2009-07-07

روافد مع المعماري معاذ الألوسي

إعداد وتقديم

أحمد علي الزين: التقيت هذا الرجل هنا في بيروت. وبيروت بالنسبة إليه الخالة الحنون، هكذا يسميها، حيث جعلها أختاً لأمه بغداد، ربما لأنه وجد فيها ذات يوم الأم البديل أو الموازي أو المؤقت، فسماها الخالة الحنون، وهي بالنسبة إليه فضاء للإبداع والسؤال والحرية، فالتسكع قرب الأزرق يسمح للنفس بالإبحار إلى عوالم بعيدة تقع على تخوم الشوق الغاضب لوجه أو بلاد أو بيت أو نافذة أو حي، وكل هذه الأشياء كانت في مختبره معمارياً وتشكيلياً مفتوناً بالأقواس وانحناءاتها وبالوجوه الغائمة خلف ترابها. هو معاذ الألوسي عراقي جوال في الأمكنة والألوان وفي البدء أيهما أقرب إليه؟ المعماري أم الرسام؟

معاذ الألوسي: لو في اللغة العربية موجودة السلاش، لو أقول المعماري/الرسام.

أحمد علي الزين: نعم.

معاذ الألوسي: المعماري أهم.

أحمد علي الزين: معماري أهم.

معاذ الألوسي: أهم لأن هو المهني من بداية، المهنة بداية، قد يكون الفن المنفذ للعمارة في البداية، بس العمارة كانت هي الطاغية في حياتي.

أحمد علي الزين: يحياتك وبشغلك.

معاذ الألوسي: في الشغل وفي المهنة والاستمتاع وفي المعاناة.

أحمد علي الزين: بس بدون شك يعني التشكيلة اللي فيك تجنّب العمارة، يمكن استفدت من الطاقات الفنية ومن الشطحات يمكن بشغلك بالعمارة.

معاذ الألوسي: بالتأكيد. دراسة العمارة توسع آفاق التشكيل كتير، خاصة في تاريخ العمارة علاقة العمارة بالفن والفن بالعمارة، القيم الجمالية في العمارة قد تتوازى مع القيم الجمالية في الفن، بس الترجمة تختلف، الميديا تختلف، الإنسان اللي تتعامل ويّاه يختلف.

عالمه الخاص معه على الكمبيوتر

أحمد علي الزين: يقيم معاذ الألوسي الآن في قبرص، ويحمل حياته في حاسوبه، وهذا ما هوّن عليه مشقات المسافة والرحيل ما بين الحاضر والماضي أو ما بين مكان وآخر، وبلمسة واحدة يأخذك برحلة إلى مدن وأحياء وصروح وشوارع، إلى ألوان وتجليات وأفكار. هنا الكرخ وقد أعدت تصميمه وتأهيله وفاء للذاكرة ولأمي. وهذا شارع حيفا في بغداد هو أيضاً أعدنا تأهيله، وهذا بيت الأهل على ضفاف الفرات، ويخطر في البال في هذه الجولة، إن خسارة المعماري قد تكون مزدوجة في حالة الحروب بحكم تدخله المباشر في قيام هذا المبنى أو إنشاء هذا البيت. فكيف يرى معاذ الألوسي إلى عراقه؟

معاذ الألوسي: يوم أشعر بتفاؤل ويوم أشعر في خيبة أمل كبيرة. أشعر في يأس، بعض المرات بصيص أمل يجي ويقول لك: لأ. هذه - خاصة بغداد - رأت ما رأت في التاريخ، أنا أشوفها مغضتة صارت، كبرت بسرعة، وأنا أخاف على شيء أهم شيء أنه بدأت الذاكرة اللي عندنا، الخزين اللي موجود بدا يشوّش بدأ يضبضب، مش ذاك الوضوح، إذا أريد أروح على منطقة مثلاً في طفولتي، لها لون آخر، لها صفة أخرى، لها مش تلك اللي أنا أعرفها، أبداً، هذه مخيفة، هذه تخوّف، أن بغداد اليوم، أو بغداد الغد، هي غير بغداد اللي نعرفها نحن.

أحمد علي الزين: كيف بتشوف صورة المستقبل؟

معاذ الألوسي: قلت لك فيه بعض مرات بصيص أمل، مين يشوف أن هامش حرية موجود مع سوء استعمالها في كثير من الأحيان، قد تكون منطلق إلى..

أحمد علي الزين: تؤسس لشيء.

معاذ الألوسي: تؤسس إلى مجتمع متحرر منتج يخرج من هذه الظلمة، مثل ما تسمى هذه الردة، أنا أسميها ردة، لأنها رجعية بالتأكيد.

أحمد علي الزين: طيب. طبعاً أنت غادرت العراق لأكثر من مرة في البدايات، غادرت للدراسة في أنقرة وفي بريطانيا وغادرت لاحقاً بأعمال أتيت بيروت ثم إلى قبرص، ولكن آخر مغادرة كانت مغادرة طويلة كتير، يمكن فوق العشرين سنة تقريباً؟

معاذ الألوسي: أي نعم.

أحمد علي الزين: طيب وقت تطول هالقد المسافة من الزمن بين المرء ومصدره ومكانه وبلاده شو بصير بالشوق؟ شو بصير بالحنين؟ شو بصير بالذاكرة؟ شو بفكّر يعني؟

معاذ الألوسي: كل مغادرة كان لها طعمها يختلف عن التانية. المغادرة الأولى بالعكس..

