2010-06-14

روافد مع السينمائي محمد شكري جميل

إعداد وتقديم

محمد شكري جميل: هلو، هلو، الله يسلمك، شنو؟ هسه قاعد أشتغل يصوّروني، إيه، أشكرك، أشكرك.. قل لك، قال لك: دي يحشي ويّايا؟ وعلى باله أنا محسن علي؟ قلت له: أنت بيتكم يمّ الجامع، هذا الجامع شو اسمه بالموصل؟ آه بس هذا صوته يشبه صوتي..

أحمد الزين: عندما يدور الكلام على العراق تحضر الأسماء وتتوافد من الذاكرة من الأوطان، من التاريخ، ومن المنافذ، فأرض الرافدين أينما تجولت بها تشمخ على جنبات زمانها قامات تتوارث المعرفة والقلق والمغامرة، وكلما صادفت مثقفاً من أهلها تُصادف حكايةً جديدةً وروايةً جديدةً، وغالباً تلك الحكايات محزنة ومأساوية في بعض مستوياتها، فمعظم الذين اضطُهدوا وذهبوا إلى منافيهم حملوا معهم الكثير من الألم والحنين وحملوا أيضاً الأمل المشفوع بالمعرفة، مع هذا الرجل لا تختلف الأشياء كثيراً وفي العمق سوى أنه زاول سنوات عمره وتجربته داخل العراق وراكم تجربةً مغامرة ورائدة.من خلال هذه التجربة المأساوية اللي بعيشها عالمنا العربي يتهيّأ لي إنه وكأننا نحن مجاميع بشرية فُرض عليها أن تلعب دور الضحية وفي الوقت نفسه فُرض عليها أن تتفرج على موتها.

محمد شكري جميل: نعم.

أحمد الزين: يعني بتقديرك من هو كاتب هذا السيناريو؟ من شارك بكتابه هذه السيناريو؟ ومن هو مخرج هذا الفيلم المرعب؟

محمد شكري جميل: هذا موضوع شائك الجواب عليه.. بس راح أختصر بقدر مستوى معرفتي، لدراسة التاريخ والمجتمعات، أن كاتب السيناريو قديم وموغل في القِدم، أما شكل السيناريو يتغيّر، فإحنا الآن يُطبّق علينا سيناريو حديث ولكن قديم، ودا ينطلي علينا بشكل مأساوي لأننا نعيش في عصر غير مرتبط مع بعض، يعني عملية التراكم مو مستفيدين منها.

أحمد الزين: نعم، التراكم المعرفي تقصد؟

محمد شكري جميل: آه، اللي يستفيد من عملية التراكم راح يعيش مأساة وسعادة في آنٍ واحد، يعني رجلٌ يدري ويدري أنه يدري مأساوي.

أحمد الزين: ولكن لا يدري ولا يدري أنه لا يدري.

محمد شكري جميل: أنه لا يدري سعيد.

أحمد الزين: أعتقد أن العراقيين خاصةً يعرفون هذا الرجل أكثر من سواه، إن اختلفوا عليه أو اتفقوا فالكل يعرفه رائداً من رواد السينما العراقية والذي حقق أفلاماً بمستوى عالمي نال بعضها جوائز دولية، المسألة الكبرى، الملك غازي، والظامئون، محمد شكري جميل بدون شك هو مغامرٌ كبير أولاً لأنه اختار السينما كأداة للتعبير في بلدٍ ليس فيه صناعة سينمائية وتراكم بالمستوى المعقول وهذا بحدّ ذاته يمثّل جرأةً وتحدياً، ثانياً لأنه غامر فيما يشبه المناورة لضمان بقائه على أرض العراق فذهب في أعماله إلى موضوعات تاريخية وإلى الواقعية الرمزية كي لا يصطدم بإملاءات النظام وتوجّهاته كما يروي بعض الأصدقاء وكما تروي أفلامه؛ لأن الخطأ في ظل نظام صدام حسين لا يحتمل النقاش، والمعرفة ليست حصانة كافية للمثقف، ولكن محمد شكري جميل عَرف كيف يعالج وضعه في معالجاته السينمائية الوثائقية منها والروائية، فهو كما يقول إذا لم يعش الحدث ويعرفه كما أزقة بغداد وحاراتها وكما الأصدقاء كيف له أن يوثّق بالصورة أو يحاكيه بالرواية.

أحمد الزين: طيب أستاذ محمد وقت عندما يُصبح المشهد في الواقع يعني أكثر ضراوة ومأساوية.

محمد شكري جميل: أي نعم.

أحمد الزين: يعني أنت كعامل في السينما..

محمد شكري جميل: إي نعم.

أحمد الزين: كيف تصفه أو كيف ترى إليه؟ كيف تتعامل معه؟

محمد شكري جميل: يعني هو مأساوي تراجيدي درامي، يعني منن نقول هذا دراماتيك تراجيدي مؤثر في المأساة، مؤثر في.. أحمد علي الزين [مقاطعاً]: المأساة. محمد شكري جميل [متابعاً]: إيه، ويؤثر مأساوياً بيّي.

أحمد الزين: نعم.

محمد شكري جميل: فالمتلقي هنا عندما يجد هذه الشخصية المأساوية تتجانس مع مأساويته فيتحوّل إلى ميلودراما فيقوم يبكي، أما الشخص الذي لا يتأثر بالميلودراما أي لا يجد حلولاً عن طريق البكاء فرجل يتلقى المأساة بعقله فيجد لها موقفاً مختلفاً.

أحمد الزين: نعم، نعم، يعني أنت هيك خلال الدردشة قبل التصوير قلت لي: خلال الحرب اللي حدثت في العراق مؤخراً..

محمد شكري جميل: إي نعم.

تأمل الحدث الرهيب من النافذة

أحمد الزين: قعدت حوالي 45 يوم خلف النافذة تراقب من النافذة المشهد المرعب اللي كان يحدث في العراق، يعني كنت ترى إليه في العقل فقط؟

محمد شكري جميل: لع، لع، لم يعني ما أكذب عليك إنه كانت تأخذني العاطفة لأنني بشر، لأنني متكوّن من مادة ما تختلف عن المادة اللي إنت متكوّن منها والآخرين، أما المحاكاة كانت تأتي بعدين بعد.. بعد.. بعد الحالة هذه والآن المحاكاة أكثر عقلانية.

أحمد الزين: لأنك تبعد شيئاً فشيئاً..

محمد شكري جميل: إيه.

أحمد الزين: عن الحدث.

محمد شكري جميل: وهذا هو الغريب في التاريخ لأنك إنت من تعيش الحدث ربما تنساه وربما تستفيد منّه، اللي يكتب يكتب المأساة مستفيداً مما تأثر به حتى يؤثر بالآخرين، والسينمائي يلتقط هذه الصور ويعيد تركيبها ويعرضها من أجل أن تؤثر في الناس إذا كان هو صاحب همّ.[مشهد من فيلم الملك غازي](رئيس الوزراء: هذا الشي خطير جداً معالي الوزير، التهجّم على المعاهدة وعلى دولة عظمى حديثة بالعراق بالوضع الدولي الراهن، بعدين هذا الموضوع كله كان لازم يتناقش هنا في مجلس الوزراء، ومع زمرة من الضباط المتطرفين..الوزير: صاحب الجلالة هو اللي يأمر بهذا فخامة رئيس الوزراء.رئيس الوزراء: إذن شو الجدوى من وجود المجلس معالي الوزير؟! شنو الجدوى من وجود الوزارة كلها.الوزير: هذا السؤال يجب أن يُوجَّه لصاحب الجلالة فخامة رئيس الوزراء، هذا مو أول حادث من نوعه في تاريخ هذه الوزارة.رئيس الوزراء: الاجتماع انتهى شكراً) محسن العلي (المخرج المسرحي): محمد شكري جميل في معظم أفلامه تجد في الكثير منها أنه هو البطل، محمد شكري جميل ذكي جداً عندما هرب للفترة التاريخية، معظم أفلامه هو كان يهرب للفترة التاريخية وتلاحظ أنه هوّ في طبيعته وفي جلساته عندما تلتقي به يقول أنا أعشق التاريخ العراقي المعاصر، لهذا معظم الأفلام التي قام بإخراجها محمد شكري جميل أفلام تكاد تكون للتاريخ المعاصر فكانت طريقة ذكية من محمد شكري جميل أن يستطيع أن يريد ما يقوله في أفلامه. [مشهد لمحمد شكري جميل في عمله الإخراجي]التعليق الصوتي: وكانت تلوحُ للفريقين من مجدها الذاهب، وعظمتها السالفة، واسمها..[تعليق محمد شكري جميل على العمل وإتقانه]

أحمد الزين: يعني آخر عمل أنجزته عن الحضارة العراقية، حضارة بلاد ما بين..

محمد شكري جميل: الرافدين.. نعم.

أحمد الزين: النهرين.. الرافدين، يعني منذ فجر التاريخ وحتى سقوط النظام الأخير في العراق.

محمد شكري جميل: إي.. نعم.. إي..

أحمد الزين: طبعاً أنت عملت.. قمت ببحث طويل، هل عثرت على أنه استفاد البعض من دروس التاريخ.

محمد شكري جميل: نعم.

أحمد الزين: لم يستفد أحد؟

محمد شكري جميل: الغريب أنه إذا سلطنا الضوء على مسألة بسيطة وبعدين أنتقل إلى المعقّد نأخذ المسألة البسيطة ونشوف أنه أيّ باحث (Archaeology) في علم طبقات الأرض والتاريخ بتشوف تراكم الزمن، إذا كان ارتفاعه 30 سم يعطيك بالقياس الكربوني 1000 سنة-1500 سنة فأنت تستغرب، شوف عملية التراكم اللي يصير بالتاريخ إيش قد مهمة وعظيمة، وإيش قد تافهة في نفس الوقت، بحيث تشوف عظماء من البشر كنت أنت معايشهم، وإذا عمرهم التاريخي بعد 1500 سنة لا يتجاوز عمقه من 30 سم..

أحمد الزين: يا ويلي.

عمق التاريخ بعمق المعرفة

قرن مضى ونحن لم نستفد من هذا الزمان ولم نخط خطوة نحو تراكم المعرفة، ولا أضفنا شيئاً..

محمد شكري جميل: شايف، يعني نبوخذ نصّر عمّر 40 سنة.. حكم 40 سنة، ولكن نبوخذ نصّر لحدّ الآن يعني 800 سنة و1200 سنة قبل الميلاد شرائعه مؤثرة ونتذكره.

أحمد الزين: نعم.

محمد شكري جميل: عمق التاريخ بعمق المعرفة.

أحمد الزين: جميل.

محمد شكري جميل: وعمق المعرفة بقدر ما يعطيه للناس، ما يستفيدون منه الناس، طبعاً آني هذا رابع فيلم عن الحضارة.

أحمد الزين: العراقية؟

محمد شكري جميل: إي، وما زلت أتعلم من خلال بحثي.

أحمد الزين: يعني سبع آلاف سنة.

محمد شكري جميل: إي سبع آلاف سنة قبل الميلاد.

أحمد الزين: مقارنة بخمسة وستين سنة عمرك تقريباً.

محمد شكري جميل: شايف..؟

أحمد الزين: يعني مشكلة..

محمد شكري جميل: شايف، المدى.. المديات في عمق التاريخ لا تُقاس بالقياس الكربوني اللي يعطينا إياه (Archaeologist)..

أحمد الزين: عمر الزمن..

محمد شكري جميل: بس بالفعل والتأثير.

أحمد الزين: والتراكم المعرفي.

محمد شكري جميل: والتراكم المعرفي للناس.

أحمد الزين: يعني عم بستخلص من قولك أنه أنت عثرت في تلك الحضارات على ناس أسسوا للمعرفة وراكموا المعرفة أكثر من الناس اللي أتوا في هذه العصور يعني اللي عم نعيشها الآن.

محمد شكري جميل: شايف؟.. شايف هلأ أنت سألتني سؤالاً المفروض أنا أسألك إياه ولو أنت مستضيفني، يعني أول تأسيس للحكومة العراقية سنة 1921لغاية الآن ها؟ كم واحد حكم العراق؟ شو اللي خلّفوه للعراق؟ هل خلّفوا شريعة قانونية؟ هل أعطوا شيئاً مثمراً للإنسانية؟

أحمد الزين: كما حمورابي مثلاً..

محمد شكري جميل: إي أنت جاوبني، أنا الذي أسألك؟

أحمد الزين: يعني أنا مشاهد محايد، ولكن فيني أقول لك يعني إذا أعطوا شيئاً، أسسوا للمزيد من الجهل والخراب..

محمد شكري جميل: مو؟.. يعني مو أنا قلتها، أنت قلتها..

أحمد الزين: هلأ ما في حدا يحاسبنا لا أنا ولا أنت..[يضحكان]

محمد شكري جميل: إي فهذا هو المأساوي، شوف هلأ نحن بنضحك لأنه منشوف فراغ مضحك، بس هذه مأساة، ومأساة مؤثرة.

أحمد الزين: نعم..

محمد شكري جميل: مؤثرة في تاريخك وتاريخي وتاريخ الأجيال القادمة..

أحمد الزين: صحيح..

محمد شكري جميل: يعني قرن مضى ونحن لم نستفد من هذا الزمان ولا خطينا خطوة نحو تراكم المعرفة، ولا ضفنا شيئاً.. [فاصل إعلاني]

أحمد الزين: الآن محمد شكري جميل وعلى بدايات خريف 2004 منهمكٌ بقصة حضارة بلاد الرافدين، وهذا كما روى ليس بجديدٍ عليه ولكن لا بأس من معاودة القراءة والتأمل في الإنجازات الإنسانية وفي هذه البقعة من الأرض، ثم أن الراهن شديد التعقيد والصعوبة وزوايا تناوله هشةٌ أمام ضراوة المشهد وتعقيداته وتدخّلاته، ويستدعي مسافةً في الزمن فيما لو أراد أحدٌ قراءة له في نصٍّ سينمائي كان أو غير ذلك.

أحمد الزين: بهالهاجس تماماً أنت يعني حققت فيلم الملك غازي؟

محمد شكري جميل: لأ فيلم الملك غازي كان واحداً من هؤلاء الذين حكموا العراق العائلة المالكة، ونهايته كانت مأساوية، ملك مأساوي، وكان عنده حب للوطن، نسمّيها حالة من حالات الغيرة الإنسانية، يعني من الأشياء التي خلتني أُعجب به.. الملك غازي هو أسس إذاعة تنتقد الحكم مالو..

أحمد الزين: يعني كان رجلاً ديمقراطياً إلى حدٍّ ما يعني..

محمد شكري جميل: إي ترى هو كل إنسان ديمقراطي إلى حدٍّ ما حتى الديكتاتور [ضاحكاً] عنده نوع من الديمقراطية.. أحمد علي الزين [ضاحكاً]: ديكتاتور إلى حدٍّ ما.محمد شكري جميل [ضاحكاً]: إي ديكتاتور إلى حدٍّ ما.. فالملك غازي من الأشياء التي تخلّيني أنا أُعجب بالأشياء اللي بها صراعات غريبة، يعني متناقضة، تضارب المتناقضات..

أحمد الزين: تحب المفارقات أنت!!

محمد شكري جميل: لا، أحب تضارب المتناقضات فيما بينها تولّد لي حقيقة، والحقيقة حقيقة.

أحمد الزين: يعني أنت إنسان جدلي يعني.

محمد شكري جميل: آه بالضبط يعني أحبها أنا بالسينما هذه تسوي لي بناء.. بناء درامي..

أحمد الزين: نعم.

محمد شكري جميل: فلما تشوفه يطلع من المجلس.. مجلس الوزراء يجمع الوزراء، ويطلع من مجلس الوزراء يروح للإذاعة بيشتم الحكومة.

أحمد الزين: نعم.

محمد شكري جميل: يعني ينتقد الحكومة، شايف؟ ويهرّب سلاح إلى الوطنيين في سوريا ضد الحكم مالو.

أحمد الزين: شي عجيب.

محمد شكري جميل: يشتري بفلوس الحكومة العراقية ويهرّب سلاح إلى الحكومة السورية وإلى فلسطين.. [مشهد آخر من فيلم الملك غازي] المراسل: الوفد السوري صاحب الجلالة.. الملك: أهلاً ومرحباً، الإخوة السوريين أهلاً بكم في وطنكم العراق.رئيس الوفد: أهلاً بك يا صاحب الجلالة..الملك: نتابع في كل يوم أخبار نضالكم ضد الفرنسيين باعتزاز كبير..رئيس الوفد: نضال مرير ودامي يا صاحب الجلالة. الملك: نضال العرب ضد الاستعمار نضال دامي ما دام الاستعمار مزق الوطن وجعل الظلام يخيّم عليه، وأملنا بكم الشباب العربي.رئيس الوزراء: في ناس هاربين سورية وداخلين العراق بدون جواز سفر، رشيد بك أنت رجل قانون ولازم تكون مع القانون.. الملك: إذا كان القانون يتناقض مع المبادئ، فالكلمة الأخيرة للمبادئ وليس للقانون.رئيس الوزراء: عفواً جلالة الملك.. الملك: الوطن الواحد لا يحتاج إلى جواز سفر، وسوريا والعراق وطن واحد. رئيس الوزراء: أمنيتنا كلنا جلالة الملك، بس الأماني شي والواقع شي ثاني.الملك: مع من يجب أن نكون؟ مع الأماني؟ ولاّ مع الواقع المحزن اللي عايشين به؟رئيس الوزراء [مقاطعاً]: جلالة الملك.. الملك: الأخوة السوريين يُطلَق سراحهم فوراً الآن.محسن العلي (المخرج المسرحي): هناك قسم من المثقفين العراقيين اللي همّ في الخارج المتفهمين جيداً للوضع في الداخل بالتأكيد ينظرون إلى محمد شكري جميل من كبار المخرجين في السينما العراقية والسينما العربية، أيضاً هناك مَن لديه الصورة مشوّشة وضبابية يعتقد أن كل ما يقدَّم في فن في العراق هو ضمن العقل المؤدلج، معظم أفلام محمد شكري جميل كان يتهرب من أن تشاهد البطل الواحد في العمل لديه، لديه عدة أبطال حتى أنك تجد أمام الفيلم تجد أن الموضوع هو البطل وليس الشخصيات.

أحمد الزين: طيب أستاذ محمد فيما لو أردت الآن أن تنجز فيلماً عن العراق من أين تبدأ؟

محمد شكري جميل: هوّ سؤالك هذا وارد ومحرج، بس من أين أبدأ؟ ما أقدر أجاوبك عليه لأنه أكو ..

أحمد الزين: لأ أنا سألت السؤال انطلاقاً من الحوار الذي استنتجت منه أنه كلما بَعُد المبدع سينمائياً أو غير سينمائي عن الحدث ربما يستطيع إعادة تشكيل الحدث بشكلٍ خاص.

محمد شكري جميل: ما هيّ المشكلة أنه أكو مجموعة أحداث وداخلة في ثقبٍ صغيرٍ واللي هو ثقب عقلي.

أحمد الزين: نعم.

محمد شكري جميل: شايف؟ يعني هذه الأحداث أكبر من هذا الثقب، فإذا دخلت رح تسوّي عملية مزدحمة، أنا أريد أن أفكر في عملية تنسيق هذه الأحداث بالدرجة الأولى، شايف شلون؟ من أين أبدأ؟ هل أبدأ من التاريخ الذي إحنا حكينا عنه؟ هل أبدأ من تاريخ قريب وأستخدم أساليب تربط الماضي بالحاضر حتى نستشرف المستقبل؟ وأيّ مستقبل، أما أنك تتناول أيّ موضوع هسّه عن العراق بشكلٍ مسطّح وارد، وكثير من المتزاحمين المزدحمين وراء هذا الحدث الذي حدث في العراق يبدؤون يستخدمون السينما ويستخدمون الفيلم الدعائي لهذا الغرض.

أحمد الزين: يعني هل من جهة طلبت منك يعني غربية أو غير غربية إنجاز فيلم في هذا المجال؟

محمد شكري جميل: أتصور..

أحمد الزين: ربما فيلم سياسي؟

محمد شكري جميل: أتصور هم فاتحوني في هذا الموضوع وأنا اعتذرت لأنه لا يمكن أن تنحت شيئاً على خشب عفن.

أحمد الزين: طيب أستاذ محمد أنت خلال فترة النظام السابق يعني لم تغادر العراق إلا لأغراض سينمائية في الخارج يعني.

محمد شكري جميل: إي.. نعم..

أحمد الزين: يعني هل بقاءك في العراق كان مشروطاً بنوعٍ من التنازلات يعني حتى تقدر تتصالح مع حكم يعني استبدادي.

محمد شكري جميل: نعم.. نعم، أنا بالدرجة الأولى أنتمي إلى مدرسة السينما الوثائقية، وبدأت عملي السينمائي في إخراج أعمال وثائقية، وكانت لي وحدة أفلام تابعة إلى شركة نفط العراق، وهذه علمتني كثيراً من الأشياء التي يجب عليّ أن أكون في ميدان الصراع، يعني أكون في بلدي أيّ واحد في إنجلترا لما يطلع خارج بلده يعمل يبقى ولاؤه لوطنه، فلماذا الإنجليزي يقسم أن يكون ولاؤه لوطنه وأنا لا أقسم لولائي لوطني؟ فأنا أبقى عراقياً وأبقى في بلدي، وأعيش الأحداث لا يمكن أن أبتعد عن ساحة الميدان، لأن هذه الوثائق وثائق درامية أعرفها مثل ما أعرف أزقّة بغداد، مثل ما أعرف بيتي، مثل ما أعرف زملائي، هو الحنين رد فعل للحدث أنا لا يمكن أن أتخيّل الحدث وأنا بلندن.

أحمد الزين: نعم يعني أنت تلوم المثقفين الذين تركوا العراق وعاشوا خارج العراق؟

محمد شكري جميل: أنا ما ألومهم أقول لهم هناك شيء ناقص بم تكتبوه هو المعايشة، المعايشة في ضميرهم.. المعايشة في ضميرهم.. المعايشة في وجدانهم..

أحمد الزين: صحيح.

محمد شكري جميل: ولكن المعايشة الميدانية ها؟ غير المعايشة..

أحمد الزين: أغلى طبعاً..

محمد شكري جميل: التي خارج الميدان، وهذا مو أنا أقوله كثير من الكتاب كتبوا عنه قبل.

أحمد الزين: إشكاليٌّ وساخر، عفويٌّ ومركب، عميقٌ وصعب، صادقٌ ومناور، هذه الصفات وغيرها قد تُستخلص إلى حدّ ما من تجربة محمد شكري جميل ومن هذا الحوار الذي سنستكمله في حلقةٍ قادمة، والذي سنتناول به علاقته كمثقف بالنظام السابق وبالرئيس صدام حسين الذي طلب منه تحويل روايته الأيام الطويلة إلى فيلم، وسوف نتبيّن كيف واجه محمد شكري هذه المهمة، المهمة الصعبة إضافةً إلى جوانب أخرى من حياته المهنية ومن مواقفه

أحمد الزين: في الحلقة السابقة عرفنا محمد شكري جميل سينمائياً، بدأ تجربته سنة 1953 بإنتاج أفلام وثائقية لوحدة الإنتاج السينمائي في شركة نفط العراق مصوراً ومونتيراً، وكان ذلك قبل دراسته في لندن حيث تبلورت مداركه وبالتالي تبلورت التجربة في صياغات أعمق وأدق تحمل هماً إبداعياً وإنسانياً وسياسياً. وفي هذا السياق حقق العديد من الأعمال الروائية أبرزها "الظامئون" الذي أخرجه عام 1972 عن رواية لعبد الرازق المطلبي ونال هذا الفيلم جائزة اتحاد السينمائيين السوفييت، وفيلم "الأسوار" عن رواية عبد الرحمن مجيد الربيعي ونال الفيلم أيضاً الجائزة الكبرى في مهرجان دمشق سنة 1979. و"المسألة الكبرى" الذي يعتبر من أضخم إنتاجات السينما العراقية وشارك في هذا الفيلم كبار الممثلين أمثال أوليفر ريد وغازي التكريتي وفاطمة الربيعي والفنان يوسف العاني ويتحدث هذا الفيلم عن ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني، هذا بالإضافة إلى عشرات الأفلام الأخرى بمعظمها كانت تتناول أحداثاً تاريخية في جانبها الروائي وفي الجانب الوثائقي منها قدمت لحضارة بلاد الرافدين منذ العصور البابلية وصولاً إلى التاريخ الحديث. وكما سلف الذكر في حلقة سابقة كان محمد شكري جميل يهرب إلى التاريخ ويكون الفيلم غالباً هو البطل، ولكن ماذا عن الأيام الطويلة للرئيس السابق صدام حسين الذي طلب من محمد شكري تحويلها إلى سينما، وماذا عن مواجهاته مع السلطة بشكل عام.

محمد شكري جميل: يعرفون زملائي اللي اشتغلوا وياي بالسينما، مرة من المرات فيلم الظامئون هو في دار العرض واللجنة..

أحمد الزين: لا زالت تشاهده

محمد شكري جميل: اللجنة ما أطلقت سراح عرضه والفيلم معلن للجمهور، هل أن هذا الفيلم يعرض قضية تمسّ وادي الرافدين لأنه يحكي عن العطش والعراق هو..

أحمد الزين: بلاد الماء..

محمد شكري جميل: إيه بلاد الرافدين به دجلة والفرات، فالنقطة أثاروها بشكل ما معقول يدلل على عدم معرفة في فهم السينما أساساً.

أحمد الزين: أو ربما يعني اللي عم بيراقب فهم الترميز اللي أنت بتقصده من الفيلم قصة عطش هي.

محمد شكري جميل: يعني إذا قلنا فهم الترميز معناه أنهم أذكياء، أنا ما أتصور. [يضحكان]

أحمد الزين: يعني هذه المشكلة الوحيدة اللي واجهتها مع النظام؟

محمد شكري جميل: لا لا في كل فيلم في كل فيلم إلي فد قصة مأساوية.

أحمد الزين: صدام حسين كان يشوف أفلامك؟

محمد شكري جميل: طبعاً.

أحمد الزين: شو كان رأيه هو؟

محمد شكري جميل: صدام حسين كان يعجب بالروح الوطنية اللي موجودة بالأفلام مالتي.

أحمد الزين: نعم يروى أنه يعني مرة أنت التقيت فيه وناداك من بعيد.

محمد شكري جميل: أي صحيح يعني هو بعث علي وعلى خالد الرحال النحات، يريد يسلم عليّ بعدين بعد الحديث اللي دار بيناتنا حول الفن واللون والشكل وبدأ يحكي لنا على التشكيل، طبعاً هو دايماً يسبق الآخرين في إعطاء رأيه، وعلى كلٍّ إحنا نستمع له كرئيس جمهورية، وإذا بينا نشوف فد حشد كبير يبدأ يطلع خالد الرحال شفنا نفسنا في المؤخرة والحشد من المدراء العامّين والموظفين أغلقوا علينا الجدار، فهو صار يتلفّت وين محمد شكري جميل وين خالد.. فصاح لي قلت له مين يخليني أوصل يمّك وهذول موجودين.

أحمد الزين: نعم نعم يعني..

محمد شكري جميل: هاي شوف هاي هي الانتهازية شوف هاي هاي هاذي اللي تسقّط الملوك وتسقّط الحكام.. إيه الحاشية.

أحمد الزين: يعني هذا السؤال بدي أسأله بتقديرك إذا كان البطل لدى الكاتب يعني هو من صنع الخيال يعني ولدى المخرج يصنع بطل سينما على الورق ويعملوا منه صورة، بتقديرك البطل في الحقيقة يعني البطل الدموي إن صح التعبير مين يساهم بصناعته تلك الحاشية التي كانت تحيط به تساهم؟

محمد شكري جميل: الاثنين الاثنين يساعدون الحدث والناس، يعني لنفرض أعـ .. فد شخص فقير معدم قتل فد شخصية كان مانع مثل هذا التنّين اللي يوقف على النهر أجا هذا الفقير المسحوق قتل هذا التنين، كل الناس هذا هو قاتل بس كل الناس رح تعجب فيه فتبدأ ترفعه تصعّده إلى..

أحمد الزين: مرتبة الآلهة.

محمد شكري جميل: الإله، البطولة أول مرة..

أحمد الزين: نعم

محمد شكري جميل: ورا البطولة تبدأ تعبده، لأن هذا الإحساس الموجود جماهيري هو هذا الابيك دراما الملحمة الدرامية، فأنا هالبطل أطلعه في الإنسان مو بس عادي..

أحمد الزين: أقل.

محمد شكري جميل: أقل من عادي بس صنعوا منه إلهاً.

أحمد الزين: يعني الناس دائماً بحاجة لبطل من هالنوع بتقديرك؟

محمد شكري جميل: يعني يروى مثلاً العرب صنعوا.. عرب الجزيرة..

أحمد الزين: تماثيل.

محمد شكري جميل: صنعوا تمثال من التمر جاعوا أكلوه.

أحمد الزين: جاعوا فأكلوه.

محمد شكري جميل: فأكلوه فهمّ يصنعوه وهمّ يأكلوه.

أحمد الزين: بس هناك نوع من الآلهة تأكل شعبها.

محمد شكري جميل: هناك..

أحمد الزين: وهذا ما يقول..

محمد شكري جميل: همّ جعلوا منه هذه الآفة..

أحمد الزين: صحيح.

محمد شكري جميل: هم خلقوا هذه..

أحمد الزين: ساهموا في جعله هكذا عنده الاستعداد وهمّ ساهموا.

محمد شكري جميل: عنده الاستعداد صحيح.

أحمد الزين: طُلب منك يعني أن تنجز فيلم مثلاً عن السلطة..

محمد شكري جميل: أوه كثير كثير بس أنت لازم..

أحمد الزين: منعت.

محمد شكري جميل: أنت لازم تكون شو اسمه يعني صاحب صبر وقوة ومثابرة، وجودي في العراق وبقائي في العراق ما إجا اعتباط ترى آني بذلت جهد إنسان كبير من أجل أن أبقى صامداً واقف على رجلي حتى أسوّي 12 فيلم روائي، أنا عملت 12 فيلماً روائياً..

أحمد الزين: تنازلت وتنازلت عن شيء تجاه.

محمد شكري جميل: لا لا شوف في النتيجة..

أحمد الزين: طيب عندما طلب منك أنك تعمل فيلماً مثلاً عن صدام حسين؟

محمد شكري جميل: لا لا إحنا آخر شيء بعثوا علي عادل كاظم الكاتب ظلينا نقرأ بالرواية، ظلينا نقرأ بالرواية فاتفقنا اثنيناتنا بأنها لا تصلح أن تكون فيلماً سينمائياً.

أحمد الزين: انتو اثنيناكم اتفقتوا.

محمد شكري جميل: أي.

أحمد الزين: وحدا عرف أنو أنتو اتفقتوا أنه لا تصلح.

محمد شكري جميل: أي يعني تقريباً لأنه إحنا ظلينا نماطل بالموضوع.

أحمد الزين: ظليتوا تماطلوا حتى سقط النظام. [يضحكان]

محمد شكري جميل: أي شوف نحنا لازم نكون مع نفسنا صادقين.محسن العلي: كان مراوغاً جيداً محمد شكري جميل واستغرق في تحضيره عمل الفيلم وتصوير الفيلم صوّر الفيلم محمد شكري جميل حتى إذا أراد أن لا يعترف بتصوير الفيلم صوّر الفيلم، ولكن الفيلم لم ير النور لعدم الجدية في طريقة تقديم الفيلم يعني حتى لو كانوا شاهدوا الفيلم اكتشفوا أن محمد شكري جميل لم يكن جاداً في تبنّي الفكرة.

أحمد الزين: كل من عمل معه يعرفه بالرجل الصعب والذي لا يكشف كل أوراقه في لعبته الفنية، لذا كان لا بد له أحياناً أن يستخدم سلاح الهروب بالطرق الذكية عندما يواجه ضغوطات كلجوئه مثلاً إلى المماطلة حينما يفرض عليه تنفيذ مشروع غير مقتنع به، وهكذا على ما يبدو فعل مع الأيام الطويلة عن حياة الرئيس السابق صدام حسين. وكما روى كان عليه أيضاً بذل جهود كبيرة كي يستطيع تحقيق أعماله على أرض العراق، فالمجتمعات التي تفتقد حرية التعبير تحاصر الإنسان وتضع المبدع أمام خيارات شاقة، وقد تكون المناورة نوعاً من الحماية للبقاء داخل الحدث.

أحمد الزين: أستاذ محمد إذا كانت يعني أشكال التعبير: سينما ومسرح خاضعة لتراكم تجربة معرفية وإنسانية طويلة، طبعاً هادي بتوفّرها المجتمعات في تحقيق ذاتها، وتحقيق الديمقراطية، وتحقيق العدالة، يعني هل هالشروط هذه متوفرة ولو بالحدّ الأدنى في عالمنا؟

محمد شكري جميل: أي شوف هذا السؤال يجرنا إلى لماذا لم تحدث صناعة سينما بالعراق؟ ومثلاً في مصر أكو صناعة سينما، بس أي نوع من صناعة السينما وكيف ازدهرت هذا موضوع آخر. كذلك هسا في سورية أكو صناعة تلفزيون مسلسلات. المناخ الصحي هو الحرية، بس أي نوع من الحرية؟ ها؟ هل هو حرية ازدهار ملاعب كرة القدم؟ ها؟ أو ازدهار الأولمبياد؟ يعني إحنا هسا المنافسة كيف نصنع فرقاً رياضية تجيب لنا جوائز بالعالم، بس هل فكرنا أننا نسوّي فرقاً على شكل ندوات ثقافية؟

أحمد الزين: يعني متى تتحوّل المأساة إلى مهزلة بتقديرك؟

محمد شكري جميل: هي عندما تصل إلى القمة تنضج مو هي كل شي ِمنْ ينضج يتحول إلى مأساة يعني ما كو أزمة اشتدي تنفرجي.

أحمد الزين: وبتقديرك هالأزمة اللي عايشينها في فرج هيك يلوح في الأفق.

محمد شكري جميل: حتماً هذا قانون.

أحمد الزين: متفائل أنت.

محمد شكري جميل: قانون مو آني متفائل قانون قلت لك بالبداية هاي تضارب كل المتناقضات لازم تطلع فد حقيقة إلى حيز الوجود.

أحمد الزين: نعم.

محمد شكري جميل: شئنا أم لم نشأ.

أحمد الزين: هالنَّفَس الساخر اللي عندك أستاذ محمد يعني كان يتجلّى بأعمالك السينمائية تقريباً؟

محمد شكري جميل: أي بس هو كشخصية عندي أقوى من أفلامي.

أحمد الزين: نعم.

محمد شكري جميل: ما أقدر أتحدث كل شي اللي بداخلي بالسينما.

أحمد الزين: طيب عندما يتحوّل هاجس الإنسان إلى النجاة من الموت فقط، هل يصبح للحياة معنى أن تُعاش؟

محمد شكري جميل: يعني شوف أنت طرحت موضوع كلش مهم هو هذا هو هذا سر الحياة أساساً يعني لولا الموت لكل السيستيم يتغيّر.

أحمد الزين: ولا أقصد الموت اللي طبيعي اللي بيحدث يعني اليوم هاجس معظم الناس في عالمنا خاصة في العراق في فلسطين أنه يوصل على البيت أنه السؤال هل تستحق الحياة أن تعاش بهذا المعنى يعني؟

محمد شكري جميل: مهو أنا كنت بدي أجاوبك بس لازم أسوي..

أحمد الزين: نعم تفضل.

محمد شكري جميل: تمهيد لهذا شوف هنا أكو ظاهرة المأساة.. المأساة الساخرة يعني تطلع من بيتك هل ستعود أم لا تعود؟ يعني هل تحيا أم لا تحيا؟ هذا قلق. القلق كالنار يقتل كل مواهب الإنسان، فهو الموت.. أشبه بالموت.

أحمد الزين: موت العقل.

محمد شكري جميل: عافية. لأنه ما تعرف يعني ماكو أي حساب تقدر تحدده..

جذور فنية في العائلة

أحمد الزين: طيب لنرجع شوي للبدايات بدايات تكوينك وتشكل الوعي يعني أنت كما نعلم أن الوالد يتعاطى الرسم أحياناً.

محمد شكري جميل: والعزف أحمد على الزين : والعزف على العود.

محمد شكري جميل: إيه نعم. أحمد على الزين : يعني متحدر من عائلة إلها علاقة بالفن.

محمد شكري جميل: إيه. أحمد على الزين : يعني هذه لوثة السينما يعني من وين إجتك يعني خاصةً في الخمسينات.

محمد شكري جميل: إيه إيه. أحمد على الزين : وقبل الخمسينات ربما تكون فناناً تشكيلياً أو شاعراً.

محمد شكري جميل: إيه صحيح. أحمد على الزين : أو عازف.

محمد شكري جميل: إيه صحيح. أحمد على الزين : يعني نحنا ما عنا تراكم سينمائي حتى يعني..

محمد شكري جميل: إيه صحيح. أحمد على الزين : كيف إجيت على السينما؟

محمد شكري جميل: يعني أنا من هواة رسم الكاريكاتير فكان زميل عمي الله يرحمهم اتنيناتهم غازي الخطاط ومن سكان حارتنا من الفضل بغداد والأعظمية، فغازي كان يستهويني بالصورة والتعليق على الصور خاصةً صور التراث الكاريكاتيرية المضحكة الساخرة المأساوية، فلو تقرأ أنت كتب غازي تشوف إيش قد مؤثرة من الناحية الشعبية، وإيش قد ساخرة. أما تأثيري آني بالسينما فترة الخمسينات آني أسميها فترة العصر الذهبي بالقراءة ومشاهدة الأفلام. أحمد على الزين : مسرح وشعر.

محمد شكري جميل: إلى كل شيء. من إحنا من جيل الخمسينات. أحمد على الزين : وربما في العالم كله.

محمد شكري جميل: تمام إلى حدّ يعني وراء الستينات ومنتصف السبعينات يعني من الستين والسبعين بدأ الكيرف يأخذ اتجاهاً آخر.أحمد على الزين : انحداراً.

محمد شكري جميل: ما أعرف أبدأ إحنا هسا بدنا نقول انحداراً يقولون أنتم متخلفين لأنه هذا عصر الإلكترون، الحمد لله ناخذ سلام لعصر الإلكترون ونحترمه. أحمد على الزين : نتحدث عن القيم الإنسانية عن القيم المعرفية يعني..

محمد شكري جميل: آه عصر الإلكترون حطّم القيم الإنسانية. أحمد على الزين : أو نحنا ما عرفنا استفدنا منه كما ينبغي لأنه ما شاركنا في إنجازه نحن مستهلكين أكثر منا يعني..

محمد شكري جميل: يعني شوف الحروب الإلكترونية وشوف الحروب القديمة إيه!! هذا هو التطور، فاللي خلاني أنجذب إلى السينما هذي النقاط اللي ذكرتها إضافة إلى أن السينما ثروة عميقة المعرفة. الممثلة فاطمة الربيعي: يعني أني عشرة أكثر من 30 سنة اللي أعرفه عن محمد وبشكل جازم إنه هو عاشق لعمله وللسينما بالذات أكثر من عشقه لأي شيء آخر، صحيح إحنا أبناؤه وبنته وآني إلنا مكانة في قلبه، لكن يبقى العمل والعمل الفني هو الأول في قلبه، محمد شكري جميل من المخرجين المهمّين في العالم العربي ومن المهمّين جداً في العراق، وعمله يشكل جانباً مهماً من تاريخ الفن في العراق وتاريخ السينما في العراق، تجربتي آني معاه كممثلة ولأنه أنا قريبة له فكان يختارني في أغلب أعماله لأنه آني أكثر يمكن الممثلين فهماً إلى محمد شكري جميل، اشتركت ويّاه تقريباً في تسع أعمال سينمائية وفي الملحمة التلفزيونية "حكاية المدن الثلاثة" محمد طيب القلب ولكن عصبي جداً وهذا يجي من حرصه على عمله. طيبة شكري جميل: آني أحب الحرص اللي به وأحب الصبر اللي عنده وأحب التحضير اللي عنده والدقة بعمله، وأحب اختياره للفنانين لكل دور إنه هذا الفنان له هيتش دور أو هيتش شخصية يعني صح قاسي هوه بس طيب يعني كلش طيب، يعني عصبيته لمدة دقائق وبعد شوي يعني يصير يعني غير شكل يعني يهدأ شوي. أحمد على الزين : عملت عملاً ما وندمت.. قلت: يا ريت لو أجلت شوي يعني أو لو ما عملته؟

محمد شكري جميل: يعني مو ندمت دائماً آني أتأسف في بعض الأحيان عندما أكون متسرعاً، إيه وهذا التسرع يخلّيني أن ألوم نفسي في بعض الأحيان. أحمد على الزين : والتسرّع بيجي نتيجة إلحاح شخصي أم إلحاح آخرين عليك؟

محمد شكري جميل: bothاتنيناتهم. أحمد على الزين : الاتنين سوا.. وعلى شو مستعجل؟[يضحكان]

محمد شكري جميل: مو بس أنا كلياتنا. أحمد على الزين : كل الناس مستعجلة.

محمد شكري جميل: إيه كلياتنا مستعجلين هسّا شوف الناس شلون يروحوا للموت بسرعة. أحمد على الزين : ليه؟

محمد شكري جميل: ها؟ أحمد على الزين : ليه؟

محمد شكري جميل: والله هذه تسأل بجهابذة الحرب.

بيع المكتبة الخاصة للحصول على الطعام

محمد شكري جميل: لا أستطيع أن أعيش بدون كتب آني، كيف أعيش؟ إذا لم أقرأ أشعر بالنحس

أحمد الزين: خلال فترة الحصار في العراق أنت اضطريت أن تبيع مكتبتك يمكن لجهة معينة جهة رسمية بحوالي ما بعرف قديش من الدولارات.

محمد شكري جميل: مين قال لك؟ أحمد على الزين : هذه لأسباب بس أنه تعيش تشتري..؟

محمد شكري جميل: منو قال لك إني آني بعت مكتبتي؟ أحمد على الزين : أنا بعرف.

محمد شكري جميل: على كلٍّ أنا بعت مكتبتي إلى أكاديمية الفنون. أحمد على الزين : نعم.

محمد شكري جميل: إيه دافع وبدافع يعني دافع مادي ودافع يعني يستفيدون منها كان في إمكاني أبيعها في أسواق الكتب بس هي مكتبة ثرية. أحمد على الزين : بسعر أعلى يمكن بسعر أعلى؟

محمد شكري جميل: إيه بسعر أعلى بس هذه بثمن بخس من الدراهم إلى أكاديمية الفنون، وهذا كان بفضل عميد الكلية كان فاضل خليل زميلي فاشتروا الكتب مالتي أعطاني مبلغاً اللي قدرت أعيش به. أحمد على الزين : يعني نرجو أن لا تبيع شيئاً آخر.

محمد شكري جميل: شنو مثلاً؟ أحمد على الزين : في الأيام القادمة.. أو ما تبقى شيء.

محمد شكري جميل: هو ما بقى شي شو نبيع؟ يعني إحنا الحمد لله اللي نمتلك عقلاً باقي اللي نقدر نعمل. أحمد على الزين : نعم.

محمد شكري جميل: وآني من الناس اللي دائماً متفائل مو متشائم وأستمر على العمل إلى آخر لحظة في حياتي لن أترك العمل السينمائي. أحمد على الزين : طيب أستاذ محمد طبعاً الحوار معك شيّق كتير ولكن بس بدي أسألك سؤالاً أخيراً.

محمد شكري جميل: إيه تفضل. أحمد على الزين : يبدو إنت كما عاشق للحياة يعني بتحب الحياة كتير لأنك فنان لازم يحب الحياة، كيف تجلى عشقك للحياة يعني كيف خارج إطار تعبيرك السينمائي يعني علاقتك فيها هيك بالأشياء المحسوسة؟

محمد شكري جميل: يعني هذه وإحنا طلاب صغار كان يدرّسنا أستاذ باللغة العربية متحمّس قومياً وظاهر عنده حب للطبيعة، فأكو قصيدة: انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرةكيف نمت من حبة وكيف صارت ثمرة شوف الطبيعة إيش قد جميلة وحلوة؟ إضافة لذلك حب الإنسان يعني العشق للمرأة مثلاً، العشق للجمال هذه هو ديمومة الحياة، يعني تصوّر إنساناً يقدر يعيش بلا حب أن ما أتصور، أحمد على الزين: يكون فقد شوي من إنسانيته.

محمد شكري جميل: إلا إذا كان إذا كان يفتح الدكان الصبح مشان يبيع الجبن وهذا ويرجع للبيت فما يعرف إلا مصلحته.. الجبن والهادا وخلص. أحمد على الزين: قضيته الكبرى هي الجبن.

محمد شكري جميل: الجبن..أحمد على الزين: يعني أنت بعت المكتبة بس يبدو رجعت ركّبت مكتبة أخرى لأنه أنت قارئ رجعت اشتريت كتب كتير؟

محمد شكري جميل: ما أقدر أن أعيش بدون كتب آني، شلون أعيش؟ إذا ما أقرأ أشعر بالنحوسية أصل النحس. أحمد على الزين : طيب أنت وعم تقرأ بداخلك عمّ تكون تبحث يعني عن شو عم تفتش؟

محمد شكري جميل: إيه هذه مو كل وقت هذه أفتش لازم أقرأ، أقرا شيئاً مؤثراً لأفتش، يعني حرام تقرأ إلى كتّاب كبار وأكو كتب تقرأها مرة واحدة وترميها بس أكو كتب دايماً أرجع عليها أقرأها. أحمد على الزين : مثلاً؟

محمد شكري جميل: يعني الجريمة والعقاب دايماً ارجع أقرأه.. يعني فد عمل عظيم.. يعني دايماً تقراه دايماً به شيء جديد. أحمد على الزين : مخرج هذا العمل منحك جائزة ذات يوم.

محمد شكري جميل: غور جانوف.أحمد على الزين : صحيح.

محمد شكري جميل: إذا باقي والله الله يعطي الصحة والعافية. أحمد على الزين : أنت بعدك بتراهن على الثقافة إنه تلعب دوراً في عالمنا هيك كرافعة حقيقية؟ لأنه الرافعة الحقيقية هي النفط كانت بس للأسف النفط كان سبب تدميري يبدو.

محمد شكري جميل: يعني حتى إذا كنت آني وهمان فخليني بهالسعادة أحمد على الزين : ما هيك.

محمد شكري جميل: أعيش على سعادة هذا الوهم. أحمد على الزين : نعم.

محمد شكري جميل: يعني لا تفسد علي.أحمد على الزين : لا لا ما أفسد شيئاً أنا عم أفتش على الأمل أنا بسألك لحتى لاقيه.

محمد شكري جميل: إيه خليني عايش. أحمد على الزين : لا والله زدتني أمل أنا كنت يأسان.[يضحكان] ممتع الحوار مع محمد شكري جميل فشخصية هذا الرجل على ما يبدو ممتلئة بذاتها، وروحه الساخرة تجعله أكثر قرباً وتجربته الغنية شهادة وفاء منه لعلاقته بأرض الرافدين، هو ما زال يراهن على إسهامات الإبداع والمعرفة في تحقيق ما هو أعدل وأجمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق