2008-11-07

روافد مع الطاهر بن جلون

إعداد وتقديم

أحمد الزين: هكذا أراها دائماً غاوية هي المدن المغربية، وأكثرها غواية تلك التي تتمارى في صفحة الماء. طنجة واحدة من مدن الساحل المغربي لكنها تتمارى في مرآتين أو في بحرين المتوسط والأطلسي وتومئ لجبل طارق وللساحل الإسباني، كانت مدينة العالم ذات يوم وحتى عام 1957 ولم يزل بعض هذا الماضي حاضراً ولو بإشارات أو بما تبقى من تلك الذاكرة، طنجة مدينة العالم ومدينة المبدعين أيضاً جاؤوها من كل الجهات وأقاموا وصاغوا أفكارهم وتسكعوا في أحيائها وعلى شواطئها وفي سوقها الماضي، كتبوا ورسموا وتأملوا في دروبها ورحلوا.

الطاهر بن جلون: أقول إن المدينة إيوائية ساعة تعطي الكاتب إمكانيات لكي يحكي قصص ويمكن تكون كلها خيالية تمر في هذا البلد لأن في أشياء غامضة تبقى غامضة، الأشياء التي لا تفهم مباشرة هي باطنة وهذا مهم بالنسبة للكاتب.

أحمد الزين: بالطبع لسنا هنا للتقصي عن الذين أقاموا من كتّاب وفنانين ومثقفين، بل للقاء مع واحد من أهل المدينة هو يقيم في بيوت الناس أكثر من إقامته في بيوته. إذ أنه عالمي مثل مدينته مع فارق أنه هاجر إلى العالم أو هاجر كتابه إلى العالم، لذا نصادفه في أي حي أو قرية أو مدينة أو بيت وبكل اللغات يجالس الناس ويخبرهم مثلاً عن أحلام صغيرة للمهاجرين الذين غرقوا في البحر، أو عن أمه أو حتى عن حوار مع ابنته يجيبها عن أسئلة حول الآخر وحول الإسلام أو حول العنصرية، على أواخر آب من عام 2008 مطحنة الخراب تدور في عالمنا كالعادة لفداحة غيابنا طبعاً والأسئلة تعصف، وكان واحد من الذين شتلوا ورداً كثيراً على الشرفات ونثروا شعراً للأمل وللمستقبل قد رحل هو محمود درويش، وبالطبع آلامه للطاهر بنجلون كثيراً هذا الرحيل، إذاً جملة من الأسئلة تدور في الخاطر عندما يلتقي المرء بكاتب من مستوى طاهر بنجلون، وفي موسم غيابات وفي موسم ضمور فكري لكن يا ترى ما هو السؤال الأكثر إلحاحاً؟

الطاهر بن جلون: الكاتب دائماً يكون عنده أسئلة متعددة وكلها تقلقه وتشط باله، لكن بعد وفاة محمود درويش كان هذا الشاعر وشعره وإبداعه وكل نضاله، هذا النضال وهذا الشعر سيعطي حلاً لأزمة فلسطين، هل سيعطي حل كذلك للأزمات المتعددة في العالم العربي الثقافية منها وهي الأهم؟ فبدون الاعتبار وتقدير الثقافة في أي بلد، نحن نتكلم عن البلد العربي التقدم يكون بطيء جداً، بطيء وفي نفس الوقت نقضي وقت طويل في أشياء تافهة التي لا تفيد لا الشعب ولا سمعتنا ولا طريقنا.

أحمد الزين: بتقديرك الثقافة الآن بعالمنا العربي قادرة يعني تحدث التغيير المرتجى من المثقفين أو نتيجة يمكن نتيجة هيك تهميش أو تغييب صوت المثقف، وبروز صوت نوع آخر من الثقافة ثقافة شوي عم تخلي الإنسان العربي أكتر يعيش بالخرافة إذا صح القول، يعني قادر المثقف بعد يقدر يحدث تغيير مثلما كان سابقاً يعني يؤسس بالقليلة أو حطوا على القليلة حجر أساس؟

الطاهر بن جلون: هو عادة يعني لما تكون أزمة عميقة ومتكررة وطويلة يكون الإبداع قوياً أقوى يعني يكون الإبداع يأتي من الألم، يأتي من الجرح، يأتي من المشاكل من أن لا إبداع في السعادة، أن كل الأشياء تمشي كما يرام وما في مشكل الكاتب يكون يطالع ما عنده ما يعمل، لكن بمجتمعنا بكل أسف..

أحمد الزين: تأتي الكتابة من آلام المجتمع وأحزانه.

الطاهر بن جلون: معلوم، ولكن في نفس الوقت لا زلنا ننتظر ذلك الكتاب أو ذلك الإبداع اللي يمكن يزعج كل العالم مش العالم العربي العالم كله، فنعينا إلى الإخوان الراحلين مثل يوسف شاهين. يوسف شاهين عندما توفي رحمه الله قامت جنازة كبيرة وقاموا بتأبينات، لكن عندما كان على الحياة كان صديقي كان دائماً يجد صعوبات كثيرة لكي ينتج أفلام ولو أنه كان من الأولين اللي قاموا بالسينما، بدنا نعترف بالعمل الثقافي والإبداعي عندما يكون المبدع في صحة جيدة وعنده ما يعطي، فأنا اللي يؤلمني كثيراً الآن هو أن الأزمة السياسية التي يعانيها العالم العربي من زمان أثرت كثيراً على سمعة العالم العربي وعلى ثقافته، فمثلاً ما أعرف ناشر أميركي أوروبي من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا له اهتمام خاص بالشبان اللي يكتبون الآن في مصر في اليمن في سوريا في العراق، ما عنده اهتمام ما يفكر أن العرب لهم مبدعين، الهوية العربية الآن في مأزق، لأن الدعاية.. الدعاية الأميركية بالأخص التي جعلت من كل مسلم إرهابي ممكن..

أحمد الزين: مشروع إرهابي إلى أن يثبت العكس.

الطاهر بن جلون: نحن عارفين ولكن هذا بالأسف نعيشه بألم لأنه لا يصح القول هذا، حرام، لماذا؟ لماذا هذا التعسف على العرب؟

أحمد الزين: لمين بتحمل المسؤولية؟ مثلاً إذا بدنا نحمل مسؤولية لأحد..

الطاهر بن جلون: هي مسؤولية مسؤولية متعددة سلوكنا نحن، فينا عيوب وفينا عدم الاعتراف بالأخطاء، لم نكّون في تاريخنا وفي عاداتنا النظرة النقدية على أعمالنا وعلى نفسنا وعلى سلوكنا..

أحمد الزين: وعلى تاريخنا وتراثنا ونصوصنا، هذا ما أسس للخراب.

الطاهر بن جلون: زائد على هذا، القضية هذه مهمة لكن زائد على هذا ناس في الحكم لم يشرفوا التاريخ والذكرى العربية، ناس وصلوا إلى الحكم بالعنف بانقلابات عسكرية، وبعضهم جعلوا الحكم دخلوه إلى العائلة حتى الابن يرث الأب إلى آخره، أنا كتبت مقال صغير وأقترح فيه على هيئة الأمم المتحدة أن تأخذ قرار مطلقاً لن نعترف أبداً في المستقبل بحكم جاء على طريقة انقلاب عسكري بالعنف.

أحمد الزين: تناول الطاهر بنجلون في كتاباته آلامه المغربية وأوجاع وطنه الأم، تلك الأوجاع الموروثة ومنها المعاصر والمستجد عبر العديد من أعماله، كان آخر هذه الأعمال بارتير أن ترحل التي يروي فيها عن عذابات المهاجرين وأحلامهم، وأول هذه الأعمال حرودة كانت بداية عن ذاكرة وشقاوات فتية، وبين هاتين الروايتين عشرات الأعمال نذكر منها رواية عن أبيه وأخرى عن أمه، وتلك التي أثارت عاصفة وهي بعنوان "تلك العتمة الباهرة عن سجن توزما مارت". قصة سجين ساهم في محاولة اغتيال الملك الحسن الثاني، وكتابان بعنوان "العنصرية مفسرة إلى ابنتي" و"الإسلام مفسر إلى ابنتي" هذان العملان جاءا بعد أحداث 11 سبتمبر، وقد حققا انتشاراً كبيراً وبالعديد من لغات العالم بملايين النسخ وأثارا الكثير من الأسئلة.

الطاهر بن جلون: في البداية كان عمل عائلي يعني بالطبع كانت ابنتي كانت 10 سنين تقريباً وكانت شاركت معي في مظاهرة ضد العنصرية في باريس، وبعدين لما دخلنا إلى البيت وضعت عليّ عدد كبير من الأسئلة وأسئلة خطيرة، تقول لي ما هي العنصرية؟ ما هو الأجنبي؟ ما هو اللي بدون وثائق إلى آخره إلى آخره.. فاستمر العمل تقريباً ستة شهور، من بعد ما صدر الكتاب ولاقى نجاح عظيم في العالم كله ويعني مترجم إلى 35 لغة وبيع منه ملايين النسخ، دخل هذا الكتاب في المدارس وقمت بجولة عالمية وأزور فيها المدارس خاصة الأطفال الصغار لأنه هم اللي عندهم.. اللي فيهم أمل، لأن الإنسان عندما يصل إلى سن..

أحمد الزين: بتقطع منه الأمل.

الطاهر بن جلون: لا لأن عنده أحكام مو كله يغير فكرته، وكما قال سبينو زان أنه دائماً اللي فيه علة تبقى فيها، لكن العلة يكون فيه تطوير.

أحمد الزين: فيه سؤال بدي أقوله إنه بس المبدع واللي يكتب تحت وطأة حدث معين يعني تتزامن أو تبتعد قليلاً عن الحدث، هذا النوع من الكتابة ما بتفقد شيء من سحرها؟ أم هي فقط نتيجة قناعة مسبقة لدى المبدع إنه أنا هذه التجربة اللي عم اكتبها الآن هي فيها شيء من الرسالة، فيها شيء من تبليغ موقف معين؟

الطاهر بن جلون: بالنسبة لي ما فيه برنامج مهيأ من زمان، أنا أساير العصر وأساير الأشياء اللي تكون ناضجة في ذهني وفي خيالي، أكتب عندما أحس بإلحاح بوجود مشكلة يمكن أن أدخلها بالخيال وأجعل منها قصة خيالية حتى القارئ يدخل إلى تلك القصة ويصير مثل ذلك البطل أو البطلة حتى يعيش ويتعايش مع ما يعيش في الرواية، والروائي هو الذي يخترع.. يعني يخايل ويخترع أشياء انطلاقاً من الواقع أكان واقعاً باطناً أو ظاهراً، في بعض الأحيان تكون بعض الكتب غامضة أو صعبة للقراءة لأنها تنطلق من أشياء غير واضحة، ولكن الحياة واضحة يعني الوضوح التام ما موجود.

أحمد الزين: طيب أستاذ طاهر معظم أعمالك أو كلها تقريباً كانت تتناول البيئة المغربية أحوال المغرب، المجتمع على المستوى السياسي الثقافي الاجتماعي، بتقديرك لو كنت كتبت أظن أن هذا السؤال طُرح عليك يمكن.. لو كنت كتبت هذه الأعمال باللغة العربية بلغتك الأم يعني طبعاً أنت لغتك الفرنسية أيضاً هي لغة أم.. كنت حققت هذا الانتشار الواسع ب43 لغة عالمية، وكان الطاهر بنجلون هو الآن الطاهر بنجلون؟ يمكن هذا بيخلينا نتذكر بداية الحوار إنه فيه كتير كتّاب عرب مهمين للأسف يعني الغرب ما انتبه لهم ولا مجتمعاتهم قدمتهم كما ينبغي فبقوا في العتمة في الظل ما حدا بيعرفهم، وهم كمان كانوا مهمين.

الطاهر بن جلون: لا هو سؤال خطير، لأنه فعلاً اللغة العربية اللي هي من أعظم وأجمل اللغات في العالم ومعترف بها دائماً، الآن تمر من مرحلة صعبة لأننا لا زلنا ننتظر الاعتراف بما تعطي هذه اللغة للعالم، وفعلاً الكتابة بلغة أجنبية إن كانت الإنجليزية أو الفرنسية تسمح للكاتب أن ينشر أكثر ويعرف أكثر، لأنه لو كتبت نفس الشي بالإنجليزي لكنت الآن ربما في شهرة أكثر وفي انتشار أكثر لأن اللغة الإنجليزية هي طاغية على العالم كله، والفرنسية صارت الآن بالنسبة للإنجليزية ثانوية جداً، وفيه مثلاً عدد كبير من الكتّاب الفرنسيين في مستوى عالي لم يجدوا مترجمين إلى اللغة الإنجليزية والألمانية، فأنا وأمين معلوف وبعض الإخوان يكتبون بالفرنسية الحظ هو أننا نكتب بالفرنسية لكن في نفس الوقت نعبر عن عالم ليس بفرنسي، وهذا يثير..

أحمد الزين: يعمل نوع من الفضول لدى الآخر لاكتشاف هذا العالم اللي عم تكتبوا عنه.

الطاهر بن جلون: مثلاً الآن الغرب لا يكتشف هذا العالم مباشرة بده يكون..

أحمد الزين: بالواسطة، عبر الرواية عبر القصيدة..

الطاهر بن جلون: الواسطة هم نحن الآن، نسهل عليهم العمل يعني نقربه الغرب نقرب الغرب منا بهذه الطريقة.

أحمد الزين: الإبداع دائماً يأتي من الآلام يقول الطاهر بنجلون، هناك الكثير من الآلام ولا أدري إذا كان هناك إبداع يشفي قليلاً، ولكن يبقى أو تبقى أسماء حفرت في الصخر أو في الجدار ونفذت بعيداً خارج السور، وربما من الذين نفذوا هم أولئك الذين اختاروا مطرحاً خارج السور، والطاهر بنجلون واحد من هؤلاء نفذ بعيداً وبغير لغة، بالطبع هو كاتب باللغة الفرنسية وقد تُرجمت أعماله إلى حوالي 45 لغة ومنها طبع ملايين النسخ، إنما السؤال ماذا يفكر الكاتب عندما يجد أبطال رواياته تتحدث بغير اللغة التي يكتب فيها؟ أن يصبح مثلاً نور الدين في رواية بارتير يتحدث بالأوردو أو حرودة تصبح كتلانية؟ أعتقد أن هذه الأسئلة قد يفكر بها الروائي بين حين وآخر إضافة إلى سؤال العالمية ماذا يترك من مسؤوليات وطموح وكلام؟

الطاهر بن جلون: أحاول أن أبقى في موقف متواضع لأن الترجمة معلوم فخور لهذا لكن لا أبالغ بأهميتها، فالمهم هو أن العمل يكون في المستوى اللي يستحق، لكن في هذه النقطة لا بد أن أشتكي وآخذ هذه الفرصة لأندد بالعمل البئيس الموجود في بلد مثل سوريا اللي فيها قرصنة..

أحمد الزين: بعض دور النشر بسوريا أم..

الطاهر بن جلون: في دار نشر بالأخص مثل دار الورد اللي هي تعيش على ظهري من زمان وما عندها حتى الأدب البسيط أن تبعت لي ولو نسخة كهدية، يعني وتعلمني أن مثلاً كتاب موجود، هذا يعني عدم احترام حقوق المؤلف هي نزيدها على عدم حقوق الإنسان كإنسان.

أحمد الزين: طيب دور النشر الأساسية اللي نشرت فيها ما فيها تقاضي وتجازي دور نشر أخرى تترجم بدون إبلاغك؟

الطاهر بن جلون: لا.. لا، كتبنا، ولأن سوريا لم توقع على الكومنسيون لحقوق المؤلفين مثل الصين مثلاً، لكن اللي يؤسفني كثير إنه عرب يشوهون إبداع كاتب مغربي، وأنا من جملة الكتّاب هم يعني هذا يبهدل ويهشم ويعطي علينا صورة بئيسة جداً.

أحمد الزين: أستاذ طاهر أنت ما كتبت بالعربي أظن؟

الطاهر بن جلون: لا أنا أحترم اللغة العربية، لأني إذا بدأت أكتب فيها سوف أتعسف عليها.. يجب احترام اللغة لأنه أنا ما ممكن لي أن أكتب كما يمكن لي أن أكتب بالفرنسية بنفس الإمكانيات، احتراماً منها أتركها إلى مبدعين يشرفونها ويعطوا الجميل منها.

أحمد الزين: طيب ككاتب باللغة الفرنسية لم تتطرق على ما أعتقد إلى موضوعات تخص المجتمع اللي تكتب بلغته بشكل مباشر، شو السبب؟ لأنه هناك كتّاب فرنسيين آخرين هم يهتموا بقضاياهم وأنا أهتم بقضايا بلادي؟

الطاهر بن جلون: صحيح هذا جواب صحيح، ثانياً كلما كتبت عن فرنسا كتبت مشكلة العنصرية أو الهجرة أو الأشياء اللي هي بصفة غير مباشرة راجعة إلينا، فالعنصرية في فرنسا هي ضد العرب عامة، والهجرة يعني هجرة عربية في.. ففعلاً المجتمع الفرنسي له عوائد له تاريخ أدبي مهم وكبير وعظيم، وعنده عدد كبير جداً جداً من الكتّاب، فيكتبون عن هذا المجتمع وما حاجتهم فيّ أنا.

أحمد الزين: طاهر بنجلون من مواليد مدينة فاس 1944 أمضى السنوات العشر الأولى من عمره في مسقط رأسه، حبا نحو اللغة في المدرسة الابتدائية في فاس، وعندما جاء طنجة مع أهله التحق بالليسيه الفرنسية، عام 1971 سافر إلى باريس لمتابعة الدراسة ونشر أول أعماله شعراً عام 1971 ثم بدأت رحلته في شعاب المجتمع المغربي كروائي، فنشر عام 1973 أول أعماله الروائية حرودة، وفي عام 1987 نشر عمله ليلة القدر الذي نال عليه جائزة غونكور وهي من أهم الجوائز الأدبية في العالم والتي أصبح واحداً من حكامها اليوم، على هامش عمله الروائي والأدبي يكتب الطاهر بنجلون في الكثير من الصحف والمجلات الأوروبية في قضايا العصر وأسئلته وقضايا مجتمعاتنا العربية والإسلامية، يقيم كما ذكرت في البيوت كاتباً ويقيم في الواقع في مدينتين ما بين باريس وطنجة في دارة تشرف على الأمل هو ذاك المدى والأزرق.

الطاهر بن جلون: في ذهني أنا لما كنت صغير كنت أقول اللغة العربية هي لغتي الطبيعية العادية، فأريد أن أبدع وأن أعطي لأبي كتب بلغة أجنبية يمكن يكون فخور بي لأن ابنه يكتب بلغة الاستعمار فبدأت هكذا، لكن..

أحمد الزين: الوالد شو كان يعمل؟

الطاهر بن جلون: كان بسيط كان عنده متجر صغير بسيط، كان في الأول يبيع ثوب وأشياء بسيطة، أنا عشت في بيئة متواضعة جداً.. متواضعة جداً جداً عشناه الحمد لله في خير لأنه مش بس اليوم تشوف الأطفال عندهم يشترون كمبيوتر وعندهم تلفونات، إحنا ما كان عنا، إحنا بالبيت ما فيه لا راديو ولا تلفزيون..

أحمد الزين: كتب كان فيه كتب بالبيت؟

الطاهر بن جلون: كان الكتب.

أحمد الزين: كان الوالد يقرأ؟

الطاهر بن جلون: كانت أمي لأ، لكنه كان يقرأ..

أحمد الزين: يبدو أن هذه البذور أتت..

الطاهر بن جلون: هو كان يهتم كتير بالتاريخ وكان عنده كتب تاريخية يطالعها يطالع التاريخ دائماً.

أحمد الزين: كتبت كتابين واحد بتصور عن الوالد اسمه..

الطاهر بن جلون: يوم صمت في طنجة.

أحمد الزين: يعني هول الكتابين متل هيك عربون وفاء للأهل متل تحية للزمان اللي أتوا به خبرنا عنه شوي.

الطاهر بن جلون: مبدئياً انطلاقاً كانت الكتابة عن والدي في الأول، لكن عندما بدأت الكتابة ابتعدت كثيراً من والدي وجعلت من ذلك الشخص مجموعة من الأشخاص، يعني هو يمثل أربعة ولا خمسة أشخاص فاللي كان يهمني هو الشيخوخة كيف يصل إنسان إلى ذلك العمر، وله ذهنه وذكاؤه وعقله في أحسن على ما يرام لكن في نفس الوقت الجسد يخونه ويتركه في البيت، فكان أبي رحمه الله كان يزعل كتير من هذا، وكان يمزح كتير وعنده نظرة..

أحمد الزين: تهكمية ساخرة.

الطاهر بن جلون: لكن بالنسبة لأمي شيء ثاني، بالنسبة لأمي رافقتها حتى الوفاة لأنها بدأتها مرض الزهايمر هو مرض مؤلم للجميع حتى للعائلة لأن أمك ما تعقل عليك، وتقول لك شو تكون أنت؟

أحمد الزين: نسيت كل شيء.

الطاهر بن جلون: النسيان يصير ألم للجميع، في نفس الوقت كتبت عن كل الأمهات.

أحمد الزين: نتابع مع الطاهر بنجلون جولتنا في عوالمه ومدنه، نقلب في كتبه وألبوماته وصوره، ونعود معه إلى ستينات القرن الماضي تلك الحقبة الثرية والمثيرة في الحياة الفكرية والثقافية والسياسية أيضاً، هو واحد من ذلك الجيل المؤسس الذي خصب المشهد الثقافي والسياسي بأسئلة جديدة وبأفكار زعزعت اليقينيات المطلقة، وأسست لحركات فكرية وثقافية مختلفة، كان الطاهر بنجلون في تلك المرحلة حاضراً في نصه شاعراً وروائياً وناقداً مهموماً بقضايا مجتمعه، أسس مع عبد اللطيف اللعبي ومحمد شبعا ومحمد المليحي مجلة أنفاس، وحين نستعرض إنتاج الطاهر بنجلون كاتباً في حقول المعرفة نجد تنوعاً وثراءً، ويلفت في هذا التنوع انحيازه للفن التشكيلي.

الطاهر بن جلون: التقاليد تقريباً أن الشعراء والرسامين دائماً يجدوا طرق يلتقون فيها، مثلاً أغون وبيكاسو وإلواغ ومع آخر إلى آخره، لما بدأت الكتابة كنت في مجموعة أنفاس لعبد اللطيف اللعبي..

أحمد الزين: المجلة المعروفة.

الطاهر بن جلون: المجلة نعم، وكان معنا..

أحمد الزين: محمد المليحي.

الطاهر بن جلون: محمد المليحي ومحمد شبعا وكان عندنا اهتمام بالفن التشكيلي المغربي لأنه في الستينات لا أحد كان يتكلم عن هذا الفنانين كانوا مجهولين تماماً.

أحمد الزين: إذن في تلك المرحلة انكب المثقفون على توليد الأفكار وإنتاج المعرفة مجلةً وكتاباً ولوحةً مفتونين بشعارات اليسار بالعدالة والحرية والمساواة، وقد تكونت حينها أحزابٌ وتيارات وتنوعت الاهتمامات والتجارب، ماذا عن تلك الأيام؟ وماذا شكلت في وعي الطاهر بنجلون وماذا بقي منها؟

الطاهر بن جلون: أنا أعطي لكلمة اليسار معنىً خاص، أنا لم أكن في حزب بأي..

أحمد الزين: ملتزم بأي حزب.

الطاهر بن جلون: نعم، ولكن دائماً كنت ملتزم بحقوق الإنسان وبالعدالة، حقوق الناس اللي ليس لهم من يتكلم عنهم هذا الذي جعلني أن أكتب، وربما يمكن أن نصف هذا باليسار، ولكن نحن هنا في المغرب كنا نناضل من أجل أول: حرية التعبير في عهد الحسن الثاني كانت حرية التعبير غير موجودة، ومثلاً عبد اللطيف اللعبي الشاعر الكبير المغربي قضى ثماني سنوات في السجن وما عمل شيء الشيء الوحيد اللي عمله أنه كتب، كنا عايشين في سنوات الظلم الظلم تمام والخوف كذلك وعدد كبير من آلاف المغاربة اللي عذبوا وآلاف يعني اختفوا ما نعرف للآن ولهذا عندما محمد السادس وصل إلى العرش وأخذ الحكم قام بعملٍ شجاع جداً ففتح كل ملفات العنف والتعسف على حقوق الإنسان وأعطى الإمكانية لكل الناس اللي عانوا من هذا أن يتكلموا وأن يأخذوا تعويضات كذلك، وهذه خطوة إيجابية عظيمة ما في أي حاكم عربي قام بهذا العمل.

أحمد الزين: بهذا العام بمارس على ما أعتقد كان في معرض الكتاب بباريس وكان ضيف الشرف أظن إسرائيل، وأيضاً تزامن هذا المعرض وضيف الشرف في الذكرى الستين للنكبة، وأنت ما قاطعت لكنك قاطعت العشاء اللي دعا له ساركوزي يعني كيف بتفسر هالمسألة؟

الطاهر بن جلون: لأ أول شي..

أحمد الزين: مش كنت ضد المقاطعة ولكن رفضت العشاء.

الطاهر بن جلون: لأ. أنا كنت ضد مقاطعة كتاب، لأن الكتاب الإسرائيليون هم مبدعون وفي بينهم ناس يحاربون سياسة حكومتهم وما هم ليسوا بخاضعين لأيديولوجية أو لسياسة أو لحزب لا هؤلاء كانوا كتاب لا يمثلون إلا نفسهم..

أحمد الزين: أحرار يعني؟

الطاهر بن جلون: بالضبط هذا من جهة، من جهة ثانية: أنا من زمان يعني أكافح وأناضل من أجل القضية الفلسطينية، وأفضح كل ممكن سياسة الإجرام الصهيوني الإسرائيلي هذا دائماً، ولهذا قلت أنا سألتقي بأموس أوز وآخرون وأحكي معهم عن القضية ونناقش معهم، ولكن أرفض أن أُسلم على شيمون بيريز وأن أجلس معه في نفس الطاولة في عشاءٍ رسمي، لأن الآن كان دفاع عن وجود إسرائيل كما هي الآن، ما في نقض لوجودها كما هي الآن، فلهذا رفضت الجانب السياسي بوضوح ولم أقاطع المعرض لأن في المعرض كُتاب ممكن أن أتناقش معهم ونعطي لهم بعض المعلومات اللي ممكن ما عندهم، وفي نفس الوقت إذا قاطعنا كتاب إسرائيل أو مبدعين إسرائيليين فإسرائيل تكون مبسوطة من هذا تقول شفت نحن هم يعني ضدنا لا أعطيهم هذه الفرصة هذه.

أحمد الزين: على سيرة فرنسا وساركوزي أنت نلت جائزة مرتين وسامين مرة من الرئيس شيراك و..

الطاهر بن جلون: لا ميتران.

أحمد الزين: ميتران ومرة من ساركوزي، يعني هذه الاعترافات على مستوى الحكومات ورؤساء الجمهورية، أيضاً ماذا تقول لطاهر بنجلون؟

الطاهر بن جلون: يعبرون بصفة رسمية عن فرحتهم وعن اعتزازهم بأن كاتب مغربي وفي نفس الوقت فرنسي يقوم بعمل من أجل الدفاع ضد العنصرية والدفاع عن حقوق الإنسان هذا بمعناه الحقيقي هو هذا، أنه كل ما أقوم به هو في صالح حقوق الإنسان والعدالة واحترام تلك الحقوق أكانت في فرنسا أو في المغرب.

أحمد الزين: عم نحكي عن الجوائز أيضاً نلت جائزة مهمة من بين الجوائز المهمة الفرنسية عم نحكي عن الفرنسية على الأقل هي جائزة بونكور عام 1987، الآن بعد مرور حوالي 20 سنة أنت أصبحت عضو في الأكاديمية التي تمنح هذه الجائزة، طبعاً هي ترتب عليك مسؤوليات كبرى من حيث إنه أنت تضطر الآن أن تقرأ كثيراً كي تكون عادلاً عندما تمنح الجائزة أنت والزملاء الآخرين، ولكي تكون عادلاً عليك أن لا تكتب كثير صار يعني بده يجي شيء على حساب شيء؟

الطاهر بن جلون: في فترة مخصصة إلى القراءة أقرأ تقريباً أحاول أن أقرأ رواية كل يومين أو يوم على حسب الحجم للرواية، وهذا تمرين عظيم لأن من قبل كنت أطالع رواية من أجل يعني السعادة، أما الآن فأقرأ لكي أبحث عن رواية يمكن تنال تلك الجائزة العظيمة اللي هي تعطي إمكانيات ضخمة للكاتب والناشر في.. ولهذا أقوم بعملي بجد في نفس الوقت معنا في اللجنة بغناغ بيغو فعندما تكون مع بيغو مستحيل أن لا تقرأ لأنه هو يقرأ كل شي وعنده أسلوب للقراءة بسرعة أنا ما عندي ياه، ولهذا هو على حسب ما كتب مبارح هو قرأ 37 رواية أنا قرأت إلى 20 في نفس الوقت، لكن هذه القراءة بكثرة تعطيك نظرة شاملة بانورامية عن الأشياء اللي تدور الآن في خيال..

أحمد الزين: العالم والكتاب.

الطاهر بن جلون: لاحظت أن المشكلة الأساسية الآن هي الجنس، الانطباع اللي عندي هو الكامن لأنه في أكثر من 300..

أحمد الزين: عمل روائي.

الطاهر بن جلون: ينشر في سبتمبر، لكن نحن يجب أن نختار في ذلك تقريباً 15 في الأول، داخل هذا سوف نختار بعدها سبعة وبعدين خمسة وبعدين واحد.

أحمد الزين: كنا نلاحظ أستاذ الطاهر بنجلون أنه خلال أو قبل صدور أي كتاب تقريباً يعني أي كتاب كنت تنشره كانت تثار بعض المشاكل هيك قضايا يعني تثار ضجة حول الطاهر بنجلون أو حول ما كتب أو ما سوف يكتب، بتقديرك لماذا كانت تثار هذه الموضوعات اللي هي كانت تحاول إنه تجرّح فيك أو توقع فيك ببعض المطبات، يعني هو كان نية تشويه صورتك ككاتب مثلاً أم شو الأسباب؟

الطاهر بن جلون: عندما يبرز اسم لا بد كل العالم في أي مجتمع..

أحمد الزين: تستل السكاكين والخناجر للأسف.

الطاهر بن جلون: ولكن أنا يعني ما آخذ ما أدخل في لعبتهم لأن المهم هو الهدف شو الهدف لهذه الناس أن أقف على الكتابة أنا لا أقف..

أحمد الزين: الناس اللي تعرفهم أنت يعني هن اللي خلف وراء هذه الحملات بتعرفهم؟

الطاهر بن جلون: آه فيهم ناس يعني معروفين أنا ما يهمني..

أحمد الزين: هنّ أولاد مهنة بيكتبوا كتاب وشعراء وكذا.

الطاهر بن جلون: أنا أرفض أن أدخل معهم في صراع أو في نقاش أو في تفسير، أتركهم إلى مشاكلهم النفسانية وأستمر في كتابتي.

أحمد الزين: أستاذي طبعاً مثلما حكينا قبل شوي عن الجوائز نلت العديد من الجوائز، ومثلما ذكرنا هو اعتراف شعبي ورسمي من الحكومات ومن جهات ثقافية ومنابر مهمة في العالم، أنت على المستوى الشخصي كيف تكرم نفسك؟ كيف تكافئ نفسك بس تكتب رواية وتنبسط فيها؟ شو بتعمل؟ بتدعي الأصدقاء لجلسة مثلاً تحتفل بنفسك؟ لا شيء، راضي عن تجربتك عند هذا السياق بشكل عام؟

الطاهر بن جلون: مش راضي 100% لكن أكون صريح مع نفسي وأقوم بعملي بنزاهة وبدون أن أخون مبادئي وأفكار الأساسية اللي ماشي بها في الطريق، يعني أظن ما فيه اعتزاز وما فيه.. يعني لما أكتب كتاب أكون دائماً أشك من كل شيء، وأقول ربما هذا يكون فشل.. ربما لست في مستواه، وأظن الجائزة الكبرى هي أهم جوائز اللي يميلها كاتب هو الجمهور اللي يعطيها، مش الاعترافات الرسمية، الجمهور اللي ما يعرفك ولكن يضحي ويمشي يشتري كتبتك ويقرئهم ويراسلك هذه هي الجائزة..

أحمد الزين: هذه جائزة نبيلة. طبعاً بس نحكي عن طنجة بأي مكان بعالمنا العربي أو بالعالم يمكن دغري يتبادر للذهن اسمين اللي هو الطاهر بنجلون ومحمد شكري الله يرحمه، عندك كانت تجربة.. عندك تجارب مع الكثير من الكتّاب والتشكيليين منهم محمد شكري الكاتب الروائي، اللي أنت أيضاً أسهمت كان إلك إسهام مثل بولبوز الأميركي بنقله إلى الفرنسية، يعني تقاسمت محمد شكري.. شو بتخبرنا عن هيك بعض التفاصيل الصغيرة نحن لا نعرفها عن التجربة بينك وبين محمد شكري؟

أحمد الزين: لا هي تجربة خاصة لأني أنا لم أترجم من كتاب إلى كتاب، كان محمد شكري يأتيني كل صباح بصفحتين أو ثلاث يقول لي.. الواقع أنه بالنسبة لبولس كان يحكي معه وبولس كان يسجل وبعدين يكتب على آلة التسجيل، فما كان عنده موجود فبدأ يكتب.. أنا فهمت هذا من بعض أسابيع لأنك قلت له يوم ائتني بالكتاب قال لي لأ لا أكتب، فقمت بهذا العمل أظن أجعله في النضال لأنه كان محمد شكري رحمه الله إنسان مظلوم والحياة كانت صعبة معه، وبولبوس ما نزه معه كان استغله وتركه، فأنا قلت هذا مش معقول هذا كاتب استغله الأميركاني وما أعطاه الدراهم أعطاه شيء بسيط يعني أشياء تافهة، وفي نفس الوقت كان يشتغل في مدرسة هون في طنجة وكان تعبان، كانت حياته ما كان عنده مال وما عنده شي، كان عنده طموح كبير أن يكون كاتب ويكون معترف به ومعروف وكذا.. فساهمت في هذا بكل تواضع، ما عملت منها يعني قضية.. وما أخذت منه أي درهم واحد عملت هذا الشيء مجاناً وأعطيت التجربة إلى ما سبيرو اللي كان هو صديقي وماسبيرو نشر الكتاب وكان النجاح بعده الخ..

أحمد الزين: بعض أعمالك تحولت يعني إلى أعمال درامية بالمعنى الدرامي يعني مسرح وسينما، أنت كنت راضي عن هالتجارب؟ يعني عادةً الكتّاب ما بيستأنسوا كتير أنه أحد يخرج عمل لهم لأنهم ينتقوا أو يشوهوا أحياناً؟

الطاهر بن جلون: الرواية شيء والشريط شيء آخر لهم ربما أشياء تتقارب، لكن هو غلط كاتب يكتب الكلمات والمخرج يعبر بصور، فهذا شيء ما ممكن نقارنه عمل مخرج سينمائي مع عمل روائي، فالغلط يأتي من هذا.

أحمد الزين: بدي اسألك أسئلة سريعة طبعاً الطاهر بنجلون مغربي عربي مغربي فرنسي صار منتشر بـ 43 لغة بالعالم مثلما ذكرنا، شو مفهومك للانتماء للهوية للوطن؟

الطاهر بن جلون: شيء عاطفي يعني ما يمكن نفسره، أنا أكون مرتاح عندما أكون في بلدي المغرب في طنجة أكون مبسوط مرتاح..

أحمد الزين: وبتطل من الشباك على المدينة القديمة؟

الطاهر بن جلون: إيه هاي الحياة أشياء بسيطة ما فيه يعني أشياء..

أحمد الزين: في أوروبا ولو أني أتجول كثيراً ولو أن عندي جواز أوروبي تحس نفسك أنك أجنبي في مرة أو مرتين في السنة تحس أنك أجنبي، لكن هون تشعر ببلدك والوطن هو كل شيء.. هو المبدأ هو المرجع هو الرجوع إليه دائماً.

أحمد الزين: جميل، طيب حكينا شوي عن الموت بطريقة غير مباشرة عبر رحيل محمود درويش، تخاف أنت من تلك المسألة؟

الطاهر بن جلون: غريب من قبل ما كانوا يحكوا لي عن هذا السؤال، هذين السنتين الأخيرتين..

أحمد الزين: أنا بسحبه..

الطاهر بن جلون: لا.. لا.. لا هذا ما فيه.. أنا لا أخاف من الموت أبداً، أخاف من المرض..

أحمد الزين: العجز..

الطاهر بن جلون: المرض، وكما قالت ماغاهيروداس: الموت هو المرض، إذن الموت ما معناه وقوف السكتة القلبية خلاص تمشي ما في ديمومة، أما المرض والعذاب الذهني الفكري والجسدي هو الموت، فيه موت تبقى أربع سنين خمس سنين وهي تشتغل معك تدخل إلى جسدك وتحطمك شوي شوي هذا تعذيب، هذا مش.. يعني لأ هذه الفكرة أن الموت ليست بالثانية التي يتوقف فيها القلب، الموت هي الدخول إليه..

أحمد الزين: الطريق إليه.

الطاهر بن جلون: طويل وتعذبك كما يقال المؤمن مصاب.

أحمد الزين: أنا ما بعرف أديش أنت عاشق، بس من خلال الكتابات شو الحب بالنسبة لإلك؟

الطاهر بن جلون: أسئلة أصعب من الأسئلة السياسية التي وضعت عليها من زمان، لا جواب لها.

أحمد الزين: لا جواب لها. أنت رب عائلة وعندك أولاد وتحبهم ويأخذوا لك من وقتك، صرفت وقت على حالات حب سابقاً؟

الطاهر بن جلون: الحياة اليومية تعطيك إمكانيات أن تكون بأشياء بسيطة يعني تستمر بعض الساعات مع الشخص اللي تكون معاه مبسوط ومرتاح هذا هو الحب، يعني إن كان صديق أم صديقة أم زوجة أو ولدك أو ابنتك شيء يعني أشياء بسيطة، الناس يفكروا أنه عندما نتكلم عن الحب دائماً يشوفوا الأفلام الدراماتيكية أن.. ما أجمل الأشياء البسيطة هي الجميلة الأشياء المتواضعة والبسيطة هي من الصعب أن نجدها، اللي يعني نار تشتعل في.. اف.. بعدين كل شيء رماد وبكاء وعذاب..

أحمد الزين: شو العمل اللي كتبته وعمل لك نوع من.. عذبك، يعني حسيت أنه أنت عم تتعذب مع هذه الشخصية أوتلك، فينا نحكي عن عمل له علاقة بالسجن؟ هذه العتمة الباهرة؟

الطاهر بن جلون: ما عذبني، لكن كنت في حالة ثانية يعني ما كنت في حالة عادية عندما كنت أكتب الرواية، لأني دخلت في ذهن وفي رأس الشخص في السجن وكتبت بدون انقطاع مدة أربع شهور بيوم وليلة كنت أكتب دائماً..

أحمد الزين: خلصت بأربع شهور الرواية؟

الطاهر بن جلون: ولكن بعدين فيها أعمال.. لكن الكتابة الأولى أربع شهور ولكن بحمى يعني كانت عندي..

أحمد الزين: شو الأشياء اللي بتجرفك بتشدك هيك على شيء من الشجن من الحنين، فيه أشياء تلتقي فيها بتسمعها بتشوفها؟

الطاهر بن جلون: الحنين خطر على الإنسان لأني أحاول أن لا يكون الماضي يعني كصديق يخونك يومياً، بالأحسن أرى إلى المستقبل ولا أعتمد على الماضي لأن الماضي ماضي مات خلص، وما أستغله لا بالحنين ولا بشيء الأشياء اللي ماتت.. ماتت خلص، فالحنين هو كذب عن نفسي وعن عاطفتي وعلى كل شيء، وكما أقول في رواية أن الحنين هو الذاكرة التي تقنت، يعني الذاكرة لم تجد ما تعمل إذن تعيدك إلى الماضي وتلعب بك وبعدين ترميك.

أحمد الزين: لعلنا قد أضئنا بعض نواحيٍ وجوانب ومحطات من حياة الروائي والكاتب الطاهر بنجلون، بدءً من طفولة بعيدة من مدينة فاس إلى طنجة يوم كانت مدينةً دوليةً ملتقى الأفكار والتجارب، إلى باريس ووطن آخر شعاره دائماً العدالة والحرية، مدافع نحن عن حقوق الإنسان الطاهر بنجلون ممتع أن نتعرف عليه بمقدار ما نقرؤه في كتابه في ليلة القدر مثلاً أو أطفال الرمال أو أن ترحل وسوى ذلك الكثير، تركناه في همكة القراءات لجائزة بونكور الذي هو واحد من أعضائها وعلى حاسوبه مشاريع أعمال جديدة وأسئلة حول مسارنا ومصيرنا.

هناك تعليق واحد:

  1. حوار رائع بروعة السائل والمجيب .اتمنى لك أخي التوفيق الدائم واعتبر نفسك مغربيا فانت في القلب و الخاطر وحلقات برنامجك فضاء للفائدة والمتعة

    ردحذف