أحمد علي الزين: فيها سعادة.

معاذ الألوسي: سأرجع أنا وأشتغل وأخدم، والمغادرة الثانية نص مغادرة. في الـ 74 لما تركت.. موجود مكتبي في بغداد، موجود بيتي في بغداد، موجود أهلي وأصدقائي في بغداد، أتردد على بغداد وأشتغل. هو الخروج الأخير كان أكثرهم إيلاماً، لأنه تشعر ذاك الوقت أنك أنت تاريخ. أنا يعني عايف كل شي مثل ما يقولون عندنا بالعراقي. وما كنت أتصور أني ما أرجع بسرعة، وطالت يعني كل ما أريد أرجع، الجميع من أهلي إلى أصدقائي، إلى شركائي بالعمل، إلى طلابي يقولون لك لا ترجع بليز. من فضلك ابقّ بعيداً.

أحمد علي الزين: حتى؟

معاذ الألوسي: لا تخيّب الآمال. خليها مثل ما هي. ولو أنا لما تركتها ثاني مرة بعدها ما طاردة لأهلها، طاردة إلى جزء قليل من المثقفين، هلأ طاردة الجميع، بغداد تطرد الجميع، أربع ملايين واحد برّا، كل المثقفين برّا. بالثمانينات مثقفين تركوا أيوة. بس هلأ طاردة الجميع، بغداد ما تريد حدا. هيك يعني قاعدين في بيروت، وبأي محل، بماليزيا الفريق العراقي يلعب فطبول كرة في سنغافورة، نص الموجودين.

أحمد علي الزين: عراقيين في كل مكان.

معاذ الألوسي: في كل مكان. بدأت تطرد أهلها. وفي من يأخذ محلهم.

أحمد علي الزين: تحدثت ببداية الحديث عن أن هذا الوطن والبلاد صارت ترثّي، حتى الإنسان يعني بيتهلل وضعه، كل شيء كأنه صار عتيق، صار خرب، يعني بس هيدي تراكمات النظام والحرب، أم هناك أشياء ساهمت أيضاً في هيك تشتيت الشخصية العراقية وفي تبديدها؟

معاذ الألوسي: المساهمة كانت مشتركة. الجميع ساهموا في خلق هذه الأجواء. يعني إذا كانوا سياسيين وإذا مثقفين متهافتين والمتهافتين على المتهافتين منهم كُثر. المصيبة الكبرى أن المؤسسات من أصغر مؤسسة وهي العائلة استُهدفت، يعني الابن يتجسس على أبيه، والأب يروح يسلّم ابنه لأنه هارب من الجندية. فالعائلة والمدرسة، مدارسنا كانت من أجمل ما يكون، ومن أبدع ما يكون. أساتذتنا هائلين كانوا، درس النشيد والموسيقى كان يجينا لما كنا أطفال جميل بشير..

أحمد علي الزين: والرسم

معاذ الألوسي: درس الرسم.

أحمد علي الزين: شو استبدل هذه الدروس بشو استبدلت؟

معاذ الألوسي: يوم الخميس كنا نوقف في رفعة العلم، هلأ يضربون رشاش.

أحمد علي الزين: رشاش.

معاذ الألوسي: رشاش. فالنتيجة أن هذا طلع ونزل للشارع يذبح ويقتل وينهب، لأنه متعلم يضرب رشاش، ما تعلم أن يحب الثاني ويحب الجمال ويحب اللون ويحب الموسيقى، ما تعلم عليه. تعلّم يحب الرشاش.

أحمد علي الزين: خروجك الأخير من بغداد، شو كان السبب المباشر يعني؟ شو هي القشة التي قصمت ظهر البعير متل ما بيقولوا؟

معاذ الألوسي: الحرية والخوف من الصدأ والمساومة.

أحمد علي الزين: خفت على حالك تصدّي؟

معاذ الألوسي: تصدّي أولاً، وبعدين تساوم، تجبر أن تساوم، أنت تمشي بالشارع ويجيك واحد، إلى اليوم يعني، يعطيك الميكرفون: بطاقة تهنئة، تهنئة شو؟ معاناة الفقير؟ معاناة الأرامل؟ ملايين الأرامل موجودين عندنا عدد هائل يعني أتذكر أنا مشتغل مع الأمم المتحدة ربات البيوت والعوائل اللي تديرها امرأة ما في رب أسرة، عدد هائل.

أحمد علي الزين: معظم الرجال قتلوا في الحروب.

معاذ الألوسي: قتلوا أو شوهوا أو خوفاً، أو ذبحوا أو ذوّبوا أو.. خوف.

أحمد علي الزين: ونجوت بنفسك أنت تقيم في قبرص.

معاذ الألوسي: مثل ما يقول نزار: قبرص أعطتني سما بحجم الطاولة.

أحمد علي الزين: ولد معاذ الألوسي في بغداد خريف عام 1938. والده كان معمارياً ورساماً، ويبدو أنه ورث منه الحالتين. أما مصدر العائلة الألوسي فهو يعود إلى جزيرة في الفرات بالقرب من حديثة تسمى ألوس، وكانت قديماً مركزاً لأحد الأباطرة الساسانيين، جاءها الأجداد قديماً هرباً من العراق، واستقروا فيها وصاروا يعرفون هناك باسم البغدادي. أما عندما عادوا إلى بغداد من جديد حملوا اسم موطنهم الجديد معهم ألوس. وعائلة الألوسي هي واحدة من العوائل العريقة في العراق. فمنها رجال الدين، والمفتين، والحكام، فجدّ معاذ أبو الثنا كان مفتي بغداد، وعمه كان حاكماً في جنوب العراق، ولكن الوالد كما ذكرنا خرج عن السرب. كان معاذ في طفولته كما يروي يجالس والده وصديق والده محمد صالح زكي وهما يمارسان فن الرسم على شرفة بيتهم الممتدة فوق دجلة فيخربش بفتافيت الألوان أحلامه الأولى قبل أن يبدأ خطواته نحو التخصص لاحقاً في فن العمارة في أنقرة ثم في جولات أوروبية مهدت أمامه ليكون واحداً من بين أبرز المعماريين في العراق. فكيف بدأت رحلته هذه؟

معاذ الألوسي: أمي من الكرخ، أبي من الرصافة، أمي من الكرخ من ست نفيسة، ست نفيسة اللي هي الشريعة اللي كانت هلأ في تطوير منطقة الكرخ مكتبي فيها، لما انباع هذا البيت والمدرسة عندهم هناك، أعطتني المصاري ورحت درست فيها، ورجعت لتطويرها تصور. تركت بالـ 80 ورجعت على ذات المنطقة وبقيت 8 سنين أنام في المنطقة وأشتغل على تطوير المنطقة. كانت فد نوع من اللذة لا توصف.

أحمد علي الزين: وآثار عملك بعدها قائمة بالمنطقة هنيك؟

معاذ الألوسي: طبعاً. حاولوا يعني أنا شفت من مهندسين أمانة العاصمة اليوم عملوها مثل الدكيومانت المقدسة.

أحمد علي الزين: إذا بيتحدثوا العراقية عن صروح قائمة في العراق، أو ربما خارج العراق لأنه أنت عندك إنجازات موجودة في عُمان وفي الكويت، شو هي الصروح اللي بيتباهوا فيها إذا قلنا أنها هي من إنجازاتك؟

معاذ الألوسي: من إنجازاتي ما أعتقد في شيء.

أحمد علي الزين: ما في.

معاذ الألوسي: لا. شارع حيفا. الجزء السادس، وتطوير شارع حيفا كله، إدارته وتنسيقه وتأثيث الشوارع، ووضع الخطوط الفنية، واختيار الفنانين، مواضيع الفن وسأحكي لك مواضيع الفن، حياتي ثمان سنين قضيتها من حياتي في هذا الشارع. يومياً من الصبح إلى الليل.

أحمد علي الزين: بدأ معاذ الألوسي حياته العملية منذ عودته من التخرج عام 1961، ليعمل في المكتب الاستشاري مع رفعت الجادرجي، موقعاً سنة بعد سنة تجربة غنية في التصميم والإنشاء والإبداع الفني، فمنشآته العمرانية ممتدة إضافة إلى العراق إلى عواصم ومدن عربية وعالمية مختلفة من قصور ودور للثقافة ومنشآت تجارية وبنوك ومساكن، فمن صلالة في عُمان، إلى السودان، فالكويت، وأرمينيا وبرازافيل وصولاً إلى تصميم وإنشاء قرى على خط الاستواء. وللألوسي محطات مفصلية في تجربته، منها بيروت مثلاً، حيث استقر فيها لسنوات، إلى عواصم عديدة من العالم حتى استقر في جزيرة قبرص منذ أكثر من عشرين سنة. ولعل خياره لهذه الجزيرة جاء من حنين غامض لجزيرة الأجداد في الفرات، أو لبيت الأهل على ضفاف دجلة.

أحمد علي الزين: طيب. وقت اللي بيتحدثوا عن تجربتك بالعمارة بيحكوا عن شيء من التماثلية، وبيتحدثوا عن هالقوس اللي يميّز عمارتك، طبعاً قوس مش جديد بالعمارة الإنسانية بشكل عام، ولكن أنت يبدو اعتنيت فيه أكثر من سواك يعني، شو سر هذا القوس اللي يتردد دائماً بعمارتك كمفردة دائمة؟

معاذ الألوسي: ما بعرف يمكن لأنه طفولتنا كلها..

أحمد علي الزين: أقواس؟

معاذ الألوسي: طفولتنا، شوارعنا، بيوتنا، إضافة إلى أن القوس لما يندرس يعطي مجال للإبداع أكثر من الخط المستقيم، أو الشباك العادي، أو الفتحه، ويعطي معاني كثيرة لما يتكرر، يعني تكرار القوس لما يتحول إلى رواق، هو مش ذاك القوس اللي هو المفرد من وجوده أو اثنين أو ثلاثة، ولا ذاك القوس ذاته المقبب. الأستاذ جبرا فسّره في.. اختير في مقدمة لكتاب كتير حلو، أن الارتفاع والاستمرار بالارتفاع من دون الحس بالنهاية والنزول، هو اللي خلّاه يكسب هذه الجمالية، يكسب نوع من القدسية. وقلت لك أن القوس يعطي حاله للتصميم، إذا كان قوس قصير، إذا نص قوس، إذا ربع قوس، إذا ترتفع فيه توصل إلى مثلاً الغوطيه أقواس الغوطية أو أقواس الرومانيسك مثلاً، هو يعطي حاله إلى أقواس أصفهان وأقواس المستنصرية. تختلف كلها تختلف، تعطي، في مجال للإبداع فيه.

أحمد علي الزين: فيه إمكانية اللعب فيه أكثر.

معاذ الألوسي: في نوع من الانتماء، يخاطب أسهل، المقابل الآخر، يخاطبه يقول له: أنا من هون.

أحمد علي الزين: له علاقة بالذاكرة.

معاذ الألوسي: بالذاكرة. أنا من المنطقة. أنا ابن المنطقة.

أحمد علي الزين: سؤال الهوية والمدينة قد يشغل المعماري أكثر من سواه، والمعماريون الذين ينتمون إلى جيل عمل على مخاطبة الذاكرة والتوفيق ما بين التراث والحداثة هم أكثر اهتماماً بهذا السؤال أمام العشوائيات التي تجتاح المكان والذائقة، وتمحو يوماً بعد آخر ما تبقى من العمارة التراثية التي تدل على هوية وانتماء، فالنمو متسارع لعدد السكان، يفرض هذا الارتجال في المساكن والعمارة التي غالباً لا تخضع لرقابات أو شروط بمقدار ما تبتغي الربح على حساب أي معنى في الجمال والانتماء والهوية. فهل يمكن التحدث اليوم عن هوية معمارية في عالمنا العربي؟

معاذ الألوسي: واحدة من الأشياء، حقيقة من المآسي اللي تصيب المدينة، مدينة المنطقة، إن كانت عربية أو غير عربية، إسلامية أو غير إسلامية، هو تخلخل النسيج في المدن. مدننا دائماً كانت محيوكة حياكة حول قصر الإمارة، والجامع الكبير. الجامع الكبير النحت الفني الوحيد بالمدينة، منشوف المدينة متجانسة مترابطة متراصة ما عدا فتحات الفناءات، إلى أن يجي الجامع بقبّته ومنارته ولونه، ولا اللون الواحد في المدينة، اللي صار أولاً..

أحمد علي الزين: الجامع، ما في كنيسة أيضاً؟

معاذ الألوسي: والكنيسة أقصد، العفو حتى الكنيسة أيوه.

أحمد علي الزين: لأنه أيضاً المدن..

معاذ الألوسي: بالضبط، كلها أنا قلتها لأن المدن إسلامية. وعندنا قرى مسيحية كتيرة يعني في شمال العراق، مغلقة مسيحية، ذات النسيج، بتيجي من التقاليد أكثر، اللي حدث أنا أسميها مدن صدفة، مدن صدفة، تكتشف نفط تصير مدينة، وتتوسع جديد من دون نمو طبيعي، يعني مثل إنسان يولد ناضج، ما ممكن، المدينة يراد لها نضوج، يراد لها عتق، يراد تعتيقها مش عتق، تعتيق يعني يراد لها زقاق، وله ذكرى، تمشي بشارع وتقول لك: هذا جدي كان هون.

أحمد علي الزين: مرت عليها أجيال.

معاذ الألوسي: هذه يعني.. لما توقف في بغداد وتشوف نهر دجلة عم يمر رأساً يجيك التاريخ كله قدامك، من هولاكو إلا ما بعرف مين، هذا النهر هو موجود وصامد وباقي ويهدر. فهالمدن العشوائية موجودة، مثلاً عمان واحدة منها، عمان لو ما حرب 48 ما بتتوسع هيك، والحروب الأخرى العراقية، وحروب ما بعرف شو، عندك الكويت، الكويت أنا أول ما شفت الكويت بالـ 66، لا تنم عن أي مدينة بالمنطقة من فوق بشيء، ما في ترابط، أكو منطقة صغيرة كانت، بعدين اكتشتفتها، أو في دبي الشندقة والبستكية اللي هدّمت وأعيد بناؤها بعد الندم. بس إذا تتطلّع على بغداد أو الشام، أو حتى اسطنبول، تشوف هالتراث، فالتهشيم بدأ هنا، يعني اليوم أكو مثل على تهشيم المدينة وهي كربلاء، بدأ بكربلاء بربط المرقدين فراحت واختفت قيمة المفاجأة، أجمل ما في كربلاء..

أحمد علي الزين: قيمة الذاكرة يعني.

معاذ الألوسي: كانت تمشي بين الأزقة وهناك يبيّن عندك باب.. أو باب ما بعرف شو..

أحمد علي الزين: طيب. كان في حلول، في مجال لتحاشي وتفادي هذه العشوائيات والارتجال ومدن الصدفة متل ما قلت؟ يعني كان في حلول أخرى لخلق نوع من التجانس بين التاريخ والـ..؟

معاذ الألوسي: موجودة. فد محاولات في المغرب العربي، مدينة أصيلة. مدينة أصيلة محافظة على الفابرك تبعها، بجمالية جديدة، باستعمالات جديدة، إحنا في الكرخ، الكرخ حوالي أعداد هائلة من الدور، رفضنا تبديل الفابرك. وحتى إحنا إذا البيت يهتري المهم نحافظ على النسيج، يعني..

أحمد علي الزين: يتعمّر واحد على شكله.

معاذ الألوسي: هلأ مساحته، المهم أن لا تربط ثلاثة أربع قطع أرض وتبني عليها عمارة، راحت.

أحمد علي الزين: وكيف بتحل مشكلة النمو السكاني؟

معاذ الألوسي: النمو السكاني بمدن أخرى، وعودة إلى الريف، أعطي الريف خلي الريف ينتج.

أحمد علي الزين: أو الحد من الإنجاب يعني.

معاذ الألوسي: هذا شيء رئيسي.

أحمد علي الزين: ست أطفال كتير بالعائلة.

معاذ الألوسي: العائلة الواحدة ستة أطفال في العائلة، إذا الألمان عم بستعطوا أنه طفل واحد للعائلة ما فيه.

أحمد علي الزين: صحيح، بأوروبا صارت يعني.

معاذ الألوسي: أوروبا كلها..

أحمد علي الزين: ما في جيل شاب بالمعنى..

معاذ الألوسي: لأنه ما بتكفي الأرض لهالقد أفواه. وإحنا مهشمين الأرض كلها بثاني أوكسيد الكربون والأوزون وما بعرف شو. العراق ملوث. يعني مش بس العقل ملوث، المي ملوث، والأرض ملوثة، وكله ملوث.

أحمد علي الزين: الكوكب كله ملوث.

معاذ الألوسي: الكوكب.

أحمد علي الزين: ونتابع مع معاذ الألوسي في حلقة قادمة عن رحلته معمارياً وتشكيلياً يتغالبان على صفحات المكان فتنبثق هناك أقواس وتنحني وتطلع هنا شطحات من ألوان ووجوه تائهة وانبثاقات ضوء خلف كتل من الألوان.

أحمد علي الزين: معاذ الألوسي - كما تلمسنا تجربته - هو خليط من معماري ورسام، وله رؤية لمفهوم المكان ومساكن الناس وبيوتهم، وللدور التي يرتادونها والتي لها وظائف ثقافية واجتماعية واقتصادية ودينية. فهو حين يضع على طاولته ورقة للبدء في تصميم مشروع ما، يبدو أن جدالاً وسجالاً حاداً يحدث بين الرسام والمعماري بين الحاجة والجمال. يقول الدكتور خالد السلطاني في دراسة عن تجربة الألوسي: اشتغل معاذ الألوسي على موضوعة الدار السكنية الشخصية التي مثلت عمارتها مختبراً لتجريب الأفكار التصميمية التي يتبناها، وفي عمارة تلك المباني ذات المقياس المتواضع تظهر النجاحات التصميمية بصورة جلية، كما أن إخفاقاتها لا يمكن التستر عليها. من هنا تصبح واقعة تصميم تلك البيوت مناسبة مؤاتية لعرض المعمار أهليته التصميمية ومقدرته المهنية. من جهة أخرى تشترك معظم تصاميم الألوسي بسمة تكوينية واضحة وحاضرة في أكثرية مشاريعه، وهي سمة التماثلية ما يمنح تلك المشاريع نكهة كلاسيكية توحي إلى ثبوتية إنشائية وإلى رصانة فورماتية عاليتين، وهناك مفردة تتكرر عند الألوسي هي مفردة القوس الذي يوظفه في تكرار مدهش، مشتغلاً على صياغات مختلفة له بكل أبعاده وخطوطه وانحناءاته. فالقوس عنده يمثل نوعاً من الانتماء والحوار مع الذاكرة ومع التراث. فكيف يتم التوفيق أو المصالحة بين شطحات الرسام وبين رصانة المعماري ودقته.

أحمد علي الزين: طيب بشغلك بتحرص دائماً على التوازن بين الجماليات والقيم الوظيفية لشغلك؟ هل أنه لأنك تشكيلي أحياناً بتسرف شوي في الجماليات، أو بتلجم حالك ما بعرف؟

معاذ الألوسي: لا. الجماليات أتركها سائبة، لأن بعض المرات أساوم على الوظيفة، بس مش الجماليات، لأني أعتبر الجماليات وظيفة جداً مهمة، الجماليات.. شوف الإنسان يوقف إنتاجه متى يبدأ يضجر. متى يبدأ يضجر ما ينتج بعد. ما يبدع. فأهم.. أن هذا الإنسان أنه نخليه ما يضجر. كيف؟ أن نعطيه جماليات، يستمتع بالفن، يستمتع بالجماليات، يستمتع بالقيم الجمالية. أنا أنتمي إلى مدرسة تؤمن بالهاجس المكاني.

أحمد علي الزين: طيب. ما تبقى هيك من إرث إنساني يعني تتجلى فيه هذه القيم الجمالية اللي تتحدث عنها، واللي بتشتغل عليها دائماً، بتخاف عليها هاي من هذه.. موجة التخلف والتلف الذي يصيب العقل العربي والإسلامي بشكل عام؟

معاذ الألوسي: أجيب لك مثل اليوم يحدث. صحن أحد الأئمة في كربلاء يغطى، يسقّف سقف حديد. يعني ضد كل القيم الدينية والمعمارية والتاريخية. بناء بابل، بنيت بابل على أنقاض بابل. من قال.. يعني كل الآركيولوجوس انجنوا ورفضوا يعتبروا بابل واحدة من مخالفات اليونيسكو، قال للمحافظ عليها، لأنه إذا أنتم ما تحافظون على بابل بما أنه فيها مسرح نصف دائري وجدران ومين عرف بابل هيك؟

أحمد علي الزين: طيب متل ما ذكرنا لديك العديد من المنشآت في العالم العربي، وفي بعض الأنحاء من العالم، بتحرص أنك تعمل نوع من التوازن بين صيغك العمرانية والبيئة العمرانية الموجودة؟ أم دائماً بده يكون إمضاءك واضح أنه هيدي عمارة الألوسي هون؟

معاذ الألوسي: الاثنين؛ اشتغلت بالكونغو، أو اشتغلت في أرمينيا، عندي كانت مشكلة لعدم معرفتي للبيئة. يعني خاصة الكونغو، مدة طويلة يللا بديت أفهم أن هذا الأفريقي شو هو الهاجس المكاني تبعه، وفي بعض الأحيان مافي هاجس أبداً يعني، ما هامه شي، وهذا الـ Culture تبعه.

أحمد علي الزين: عندك عمارة هيك يعني بتحبها بتلاقيها مميزة أكثر من سواها وبتفتخر فيها أنت على المستوى الشخصي؟

معاذ الألوسي: إي. وحدة سفارة الإمارات في عُمان، بناية دراسات مصرفية في الكويت، بس أشوف هو إحنا يعني صاحبي وصديقي ومدير مكتبي العتيد في بغداد، اللي ثبّت حضوري رغم غيابي في بغداد، قال: الكرخ وشارع حيفا، اش قد ما هو فخر، أنه اشتغلناه، هو نقمة!!

أحمد علي الزين: نقمة؟

معاذ الألوسي: نقمة.

أحمد علي الزين: ليه؟

معاذ الألوسي: لأنه ما تقدر ما ترضى على شي آخر. خاصة علاقتك بالناس المنطقة، المحلة، الزمن، مثلاً في تخطيط الكرخ، في منطقة الشواكة اللي أنا أعرفها جيداً، منطقة تراثية قديمة أصيلة في بغداد، ومعاي فريق تخطيط من برلين، كادر جيد جداً يعني، سمعوا موسيقى شعبية بره، ظهروا كلهم على البلكون، اطّلّعت أنا شفت موسيقى شعبية، تتركوا الشواكة وموسيقى شعبية تدخل للشواكة؟ واحدة نعش شهيد، والثانية زواج، عرس. هذه مثلاً من التجارب اللي ما تنعاد بالنسبة لي، اللي عرفتني شيء كثير، أن المحلة والجيرة هي غيرها اليوم.

أحمد علي الزين: تغيرت الأمور..

معاذ الألوسي: تغيرت. بس معايشة هذه التجربة لها قيمة كبيرة كانت بالنسبة لي. يعني البناية كانت أكثر من مبنى أصم، أكثر من أبعاد ثلاثية، كان لها بعداً آخر.

أحمد علي الزين: عندما سألت في بداية الحوار معاذ الألوسي أيهما أقرب إليك المعماري أم التشكيلي؟ بدا معاذ الألوسي كأنه يتأرجح حائراً يبحث عن صيغة تجمع الاثنين. في الواقع فيما لو لم نعرف الألوسي معمارياً كبيراً ومن الجيل الذي ترك بصمة في فن العمارة وشاهدنا فقط أعماله التشكيلية، كان من الصعب تقريباً اكتشاف المعماري خلف هذه الملاحم اللونية والوجوه والتجليات والصرخات والانسيابات والصخب التعبيري. وكما تقول مها سلطان في بعض أعماله: "إن أعمال الألوسي لا تعكس أثراً للمعماري على التشكيلي من الناحية الموضوعية أو الجمالية، كما إن أهمية أعماله لا تنحصر فقط بالقيم الخطية واللونية، بل بما تعكسه هواجس القلق والرفض والهزيمة وسط انكسار الواقع العربي الذي يتخبط في صراعاته وحروبه التي لا تملك حيالها اللوحة أن تقول سوى الصرخة المكتومة". على كل حال وفي سياق الحوار يقول معاذ أن الرسم بالنسبة إليه هو نوع من تفريغ الشحنة والتوتر. يبدو أن طاقة الفنان لا يكفيها تصميم عمارة لوظيفة ما، بل تبحث عن فضاء آخر لتصريف القلق والانفعال والاحتجاج والتعبير عن اشتغالات الروح.

أحمد علي الزين: طيب. خلينا نحكي عن تجربتك تشكيلياً يعني طبعاً أنت إضافة لاشتغالك بالعمارة عندك تجربة بالفن التشكيلي غنية وطويلة وثرية، كيف بدأت حكاية التشكيل معك؟

معاذ الألوسي: التشكيل من طفولتي. يعني أنا بالرسم قوي كنت من طفولتي. يعني من البيت ومن البيئة والجو، والوالد والأعظمية، يعني منطقة الأعظمية كلها أنتجت جواد والعزاوي وفائق حسن وخالد رحال ورفعت شهدتشي وقحطان المدفعي، ومدحت علي منظوم، هدول كلهم من منطقة واحدة. فالفن والتشكيل موجود يعني مترعرع هناك، وقد يكون، قد يكون دراسة العمارة هو نابع عن حبي للفن. اليوم الرسم خاصة بعد الثمانينات أو بالثمانينات في بغداد. التوتر اللي يحدثه، والضغط اللي يولده ممارسة العمارة والخوف من التشويه، والخوف من التكرار، والخوف من الوسطية العمومية أسميها، تفريغ الشحنة كان بالرسم. أولاً لأن المخاطب مجهول مش مثل العمارة..

أحمد علي الزين: لا أحد يسكن هناك..

معاذ الألوسي: اللي يعجبه يعجبه، ما يعجبه؟ هادي شغلته. بالعمارة ما أقدر أقول هذا الحكي.

أحمد علي الزين: نعم لأنه للعامي.

معاذ الألوسي: هذا يولد توتر، وخاصة عندما اشتغلنا على التصميم الحضري، لأن ذاك انضاف عليه يعني بناية تشوه بكرة تروح، بس التصميم الحضري يقرر مصير إنسان، تهجّر ناس وتجيب ناس، ناس يهاجروا منشانك بسبب قرارك، وتجيب ناس بسبب قرارك. عرفت شلون؟ فهذه بشر. بها مسؤولية وتخوّف أنه التخطيط إستراتيجي لازم يكون، مش تخطيط هيك لمدينة واحدة. يعني اليوم التخطيط الحضري إلى اليوم ما صار ما عدا الكرخ.

أحمد علي الزين: يقول فؤاد نعيم في (وجوه معاذ الألوسي): "يرسم معاذ الألوسي بالأكليريك وجوهاً تاهت عن وحدتها، تحمل ذروة تشنج الجسد، وتعكس نقطة انقباض الإنسان والطبيعة معاً. اختار الفنان العراقي أن يرسم وجوهاً فقط، ولعله أراد بالفعل البحث عن الفن في الوجه ومن خلال الفن البحث عن الصرخة".

أحمد علي الزين: وليش هيك انكبابك على الأكليريك يعني دون سواه من أنواع مواد الرسم؟

معاذ الألوسي: سرعة الإنتاج.

أحمد علي الزين: أسهل. للسرعة.

معاذ الألوسي: سرعة. يعني صار التدفق عندي. اضطريت أتجه للأكليريك، في أفكار..

أحمد علي الزين: بيلبي أكثر طاقتك ورغباتك؟

معاذ الألوسي: بالضبط. أفكار كتيرة صارت أريد أنهيها يعني.

أحمد علي الزين: ما بتلحق.

معاذ الألوسي: بدي ألحّق. تدفق، نوع من التدفق، مثل الشعر كيف بيصير عنده تدفق؟ بالرسم صار عندي تدفق.

أحمد علي الزين: والأكليريك يلبي هالطاقة.

معاذ الألوسي: يلبي.. يلبي..

أحمد علي الزين: طيب. والكتل اللونية اللي هيك لاحظناها بشغلك؟ في كتل هيك كتل لونية هيدي من أين أتت يعني؟

معاذ الألوسي: طفولتي، جمال المنطقة اللي عايش فيها، النهر، دائماً اللون ودراسة اللون، اللون دراسة، أنا بالعمارة يعني محظوظ، اتجاه التدريس كان فني كتير، يعني أنا أربع سنين وأنا آخذ تاريخ فن، ورسم مافي..

أحمد علي الزين: أغنت تجربتك كتير.

معاذ الألوسي: طبعاً كأنه درست رسم بس.

أحمد علي الزين: أما مها سلطان فتقول في أعماله: "إن التصويرية المأساوية التي تمنح أعمال الألوسي تجانساً في الرؤية داخل اللغة تجعل أعماله كتنويعات على موضوع واحد يتابعها الفنان حتى نفادها، وتبدو الوجوه أو الرؤوس كأنها مقتلعة من جذورها مثل الذكريات الغارقة في مراراتها ووسط السواد المشوب بالحذر لا شيء يتراءى لنا واضحاً سوى النظرة القاطعة التي تتقدم نحونا".

أحمد علي الزين: بشغلك التشكيلي لديك سلسلة من الوجوه، كثير من الوجوه، لوحات كلها وجوه، وعديد من اللوحات، شو سر هذه الوجوه؟ لمين هالوجوه كلها؟

معاذ الألوسي: لمين هالوجوه؟ وجوهنا. وجوهنا. وجوهنا بأحاسيسنا. شوف الوجه.. ولذلك صعب تفرق بين الذكر والأنثى بالوجه برسومي، لأن الأحاسيس ما تفرق؛ الغضب عند الأنثى أو عند الرجل هو نفس الأحاسيس. وكل الأحاسيس اللي عندنا بالإنسان الوجه يظهرها، الغضب، الفرح، الجسم ما يروي فرح، إلا يهز. بس الفرح والحزن والغضب والكآبة كلها بالوجه. ومن خلال الرسم عكس الذات سهل بالوجه.

أحمد علي الزين: وبعدين مخزن الأسرار كلها.

معاذ الألوسي: كله خزين. كله يبيّن، مقومات الوجه، الفم يعطيك شي، والعين تعطيك شي، والحركة تبع الوجه شي، كل هذه تساعد على التعبير.

أحمد علي الزين: طيب. متل ما ذكرنا بعد بيروت كانت أو بعد المحطة الأخيرة في العراق توجهت إلى قبرص، والآن أنت تقيم بقبرص منذ حوالي 20 سنة تقريباً..

معاذ الألوسي: 25 سنة..

أحمد علي الزين: 25 سنة.. ليش قبرص يعني؟ يعني معظم العراقيين كانوا مثلاً يختاروا لندن أو باريس أو بلد عربي، بيروت، أو ربما أميركا؟

معاذ الألوسي: القرار كان مقصود.

أحمد علي الزين: أنه قريبة على الشرق؟

معاذ الألوسي: لا. ما تطالبني بنكران هويتي قبرص. ألمانيا كانت تطالبني بنكران هويتي بالتأكيد. إنكار هويتي ما تفرض هويتها، بس أنا أضيع أخاف. أنا أخاف أضيع، لأن المغريات هالقد كبيرة من جمال طبيعة إلى جمال موسيقى وكذا.. وين رح ألقيها؟ بقبرص بعدني أنا في محلي، بها معاناة، لأنها منفردة ما أقول معزولة، أنا منفرد في قبرص، متوحد، بس متوحد مع ذاتي، متوحد مع فني، متوحد مع كتابي أهم شي. متوحد مع أشياء كثيرة، وبنفس الوقت أعطتني الحيز اللي أنا أريده.

أحمد علي الزين: أيضاً أنت بتهتم بالفوتوغراف، عندك تجربة بالتصوير غنية أيضاً، ومئات من الصور الفوتوغرافية، ولكن لاحظت نحنا وهيك عم نطلع على هالتجربة، أنت بتلقط لحظة الضوء واللون يعني بغض النظر عن الملامح، يعني وكأنك عم ترسم أنت وعم تصور، يعني مش عم توثّق لمشهد بملامحه كاملة. كأنك أيضاً التشكيلي بيغلبك أنت وعم تلتقط الصورة.

معاذ الألوسي: بالضبط نفس الأطروحة. الأطروحة واحدة، هي معاملة اللون والحركة، والانطباع اللي يعطيك ياه، وتصميم الإطار، يعني لما تشوف في اللوحات تصميم اللوحة يعني توازنها، مواقعها، نقاط الارتكاز، أريد أعمل فيها نقطة ارتكاز وأطلع منها، هذا المحل الوحيد اللي يتماهى مع العمارة. العمارة دائماً أنا لما أشتغل عندي نقطة ارتكاز أبتدي منها.

أحمد علي الزين: وباللوحة؟

معاذ الألوسي: باللوحة موجودة دائماً.

أحمد علي الزين: وأيضاً في الصورة؟

معاذ الألوسي: في الصورة ذات الشيء. هذا الشي الوحيد. وهي من أنت تقرر نقطة الارتكاز وتريد شنو اللون اللي تريده، هي روحها تتوحد، تشوف.. رأساً صارت هندسة، أنه وين توضع نقطة الارتكاز، تريد تزيحها زيحها، بس توازنها شيء آخر، بس التصوير من أنت تبدأ تعامله كحدث فني لغرض التصوير فقط، لغرض التصوير أي.

أحمد علي الزين: طيب منرجع للعراق. أنت لم تعد للعراق من 25 سنة تقريباً.

معاذ الألوسي: باليقظة. بالخيال الواعي زرت. الحقيقة مش بالخيال النايم، لا، بالخيال الواعي، زرت بغداد، زرت محلات، زرت مناطق، أعدت تكرار حوادث مرات عديدة، أكررها حتى أنبسط فيها، وأتونّس فيها، وأقولك أتونّس فيها أتونس بالحادثة اللي صارت مرات عديدة، ما أنام أتذكر أيامي فيها..

أحمد علي الزين: وعم تفكر ترجع ذات يوم يعني قريب أو بعيد؟

معاذ الألوسي: أنا دائماً أفكر، دائماً أفكر، بس الجميع لا يفكرون بأني أنا أرجع. جد. كل اللي يحبوني ما يريدوني أرجع، بس أنا ما بفكّر أني ما أرجع أبداً. يعني بيتي لليوم موجود.

أحمد علي الزين: شو عن بيتك؟ بدي أسألك هالسؤال. ماذا عن هذا البيت الموجود على ضفاف النهر، على دجلة على ما أظن؟

معاذ الألوسي: قلت لك من أنا وصغير على ضفاف دجلة، في موقع جسر الأئمة اليوم كان بيتنا، وفي بلكونة، خشب على النهر، يمر النهر تحتها، أتذكر في البلكونة الخشب، كان هذا الكوي بالفحم، تثقب الخشب، تثقب الخشب على شكل الكوّى عندي هذه أجمل لحظات حياتي إلى اليوم، من أنام على وجهي وأشوف الماء تمشي تحتي.. هذي وقعت بمخي، عملتها لبيت تاني.

أحمد علي الزين: عملتها؟

معاذ الألوسي: مرة تانية في بغداد، في منطقة تبعد 200 متر، بيتي في بغداد يسمى بيت.. يسمونه الكيب هاوس المكعب، وهو مكعب بالفعل، مكعب غرفة واحدة، مافي غرف، بس مفتوحة واحدة على الثانية، وجنينة في الداخل ونهر تحته..

أحمد علي الزين: بتشتاق له لهالبيت؟

معاذ الألوسي: أووه كتير..

أحمد علي الزين: ولمين بتشتاق كمان؟

معاذ الألوسي: أشياء كثيرة، أشتاق لها ما موجودة، أشياء كثيرة أشتاق لها، أشخاص ما موجودين بعد. حوادث ما تتكرر. يعني مثلاً إسماعيل فتاح تعرفه أنت، بالليل نروح نسهر وندوّر على سمك بالأربعة الصبح. هذه يومياً أنا تشتغل هذه الحادثة، لأنه ضحك وتبادل آراء، حكي بالرسم، وبالفن، تجلي، وين هذا؟

أحمد علي الزين: لعلنا في هذه الجولة في تصاميم وعمارات وألوان ومنحوتات معاذ الألوسي أضأنا بعض ملامح هذا المبدع الذي يعيش حضور غيابه عن عراقه في جزيرة قبرص متوحداً بألوانه وشرفاته الواقعة على ذاكرة دجلة وعلى شاطئ المتوسط أيضاً، يعيش بين بيوت سكنها وأخرى يسكنها الناس أو يرتادونها، ولعل - كما ذكرت سابقاً - أن اختياره لقبرص آتٍ ربما من حنين غامض لجزيرة الأجداد في الفرات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق