أحمد علي الزين: عندما تسكت الموسيقى تتصدع جدران المدينة، قال مرة أفلاطون.. ولعل هذا يكفي لمزاولة الحلم كي لا تتصدع جدران أرواحنا، والموسيقى هي واحدة من تلك المسعفات التي تحمينا من السقوط وترفعنا مقداراً نحو إنسانيتنا.
وليد حوراني هذا الستيني بالطبع لا يبدو عليه أنه وقف على بداية الستينات من العمر، ربما أسعفته الموسيقى أيضاً على نضارة روحية خففت من وطأة الزمن عليه، ليسعفنا في كل مرة حين نصغي إلى موسيقاه وهو منكب على آلته على التأمل ليسمو ونسمو معه مع تلك الموسيقى.
وليد حوراني: البيانو آلة قديمة عمرها 300 سنة أنا اللي سرني أني أعزف عليها لأنها آلة ما فيها كهرباء، بنفس الوقت معبرة كثير لأنه اللي اخترعها كان بده يخترع آلة اللي نقدر موسيقياً نعبر بخفة وبقوة، البيانو أصلاً مو اسمه بيانو اسمه بيانو إي فورتي هذا يشبه صوت الإنسان كيف يعبر عن نفسه، بقا هذا الشيء يسعدني كثير أنه أنا أقدر أعزف على الآلة ويمكن أنسى.. تحطني بجو أني أنسى الأشياء العاطلة اللي عم تصير بالدنيا.
أحمد علي الزين: كان ابن أربع سنوات حين شده الرنين أو طنين الأوتار، والآن بعد حوالي ستين سنة بعد اختبارات طويلة مع نصوص المؤلفين الكبار ما زال يتهيب لكأنه أمام امتحان في حضور خنشدوريان الذي فتح أمامه آفاق رحيبة على أوائل ستينات القرن العشرين.
وليد حوراني: بسنة أعتقد 61 كان هو بجولة بالشرق الأوسط مع أوركسترا القاهرة، ومر بلبنان أعتقد عزفوا باليونيسكو بس أنا كثير كثير زعلت أنه ما بقدر أحضر الحفلة لأنه كنت شوي مريض، بعد يومين بيجي الوالد يقول لي خنشدوريان بعده بلبنان ورح يعملوا مقابلة معه بالمركز الثقافي السوفيتي، ولازم تروح عليه. قلت له تحفة أنا كثير بكون مسرور أني قابله أو اسمع اللي بده يقولوا، فرحت وكان فيه بيانو صغير وهو طبعاً مش رح يعزف بس مقابلة حكي، بس فيه شخص بالجمهور قالوا العب لنا رقصة السيوف هذه الرقصة المشهورة تبعه المكتوبة للأوركستر، فخنشدوريان طبعاً عارف أنه هالشعب بيحب هالقطعة وما حب يكسفه، قعد على البيانو وبيانو ما كان منيح أبداً، قعد ولعب القطعة بطريقة على البيانو، وقامت الزأفة بعدين في شخص ثاني يعني كان أنا شوي عملوا لي دعاية كطفل بالجرايد أنه أنا كمان ألفت كم قطعة أنا وصغير وكنت أعزف، عندنا وليد حوراني هون خليه يقوم يلعب لنا شي، عمري 13 سنة وأنا مش محضر حالي خفت كثير.. شو بدي ألعب؟ وقتها ما كان عندي شيء محضره كلاسيكي بقا قمت لعبت قطعتين صغار أنا مؤلفهم كان عمري شي 9 أو 10 سنين، وحدة اسمها الحزوقة والثانية اسمها الليغرو، الظاهر عجبوه لخنشدوريان وغمرني وأخذنا صور، والدي حكي معه على أساس أنه والدي ما كان معه الإمكانيات أنه يوديني على أوروبا لأدرس، فقال له خنشدوريان أنا رح جرب رح أسعى له أنه تجيه منحة بموسكو وهيك صار وبعد سنتين رحت..
أحمد علي الزين: والتقيت فيه بموسكو..
وليد حوراني: عدة مرات..
أحمد علي الزين: وليد حوراني عازفاً من بين كبار عازفي آلة البيانو في العالم، ومؤلفاً كان ينبغي أن تلعب بعض أعمال الأوركسترا الوطنية اللبنانية بقيادة وليد عقل عام 2005 وهو كونشرتو ألفه بدعم من مؤسسة الحريري. لكن اغتيال الشهيد رفيق الحريري في ذلك التاريخ ألغى أو أجل هذا العمل الذي ستلعبه في لندن على خريف هذا العالم فرقة موسيقى الحجرة اللندنية.
وليد حوراني مقيم منذ حوالي 35 عاماً في أميركا، جوال في العالم، يحيي أمسياته على مسارح المدن، ويأمل ببزوغ كل فجر أن يستيقظ على عالم خالي من الرعب والظلم، وعلى وطن تعافى من جروح الحروب والفتن.
أحمد علي الزين: دائماً بس يحكوا بلبنان عن عازفي البيانو المشهورين في العالم دغري ينذكر ويربط اسمك باسم الله يرحمه وليد عقل وبإسم عبد الرحمن الباشا، هذا الكلام شو بيقلك؟
وليد حوراني: كل موسيقي عنده أسلوبه بس أنا كثير أفتخر أنه يكون فيه عازفين من لبنان كمان، وطبعاً أنا ما بقدر أقيّم حدا لأن الجمهور عادة هو اللي يقيمنا.
أحمد علي الزين: فيه جمهور عنده المواصفات يقدر يقيم عزف البيانو؟ وين؟
وليد حوراني: إيه طبعاً فيه.. بكل بلد فيه يعني وحتى لو ما قدروا يقيموا بالزبط ويستزوقوا أو بيكون عندهن رأي بعد حفلة حوراني أو حفلة الباشا بيكون عندن رأي.
أحمد علي الزين: شو المواصفات اللي تعطي ميزة العالمية لهذا العازف أو ذاك؟
وليد حوراني: إذا بدي أقولها بكلمة واحدة أقول الأداء، لأنه نحنا كلنا عم نلعب قطع مكتوبة على النوتا كل واحد بيلعبها شكل، بس الناقد بيسمع وبيشوف هالعازف كيف عم يلعبها مختلفة عن غيره، وإذا مثلاً الفورما تبعها مزبوطة، إذا مثلاً القطعة رومانتيكية بدك تلعبها بشكل عاطفي رومانتيكي مش تلعبها بشكل مثلاً هيومارسك بينما الهيومارسك لازم تكون فيها شيء خفيف، هلأ رح ألعب هيومارسك يعني قطعة خفيفة بتضحك اللي مؤلف روسي اسمه روديون شديرن اسمها هيومارسك.
أحمد علي الزين: حتى الواحد يصير عازف بهذا المستوى فيه مشوار كبير بده يمر فيه ويلعبه يعني لمؤلفين كبار كثير، بس بدون شك كل عازف فيه عنده مؤلف يعني هواه بيروح نحو مؤلف معين، يعني مثلاً فلان يعشق شغل بيتهوفن بيحب يلعب بيتهوفن دائماً، الآخر يمكن أكثر هيك بيحب موزارت لأنه أكثر شاعرية أو شي، أنت إذا بدنا تسمي اسم أنت هو يعني بتحس حالك كثير تتقاطع معه أو هواك مايل نحوه من يكون؟
وليد حوراني: صعب كثير أنه سمي شخص واحد لأنه فيه كثير مؤلفين بحب أعزف لهم وأسمع لهم، بس كمان بقدر أقول أنه لأجاوب هالسؤال بقدر أعطي مثل أنا لنحسب بحب الملوخية، لو بدي آكل ملوخية على مدى جمعتين بدي أتعب منها، نفس الشيء هالمؤلف اللي بيعجبني كثير أو فيه قطعة معينة بتعجبني إذا سمعتا كثير بدي أضجر منها، فصعب كثير أني أحدد.
أحمد علي الزين: وأسأل وليد كيف انتبهت إلى عالم الموسيقى؟ من صوّب مسار اللعب ودلك على تلك الآلة؟ فيجيب تبدو أحياناً الصدف هي التي تحدد مصيرنا، كان وليد ابن الأربع سنوات حين بدأ تعلم العزف على آلة البيانو على يد السيدة ساركيسيان، وتعلم دروس السولفيج على يد توفيق سكر وسلفادور عرنيقة، وخطوة خطوة وبتشجيع من أهله ووالده تحديداً الذي كان يعمل في الأمم المتحدة لمع صيته وهو في بدايات العقد الثاني من عمره، ولعل تلك الصدفة التي جمعته بالموسيقي العالمي خبشدوريان صوبت مساره فسافر عام 1963 إلى موسكو ليعود عازفاً متمرساً بعد دراسات وتمارين معمقة، ثم على مطلع السبعينات سافر إلى الولايات المتحدة ليتخصص في التأليف.
ذهبت إلى التأليف وقت بلشت تألف حسيت أنه هذه العوالم اللي عم تعزفها لمؤلفين مختلفين لم تكفِ أو لم تلبي الحاجة اللي فيك فيه نداء أنه لازم..
وليد حوراني: بالزبط، أنا كطفل كنت كثير خلاق وكتبت هالقطع أو ألفتها كانت قطع طبعاً صغيرة وولادية، ولكن بعدين وقت رحت على الاتحاد السوفيتي لأدرس بيانو كثير العزف والتمرين لأصير عازف أخذ من وقتي وما قدرت مارس التأليف أو أدرس تأليف، بس هالشيء ظل بفكري بعدين رحت على أميركا وعملت جولات وأعمل جولات بأوروبا وبمحلات ثانية، كمان ما كان فيه وقت. بالآخر وقت اللي صرت عمري تقريباً 35 حبيت أني أعمل الشيء اللي صار له بفكري زمان أنه أنا حابب أدرس تأليف..
أحمد علي الزين: بعد تجربة هيك بالعزف والاشتغال شو بتعمل الموسيقى بنفس العازف يعني بتكويناته؟
وليد حوراني: البيانو تقريباً مثل أوركسترا، يعني أنا أوقات حتى لو ما عم بعزف لحدا أكون عم أتمرن أو عم أعزف لحالي وإذا نجحت بشيء بحسّ أنه هالأوكسترا إذا عم بسمعها أنا على البيانو بطريقة النقرة على النوتا لأن النوتا على البيانو ممكن تنلعب بطرق عديدة، وأوقات لدرجة بنبسط بهالأصوات اللي عم تطلع من البيانو أنه بيقب شعر بدني وأنا بتجيب لي سرور كثير كبير، هلأ ما إلا ريحة ما نسترجي نقطفها بس حلوة كثير حلوة.
أحمد علي الزين: أنت من الناس اللي على ما يبدو عاشق للطبيعة وللشجر وللفي. عندك النزعة نزعة التأمل وأنت شخص نباتي على ما أعتقد؟
وليد حوراني: مزبوط.
أحمد علي الزين: من إيمتا أنت نباتي؟
وليد حوراني: من شي أوائل التسعينات يعني.
أحمد علي الزين: كيف صار معك هيك؟
وليد حوراني: تعرفت على شخص اللي هو نباتي وقال لي أنه هو ما بيحب أنه يحس أنه هو متوحش أنه يقتل هاللحمة، اللي يقولوا كائنات موجودة هيدي من ناحية. من ناحية ثانية أنا صار معي شغلة طبية براسي اللي خلصوا لي حياتي كانت عملية تسع ساعات ونصف بالدماغ.
أحمد علي الزين: صار عندك مشكلة نزيف أو شيء يمكن؟
وليد حوراني: بالزبط، وقال لي وقتها الحكيم أنه فيه يعني عندي بس كذا أسبوع لأعيشهم إلا إذا عمل هالعملية ونجحت، هلأ وقت خلصوا لي حياتي أنا حسيت أنه يمكن من واجبي أني ما أؤذي أي كائن كان حيوان أو حشرة أو شيء، ومن ناحية ثالثة وهي يمكن أهم ناحية الناحية الصحية هلأ فيه ناس يفتكروا إذا واحد ما أكل لحمة يمكن مش عم يستفيد كثير، بس إذا عمل الواحد بحث بيلاقي أنه فيه كثير أشياء بتطلع من الأرض بتعوض وأنا كثير مبسوط بهالشيء.
أحمد علي الزين: على سيرة الأذية أنت عشت تجربة مريرة في بيروت أو يعني بعض الأهل عاشها مش أنت شخصياً كنت مسافر، أنه بعض أهلك نأذوا كمان بالحرب يمكن أختك وابنها..
وليد حوراني: أختي وابنها وزوجها وسلفها انخطفوا سنة 85 وما عادوا بينوا ما منعرف وينهم، ما بنعرف مين وليش بس..
أحمد علي الزين: النزعة اللي عندك نزعة التأمل يعني أو هيك خلينا نسميها تأمل، يعني هيدي نتيجة علاقتك بالطبيعة؟ أم أيضاً هي نوع من التمرين تقوم به يومياً أم كيف اكتبستها؟
وليد حوراني: ما بعرف إذا هيدي وراثة أنا والدي بيحب هالقضايا كان كثير، وأنا كثير بحب الزراعة وريحة التراب وإني أزرع وشوف هالنبتة كيف بتطلع وبتطعميني خيارة بندورة، كل سنة يعني بحب أزرع وآكل من الجنينة وأزرع كمان أشياء ثانية وزهور..
أحمد علي الزين: عندك جنينة حدّ البيت، بتزرع فيها؟
وليد حوراني: عندي جنينة نعم صغيرة وبجيب أوقات البذر من لبنان ليطلع شيء طيب، وكمان بحب كثير أنه مثلاً روح أخيم بالطبيعة يعني وأطلع على المناظر الخلابة والجبال كثير بحب الجبال بحب الضيعة اللبنانية.
أحمد علي الزين: وأديش بتبقى بهيدي يعني تترك البيانو؟ أديش فيك تترك البيانو؟
وليد حوراني: معلش.. بقدر أترك لحد شهر ما فيه مشكلة، بالعكس هيدي تقوي لي الشوق، وبعدين بتريح الأصابع كمان..
أحمد علي الزين: بحاجة يرتاح العازف يعني لفترة.
وليد حوراني: منعزف 6 أو 7 أو 8 ساعات أوقات بالنهار لنتعلم قطعة لتدخل..
أحمد علي الزين: بدمك..
وليد حوراني: بدمي براسي..
أحمد علي الزين: طيب اليوم بالعالم شحوا الموسيقيين أو المؤلفين اللي بيشتغلوا باللحن اللي فيه شغل موسيقى، صار كثير هيك بيروح عبى الحداثة على الصوتيات اللي ما بتقدر يعني لا تمس روحنا يعني بشكل مباشر، شو رأيك بها؟ شو قراءتك للظواهر هيدي؟
وليد حوراني: أنا أوافق معك مشان هيك أنا عم جرب جهدي أني ما أترك الميلوديات، يعني هلأ الواحد مش ضروري يكون عم يقلد تشيكوفسكي أو شوبان، بس ما ننسى أنه إذا واحد قال جملة ميلوديه جاية بطريقة يعني جملة موسيقية لها معنى أكثر من أنه يكون بس أصوات أصوات..
أحمد علي الزين: على مستوى العيش أنت شو بتعمل غير أنك تعزف طبعاً؟ هذا العزف يكفيك لأن تعيش حياتك بكرامة بحاجيات مضطر أنت كإنسان كعازف كفنان أنها تكون شوي يعني مرفه محاط بشيء من الرفاهية؟
أحمد علي الزين: طبعاً مر علي صعوبات وأوقات بعد فيه صعوبات ولكن كمان أوقات أعلم، وقت إجي على لبنان عم بعطي شيء اسمه ماستر كلاز يعني بيجوا كذا تلميذ وأعلم كل شخص ساعة أو نصف ساعة وكلن بيستفيدوا يعني بيكون في جمهور من أساتذة.
أحمد علي الزين: بتعلمن أمام الجمهور.
وليد حوراني: جمهور صغير، وبالإجمال هاي أشياء بتصير بمدارس موسيقية، بس الشيء اللي أنا أتمنى أنه يكون عندي أكثر يعني..
أحمد علي الزين: بتقدر تنتج عمل موسيقي عم تفكر فيه مثلاً؟
وليد حوراني: بالزبط إذا بدي.. هلأ عم فكر أنتج عمل لسيمفوني أوركسترا كبيرة يعني فوق 100 شخص يعني وهيدا..
أحمد علي الزين: بحاجة لإنتاج لمنتج يعني..
وليد حوراني: بالزبط ويتطلب وقت طويل كثير وتفرغ وأعمل له توزيع أوركسترالي وأعمل شوية بحث إذا بدي بالنسبة للأصوات اللي بدي طلعها عرفت كيف.. أنا طبعاً مثلما سبق وقلت أنا مدين كثير.
أحمد علي الزين: لمؤسسة الحريري.
وليد حوراني: لمؤسسة الحريري ومؤسسة ثانية اللي أعطوني منحوني من زمان اللي كتبت فيها الأنيمال راكز للبيانو هيدي من زمان كانت، وكمان فيه الأستاذ جورج زاخم أعطاني منحة خولتني أكتب..
أحمد علي الزين: أين ووين علمت أكثر؟ مين استقبلت أكثر استقبلت بمعنى الإصغاء والاستماع لك يعني؟ بتحس أنه بالغرب أخذت حقك كمان كعازف عنده حضور عالمي؟
وليد حوراني: إيه أوقات هيك بيصير، طبعاً يتوقف على كمان النهار اللي عم ألعب فيه إذا توفقت فيه، بس بقدر قول إنه أكثر شعبيتي موجودة بلبنان وهذا شيء يسرني كثير لأني أجي على بلدي أو بكون عم بلعب بقاعة مليانة غير شكل هالشيء بيسرني كثير.
أحمد علي الزين: بتحس حالك مستأنس رضيان عن تجربتك، رضيان هيكِ أنه عملت أشياء كنت تحلم تعملها؟
وليد حوراني: بالزبط، يعني الواحد يعني يفضل أنه غيره يقيّمه، ولكن أنا كثير يعني مبسوط اللي صار بحياتي وعندي أشياء كثير حابب أعملها بمستقبل بالتأليف.
أحمد علي الزين: إن شاء الله، لغة وليد حوراني هي تلك اللغة المجردة العالية الموسيقى فيها يجد مقدرة في التعبير عن خواطر وأفكار ورؤى، كذلك عربيته تماهت تحت إنجليزيته، وفي كل حال إن لم يسعف النطق تسعفه تلك الآلة التي تتكثف فيها التآلفات الصوتية والرؤى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق