها ولكن.. بخاف من حالي وبخاف على غيري، ولكن دايماً أحارب هالشي اللي فيّ لأنه بحس إنه الشي اللي عم فكر فيه وخرج إنه ينقال لازم قوله لازم أوصل لمرحلة إنه..

أحمد الزين: يعني ما عندك حدود أو جدار أو سقف متل ما بيسموه سقف يعني..

جمانة حداد: سقف اللي هو إله علاقة بالرقابة أو التابوه لا أرفضه نهائياً بالكتابة، أنا دائماً أحس.. وأقولها إني بدي أمد يدي لتطال أعلى غيمة حرية موجودة أنا وعم بكتب وإلا أساساً لا أكتب، يكفي الرقيب الموجود فينا واللي هو عدونا الحقيقي، حتى نفكر كمان بهالرقيب الخارجي اللي بقولنا ما تحكي بالجنس لأنه عيب، أو ما تحكوا بالجنس لأنك امرأة الرجل معلش بس أنتِ لأ، أو ما تحكي بالدين لأنه أوعى أو ما تحكوا بكل هالمواضيع اللي هي بتشكّل..

أحمد الزين: ما تفكروا يعني.. ما تشغلوا عقلكن..

جمانة حداد: إذا أنا بدي فكر بهودي كلهن أنا وعم بكتب ما بكتب..

أحمد الزين: ما بتكتبي صح. جمانة حداد في سيرة موجزة هي شاعرة ومترجمة وصحافية، ولدت سنة 1970 جنوبية المنبت، تعمل مسؤولة عن الصفحة الثقافية في جريدة النهار منذ عام 97، كتبت وترجمت أعمالاً كثيرة في الشعر والمسرح والرواية من لغات وإلى لغات عديدة، ولها في الشعر مثلاً "دعوة إلى عشاء سري" "يدان إلى الهاوية" "لم أرتكب ما يكفي" "عودة ليليت" "النمرة المخبوءة عند مسقط الكتفين" "عادات سيئة" و"مرايا العابرات في المنام". هذا إضافة إلى ترجماتها وكتابها الذي بعنوان: "سيجيء الموت وستكون له عيناك". وهو عن 150 شاعراً قد انتحروا في القرن العشرين، ولها أيضاً أنطولوجيا الشعر اللبناني وكتاب آخر بعنوان "صحبة لصوص النار" التي نالت عليه جائزة الصحافة العربية، ترى هو السؤال دائماً الذي يكرر نفسه عندما يكون الشاعر في موقع صحفي إلى أي مدى يفيد ويستفيد؟ وإلى أي مدى يكون عادلاً في تقييمه للآخرين للكتّاب أو للقصيدة؟ وأي معايير يَتَّبِعُها أو يَتْبَعُها في تقييمه؟

جمانة حداد: الشاعر ما بيقدر يستفيد من الصحافة غير إنه بمعزل عن موضوع إنه تشكّل منبر ولكن هلأ المنابر صارت كلها مفتوحة، الشاعر كتجربة..

أحمد الزين: في كاتب آخر بيستفيد يعني..

جمانة حداد: لا الشاعر بحد ذاته يعني قصدي التجربة الصحافية لا تغني التجربة الشعرية، ولكن أنك تكون شاعر تغني تجربتك الصحافية وتغني مفروض أنها تغني لغتك الصحافية وكتابتك الصحافية، يعني تؤثر إيجاباً يعني أنا..

أحمد الزين: يعني أنتي بتفيدي بالجريدة أكتر ما بتستفيدي..

جمانة حداد: أنا لا أسمح للجريدة أو للصحافية لما تكون عم تشتغل أنها تؤثر على شعرها وهي عم تكتب، بس العكس دايماً أسمح، يعني أسمح للشاعرة أنها تتدخل بالصحافية تقولها هون هيك هون هيك هون هيك، ولكن الصحافة لا تغني الشاعر أبداً.

بعدني بحلم ببيت آخر بيت على البحر بحب يكون عندي بيت على البحر على البحر بلا مزح يعني.. مش أنه بيطل على البحر على الموجة إني أقدر أسمع..

أحمد الزين: يعني بتقعدي على الشرفة وبتحطي رجليكي بالمي..

جمانة حداد: يمكن لهالدرجة كتير بحب..

أحمد الزين: ويبدو عندك بيت آخر بالقرية حلو كتير، بتحبي هدا أكتر ولا هداك البيت..

جمانة حداد: تنيناتهن هداك البيت بتلهف إطلع عليه أنا وزوجي لأنه هيك يكون نوع من ملاذ إذا بدك، وأعيش فيه شخصية أخرى لها علاقة فيي وما بتتجلى هون مالها محل، وبهيدا البيت يعني طبعاً كمان في إطار حياتي مع ولادي وشغلي بغرفة مكتبي وكل الطقوس اليومية اللي أعيشها، يعني تنيناتهن كل واحد عنده دوره.. ماذا تعني أم بكل معنى الكلمة؟

أحمد الزين: طيب، على سيرة ولادك انتي بتحسي حالك أم بكل معنى الكلمة يعني هيدي الأمومة اللي عندك بتتجلى بأفعال؟

جمانة حداد: شو يعني أم بكل معنى الكلمة؟ أنا دايماً بسأل حالي هالسؤال لأنه أعيش بعقدة ذنب.. أعيش بعقدة ذنب تجاه ولادي اللي هنه منير وأنسة، لأنه من ناحية ربينا مع فكرة عن الأم.. أنا أمي تقليدية يعني ربة بيت، شغلتها كانت تهتم فينا تربينا تطعمينا تطبخ لنا تودّينا على المدرسة، أنا هودي كلهن ما بعملهن لولادي.. إنه ما بلاقي حالي بهالمطرح وكرمال هيك يمكن عندي عقدة الذنب، وكرمال هيك عندي نقطة الاستفهام. بس من ناحية تانية أكيد أنا أم بكل معنى الكلمة لأنه بحب ولادي بشكل مرعب..

أحمد الزين: على طريقتك..

جمانة حداد: بحبهن على كل الطرق يعني مش بس على طريقتي على طريقة الأم يعني بحبهن بعدين..

أحمد الزين: ممكن تقتلي مشانهن؟

جمانة حداد: ممكن أقتل من شانهن إيه مشان هيك حكيت معك يمكن هديك المرة بهالموضوع، إنه السبب الوحيد اللي بيحول دون إدانتي لعقوبة الإعدام، وهالشي اللي يستنكره كتير ناس من أصدقائي، هو إني إذا أنا حدا أذى لي ولادي ممكن أقتله بيديي، وممكن إني إفهم إنه ما أتمنى له إلا عقوبة الإعدام، فكيف بدي أتحمل هالازدواجية؟ إني اقبلها لغيري وما أقبلها على ذاتي. فبحب ولادي كتير بفرجيهن وبعبر لهن كتير عن هالحب أنا أمي كتير يعني..

أحمد الزين: معطاءة بتعطي حنان يعني....

جمانة حداد: إيه بعبر لهن.. كتير، يعني بتعرف فيه أهل بحبوا بس ما بيبينوا، أنا من النوع اللي كتير بحب يعني بصيروا يقولولي خلص..

أحمد الزين: بتدفئي عليهن يعني..

جمانة حداد: وهالشي كمان بيعطيني سعادة، وتالت شي أنا مسؤولة عنهن يعني كمان أنا مسؤولة عن ولادي تماماً مادياً ومعنوياً وهيك، وهالشي بعتقد أنا في أم بكل معنى الكلمة، طبعاً بتبقى تفاصيل العناية اليومية اللي هي أكيد بحترمها وبقدرها عند الأمهات اللي بيعملوها، وكتير بقدر الأم اللي هي عاطية كل وقتها لأولادها ولكن أنا بمحل آخر.

أحمد الزين: أنتي بتحزني كتير؟

جمانة حداد: بحزن..

أحمد الزين: بتبكي؟

جمانة حداد: ببكي..

أحمد الزين: على شو بكيتي وعلى شو ممكن تبكي؟

جمانة حداد: ممكن أبكي على أشياء كتير ببكي كتير بسهولة، بس هيدا الشي ما بيعني إني ببكي بسهولة يعني ببكي على أشياء بلا طعمة، ممكن أبكي أكتر شي ببكيني هو مشهد ولد عم يتعذب، الأولاد اللي ألتقي فيهن أنا ورايحة على الطريق عم يشحدوا يبكوني، فكرة الولاد اللي عم يتعرضوا لانتهاكات من أي نوع، فكرة الأولاد اللي عم يجوعوا يعني بحس إنه يمكن خلال سنوات حلمي إني أعمل شي مؤسسة صغيرة لها علاقة بالطفل يعني اللي يتعرض لعنف العنف بكل أشكاله، يبكيني كمان أشياء موجودة فيّ وغير قابلة للتفسير، يبكيني فيلم مؤثر أحضره أنا وأولادي لدرجة إنه أفلام ديزني ممكن إني إبكي عليها وبقولي ابني الصغير بيعملي هيك على يدي بالسينما وبقولي مامي هيدا فيلم بكون أنا عم بشهق..

أحمد الزين: بصير هو بيّك..

جمانة حداد: بصير هو بيي فإي ببكي.. الحياة لا تكفي لكي أقول حييت، لكي حقاً أحيا ينبغي لي قبلاً أن أموت.. نعم ينبغي لي أن أموت يوماً لكي تتحقق فيّ حياتي.. كل حياة هل هي سوى موت يقهق في مرآة؟ لا تزغردن يا مزغردات، ولا ترتدين أبيض العرس لست أُولَد لأُولَدَ إنما أنا فقط لأموت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق