2008-07-28

روافد مع االروائية سمر يزبك

إعداد وتقديم

أحمد علي الزين: سمر. أنت جريئة وصريحة بالبوح والكلام مثل ما أنت جريئة وصريحة بأعمالك الروائية؟

سمر يزبك: بعتقد.

أحمد علي الزين: أكيد؟

سمر يزبك: آه طبعاً الحياة بدها.

أحمد علي الزين: بدها شو؟

سمر يزبك: بدها جرأة وبدها حرية كتير، شجاعة طبعاً. الشجاعة كتير مهمة بالدنيا. شوف الشجاعة هي بتغيّر الحياة، يعني شوف حركة التاريخ لها علاقة بأفراد شجعان.

أحمد علي الزين: وعم تقدري تمارسي شجاعتك وحريتك كما ينبغي أو كما تشتهين؟

سمر يزبك: غالباً عم بقدر. غالباً.

أحمد علي الزين: هذه السيدة اختارت كما تقول طريقةً في العيش أو طريقةً في الحياة، قفزت فوق السور أو حطّمته وشردت في بريتها المشتهاة. غردت خارج السرب وحلقت وحيدةً أو مع بعض صحبةٍ أحياناً. والذي يغرد خارج السرب يستطيع أن يراه كاملاً وبشكلٍ أوضح، ويصبح أكثر حريةً في مقاربة الأشياء وأكثر قدرةً على مشاهدتها. فالخروج من عباءة العائلة أو القبيلة أو الطائفة قد يسمح في المعاينة الدقيقة دون تشويش ويسمح في القراءة المحايدة دون مسايرة أو تلطيف أو تردد، وعلى الأقل يسمح في الاختيار. قد يكون ذلك نوعاً من الاحتجاج أو التمرد على ما هو قائمٌ وساكنٌ وأبديٌّ ونهائي، أو هو خيار كما تقول ولا بد من ثمنٍ لهذا الخيار، ولا بد من الشجاعة في البدء لكسر القفل وفتح الأبواب والخروج إلى الشمس إلى البرية ليشعر الإنسان بخفته وبامتلائه بالنقاء وبالحب وبالأمل.

سمر يزبك: هلأ أنا بحقيقة الأمر أتمنى أنه لو ما كنت أبداً لا متمردة ولا أحتج وأن أعيش في سلام تام. بس لما بتعيش في واقع سكوني تام، واقع أنا أسميه يعيش بمرجعات سلفية وماضوية، فأنت رد فعلك الطبيعي مثل رد فعلك لما بدك تتنفس لتعيش، بدك تقاوم هذا المجتمع السكوني. فتقاومه باحتجاجك عليه. يعني فكرة الاحتجاج ليست قائمة من أجل الاحتجاج فقط أو التمرد، ما بعتقد أي شخص يحب أن يعيش وهو ما عم يجيب السعادة للضفة تبع حياته، أكيد أي إنسان..

أحمد علي الزين: بدّو يدفع الثمن يعني؟

سمر يزبك: أكيد أي إنسان بيحب يعيش ضمن هاي المنظومة المعروفة من الاسترخاء أو فضيلة الإنسان اللي بسميه أنا الكسل، الكسل الجميل.

أحمد علي الزين: مثل ما ذكرت أن هيدي طريقة عيش، أنت من عائلة ميسورة وغنية إلى حدٍّ ما، ما بعرف أدّيش ومحافظة يعني ومدللة على ما يبدو كنتِ، طيب ليش..؟ ما بتسألي حالك ليش اخترت أنا هذه الطريقة في العيش؟

سمر يزبك: بتشبهني. هاي الطريقة في العيش بتشبهني. وبتشبه رؤيتي للحياة المختلفة قليلاً عن أي رؤية لها علاقة بانتماء لولاء ما، سواء كان هذا الولاء عائلي ولاّ طائفي ولاّ حتى..

أحمد علي الزين: حزبي.

سمر يزبك: حزبي سياسي. أي ولاء محدود أنا ضده. لأنه في شي ممكن يكون بيشبهك فيه، وشي ما بيشبهك. بس غالباً الانتماءات اللي عم تكون في العالم العربي عنا هي انتماءات لها علاقة بنوع من العصبية القبلية، بين قوسين "العائلية" و"الطائفية" و"الدينية" ووو..إلى آخره. وأنا أشعر أني إنسان موجود في هذا الكون أنا شخصيتي بتحدد وجودي وبتحدد استقلاليتي. لذلك كنت دائماً أحاول أوجد هوية لوحدي أو أعيش بطريقتي فعلاً.

أحمد علي الزين: طالما عم تحكي عن قصة القبيلة أو الأهل والعشيرة والطائفة يعني مجموعة عناصر مجموعة عناصر هيك تضافرت بحياتك بالصدف يعني فتحت لك طرق أمامك أن تكوني من الناس من النساء النافذات في المجتمع؟

سمر يزبك: هلأ أنا بشوف حالي نافذة بطريقتي. يعني هو المشكلة أنت الإنسان وين شايف نفسه نافذ؟ يعني نحن النفوذ عنا مأخوذ بطريقة أنك تكون صاحب سطوة، وهاي السطوة مقترنة بعالم بعيد عن عالم الأفكار وعالم الثقافة. أنا أرى بنفسي امرأة صاحبة نفوذ بقلمي وبطريقتي وبالحياة اللي بعيشها، بالطريقة اللي اللي عم قدّم فيها المجتمع أو عم عيد فيها كتابة التاريخ والحياة، أنا فعلاً بشوف حالي امرأة نافذة.

كنت فراشة، أرتدي ثوباً طويلاً مزركشاً بألوان حمراء وزرقاء، أرقص وسط دائرةٍ من النار أتمتم: أخيراً أنصفتني لأرقص، يضحك صوتاً مثل هدير ويقول: تستطيعين الرقص بكل الحالات حتى لو كنت حجراً أصم، جناحاي مرسومان بخطوط بنفسجية دقيقة، الرسوم على الجناحين تحمل شكل حروفٍ مزخرفة وتشكّل جملةً، الرقص جهةٌ خامسةٌ نسيها الجغرافيون عندما حددوا الأرض، جملةٌ أخرى بجانب رسمٍ لديكارت الذي يضع إصبعاً على رأسه: أنا أرقص إذن أنا موجود. جملةٌ على الجناح الآخر: كل حركةٍ للجسد هي فعلاً منعكسٌ لعضلة القلب، الرقص هو التعبير الأول للكائن البشري، أصفق بجناحي تختفي الألوان والأضواء أدخل كهفاً مظلماً أرى على جدرانه رسوماً لكائنات تسبح في الفضاء، كائنات تتحرك برقصٍ مجنون أقترب من الرسوم فيقطر الكهف ماءً ويتمزق جناحاي، ويسيل لونٌ بنفسجيٌ في أخدود الكهف، أقف على جدار الرسوم وأحتمي به، رأيت هذا المكان من قبل لا بد أني أحلم فأصرخ "أنا سيدة الرقص".

أحمد علي الزين: سمر يزبك، حين حطّمت السور حملت معها شقاء مجتمعٍ لم تخفف من أحمالها للتحليق بعيداً بعيداً بل لتحوم فوق المدن والقرى لتروي وتحدثنا عن آلامٍ وأحلام. من خلال ما كتبت و خاصة في "الصلصال" و"رائحة القرفة" تبدو سمر يزبك مسكونة بأحوال المجتمع وشقائه وآلامه وأحزانه. فلقد دخلت إلى الحجرات السرية وروت عن التصدع الإنساني، عن أحوال اغتصابٍ وخرابٍ ووحشيةٍ وكشفت عن الخفي الذي يدور خلف الجدران أو في الحارات في أحزمة البؤس وفي قصور النافذين، تُرى كيف دخلت سمر إلى تلك العوالم؟ إلى تلك الحجرات وكيف نفذت برائحة القرفة وبصلصالها؟

سمر يزبك: هلأ في مسألة مهمة كتير أنه أنا بدأت الكتابة مثل أغلب الكتاب والمثقفين في العالم العربي من منطقة سياسية الحقيقة. يعني هو علاقة الأدب بالحياة هي علاقة كانت تعرية وكشف ووو.. إلى آخره من المصطلحات. بدأت من ذاك المكان. بعدين أنا حسيت أن هذا المكان يخرب الأدب كثيراً ثم قليلاً ثم كثيراً يعني بدرجات متفاوتة..

أحمد علي الزين: عملية الإسقاط الأيديولوجي.

سمر يزبك: تماماً. بس الحقيقة أنا بقيت ضمن هاي الروح اللي عايشة فيها أنه رغم أن علاقتي بالكتابة هي علاقة حياة كتير. يعني أنا لما ما بكون عندي نصّ ما بحسّ حالي أنا شخص بعيش، بعيش داخل نصي أكثر ما بعيش في الواقع، هاي جزء من متعتي بالكتابة. بس تحديداً فكرة علاقتي مع أو حساسيتي بالواقع أشعر أني أنا معنية كتير بكشف ما لا يقال عنه، وفيه فكرة مهمة كتير أن الأدب يقول دائماً أشياء تتكرر. أنا بعتقد عنا في المجتمع العربي وليس في المجتمع السوري فقط، في المجتمع العربي كله فيه خوف من الاقتراب من أماكن ما.

أحمد علي الزين: تسمى خطوط حمر.

سمر يزبك: تسمى خطوط حمر وصارت هاي الخطوط الحمر صارت كليشة كتير قديمة وبعتقد أحنا بحاجة لنغيّر هاي المفردات تبعنا، ما عاد فيه خطوط حمر في الحياة لسبب بسيط..

أحمد علي الزين: هو بالأساس ما في خطوط حمر.

سمر يزبك: لأ هو بالأساس. بس في سبب مهم كتير بيخلينا نقول أن مجتمعاتنا واصلة إلى مرحلة من التخلف ومن أنا بسمّيها مجتمعات سكونية وما زلت مصرة، بحاجة لإحداث هذه القرقعة..

أحمد علي الزين: الهزة.

سمر يزبك: والضجة التي لها علاقة أنه أنت ممكن تتأذى منها بس على الأقل بعتقد على الزمن رح تعمل شيء. وما فيه شي بيخوّف، رغم أنه نحن نساء بالعالم العربي بتعرف كيف ممكن لما نقترب من أي منطقة لها علاقة بهذا الذاتي..

أحمد علي الزين: السلطات القائمة، السلطات الذكورية بشكل عام؟

سمر يزبك: تحديداً يعني ما بدّي أحكي هالمصطلح لأنه كمان يستخدم بشكل مغلوط. أنا لست ضد الذكورة دائماً بشوف داخل كل امرأة ذكر وأنثى، وداخل كل ذكر أنثى، يعني الأمور كتير مختلطة. بس بحاجة لدخول مناطق جديدة لم يدخلها الأدب من قبل، يعني تحديداً النص العربي. فهذا هاجس عندي فعلاً. رغم أنه أحياناً يساء فهم هذا النص وتحت شعارات عريضة يتم الهجوم عليه بس أنا مقتنعة أن النص الجيد سوف يبقى والنص السيئ التاريخ سيلقي به. يعني هي الفكرة أنك أنت كيف بدّك تحدث هاي ..

أحمد علي الزين: ترمي الحجر في هذه البحيرة الساكنة.

سمر يزبك: الراكدة أكثر من..

أحمد علي الزين: الراكدة.

أحمد علي الزين: طيب إذا منحكي شوي عن روايتك الصلصال اللي تناولتِ فيها أو أشرتِ إلى يعني بالترميز إلى شخصيات نافذة بالمجتمع السوري. كيف نفذت هذه الرواية مثلاً من الرقابة؟ وهل تعرّضت لمساءلة مثلاً لاحقاً؟ أم يمكن قلت لي منعت في البداية هي رواية الصلصال؟

سمر يزبك: الصلصال بداية عندما طبعت بالطبعة الأولى طبعاً ما أخذت موافقة، بس سمح فيها بعدين ودخلت وطبعت في سوريا وطبعت في بيروت وطبعت في القاهرة. ووزارة الإعلام السورية أعطت الموافقة فيها كان في مجموعة من الشباب أنا بعدّهن متنورين كانوا موجودين بوزارة الإعلام سمحوا بدخول الصلصال وبشكل طبيعي.

أحمد علي الزين: كيف استقبلت من جهة القراء إذا بدنا نقسم القراء بين قارئين واحد متعاطف مع هذا النوع من الأدب أو النصوص، وواحد بعتبر هذا النوع من الأدب يعني مسّ بحرماته؟

سمر يزبك: الحقيقة يعني مو كتير ناس كانوا راضيين عنها وفي كتير ناس احتفوا فيها احتفاء بالغاً، تم الاحتفاء فيها من منطلق سياسي، وتم الاعتراض عليها من منطلق سياسي. يعني سواء من ناحية السلطة أو المعارضة. الاحتفاء بصلصال كنص أدبي وكلغة يعني تم إقصاؤه لصالح النص نفسه اللي بيحكي عن مؤسسة عسكرية اثنين ضباط كانوا يبدو نحن مجتمعات فعلاً عقائدية وشمولية، فالأمور ما بتكون مفصولة عنا.

أحمد علي الزين: طيب العمل الثاني "رائحة القرفة" هذا أيضاً عمل أشد مرارة ربما وأكثر بوحاً يعني، فتّي على أماكن محظورة بمعنى أنه لم يدخلها لم تدخلها النسوة أو حتى الرجال، يعني يتناولوا علاقات جنسية غير سوية بين الخادمة وسيدة مجتمع، طبعاً هاي من ناحية ومن ناحية تانية أظهرتِ هذا التباين المرعب بالفروقات الاجتماعية بين الفقر الحضيضي والغنى الفاحش، أنتِ كيف نفدت فيها يعني؟

سمر يزبك: تحديداً هاي الرواية فعلاً رواية ذات وجع.

أحمد علي الزين: موجعة.

سمر يزبك: موجعة. أنا بعترف أنها قاسية كتير هاي الرواية ومنفّرة وطبيعي منفرة للقسوة اللي فيها ومنفرة للصراحة والوضوح متل ما بتقول أو الجرأة اللي بتتناول علاقة أنا بسميها مو علاقات جنسية غير سوية، بسميها فعل اغتصاب لطفولة كاملة. رائحة القرفة هي أكيد رواية لها علاقة بمتخيّل بس هي أجت من واقع، يعني هي قصة حدثت في الواقع. أنا إذا بقول لك جملتها شوي بيجوز يبدو غريب لإلك.

أحمد علي الزين: خففت من قسوتها.

سمر يزبك: خففت من القسوة تبعها لأنه بإحدى إحدى النشاطات اللي كنت عم أقوم فيها لها علاقة بالنساء المعنفات ووو.. إلى آخره. صدفتها لهذه القصة أمامي وهي القصة ما عاد تركتني يعني، حكاية هاي البنت اللي يعني موجودة على أرض الواقع واللي استغلت طفولتها وحياتها وانتهت بفتاة..

أحمد علي الزين: مدمرة يعني.

سمر يزبك: أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مدمرة.

أحمد علي الزين: أيضاً هذه الرواية أظن أنها أثارت مشاكل وكيف قدرتِ زمطت فيها بين هالرقابات؟

سمر يزبك: يعني هي مشاكل على أرض الواقع لم تثر حتى الآن يعني حتى الآن لم تمنع.

أحمد علي الزين: نعم.

سمر يزبك: لا يعني ما في أي معلومات أنها انمنعت ودخلت على عدة بلدان عربية ووزعت فعلاً. الغريب يعني هذا بفرجيك أديش الرقابة عنا فعلاً سياسية بكتير من البلدان، ليست رقابة اجتماعية، لأن رائحة القرفة بتحكي عن مجتمع كتير مخفي، رائحة القرفة بتحكي عن أحزمة الفقر المحيطة بمدينة عريقة وجميلة ومن أجمل مدن العالم هي دمشق. هاي الأحزمة الممتدة اللي بيعيش فيها كثير من البشر واختلاطاتهم تحدث فيها كثير من القصص المأساوية فعلاً. المشكلة أن هذا الحزام يزحف باتجاه المدينة ولا يزحف باتجاه فضاء خارجي. هاي القصة حدثت، حدثت يوماً ما وحدثت ضمن شكلها الأسوأ.

أحمد علي الزين: يمكن سمر، يمكن تمرد رجل بمجتمعاتنا أو يعني احتجاجاته اللي يعبر عنها بطرق مختلفة يمكن تظل أقل يعني أخف من أنه امرأة مثلك هيك تتمرد وتطلع من.. تطلع من العائلة وتطلع من الطائفة وتطلع من.. وتروح تختار متل ما قلت طريقة حياة واحتجاج. متل ما عرفت أو متل ما دردشنا كنت كتير صغيرة بس بلشتي تهربي.

سمر يزبك: أي فعلاً.

أحمد علي الزين: 14، 15 سنة.

سمر يزبك: يعني هالشي له علاقة.. اللي هلأ بزعل عليه لأنه دائماً بحس أن أسرتك الصغيرة هي اللي بتدفع الثمن. بيدفعوا ثمن بالمجتمع مثلي وأكتر كمان يعني. وما بيفهموا بلحظات أنه أنا أحياناً ممكن أزعل على زعلهم قدّ ما بزعل على زعلي، لما..

أحمد علي الزين: يعني فيه ثمن بيدفعوه الاثنين.

سمر يزبك: طبعاً أكيد. أهلي كتير دفعوا ثمن غالي، وأنا دفعت طبعاً بس أبداً ولا لحظة ندم انتابتني..

أحمد علي الزين: أني فعلت هكذا.

سمر يزبك: أني فعلت بكل حياتي ما فعلت، أبداً خفيفة كريشة تماماً، لأنه بدنا نغيّر بدنا نغيّر الدنيا ما معقول إحنا موجودين ضمن هذا مكان برجع بقول عنه ساكن لا يتحرك. لأ الكارثة أنه هو كان ساكن. بس من سنوات من كم سنة صار عم يرجع لورا. أنا دائماً بقول نحنا بحاجة بحياتنا الشخصية وبحياتنا العامة وبعملنا وبعلاقاتنا مع الآخرين نقدم النموذج الأمثل لفكرة الحرية نفسها، الحرية ليس بمعناها الفوضوي أو المبتذل كتير اللي ردد لأ، الحرية بفكرة أنك تكون إنسان عايش بمكان تُحترم فيه، تحترم طفولتك، تُحترم إنسانيتك، تكون عن جد مواطن، تكون بمكان فعلاً يسمى دولة، فجأة تستفيق تشعر أن كل هذه الأمور غير متاحة لإلك فبتصير تحارب بطريقتك حتى لو الطريقة كانت أنك توجه أحياناً طلقة رصاص لصدرك، لأنه عملياً أنت لما بتترك العائلة أنت عملياً عم تترك دفاعك الأول والأخير بمجتمع تحكمه العلاقات العائلية والطائفية والدينية فقط.

أحمد علي الزين: يعني أنت صرت وحيدة عارية في مواجهة المجهول تقريباً وقت اللي اخترتِ أول مرة في حياتك تتركي البيت، كيف واجهتِ هذا العالم بهالعمر يعني؟ ما خفتِ؟ أنت بتخافي شوي.

سمر يزبك: أنا بخاف كتير.

أحمد علي الزين: مش شوي.

سمر يزبك: آه بخاف كتير.

أحمد علي الزين: كيف بتخافي وتجرأت أنك تتركي البيت وتهربي وتروحي تختاري هذه الطريقة.

سمر يزبك: لأنه فعلاً أحياناً بسأل نفسي سؤال له علاقة أنه ليش دائماً أنا كنت مرهونة لفكرة أني أقطع مراحل عن طريق ترك الأمكنة أو كسر الزمن؟ ما رح خبّي عليك وأقلول لك أني ما بتأثر لأني تعرضت أنا أو كتير من السيدات النساء في العالم العربي أكيد بكل العالم العربي هذا موجود اختاروا هذا الطريق الأكيد ما هو طريق سعيد. أحياناً بقول..

أحمد علي الزين: في ثمن غالي.

سمر يزبك: في ثمن غالي بيدفعوه ورح يظلوا يدفعوه.

أحمد علي الزين: يمكن الناس ما بينظروا لإلك أنه هذه امرأة حرة عم تبحث عن الحرية عندها رغبة تغيير المجتمع. بينظروا لك نظرة أخرى يعني. بيتطلّعوا فيك كأنثى مش ككاتبة أو تواجهت هالشيء.

سمر يزبك: هذا بيتواجه بالبداية. أنا بعتقد الشي الجيد والحقيقي والجوهر وحقيقي ببيّن لاحقاً. هذا بالبداية بتكون أسلحتك كتير قوية بالمجتمع أنك شخص

أحمد علي الزين: بتقدري تدافعي عن نفسك.

سمر يزبك: لأ وتكون أسلحتك يعني لها علاقة بفكرتك عن الحياة، فكرة أنك أنت شخص معني بتجميل الحياة وتجميل نفسك وتجميل وإضفاء نوع من الحساسية الخاصة لها علاقة بصدق المشاعر. أنت شو بتحب. أنت شو بتكره. روحك وذاتك لازم تكون كتير غالية، حتى تقدر تكفّي هيدا المشوار اللي بلّشته. لهيك دائماً أنا بأي صعوبة أواجهها بحياتي دائماً بوقّف قدام المراية وهي المراية جزء مهم بحياتي.

أحمد علي الزين: عندك ثقةكبيرة بنفسك؟

سمر يزبك: كتير.

أحمد علي الزين: على شو..؟

سمر يزبك: يمكن غلط بس فعلاً.

أحمد علي الزين: يعني شو حجر الأساس تبع هالثقة يعني؟ يعني قائمة على المعرفة؟ قائمة على الرغبة بالحرية بهذا الجموح؟

سمر يزبك: هلأ كلهم مجتمعين سوا. دائماً كمان هاي بنرجع لقصة المراية لما دائماً بفيق الصبح وبتطلّع فيها، بقلّها يا سمر أنت ما بتعرفي شي. هاي فكرة المعرفة اللي حكيت عنها كلها مجتمعة. أنك شخص بتحسّ حالك عم تسعى أنك تكون بتعرف أكتر مع أنه بالنهاية كله للعدم. أو أنا يعني ماني كتير موهومة بأي نهاية سعيدة بالحياة. بس هي فكرة كمان أنه أنا شخص عندي جلد بالحياة هائل على الصعاب، بعرف، دربت نفسي.

أحمد علي الزين: صبورة أنتِ؟

سمر يزبك: آه دربت نفسي، دربت نفسي ما كنت هيك، دربت نفسي أنه أنا عايشة بمكان بيستلزم طاقة كبيرة هاي الطاقة مانها موجودة بأي مكان في العالم إلا بداخلي. جوّاتي.

أحمد علي الزين: تبدو أحلامهم صغيرة وغريبة لكنها نبيلة. هؤلاء الذين خرجوا من عباءة العائلة والطائفة والقبيلة إلى رحابة السؤال. أما حياتهم فهي في الغالب شائكة. قد لا تكون الأمور في المغامرات الأولى بهذا الوضوح، والأهداف حاسمة وفي مرمى النظر، إنما هناك فكرةٌ غامضة ما يشهه نبتاً صغيراً ينمو وقد يثمر إذا أحسنوا التدبير وحسّنوا مسار حياتهم. سمر يزبك أرادت منذ البدايات أن تختار طريقة في العيش كما تقول، ليست هينة ومليئة بالصعاب، لكنها سمحت لها أن ترى إلى الحياة والأشياء بعينٍ ناقدة وأن تحقق بعض ما حلمت به. بالطبع هذا الخيار - كما روت - يتطلب شجاعةً وطاقةً على الاحتمال، طاقة استثنائية في مجتمعاتٍ غارقة في الماضوية والسلفية، ذكورية وسكونية ومضطهدة. فكيف لسيدةٍ أن تنجو؟ عرّفتنا سمر على بعض ملامح هذه الطريق التي اختارت سلوكاً وكتابة، ونتابع معها في هذه الحلقة الطريق من جبلة على الساحل السوري إلى شعاب الأفكار والحياة.

سمر يزبك: جبلة من المدن اللي إلها وقع خاص عندي كتير، لأني طلعت منها مهزومة فعلاً، وبعدني ما رجعت لها مثل ما طلعت منها يعني، طلعت منها بحزن كبير وانكسارات شديدة..

أحمد علي الزين: شو كان سبب هذا الحزن والانكسارات؟

سمر يزبك: الحزن أنه أنه انتمائي نفسي أنا انتماء شخصيتي غريب جداً عن المكان، غريب عن البيئة، غريب عن العائلة، في كان غربة. مؤخراً بلشت أستعيد علاقتي معها شوي شوي، شوي شوي، بس ما زالت علاقة مهزومة فعلاً. وفي بعض الأصدقاء اللي بعدهم موجودين فيها اللي أعادوا لي إياها، وأكيد علاقتي بالأهل اللي أنا يعني حتى الآن ما زلت أشعر أني حَمّلتهم فوق طاقتهم.

أحمد علي الزين: لأهلك؟

سمر يزبك: طبعاً. حَمّلتهم يعني بطريقة هنّن ما كانوا جاهزين لإلها في مجتمع أقل كلمة تقال فيه أنه مجتمع متخلف، يعني مرجعيته أنا بسمّيها مرجعية سلفية، معناها طائفي، معناها اليومي والحياتي والتفصيلي، فهنّن دفعوا ثمن غالي معي وما زال هذاك المكان حتى الآن بيعني إليّ حزن شديد وفعلاً بخاف منه. فعلاً.

قراءة في "سيدة التفاصيل"

دعد حداد، الشاعرة التي ماتت وحدةً وسكراً في غرفة مجهولة تنظر إلى الأفق الطيني، تجلس قربي فوق حقيبة، تتحدث وأسمع صوتها يقول: وأنا سوداء كالبنفسج من الحزن الدفين. كانت دعد تعاتبني: هل الألوان موجودة في الأحلام؟ لماذا أقول إن الحقيبة بنية؟ تهمس ببحة: صحيح إنك مجنونة. أنظر إلى الأرض الموحلة التي نجلس عليها تلتصق قربي والحقيبة تغوص في الطين، قالت: أين نحن؟ نحن في مزارع القطن في أميركا. هل تذكرين من كتب عن معاناة مزارعي القطن في أميركا؟ تصمت، تظهر امرأة سوداء من البعيد وهي تلملم رؤوساً سوداء بدت أشبه بفواصل أو نقاط أحرف اتضح فيما بعد أنها رؤوس أطفال زنوج. قلت لها: هذه طوني موريسون، ضحكت وقالت: كسرة خبزٍ تكفيني أيتها العيون المخملية، قلت: نحن داخل النص، أنا وأنت داخل نص، من هو الذي قال: الكتابة مكانٌ للحياة؟ جوزيف كونراد؟ صمتت وصارت حزينة قلت: طوني موريسون سيدة التفاصيل وهي الآن تكنس نصها، انظري الفواصل كيف تجمعها، نظرت إلي باستخفاف: مجنونة أريد بطحة عرق. أقول: لو أن العرق ليس أبيض فماذا يمكن أن يكون؟ ترد بحزن: أبيض طبعاً.

أحمد علي الزين: كيف بلّشت علاقتك بالكتابة وبالقراءة؟

سمر يزبك: هي القصة بدأت بالخجل من البشر.

أحمد علي الزين: كنت خجولة؟

سمر يزبك: وأنا صغيرة كنت أخجل أو كنت فعلاً أحتمي أحتمي..

أحمد علي الزين: تتخبّي؟

سمر يزبك: أيه كنت دائماً أشعر أنه أنا كائن بحاجة للاختفاء، علاقتي بالقراءة بدأت أو قبل علاقتي بالكتابة وما زالت أهم منها، القراءة علمتني كثيراً، وبعدين الحياة، بعدين، فلما صرت شخص يعيش دائماً مع النص يعني ما كان في كتاب ممكن يمرق بدون ما أحسّ حالي لازم أقرؤه أياً يكن.

أحمد علي الزين: طيب سمر بتقولي بتقولي في مكان ما أنه أنت حياتك أهم من كتاباتك، بأي معنى؟ هي حياتك مش متداخلة بالكتابة؟ الكاتب حياته ما بتصير جزء أيضاً من النص؟ بمعنى أنه بيدخل كثير بعوالم يمكن ما عاد فيه يطلع منها؟

سمر يزبك: لأ. أكيد أكيد الكاتب مهما تخبّى موجود في النص، بيتخبّى بيتخبّى بيتخبّى بس موجود، فينك تدوّر عليه، لما بتعرف كاتب بشكل شخصي تماماً وبتشوف كتابته بتدوّر عليه بتلاقيه بلون موجود على طول، بطريقة حركة موجود الكاتب، أنا بيجوز حتى الآن ماني رضيانة عن نصوصي مثل ما أنا بحب تكون بقدر ما رضاي عن حياتي وتجاربي والطريقة اللي عشت فيها.

أحمد علي الزين: حاولتي تكتبي هذا النص اللي هو حياتك؟

سمر يزبك: لأ.

أحمد علي الزين: بعد.

سمر يزبك: حاولت شي بسيط منه بأول رواية طفلة السماء، وأنا بعترف أني فشلت. بس من أحد المشاريع اللي بحلم فيها أني بعد وقت ممكن أقعد أكتب أكيد أكيد رح أكتب، مو منشاني بس يعني لأني بعتقد كتير نساء ممكن يجو بعدين..

أحمد علي الزين: يقروا هاي التجربة يعني..

سمر يزبك: ويقرؤوا هالتجربة.

أحمد علي الزين: بتمثل لهم شي كثير يعني.

سمر يزبك: وبنقدر نقول أنه مو أي امرأة طالبت بأنها تكون شخص حر ومستقل هي امرأة ستنتهي إما في بيت زوجية أو تنتهي في الشارع أو أو إلى آخره، هي امرأة قادرة على أن تستكمل تجربتها وقادرة تعطي وقادرة تكون موجودة وقوية..

أحمد علي الزين: ونافذة.

سمر يزبك: ونافذة. وبكامل أنوثتها يعني. لأن فكرة القوة عند النساء أنها امرأة امرأة عن جد موجودة ومجتمعات محافظة بتتغيّر شوي شوي. يعني نحن أنا لا أدعو لفكرة الحرية اللي إلها علاقة بالغرب، أو أو.. لأ. أنا أدعو لأنسنة المجتمع عنا، نحنا مجتمعاتنا يا إما معسكرة، مجتمعات عسكرة المجتمع يا إما..

أحمد علي الزين: يا عسكرة يا رعوية يا قبلية.

سمر يزبك: يا قبلية، فأنا فقط فكرة أنسنة المجتمع، هاي نحن بحاجتها فعلاً، مجتمعاتنا من زمن طويل..

أحمد علي الزين: جردوها من الإنسانية.

سمر يزبك: جردوها ونفوا عنها صفة العقل، نحنا عنا مشكلة يعني ما في عنا أعمال..

أحمد علي الزين: عندك جملة حلوة كتير. أنت بتقولي أحياناً بعض الفئات أو بعض القبائل أو بعض الطوائف إذا كانت ضحية ذات يوم، بتصير جلاد أكثر..؟

سمر يزبك: الأقليات هي اللي عملت حركات مهمة جداً في التاريخ على مرّ التاريخ، الأقليات عملت كثير من التطورات في التاريخ..

أحمد علي الزين: ولكن؟

سمر يزبك: ولكن دائماً تنقلب القصة..

أحمد علي الزين: اللي يكون ضحية يكون جلاد..

سمر يزبك: اللي بكون ضحية يكون جلاد.

أحمد علي الزين: يصير جلاد يعني.

سمر يزبك: أيه.

أحمد علي الزين: أو يجر معه طائفة أو..

سمر يزبك: بيجر بيجر، والفكرة اللي بدي أقولك إياها أنه لن تكون هناك عدالة، فكرة مخيفة. نحن نبحث عن العدالة، لما نحاول ما نخلي في جلاد وما في ضحية. بس دائماً لم يكن هناك عدل، الوجود البشري أنا بشوفه رغم هذا الكلام كثير مأساوي..

أحمد علي الزين: ضد العدل هو؟

سمر يزبك: الوجود البشري قائم على فكرة التوحش والقتل.

أحمد علي الزين: صحيح.

سمر يزبك: يعني ما في حضارة بتكون موجودة إلا بتلغي حضارة، فتاريخ الإنسان يعني غير مشرف.

أحمد علي الزين: طيب. بتقولي مثلاً أن كل مثقف بداخله رجل السلطة الديكتاتور، يعني هل هذا القول معمم يعني؟ أنت هيك كمان؟ ما بتصور أنت هيك.

سمر يزبك: لأشرح لك وجهة نظري في الموضوع، هاي لها علاقة بطبيعة المجتمعات اللي بنعيش فيها، لا تحترم الثقافة، ومجتمعات أقل ما يوصف فيها كما وصفناها من قبل أنها مجتمعات عسكرية ولاّ قبلية ولاّ دينية لن تنتج إلا ما يشبهها، أو مجتمعات الصوت الواحد الديكتاتورية لن تنتج إلا ما يشبهها. بتشوف في الصناعات ما بتشوف صناعة متطورة جداً، ببلد فيه ديكتاتور صعب جداً..

أحمد علي الزين: تنتج صناعة متطورة؟

سمر يزبك: ما فيك تنتج ثقافة..

أحمد علي الزين: أو معرفة حرة؟

سمر يزبك: تماماً.

أحمد علي الزين: أو مثقف حر.

سمر يزبك: فدائماً طبعاً وهذا الكلام ليس بالمطلق، بالغالب هاي صفة ليست كاملة. أنا أقول في الغالب المجتمعات العربية تنتج مثقفين عبارة عن ديكتاتوريات صغيرة متنقلة، وليس في المطلق..

أحمد علي الزين: كيف علاقتك بالوسط الثقافي السوري؟ أنت بتقولي ما كثير بتحبي تنخرطي في هذه الأجواء، وبتقولي بتخافي عندك خوف أو رهاب من التجمعات ومن الناس؟

سمر يزبك: هي جيدة وبس غير موجودة. بمعنى أنا بشوف المثقفين السوريين مثقفين مهملين مهمِلين..

أحمد علي الزين: من قبل أنفسهم؟

سمر يزبك: من قبل.. مهمَلين في العالم العربي من قبل العرب ولأسباب شتى ما رح أدخل فيها لأنه موضوع طويل فعلاً، ومهمَلين في الداخل سوريا. ومهمِلين لأنفسهم. ومع أنه في كتاب شعراء وفي مثقفين مهمين وفي طاقات إبداعية في سوريا ليس تحيزاً طبعاً لأني أنا سورية أكيد بس فعلاً في طاقات غير معلنة..

أحمد علي الزين: مهملة؟

سمر يزبك: مهملة.

أحمد علي الزين: ومغيبة إذا بدك.

سمر يزبك: ومغيبة لأسباب عديدة، أنا موجودة بس أنا شخص يومي مليء بالتفاصيل اللي ما بتسمح لي كتير..

أحمد علي الزين: تنخرطي؟

سمر يزبك: تماماً.

أحمد علي الزين: تكوني متوفرة بكل الأمكنة يعني.

سمر يزبك: تماماً تماماً.

أحمد علي الزين: طيب شو علاقتك الآن بالسياسة؟ طبعاً أنت مبكرة وأنت صغيرة بنت 14 رحت على رابطة العمل الشيوعي على ما أظن، يعني مثل كل هذا الجيل اللي كان يحب يحتج على طريقته وينقّي يعني في مجال ينقّي، قال الله يرحمه محمد الماغوط أنه كان مركز الحزب القومي أقرب من مركز حزب البعث، ففات عند الحزب القومي لأنه عنده صوبيا.

سمر يزبك: أيه ذكرها مظبوط.

أحمد علي الزين: شو علاقتك اليوم بالعالم السياسي؟

سمر يزبك: أنا ما إلي علاقة بقى بالسياسة من منطلق العمل السياسي اللي كانوا بيشتغلوا فيه في العالم العربي، أنا برأيي عالم فيه البوط العسكري يحكم، والمافيات الاقتصادية السياسة فيه آآآ..

أحمد علي الزين: شو. مش موجودة.

سمر يزبك: يعني ما في سياسة. ما في سياسة. عم نضحك على بعض ما في سياسة.

أحمد علي الزين: بس في ناس يعني عم يفوتوا على السجون وقت عم بيكونوا عم يشتغلوا بالسياسة؟

سمر يزبك: بيكونوا عن يشتغلوا سياسة. أنا ما عم بلغي لك أنه همّ عم يشتغلوا سياسة، السياسة، السياسة مفهوم يعني مفهومها عنا تحتا فهمناه غلط، لأنه أنت لما بتعبّر عن رأيك مثلاً، وأنت مثلاً تعتقل في سين من الناس في بلد من البلدان مثلاً، تُعتقل هاي ما فكرة أنك أنت عم تشتغل عمل سياسي منظم له علاقة بالمجتمع وبالحياة ووو.. إلى آخره، لا يوجد عمل سياسي حقيقي.

أحمد علي الزين: في جهات بتتهمك بالخيانة لأنك غردتِ خارج السرب أو مثلاً خارج الطائفة أو خارج القبيلة؟

سمر يزبك: يعني أنا بعتقد أي حده مختلف..

أحمد علي الزين: كيف بتدافعي عن نفسك؟

سمر يزبك: ما بدافع عن نفسي، يعني هاي كلمة ما بحب.. يعني ما بدي دافع عن نفسي بس طبيعي. طبيعي يحكوا.

أحمد علي الزين: طبيعي يحكوا. طيب..

سمر يزبك: أنه ما بيصير يعني أنت مثلاً بتكتب عن منطقة لها علاقة بالشام فأنت بتصير تتهم من الطائفة السنية أنه كذا كذا، أنه أنت أسأت أنت بتحكي عن منطقة بالساحل فأنت من الطائفة العلوية اللي أنا بنتمي لها طبعاً، فأنه أنت أنت أسأت إلى طائفتك، أنت عملياً بتكون عم تقدم مشاعر حب اتجاه اتجاه هذا..

أحمد علي الزين: أو شهادة حق بمعنى.

سمر يزبك: أيه.. ولأ أنت فعلاً لما تكتب عن شي بتكون موجوع عليه بتحبه كتير.

أحمد علي الزين: لأنك بتحبيه طبعاً.

سمر يزبك: طبعاً بحبه كتير لهذا المكان.

أحمد علي الزين: بس هو ما بينتبه لهذا الحب للأسف يعني، ما بينتبهوا أنه هذا فعلاً حب وليس فعل..

سمر يزبك: يعني أنا فعلاً علاقتي بالمكان علاقة غريبة، يعني دائماً بقول أنه ممكن الواحد مثلاً يسافر، أنا بعد أول ثلاثة أيام لما بترك دمشق بيصير عندي..

أحمد علي الزين: بتشتاقي لها.

سمر يزبك: ممكن بأي لحظة أبكي. لأني بشتاق لشوارعها بما فيها، بشتاق لكل شي فيها.

أحمد علي الزين: هلأ مشتاقة لدمشق وأنت ببيروت؟

سمر يزبك: آه جداً. وأنا ببيروت مشتاقة لدمشق.

أحمد علي الزين: امرأة هالقدّ حرة، وهالقدّ جريئة، هالقد بتقول الأشياء كما هي، هالقد بتحسّ أنها هي عندها إذا بدنا نسميه مشروع للدفاع عن حقوق الناس، بتكتب أوجاعهم وبتحبهم هالقدّ وخارج السرب مثل ما قلنا، لا بد أن تتعرض لشيء من الأذية أو الإهانة يعني أنت تعرضت لهالشي مثلاً على المستوى المعنوي أو الجسدي؟

سمر يزبك: أيه أكيد على المستويين.

أحمد علي الزين: والله. ضربت يعني؟

سمر يزبك: ما بدّي أخوض بتفاصيل بس تعرّضت.

أحمد علي الزين: حدث ذلك. حدث ذلك. خلينا نرجع للكتابة شوي، ليش بتكتبي أنت سمر؟ ممكن مثلاً أضيف شوي أنه ليش في نوع مثل ما قلت من قبل أنه للدفاع عن النفس، لحمايتها من السقوط، محاولة لإثبات وجود، محاولة لتغيير المجتمع؟

سمر يزبك: هلأ في هيك شي اللي حكيته كلهه. بس هي دائماً أنا بسأل نفسي سؤال أنه أنا لو لم أكن كاتبة شو ممكن أن أكون؟ ولا شي.

أحمد علي الزين: ولا شي. نعم.

سمر يزبك: يعني بعتقد ولا شي كنت يعني، وبكتب لأني أنا بنبسط كتير بستمتع بالكتابة، بستمتع تماماً مثل لما ممكن أشتري فستان حلو وأطلع فيه تماماً.

أحمد علي الزين: شو لونه أسود الفستان؟

سمر يزبك: والأسود أهم شي يكون أسود. وهذا حكي ما كتير بيحبوه الناس، ما كتير بحبوا يسمعوه من كاتب. بس لأ نحنا بنكتب لأنا بنحب حالنا كمان.

أحمد علي الزين: جميل.

سمر يزبك: أنا بكتب لأني بحب حالي. وبحب حالي وأنا عم أكتب. تماماً.

أحمد علي الزين: حلو.

سمر يزبك: بعدين بتجي شخصيتك بقى المنكّهات تبع شخصيتك، أنت شو خلفيتك الفكرية؟ شو بتقدم بالكتابة؟ شو بتعمل؟ إلى إلى آخره بتجي هاي المنكّهات بس بالأصل لأنه أنا بحب حالي وأنا عم أكتب بستمتع بالكتابة.

أحمد علي الزين: طيب سمر عندك تجربة بالكتابة الموازية يعني اللي هي الكتابة الدرامية للتلفزيون، شوية سينما، شوية توثيق يعني. هالحاجيات هاي كلها المتنوعة، هيدي التجربة بتحسيها كمان بتغني مشروعك خاصةً لاحظت أنا برائحة القرفة كأني عم أقرأ سيناريو أحياناً، وهيك بتقطيعه الجميل الحقيقة؟

سمر يزبك: هلأ هي بدأت القصة من منطقة لها علاقة بالعيش نفسه، أنه أنت كيف بدك تشتغل شي بيشبهك، هيك بدأت من سنوات طويلة، أن تعيش من شي بيشبهك من الكتابة للتلفزيون، لأنه بتعرف العالم العربي الكتاب كيف بيعيشوا، يعني ما بيعيشوا من كتاباتهم ولا من رواياتهم..

أحمد علي الزين: شوي بالصحافة وشوي للتلفزيون.

سمر يزبك: شوي بنشتغل في الصحافة وشوي في التلفزيون وشوي.. المهم فبدأت القصة هيك. بدأت أنه عم بكتب أنا أفلام منشان.. بس هي انتهت بمكان آخر. انتهت أنا فعلاً بحب الكاميرا، بحب التلفزيون يعني..

أحمد علي الزين: بتحبي تكتبي للتلفزيون.

سمر يزبك: بحب أكتب للتلفزيون.

أحمد علي الزين: أنت نلت جائزة يمكن على أحد الأعمال؟

سمر يزبك: أيه من وزارة الإعلام السورية.

أحمد علي الزين: ومن الأمم المتحدة؟

سمر يزبك: هي بالتنسيق بين وزارة الإعلام السورية والأمم المتحدة. أعطوني أفضل نص بيعالج مشاكل الزواج المبكر في المجتمع السوري والحقيقة هنّن في وزارة الإعلام بيشجّعوا فعلاً يعني بيصير فيه تشجيع عندهم أنه بيعملوا كل فترة..

أحمد علي الزين: هيك نوع إنتاج.

سمر يزبك: ولشباب يعني ما أنه أنه.. فانتهت القصة بعشق فعلاً للكاميرا. الكاميرا بأي معنى؟ أنه أنا بكتب عن الكاميرا، يعني في بدّي أعطيك مثال، في زاوية..

أحمد علي الزين: عين الروائي لأنها.

سمر يزبك: تماماً فادتني كتير. في زاوية كتير حريصة تظل موجودة عندي بكتبها في جريدة الحياة لها علاقة بالكاميرا، لها علاقة بمراقبة الشاشة.

أحمد علي الزين: سمر بتخاف بتخاف وتختبئ أحياناً تختبئ في النص في القراءة ربما في الكتابة ومرةً في البستان ومرةً تخاف وتهرب يعني كمان بتخاف وبتهرب وما بتخاف الشخصية شوي هيك مركبة أحياناً بتحسّها، يعني شو هي الأشياء اللي بتخوّفك أكتر شي؟ بتخافي السجن؟ بتخافي مثلاً تنفي من بلدك؟ بتخافي من الموت؟

سمر يزبك: بخاف من السجن كتير. أي إنسان سوي يخاف من السجن.

أحمد علي الزين: طبعاً.

سمر يزبك: وأخاف يوماً ما ما كون عايشه في بلدي، الموت الموت أنا ماني موافقة عليه.

أحمد علي الزين: نعم ما موافقة عليه. يعني شي مش مليح الحقيقة، عند الواحد أشياء كتيرة بدّه يعملها.

سمر يزبك: أيه مع أنه طبيعي.

طائفتي تعتقد بالتقمص ولكني سأموت

أحمد علي الزين: مع أنه في حلول عند المؤمنين أنه بالخلود في حلول مثلاً بالتقمص عند الآخرين.

سمر يزبك: بس أنا مثلاً من طائفة بتآمن بالتقمّص.

أحمد علي الزين: بالتقمص. ولكن؟

سمر يزبك: بريّحني دائماً فكرة أنه أنا ممكن أضل موجودة، بس أنا مدركة تماماً أني لن أكون موجودة. وهي أحد المشاكل عاملة لي فعلاً قلق. وأكيد مو بس أنا. كتير بشر لما بيفكروا بالموت وما بيكون عندهم حلول..

أحمد علي الزين: وبعدين بدّه يضلّ طيّب الواحد كل الفترة.

سمر يزبك: لا ما أحنا رح نموت أكيد. النص بيضلّ طيب.

أحمد علي الزين: النص بيضل طيب. أنت بتكتبي كمان حتى ما تموتي أحياناً؟ ربما؟

سمر يزبك: بالعكس أنا كل مرة بطلّع كتاب بحسّ خسرت سنة من عمري.

أحمد علي الزين: نعم.

سمر يزبك: لأني بفقد طاقة، بفقد شي بحس شي راح من حياتي، ما بعرف مرة سمعت فرانك سيناترا عم يحكي عن مغنية بحوار قرأته أو بشي. عجبني تعبيره كتير وحبيته لأنه حسيت شي بيشبهني، قال: هاي بتغني كأنها كل غنية بتغنيها عم تموت فيها، يعني بينقص من عمرها، فحسيت أنه فعلاً الكتابة..

أحمد علي الزين: لأنه هالقدّ بتعطي.

سمر يزبك: أنه الكتابة بتشبه هذا الشي. فالبعكس أنا علاقتي كامرأة تكتب مع الموت هي كتير قريبة، ما لها بعيدة ماني عم بعده عني بالكتابة.

أحمد علي الزين: لاحظت بكتاباتك اللي بيموتوا رجال مش نساء في الروايات؟

سمر يزبك: أنا بحب موّت..

أحمد علي الزين: الرجال؟

سمر يزبك: لا مو فكرة الرجال. هي الفكرة لها علاقة بما تمثله هاي القيم بالمجتمع، يعني الذكورة الطاغية اللي لها علاقة بالتسلط، أي شيء في الحياة حتى لما النساء بتمارسه له علاقة بتجاوز حرية الآخر أنا ضده، فأنا بدي أنتصر لهذه الضفة اللي لها علاقة بالمغلوب، ما بحب الأشخاص الأقوياء أنا بالحياة، ولا المنتصرين ولا الأشخاص اللي ناجحين كتير، ولا اللي واثقين من نفسهم بدرجة لها علاقة..

أحمد علي الزين: بالسلطة والبطولة؟

سمر يزبك: بأي منبر من هاي منابر الـ..

أحمد علي الزين: منشان هيك هربتي من كل هالأشياء أنت يمكن؟

سمر يزبك: ما بعرف أنا طالعة معك هلأ بالتلفزيون منبر، فما بعرف إذا عم نهرب. لأ هي الفكرة لها علاقة بميل لهذا الطرف لهذا المنكسر لأنه دائماً مهزوم في شيء مهزوم صاير في الحياة، عم يختفي وأنا بعرف أنه عم يختفي.

قراءة في "عرافة إيثاكا"

عجوز تحمل كتاباً، تقترب مني، تنبثق طاولة قوائمها أقلام رصاص، أقول لنفسي، هل هذه أريشيجكال؟

تنظر في عيني، كانت جميلة، تطلب مني الجلوس أقول: هل أنت سيدة المكان؟

- أنا عرافة إيثاكا، أفرح وأتقدم منها وأعانقها، تضحك وتقول:

- اطلبي

- ماذا أطلب؟

- كنت تريدين شيئاً ما؟ ألم تقولي ليلة أمس أنك لا توافقين على وجودك؟

- نعم

- إذن ماذا تريدين؟ أريد أن أموت في سن الخامسة والأربعين. هل أنت واثقة؟ كل الثقة. لم يستشرني أحد عندما جئت إلى الحياة، ولكنني أستطيع أن أنهيها عندما أريد، تضحك العرافة، تقترب من الطاولة وتأخذ ريشةً بيضاء، حسناً سنكتب أنك تودّين الموت في سنة الخامسة والأربعين. تفتح العراقة يديها على اتساعهما فتخرج نارٌ من جوف الأرض، تتمتم ثم تلتفت إلي: لن يتحقق طلبك. ستموتين في وقت لن تعرفيه أبداً عندما تريدين الحياة. أنا متصالحة مع الموت. عودي إلى الحياة الآن. البؤساء هم من يتصالحون مع الموت. ليكن ما تريدين، لكنني أريد تابوتاً من خشب السنديان، وأن أدفن في هضبةٍ مهجورةٍ جرداء وبلا شاهدة. بتزعّل هاي.

أحمد علي الزين: بتشتاقي للمدينة اللي هربت منها؟

سمر يزبك: من جبلة؟

أحمد علي الزين: آيه.

سمر يزبك: طبعاً.. بشتاق للضيعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق