أحمد الزين: يذكرني هذا الرجل بفيلم سينمائي اسمه تمارين الأوركسترا للسينمائي الإيطالي فردريكو فيليني، يذكرني بذلك القائد قائد الأوركسترا الذي أصر على متابعة التمرين والعزف في مواجهة آلة دمار كانت تسامر بحزم على تهديم المكان الذي تتم فيه التمارين، وأذكره كان ديراً أوصرحاً قديماً. ويثابر المايسترو بحزم وإصرار أشد على مواصلة العزف غير آبه بتصدع هذا العالم الذي يحيط به وتلك الجدران التي تتفسخ.
هذا ما يفعله وليد غلمية أو ما فعله في حياته يواصل تمارينه وكتاباته وسط عالمٍ أو مدينة تتصدع فيها القيم والمعرفة تحت ضربات آلة الخراب والتجهيل، يواصل بناء صرح آخر أعلى وأعمق وأشف وربما أمتن من تلك الكتلة المعدنية التي واظبت على ضرب الجدار، إذ أن الصوت صوت الموسيقى طغى على صوت الخراب ونفذ بعيداً وعميقاً في نهاية اللعبة.
هو حلمٌ أو هدف أو خيار أن يهب هذا الرجل عمره في خدمة الموسيقى باعتبارها تعبيراً عن اللقاء والاختلاف، والحوار تصويتات تتآلف وتتناثر لتشكل صورةً باهرة عن المدينة.
دايماً عرفتك هيك على قدر من الانضباطية الصارمة بحياتك هذه من صفات قائد الأوركسترا أو مدير المعهد، أين هامش الفنان؟ يعني هيك الحالة اللي هي بين الانضباطية والتفلت أحياناً؟
وليد غلمية: يعني أنا الانضباطية اللي حضرتك ذكرتها هي قبل ما أكون رئيس معهد الكونسرفاتوار، كل عمري أنا انضباطي دقيق في مواعيدي دقيق في عملي مثل رنات الساعة تماماً، الحقيقة أنا ما بشوف أي مبدع هو خارج الانضباط. في حالتين الحالة الاجتماعية العادية اللي كل الناس تعيشها إذا بدك تأخذ موعد مع شخص تشرب فنجان قهوة شيء، إذا بدك تاخذ موعد مع شخص لتشتغل وتبادله الرأي أو الفكر أو البحث شيء آخر. يعني اثنيناتهم التزامين الأول فيك تستغني عنه بس الثاني لا يجوز تستغني عنه، وأنا أتصور أنه أي عمل إبداعي هو قمة في الانضباطية، إذا ما في انضباطية بالفكر وبالوعي وبالتذكر وبالتالي وبالتسلسل لا يمكن أن يكون هناك إبداع، فيه كثار يعني على فكرة بيقولوا كثير صارم، أنا مش صارم أنا صارم على نفسي الحقيقة..
أحمد الزين: طيب دكتور وليد الموسيقى يعني ببعد أو بمستوى من مستوياتها التأليفي الأوركسترالي هي تجلي من تجليات المدينة القائمة على معنى التعدد والاختلاف في الأفكار والرأي والصوت، إلى أي مدى يعني يصح هذا التوصيف على مدينة مثل بيروت قد نراها حائرة يعني بين المدينية وبين الريف؟
وليد غلمية: أتصور الفقرة الأولى من تساؤلاتك هي تتضمن الجواب، المدينة فيها تنوع، تنوع بصري ونظري بطبيعة الحال تنوع فكري، تنوع في الحركة، تنوع في الإيقاع، تنوع في التواصل، تنوع في النقاش، تنوع في الامكنة. وبالتالي هذا التنوع هو اللي يحرض على الإبداع الدائم وعلى الإنتاج، هذه حقيقة واقعة وهذه ممارسة عبر التاريخ، كل المدن كل العطاءات الكبيرة جاءت من المدن، معلش إذا كان هذا المبدع يسكن في ريف ولكن عقله متنوع هو عقل المدينة، الربط اللي تفضلت فيه بين المدينة وهذا التنوع والأوركسترا، الأوركسترا هي تصويتات مختلفة متنوعة، هي إيقاعات وتصويتات من آلات متنوعة مختلفة تتآلف حيناً تتضاد حيناً تتناقض حيناً، تعزف سويةً حيناً متداخلة حيناً متناثرة حيناً. فأعتقد هذا التنوع في التصويت الأوركسترالي هو ترجمة للتنوع في المدينة. ولذلك أقول لا تطور في الموسيقى إلا عبر الأوركسترا، كل عمل موسيقي فردي لا يطور الموسيقى اللي يطور الموسيقى الأوركسترا، الأوركسترا يعني التنوع وهذا التنوع يصبح صعب، لتمتلك هذا التنوع عليك أن تعلم أن تتعلم أن تدرس أن تدرك أن تسمع أن تتابع، وأن تنظم نرجع للانتظام، تنظم هذه..
أحمد الزين: على مستوى الموسيقى يمكن متوفرة ولكن على مستوى السياسة متوفرة ببلادنا قولك؟ يعني يستطيع أن يضبط هذه تلك الاختلافات في الآراء والصوتيات؟
وليد غلمية: يعني أنا بشوف السياسة عنا مثل العازف المنفرد، يعني العازف المنفرد يقسّم ويرتجل، والسياسة عنا هي ارتجال وتقاسيم، الأوركسترا ما فيك ترتجل يعني بمعنى آخر كل تأليف يبدأ ارتجال وينتهي كتابة وتبويب وتنظيم لكافة التفاصيل، هيدا الموسيقى أما السياسة عندنا تبتدأ ارتجال وتقاسيم وتنتهي ارتجال وتقاسيم.. ميزة بيروت أنها هي العاصمة الوحيدة اللي كل طبقاتها الشعبية وكل تنويعاتها المجتمعية كانت تشترك.. لا بل أنه لبنان كان يشترك بالحركة هاي ميزة لبنان بشكل عام أنا ما عم بحكي هلأ عم بحكي قبل، بيروت هي كانت العاصمة العربية فعلاً ولذلك كل المبدعين والمثقفين العرب الحقيقيين إجوا على بيروت بالوقت اللي كانت بيروت باريس، وبعدين فيه شغلة أعطي برهان عليها وقت اللي نكبت بيروت بالحرب الأهلية كان العالم العربي من المحيط إلى الخليج ينعم بالسلام، أعطيني عمل ثقافي واحد عُمل فبيروت شغلة مهمة، وهون أنا أعتقد أن أغلبية في العرب خاصةً المتنورين المثقفين منهم أدركوا أهمية بيروت واليوم بيحكوا عنها بمنطق الخوف أن يبكوها كما بكوا الأندلس.
أحمد الزين: طيب دكتور لو أردنا التحدث عن الموسيقى هل هي الآن في حالة غياب أو في حالة حصار إذا استثنينا القليل من بعض الأعمال؟
وليد غلمية: يعني أنا في موقع حالياً أتكلم في موقع وفي مكان إعلامي أنا أحترمه جداً، ولكن أنا مثلما يعني بدي أحكي أثق فيه وأؤمن فيه وأعتقد فيه أنه قناعتي الموسيقى بصحة جيدة، الإعلام ليس في صحة جيدة. أنا آسف أقول الإعلام العربي بكافة أشكاله انتباهه رايح في مكان آخر وباتجاه آخر، نحنا بحاجة.. نحنا طبعاً نحنا مش المفروض فينا نكون على طول في الحالة الصارمة الجدية الصعبة القاسية نحن بحاجة لنفرح ونلتهي ونلهي، لكن صاير إعلامنا على طول.. فالموسيقى صحيح اللي تفضلت فيه أنه قلائل اليوم المبدعين الجديين أو الإبداع الجدي مو هذا إله أسباب، هو عدم تبني على الأقل إعلامياً لهذا الإنتاج، يعني أنا ما بقدر أفهم كيف ممكن العالم يهتم بمادتنا الموسيقية، أنا بعرف كثير علماء موسيقيين يعني يهتموا كثيراً بالموسيقى الشرق عربية اهتمام ونحن رايحين في مكان آخر وباتجاه آخر. يعني أديش ضروري التلفزيون والإذاعة والصحيفة والمجلة أنها تعطي حيز لأولادنا ليشوفوا أولادنا شو عم بصير غير قصة الهمروجة هيدي.. أنا دائماً أقول فيه كلمة يعني أقول عندما يعلو صوت الطبل تنتهي الموسيقى. يعني عنا نحن صوت طبول وعنا انتاج غرائزي وليس إنتاج ثقافي فكري هذه مشكلتنا، نحن نروج للانتاج الغرائزي وأنا آسف قولها ولكن هذا الواقع.
أحمد الزين: بتقديرك شو أسباب طغيان هذا الإسفاف هذه الكلمة تستخدمها غالباً أنت؟
وليد غلمية: فيها عدة أسباب سبب تجاري من ناحية، سبب سكووب يعني بعتبروا بعض وسائل أو كل وسائل الإعلام..
أحمد الزين: أنه هيدي ضربة..
وليد غلمية: أنه في سبق ضربة مثلما قلت.. وفيه سبب ثاني أنه القيمين على الأمكنة التي تقرر الشيء هؤلاء القيمين منّهم على تربية ثقافية موسيقية أو هم على جهل مدقع في الموسيقى أو هم استماعهم موسيقى محدود جداً.
أحمد الزين: طيب شو دور النخب الموسيقية طالما فتنا في هذا الموضوع دور النخب الموسيقية من موسقيين كبار من أساتذة معهد من ناس يهتموا بهذا الشأن يعني من الدور اللي كانت تلعبه بعض الإذاعات بدءً بالإذاعة اللبنانية سابقاً ليش هول النخب ما بيقدوا يتدخلوا يعني؟
وليد غلمية: دور النخب موجود، دور النخب هو في ثلاث تيارات، التيار الأول العناد والإصرار على العمل بهذا الشكل الجدي والمعتمد على معرفة وثقافة وتجربة مع الانعزال يعني لحالهم عايشين لحالهم، الدور الثاني هم الجديين اللي هجروا العمل الموسيقى وراحوا لأعمال أخرى أو سافروا، والثالث أنا اللي أسميه اللي الله يعني أنا ما بعرف شو بدي سميهم أرجو الله ليساعدني لنسميهم أنهم غير حقيقيين وهم نوع من الكاذبين واللي هن عم يحتلوا مساحات في الجغرافيا الموسيقية العربية يعني كثير موجودين، وكثير.. لكن هم في الواقع مش صادقين وغير قادرين على أنه يكفوا المشوار.
أحمد الزين: يعني هم بستغلوا عالم الموسيقى والمعرفة أو جزء مما تيسر لديهم من المعرفة الموسيقية وهم شاطرين..
وليد غلمية: مما تيسر لديهم وهم شاطرين..
أحمد الزين: بشتغلوا بزنزس يعني..
وليد غلمية: أيه طبعاً عندهم إمكانيات استغلوا السياسة، استغلوا القضايا الوطنية والقومية، استغلوا القضايا الاجتماعية، استغلوا القضايا كلها هذه يعني هذه أوكي رايجة هلأ بس بعدين..
أحمد الزين: في دارته في بيروت يُسمعك وليد غلمية آخر أعماله أو مقاطع منها قبل أن ينتقل الحوار إلى هموم المعهد الموسيقي الكونسرفاتوار، يطلعلك على بعض أرشيفه وصوره التي تختصر أو تكثف جانباً من حياته أو تجربته. أما المعهد الموسيقي فكان له الحصة الأكبر من انشغالاته منذ أن تولى إدارته في آذار 1991، في تلك المرحلة كان عليه أن يبدأ من جديد لا أن يرقع كما يقول على طريقة السياسيين. لقد استلم معهداً لم ترحمه الحروب والإهمال كان على حافة الانهيار، فبدأ بناءه آلة آلة وفكرة فكرة ومنهجاً منجهاً، غيّر من أنظمته واستحدث مناهج حديثة، واستعان بمؤلفين لبنانيين وغير لبنانيين لوضع تلك المناهج. وأسس أقساماً مختلفة ربما كان من أهمها قسم التأليف وقسم قيادة الأوركسترا، وأنشأ داراً للنشر هي رابع أكاديمية في العالم تملك جميع المؤلفات الموسيقية كما يقول، وتدرس جميع الاختصاصات دون استثناء. وأهم إنجازاته في هذا المجال كانت الأوركسترا الشرقية والأوركسترا السمفونية، ويقول في هذا المجال..
وليد غلمية: أخذت معهد موسيقي فيه 48 طالب أنا عم سلم كونسرفاتوار اليوم فيه خمس آلاف طالب من أصل 13 ألف طلب لأنه ما عنا إمكانيات..
أحمد الزين: ما في محل..
وليد غلمية: ما فيه لا محل ولا أساتذة..
أحمد الزين: طيب دكتور وليد غلمية أنت منذ سنوات طوال يعني طبعاً رح نحكي خطوة خطوة تجربتك اللي بلشت كثير من زمان، لكن الملفت جداً من خلال سنوات ليست بقليلة أظن أكثر من 15 سنة أو 20 سنة أنت مدير المعهد الموسيقي الوطني تقريباً، وأصبح لهذا الفرع فروع في أنحاء لبنان وخرجت جيوش عم نستخدم استخدامات عسكرية.. جيوش من العازفين، قبل شوي كنا عم نحكي أنه أنت كنت تتفاجئ بس يقولوا اللبنانية كل واحد عنده سلاح ببيته.
وليد غلمية: أنا بسمع بالتلفزيون وبالإذاعة بالجرائد سياسيين وغير سياسيين بقولوا إيه يا أخي ما كل لبناني عنده سلاح ببيته قطعة سلاح ببيته، يعني والناس بسمعها ببساطة كيف يعني هي ممنوعة أساساً يعني هل كيف.. كيف يجوز للمواطن أن يقتني سلاح في بيته؟ فإذن هو بمكان اللا مكان هو في مكان الفوضى، يعني حلو كثير البيوت يكون فيها طفولة يكون فيها كتاب يكون فيها موسيقى يكون فيها علم يكون فيها معرفة يكون فيها طموح يكون فيها دفئ يكون فيها رؤيا يكون فيها تلمس أنه أحنا قطعة سلاح شو يعني قطعة سلاح يعني أنت..
أحمد الزين: عندك استعداد تكون قاتل..
وليد غلمية: يعني أنا إذا عندي قطعة سلاح أصبح مجرم مؤجل استخدامي ما بصير..
أحمد الزين: حلو استخدامي هاي.. إذا بدنا نتحدث عن مستوى لهذه الأوركسترا الأوركسترا الغربية للسمفونية، فينا نحكي عن مستوى عالمي أم بعد؟
وليد غلمية: أنا مش رح أعطي رأيي أنا رح أعطي رأي رواد الأوركسترا الضيوف اللي إجونا من كل بقاع العالم، يعتبروها بالحرف فيه تعبير يقولوا.. هي بذات المستوى الجيد لأي أوركسترا أوروبية جديدة.. هذا الكلام اللي يقولوه، بعدين فيه شغلة كثير مهمة أنه الأوركسترا السيمفونية الوطنية اللبنانية أوركسترا سعيدة فرحة هاي ملاحظة..
أحمد الزين: كل عازفينها لبنانيين؟
وليد غلمية: لا نحن فيه عنا بحدود 44 أو 48% لبنانيين والباقي من مختلف الجنسيات..
أحمد الزين: بس نسبة منيحة نسبةً للأوركسترا، متفرغين العازفيين عندهم رواتب شهرية؟
وليد غلمية: كلياً، راتب شهري والعمل يومي، نحنا ابتدئنا بالتمارين ب10كانون الثاني سنة 2000 نحن صار لنا ثمان سنين، كل قائد أوركسترا بيجينا من بره بس يطلع على اللي الأوركسترا عزفته ما بيصدق أنه بهالفترة القصيرة..
أحمد الزين: يعني فيه شغل يومي مستمر..
وليد غلمية: فيه شغل يومي.. شغل يومي وشغل جدي، والأوركسترا أثبتت وجودها مثلاً لومان دومينغو عندما دومينغو يطلب الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية لتشاركه في حفلات مختلفة، يعني دومينغو منّه رجل عادي هذا إنسان كبير وتجربته كبيرة، أحب أن أقول أن الأوركسترا الشرق العربية اللبنانية هي فريدة ووحيدة في العالم كله مش العالم العربي في العالم كله.
أحمد الزين: وليد غلمية هكذا وزع أيامه ما بين كتاباته السمفونية وبين إدارته وتمارينه اليومية في المعهد الموسيقي بين الأوركسترا الشرقية والأوركسترا السمفونية، وكأنه في رهان دائم على أن الجمال والإبداع أقوى من الخراب الذي مهما تمادى تبقى الموسيقى أعلى، حتى في همسه على آلة شفيفة أرق من الهوى. ما بين بيتين ومعهدين وفرقتين ما بين بيروت ورمانة وما بين همين هم التأليف وهم المعهد والأوركسترا وزع وليد غلمية حياته على مدارج التآلفات ومدارج أيامه.
أحمد الزين: من على هذه الشرفة في دارته في أبو رمانة يطل الدكتور وليد غلمية على غابة الصنوبر نحو المتن الأعلى وقمم صنين، مكانٌ مفتوحٌ على التأمل. والموسيقى في جوهرها هي فعل تأمل، غابة أصوات قد يقوم المؤلف أحياناً في تشغليها لتتآلف أو تتنافر على قاعدة الزمن، ومن على هذه الشرفة أيضاً يمكن للمرء أن يعود بالذاكرة في الزمن نفسه إلى مصدره إلى حيث خطى خطوته الأعلى على مدارج أيامه إلى جديدة مرج العيون إلى منزل وحارة وأهل وصحبة وآلة مندولين كان يعزفها الوالد والعمة أيضاً. يستعيد هذه الصور كلحن قديمٍ يدندنه أو ككتاب يقلب صفحته صفحة صفحة فيعثر في هذه الصفحات على مشاهد من أيامه أو على تعدد وتنوع أوصله إلى هذه الشرفة المطلة على غابة وبالتالي يطل منها على نفسه.
وليد غلمية: أنا ابن جديدة مرج عيون في جنوب لبنان، والدي تاجر ووالدتي.. والدتي من الرعيل السابق اللي تخرج من زهرة الإحسان، ووالدي كمان اتخرج من الجيرار.. والدي ووالدتي هم جزء من بلدة اسمها جديدة مرج العيون اللي هي مشهورة بالعلم والثقافة والانفتاح والرحابة في الحياة، جديدة مرج العيون هذه البلدة كان في خمس صحف بس لأعطي فكرة.. يعني أنا عشت بالمناخ، بابا كان الله يرحمه طبعاً كان هو بالكشاف كان يعزف كمنجه وماندولين شغل إيطاليا، ماما تقرأ كثير أنا أذكر كان فيه مكتبة في البيت ومجلات، كانت والدتي ماتت سنة الألفين قبل ما ماتت بشهرين كان معدلها كتاب في الأسبوع مع هيك أنا بالمحيط، هذه جديدة هذه جديدة مرج عيون لا ننفرد نحنا كل جديدة مرج العيون هيك، وكان فيه عنا فونغراف كان اسطوانات الزفت الكبيرة من زمان أذكر كان بيتهوفن وموتزارت وبرامز وما بعرف شو.. أنا كنت شيطان شوي فالوالدة أدركت أنا أنه الصوت يجذب لي انتباهي، كنت بس أتشيطن تروح تحط أسطوانة وأدورها أجي أنا أقف.. أقعد عاقل، توفي والدي أنا كنت صغير عمري ست سنين صرت ألعب بالكمنجا تبعه المندولين عمتي كانت تدق مندولين علمتني شوي صرت أدق ماندولين أنا لحالي قلت إذن إذا الأصابع هيك على المندولين ليش ما بجربها على الكمنجا، جربتها مشي الحال بالكمنجا وإذ طلع مزبوط أنه اثنيناتهم بيدوزنوا نفس الشيء يعني بنفس المبدأ، بعدين جيت على بيروت تعلمت بالجامعة.. إلا أني كنت مشهور بالكمنجا كثير كنت عم بحضر لبيتهوفن لأقدم فيه فحص عم نلعب فوتبول بملعب الجامعة الأميركية وقعت.. كنت أحب الفوتبول فإجت أيدي هاي تحت جسمي فأصبعي الوسطاني انكسر من هون فجبرناه، طلع بعدين الجبار مش مزبوط فقالوا الحكماء فينا نكسره مرة ثانية ونجبره مزبوط، هيدي الحادثة نقلتني لدراسة تأليف الموسيقى..
أحمد الزين: لم يمنعه تعطله عن العزف عن خياره الموسيقي أو عن متابعة بحثه في هذه العوالم أو طريقة أخرى للوصول، فلقد سافر إلى الولايات المتحدة ليتخصص في التأليف الموسيقي وفي قيادة الأوركسترا، وفي دراسات نظرية في الميزولوجي عاد بعد نيله شهادة الدكتوراه إلى لبنان ليبدأ نشاطه في المسرح الغنائي والمهرجانات، فكان له في بعلبك دور أساس عبر أربع سنوات ما بين عام 1963 و1968، كما أسس لمهرجانات جبيل عام 1969 واستمر لسنوات ثلاث، وأيضاً كان له دور آخر في مهرجانات أهدين، ومن أهم علامات تلك المرحلة على ما يذكره هي ما أنجزه مع روميو لحود في مسرح فينسيا عام 1965 حيث كان أول مسرح موسيقي يومي دائم في العالم العربي، على بداية السبعينات ذهب وليد غلمية إلى الموسيقى الخالصة، ترك التلحين وانصرف لعملية التأليف السيمفوني ليبدأ مرحلة جديدة من حياته وتجربته.
وليد غلمية: هات لنسمع الحركة الثانية من سيمفونيتي السادسة. هيدي كنت عم أسجل سيمفونيتي السادسة..
أحمد الزين: وين؟
وليد غلمية: في بولونيا..
أحمد الزين: في بولونيا. طيب دكتور لاحقاً عدت إلى المؤلف الموجود يعني البزرة الموجودة فيك من الطفولة ذهبت إلى التأليف الموسيقي واخترت شكل من أشكال التأليف أو قالب هو العمل السيمفوني، لماذا ذهبت إلى هذا الخيار وإلى هذا النوع الدرامي للموسيقى الواسعة يعني؟
وليد غلمية: نحنا موسيقانا الشرق عربية فيها من النبل الصوتي تحمل من التاريخ ومن النبل الصوتي مساحات ومداميك وأحجام ضخمة جداً، لكن التعاطي معها والتعامل معها أساء إلى هذه الموسيقى، فأنا أخذت المادة الموسيقية الشرقية العربية من ألحان تراثية فولكلورية أو من ألحان حتى دينية.. حتى دينية وصغتها في قوالب سيمفونية درامية كبيرة، وبنيت عليها ست سيمفونيات وكلها سجلت، أستاذ أحمد رح أقولك بصراحة وببساطة بعدي كل الجيل اللي إجا جديد كتب موسيقى وطموحاته يكتب موسيقى مش أغاني، وفيه منهم كتبوا مؤلفين كتبوا سيمفونيات وموجودة، هذا التيار انخلق بقوة، فإذن الهدف اللي حبيته أنه كان فيه بعبع اسمه سيمفونية هو وهم هو مش بعبع، وإجا جيل متعلم إجا جيل فيه ناس عرب متعلمين اتعلموا الموسيقى علم، فكتبوا من بعد ما أنا مثلما بيقولوا بجيت الباب فاتوا، فتحت الباب.. ولذلك أنا بالأوركسترا السيمفونية الوطنية اللبنانية كل سنة نقدم عمل أو عملين لمؤلفين عرب سيمفونيين..
أحمد الزين: حلو، إضافةٍ لبعض أعمالك..
وليد غلمية: إضافةٍ إلى الأعمال العالمية..
أحمد الزين: ولبعض أعمالك..
وليد غلمية: أنا ما بفرض إذا الكونداكتر مثلاً إجا الكونداكتر لاير بومير اللي هو نمساوي قال عجبته كثير سيمفونيتي السادسة قدمها هو، أنا ما قدمتها..
أحمد الزين: نعم. عندك شي لهذه..
وليد غلمية: السكور تبعها إيه معلوم، السادسة ليك وينها اللي فوق..
أحمد الزين: أنت تراهن على دور الموسيقى لتخفف من طبائع الشراسة عند البشر؟
وليد غلمية: لا شك، فيه مبدأ كثير عظيم أستاذ أحمد كل المعارف الإبداعية.. هلأ بين هلاليين معلش هذه فرصة لأنه نعبر عن أشيائنا، أنا ضد التصنيف الغربي العلوم والفنون، هذا التصنيف لا أعترف به. أنا أعترف بالتصنيف العربي، قديماً بالحضارة العربية كان عندهم معارف وصناعات ما عندهم علوم، كان عندهم معرفة اللغة وصناعة اللغة، معرفة الرياضيات وصناعة الرياضيات، معرفة الموسيقى وصناعة الموسيقى، وفي مؤلفات أبو هلال العسكري أبو حيان التوحيدي حول الصناعة، الصناعة هي العملية الإبداعية. يعني الموسيقى هي معرفة، إذا بتعرف بتصنع.. وهذه الصناعة تنتظر حكم الزمن تكون أو لا تكون، هاي نقطة. نقطة ثانية بحب قولها أنه نحنا ما نفتكر بأن تشيكوفسكي عبقري وبيتهوفين عبقري وموتزارت عبقري ودافنشي عبقري، شعوبهم العبقرية لأنهم فرضوهم على الزمن أحنا ما عنا شعوب نفرض شيء نحنا شعوب سلبية، آسف أقولها إحنا إذا واحد أنجز شيء بيصيروا يفكروا كيف هذا الإنجاز يدمروه، هذا شيء مؤسف..
أحمد الزين: يدمروه يغيبوه يسكتوه..
وليد غلمية: ولذلك يتفاجئوا كتار أنه أنا الأوركسترا الشرق عربية والأوركتسرا السيمفونية فاتح مجال للمؤلفين الجديين العرب لبنانين وغير لبنانين أنه نقدم أعمالهم.
وليد غلمية: هاي إطلاق أوركسترا الشعر عربية، هاي اطلاق الأوركسترا السيمفونية أول بوستر..
أحمد الزين: قد يكون دكتور وليد غلمية من بين المؤلفين القلائل الذين رفدوا أعمالهم وكتاباتهم الموسيقية بأبحاث ودراسات نظرية في الموسيقى في الموسيقى العربية طبعاً أو الشرق عربية كما يسميها، فله دراسة معمقة حول الموسيقى في لبنان وأبحاث طالت جوانب من الحياة الموسيقية ومنابعها في كل من سوريا والعراق وليبيا. وله أيضاً دراسة فكرية حول علاقة الفكر العربية والفلسفة العربية بالموسيقى العربية على مستوى التقاسيم التي هي من ميزات تراثنا الموسيقي العربي.
وليد غلمية: أنا قارئ ممتاز كل عمل سيمفوني كتبته عملت قراءات قبل، يعني موضوع يجذبني أعمله عليه دراسة وبعد ما أعمل الدراسة أكتب العمل، على سبيل المثال لا الحصر أنا في عندي سيمفونيتي الثانية هي اسمها سيمفونية البطولة اللي هي مهداة للمتنبي. قرأت 24 كتاب عن المتنبي فوجدت بالـ24 لا شيء، التجأت آخر شي إلى ديوان المتنبي شرح اليازجي..
أحمد الزين: صحيح هم جزأين..
وليد غلمية: جزأين قريتهم مزبوط وهالشخص العظيم وجدته في مكانين في هذا الديوان، هو أول شغلة الزمن، كان قاتله الزمن. تصور نحنا اليوم بأي عصر ومشكلتنا الزمن، هو من ألف سنة.. هيدا أول أول فورة، الفورة الثانية هو الإنسان، هو يعني كل ما قيل عنه يصطفلوا بس أنا شفت فيه الإنسان كما يجب أن يكون الإنسان، وأكثر شي أثر فيّ بيت شعره ما حدا بيعرفه: واقفاً تحت أخمصي قدر نفسي.. واقفاً تحت أخمصي الأنام.. كان هو كان اعتبروه أنه جبرؤوتي هو لأ، هو بحب الإنسان يكون هون بهالمنزلة وفعلاً الإنسان هو حبكة الحياة، يعني لا النبتة لا الزهرة لا الطير لا الجبل لا الماء لا الهواء لا العلم لا المعرفة لا الإيمان لا الصلاة بدون الإنسان هول كلهم مش موجودين.
أحمد الزين: أستاذ وليد تشعر بشيء آتي من الغربة عندما تجد نفسك يعني كأنك مثل طير يعني بيغرد لحاله خارج السرب؟
وليد غلمية: شوف أبدو وكأني طير خارج السرب، في الواقع أنا طير بتفرج على السرب، فيه فرق كثير..
أحمد الزين: أنت مثل المتنبي أنت يعني..
وليد غلمية: لا لا أستغفر الله المتنبي شغلة كبيرة كثير.. شغلة كبيرة كثير أنا وين..
أحمد الزين: طيب ما بين المعهد والأوركسترا والكتابة والتمارين وشغلك اليومي وهذه الانضباطية، متى تجد فسوحات للهوى للحب للعشق للحياة ولا هم فايتين ببعضهم؟
وليد غلمية: شوف إذا أنت في المكان اللي بتحبه امتلأت حب واللي معك امتلأ معك حب.. الموسيقى بالأساس هي المعبد الأكبر بالنسبة لي يضم الكونسرتوار يضم الأوركسترات يضم الأساتذة يضم التلاميذ ويضم ناس وكل المجتمع ويضم العالم..
أحمد الزين: الكون..
وليد غلمية: الكون كله، شايف كيف.. يعني وبالتالي.. وبالتالي بعيش حالتين عظيمتين هو الوصول إلى مكان الإيمان العظيم، والشغلة الثانية اللي هي بتخليني أبرهن عن قاعدة أساسية أنا أؤمن فيها..
أحمد الزين: وهي.؟
وليد غلمية: الانتقال والتطور والعمل الدائم لأنه فيه قول أنا بالنسبة لي مهم جداً يقول بشر بزوالها إذا قيل تمت.. بشر بزوالها إلى قيل تمت.. كل شيء يتم انتهى تطوره، وأرجو أنه يظل عندي هذا النقص الهائل لأظل أشتغل كل شيء يتم انتهى..
أحمد الزين: جاوبت على السؤال.. آخر سؤال هو عندما تنظر إلى تجربتك هيك وإلى حياتك هل تشعر بالرضا؟
وليد غلمية: أشعر برضا وامتنان وإيمان أكثر وأنه بس ندم واحد لكن مش بيدي، أنه اليوم 24 ساعة كنت أتمنى يكون أكثر.
أحمد الزين: لعلنا في هذه الجولة مع الدكتور وليد غلمية أضئنا بعد جوانب من حياته ومن اجتهاداته ومن نضالاته الموسيقية إذا صح التعبير في المعهد الموسيقي الوطني، ومن انشغالاته في بناء الأوركسترا في شقيها العربي والغربي ومن أحلامه أيضاً من أعماله ومن أيامه ما بين طفولة وبيوت وآلات وتآلفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق